«بين القصرين».. حياة «سي السيد» ترسم تاريخ شارع المُعز  
«بين القصرين».. حياة «سي السيد» ترسم تاريخ شارع المُعز  


حكايات| «بين القصرين».. حياة «سي السيد» ترسم تاريخ شارع المُعز  

أسامة حمدي

الجمعة، 09 أكتوبر 2020 - 07:43 م

- الشارع ممتلئ بالمحلات والمطاعم السياحية.. وقِبلة الزائرين ليل نهار

- مآذن قلاون وبرقوق وبيت السحيمي والست وسيلة وقصر باشتاك.. الأشهر

- المقريزي سَماه أكبر أسواق الدنيا لوجود النحاسين والشماعين وباب الفتوح

إذا ساقتك قدماك إلى منطقة الحسين التاريخية بالقاهرة؛ فلابد أن تكون مررت بشارع المعز الشهير قِبلة الزائرين من شتى أنحاء العالم، لكن ما لاتعرفه أن هذا الشارع السياحي كان يُسمى -حتى أيام قليلة مضت- بشارع «بين القصرين»، والذي دارت حوله أحداث الجزء الأول من رواية الأديب العالمي نجيب محفوظ في رائعته الثلاثية، والتي حاز فيها على جائزة نوبل للأدب.

أبطال «بين القصرين»

رواية بين القصرين تم تجسيد أحداثها في الفيلم الذي حمل ذات الاسم في 1964، حيث يستعرض الفيلم المسارات الحياتية لأسرة السيد أحمد عبد الجواد خلال فترة الاحتلال الإنجليزي، وقبيل اندلاع ثورة 1919، بدءًا من رب الأسرة الذي يتعامل بصرامة شديدة مع أفراد عائلته «سي السيد»، بينما هو يعيش ليلًا حياة من اللهو والانحلال، وابنه (فهمي) الذي ينضم لأحد التنظيمات السياسية السرية، والابن الأكبر (ياسين) الذي يحذو حذو والده في ملاحقة النساء.

اقرأ أيضًا: حكايات| 53 عاماً على «قصر الشوق».. من هنا مر «سي السيد»

والفيلم من بطولة يحيى شاهين، عبدالمنعم إبراهيم، صلاح قابيل، آمال زايد، هالة فاخر، وﺇﺧﺮاﺝ حسن الإمام، وسيناريو وحوار يوسف جوهر.

قطعة أثرية شامخة

«بوابة أخبار اليوم» قامت بجولة في شارع المعز «بين القصرين» سابقا، لرصد واقع وظروف الشارع التاريخي بعد مرور 56 عاما على تصوير الفيلم من داخل الحارات والشرفات به حيث اختفى بعضها وتبدلت أحواله وحلت محله محلات ومطاعم سياحية، وبعضها الآخر لايزال قائما شاهدا على ظروف سياسية واجتماعية مر بها المجتمع المصري آنذاك وثقافة سادت بين أفراده.

من بين تلك المعالم التي مازالت قائمة تلك المشربيات أو النوافذ الخشبية التي كانت تطل منها بطلات الرواية قائمة حتى الآن، ومازالت مآذن قلاوون وبرقوق وغيرها من المساجد تقف شامخة، شاهدة على تاريخ مصر القديمة تسر الناظرين إليها من الزوار و السائحين في العصر الحديث، هذه المآذن التي كانت تضيء بمصابيحها الظلام الدامس في حارات وزقاق رواية «بين القصرين» ليست مجرد مساجد، بل قطعا أثرية داخل منطقة تاريخية عظيمة.

«دكان» سي السيد
دمجًا مُريحًا تشعر به بمجرد أن تطأ قدمك أرض بين القصرين، فبمجرد أن تدخل منطقة الحسين وبدون أن تشعر تجد نفسك في «خان الخليلي» وببساطة تأخذك قدماك إلى شارع الصاغة ثم قبة نجم الدين وشارع المساجد والمدارس الذي ينتهي بباب الفتوح، هذه المنطقة وتحديدا التي تبدأ عند «الصاغة» سميت في الماضي «النحاسين»، وهي المنطقة التي دارت فيها بشكل أساسي أحداث رواية بين القصرين، وكان بها «دكان» أحمد سيد عبد الجواد بطل الرواية، وهي نفس المنطقة التي تضم المنزل الذي دارت فيه أحداث العمل الأدبي الشهير.

كذلك لازالت مدرسة خليل أغا على مسيرة دقيقة واحدة من الحسين، وهي المدرسة التي كان يدرس بها «كمال» أحد أبطال رواية بين القصرين.

قصة القصرين

أما القصرين اللذان اختفت معالمهما قبل زمن الرواية التي حملت اسمهما، كانت لهما قصة أيضا تعود لعصر الدولة الفاطمية، حيث بني الخليفة جوهر الصقلي قصرين، الأول على جانبه الشرقي وخصصه للخليفة المعز وعرف باسم القصر الشرقي الكبير، وآخر أمامه المعز الثاني العزيز بالله نزار بن المعز عرف باسم القصر الغربي الصغير.



وظل الحال حتى قضى صلاح الدين الأيوبي على الدولة الفاطمية في مصر واتخذ هو وأمراء دولته القصر الكبير مقرًا لحكم دولتهم إلى أن تم بناء قلعة الجبل فوق جبل المقطم، ومنذ ذلك الحين تُرِك القصر الكبير مهملاً، واليوم تحل محله قبة الملك الصالح نجم الدين أيوب، وعدد من المدارس الفاطمية بينها «الظاهرية» وأخرى تحولت لـ«متحف النسيج المصري» وهذه المنطقة برمتها ضمن شارع المعز، بينما موقع القصر الصغير اليوم يحتله مسجد الحسين وخان الخليلي بامتداهم حتى موقع القصر الكبير.

