طاهر قابيل
طاهر قابيل


أول سطر

سعادتنا فى لمتنا

طاهر قابيل

الخميس، 08 أكتوبر 2020 - 06:38 م

كانت أمى - رحمة الله عليها- سيدة بسيطة تفضل زوجها وأبناءها على نفسها.. وترى أن سعادتها فى سعادتهم.. ورغم مرور 19 عاما على فراقها مازالت حكمتها وأمثالها الشعبية ترن فى أذنى ووصفها لأبى الذى توفاه الله قبلها بعام ونصف بأنه نور عينيها الذى تعيش به.. أشياء كثيرة أتذكرها كلما نظرت إلى صورتهما المعلقتين على الحائط.
 زوجات زمان يختلفن عن بنات اليوم.. ووالدتى- أسكنها الله فسيح جناته - نموذج لهن.. فقد كان والدها مديرا للتعليم ومن اثرياء القرية.. يخدم فى «دواره» الخدم والحشم فلم تعلمها جدتى دخول المطبخ وصناعة الوجبات الساخنة.. وعلمها «والدى» الذى سبقها بأعوام إلى «قاهرة المعز» ودفعته الظروف وعدم وجود محلات «التيك أوى» للاعتماد على نفسه فى «الطبيخ» فعلمها الطبخ.. وعرفها الأماكن التى يمكن زيارتها بالعاصمة وكان يشترى لها كل احتياجات المنزل ومسئوليتها فقط  كانت الذهاب إلى السوق لشراء الخضراوات والفاكهة.
 كانت أمى كمعظم امهات «الزمن الجميل» ترى أن حياتها فى بيت زوجها.. تضع يدها فى يده لتبنيه «طوبة» من ذهب وأخرى من فضة.. وتطور فيه مع المستقبل وتحافظ عليه وتحرص على تربية أبنائهما أحسن تربية وحصولهم على قسط وفير من التعليم والدراسات الجامعية مع توفير الوجبات الساخنة والصحية والحلوى لهم.. وكان خروجنا من المنزل إلى المدارس أو الجامعات أو حتى للعمل بدون تناول وجبة الإفطار بالمنزل جريمة.. وكانت التعليمات الدائمة فى البيوت المصرىة زمان إنه عندما يأخذ الرجال «قيلولة» الظهيرة يسير الأبناء على أطراف أصابعهم ويتوقف اللعب الذى يتسبب فى قلقهم من نومهم حتى يستيقظون ويتناولون «فنجانا» من القهوة أو كوبا من الشاى وقت «المغربية».. وكانت «لمة الطبلية» أو «ترابيزة السفرة» لتناول وجبتى الغداء والعشاء كأسرة.
 الحياة كانت بسيطة وأحلامنا أبسط منها.. وأقصى ما كنا نتمنى قضاء الصيف فى حقول القرية مع العائلة والجلوس فى «غيطان» الذرة أو السفر إلى الإسكندرية حيث البحر والوجه الحسن لنعود إلى دراستنا بعد الإجازة الصيفية وكلنا نشاط انتظارا للقاء مدرسينا وزملائنا.. وكانت متعة الأسر أن يجلسوا سويا أمام التليفزيون لمشاهدة فيلم أو مسرحية كوميدية مع أكياس اللب والسودانى لتتعالى الضحكات.. أو متابعة مباراة لكرة القدم أو قضاء السهرة مع حفلة لأم كلثوم أو عبد الحليم حافظ.. ويوم الجمعة هو فرصتنا لتبادل الزيارات مع الأقارب أو الذهاب إلى الحدائق والمتاحف والأماكن الأثرية.. وحشتنى أيام زمان وبساطتها وأخلاقيات الجيران وترابطهم وحماية «بنت شارعنا» وزميلتنا فى العمل.. فقد كانت سعادتنا فى «لمتنا».. رحمة الله على القيم والمبادئ المصرية الأصيلة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة