ابتليت مصر بعد الثورة، بمجموعة من البشر، مصابة بـ «تضخم الذات». يرون أنفسهم قادة الثورة ومفجريها، ويصورون مواقفهم خلال عهد مبارك، بأشكال بطولية علي غير الحقيقة، رغم أن بعضهم لعب علي حبال ذلك العهد، بل كان يقدم نفسه كواحد من رجاله. متصورين أن ذاكرة المصريين ضعيفة، وأن التكنولوجيا الحديثة التي يجهلون التعامل معها، لا تحتفظ بأقوالهم ولا تسجل مواقفهم المخجلة. يحملون في أفواههم ألسنة، لا تنطق إلا كل ما يؤذي الأذن ويثير القرف. لم تفلح معهم سخرية الشباب علي الفيسبوك، لأنهم لا يتقنون آليات العصر. استمرأوا خداع الناس، وللأسف وجدوا من يصفق لهم. لكنهم اليوم يتساقطون واحدا تلو الآخر، من حصائد ألسنتهم. المدهش أن من لم يسقط منهم لم يرتدع، ويصر علي تعظيم الذات وتحقير الآخرين، لمجرد اختلافهم معه في الرأي. لا يتوقف عن استخدام الألفاظ البذيئة في كل أحاديثه علي الفضائيات، أو تصريحاته الصحفية.
كلنا يشعر بالانزعاج من الفوضي العارمة، التي سيطرت علي كل شيء في حياتنا بعد ثورة يناير، والتدهور الأخلاقي، خاصة ما يصدر عن حزب اللسان الزفر من ألفاظ وايحاءات، ناهيك عن خناقات الفضائيات التي لا تخلو من الشتائم وأحيانا الضرب بأكواب المياه ورفع الأحذية، والتصريحات التي تثير الفتن والأحقاد بين فئات المجتمع، وتقسم المصريين بين أبيض وأحمر وأسياد وعبيد، رغم أن الثورة التي يتمسحون بها، انتصرت للعدالة والكرامة والعيش والحرية. كلي أمل أن تلفظ مصر، هذا الحزب المزعج، وأن يتوقف الإعلاميون عن استضافتهم في برامجهم بحثا عن الإثارة، حتي نتخلص من الصداع والإحباط الذي يحاصرنا من كل جانب.