عرفت المنطقة الواقعة بين القصر الشرقي والقصر الغربي باسم بين القصرين، وكانت مسرحاً للاحتفالات والمواكب الدينية والعسكرية.

ويلخص شارع المعز قصة القاهرة منذ تأسيسها إلى الآن، فقد تجسدت فيه جميع مظاهر الحضارة الإسلامية بدءاً من العصر الفاطمي مروراً بالعصر الأيوبي ثم عصر المماليك البحرية ثم الجركسية ثم العثمانية.

ولأن الشارع كان مقراً للصفوة الحاكمة فقد غلبت عليه أنشطة الحياة الأرستقراطية، ولم يكن مسموحاً لأهالي القاهرة من العوام أن يتجولوا فيه وفى القاهرة عموماً بجميع الأوقات، لكن الطفرة الفكرية والعلمية الحقيقية حدثت منذ تبنى الخلفاء الفاطميون مشروعاً ثقافياً عالمياً بإنشائهم المكتبات المجمعة التي احتضنت سائر العلوم والفنون والآداب وأشهرها مكتبة «دار الحكمة»، فضلا على مكتبة «القصر الشرقي» التي حوت أربعون خزانة ضمت أكثر من مليون وستمائة ألف مجلد في سائر العلوم، وكان الخليفة العزيز بالله يهتم بنفسه بالمكتبة ويتردد عليها ويزودها بالمؤلفات وتعتبر هذه المكتبة من عجائب الدنيا.

تعانق الأصالة والحداثة

الأمر اختلف تماما الآن، فالمكان برمته بات مُتحفا مفتوحا للزوار من جميع بلدان العالم، فضلا على المصريين، ويحرص الجميع على تسجيل لحظاتهم الممتعة في هذا المكان التاريخي بالصوت والصورة أمام المعالم الأثرية الباقية كسبيل وكتاب خسرو باشا، ومدرسة الظاهر بيبرس، ومدرسة النحاسين الأميرية.  

رمضان شكل تاني

أما في شهر رمضان فلايزال له نكهته الخاصة جدا، فهو الآن مزارا رمضانيا رئيسيا، وموقعا مميزا لتناول وجبة الفطور والسحور، والاستمتاع بالمعالم الأثرية الساحرة التي تتجسد في جنباته من مساجد ومآذن وأسواق قديمة، فهو يضم مزارات بيت السحيمي أقدم بيت عثماني، كذلك بيت الست وسيلة، وبيت الهراوي، وقصر باشتاك، وفي الماضي كان الفاطميون يستقبلون الشهر الكريم بموكب المعز الذي يقطع الشارع من أوله إلى أخره ويوزع الصدقات، في موكب يضم رجال الدولة ويبلغ ذروته فى البهرجة.

أسواق بين القصرين

حسب المؤرخ العريق المقريزي، بين القصرين كان به 12 ألف حانوت لتجارة الأقمشة والسجاجيد والعطارة والصاغة، وللمقريزي مقولة شهيرة بهذا الشأن، حيث قال إن هذه المنطقة بها أكبر أسواق الدنيا.

ولعل هذا يبدو واضحا في أحداث الرواية الشهيرة لنجيب محفوظ، بل إن بطل الرواية كان يمتلك دكانا ضمن هذا السوق، ولا زال شارع المعز كما يطلق عليه الآن مركزاً تجارياً وسوق كبير يزدحم بالمارة والزائرين من كل مكان.

وكان باب الفتوح أوَّل أسواق بين القصرين من جهة الشمال وكان مخصصاً لبيع اللحوم والخضراوات، وهو أمر يتناسب مع وضعه الجغرافي من ناحية أنه أول ما يصادف تجار المواشي والخضروات القادمين من الدلتا بالشمال ولم يبق منه اليوم سوى تجارة الليمون والزيتون وبهما صار يعرف اليوم.
ويلي ذلك في اتجاه الجنوب سوق المرحلين، وكانت تباع به لوازم تجهيز الجمال للسفر، وخاصة في موسم الحج ثم سوق الرواسين، وهو خاص ببيع رؤوس الحيوانات المطبوخة، ومن بعده سوق حارة برجوان، وهو سوق القاهرة في العصر الفاطمي الذي عني الحاكم بأمر الله بتنظيمه وتزويده بالإضاءة الليلية.

يلي ذلك سوق الشماعين، الذي يبدأ عند جامع الأقمر، ومخصص لبيع الشموع الكبيرة وكان يرتدي حلة من الضياء في المواسم والأعياد، يليه سوق الدجاجين لبيع كافة أنواع الطيور وأيضاً العصافير، التي كانت تباع للأطفال مقابل فلس لكل عصفور ليقوموا بعتقها من محبسها، لأنها حسب الاعتقاد السائد تسبح بحمد الله فمن أعتقها دخل الجنة.

أما سوق النحاسين أو شارع النحاسين الذي كان أحد المواقع التي جرت فيها أحداث رواية بين القصرين، تحول كما سبق ذكره إلى شارع الصاغة، ويقع بالمنطقة التالية مباشرة لسوق القفيصات باتجاه الشمال، وعندما انتقلت تجارة النحاس إلى المنطقة القريبة من حارة الصالحية شرقاً أصبحت هذه المنطقة معروفة باسم سوق الصاغة القديم، وهي إلى اليوم عامرة بمحلات الصاغة التي تتمدد شرقاً باتجاه خان الخليلي.
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة