المتحف المصري الكبير
المتحف المصري الكبير


أحفاد الفراعنة يسابقون الزمن..

«درة تاج» المتاحف.. العالم يترقب أعظم صرح ثقافي حضاري في القرن الحالي

آمال عثمان

السبت، 10 أكتوبر 2020 - 04:36 ص

 

الدرج الأعظم يروى رحلة المجد والخلود والأبدية في مشهد مهيب لهرم خوفو

فوق أعظم وأهم بقعة فى تاريخ الإنسانية.. تشرق شمس الحضارة.. ويسطع نور التاريخ.. هنا فى «منف» عاصمة مصر الأولى قبل خمسة آلاف عام.. يحفر أحفاد الفراعنة تاريخا جديدا لحضارتهم.. ويشيّدون هرما جديدا يحتضن تراث وكنوز الأجداد.. ليروى رحلة المجد والخلود والأبدية.. ويقف شامخا يباهى بعظمته وتفرده ووهجه.. أمام القادمين من أرجاء المعمورة ليغنموا من عراقة وسحر وروعة حضارة غيّرت شكل الحياة على الأرض.. وساد ملوكها العالم.. هنا أمام هرم «الملك خوفو» العجيبة الوحيدة المتبقية من عجائب الدنيا القديمة.. تسابق السواعد المصرية الزمن.. لتبنى أعظم صرح ثقافى حضارى فى القرن الواحد والعشرين.. وأكبر متحف فى تاريخ البشرية.

المتحف المصرى الكبير «درة تاج» المتاحف فى العالم أجمع.. وتؤكد للدنيا أن مصر ليست مجرد دولة تاريخية.. وإنما مصر جاءت ثم جاء التاريخ. كان حلما فخاطرا فاحتمالا.. ثم أضحى حقيقة لا خيالا.. حلما تشكلت ملامحه بين حنايا وجدان فنان متجدد الإبداع والعطاء.. ووزير مسكون بعشق الوطن.. وأصبح صرحا عظيما يناطح التاريخ.. بإرادة مقاتل عنيد رُسم فوق جبينه وطن شامخ، وفكر معمارى جسور من حراس الوطن الأوفياء.. الذين خاضوا معركة البناء والتطوير.. واصلوا الليل بالنهار.. وتحدوا كل الصعاب وتخطوا كل المحن.. لإنجاز هذا المشروع الضخم فى وقت قياسي، وتحويل تلك البقعة الفريدة إلى «مثلث ذهبي» ليس له مثيل فى العالم أجمع، ليصبح المتحف المصرى الكبير.. وهضبة الأهرامات  أكبر متحف فى تاريخ البشرية.. وهدية الشعب المصرى للإنسانية.


الفكرة ولدت عملاقة وربطها بالمنطقة المحيطة يجعلها متفردة

استخدام خامات محلية مثل أجدادنا الفراعنة لمنع الاستيراد والاحتكار


المتحف الكبير والفكرة التى أطلقها الفنان فاروق حسنى عام 1998 فريدة فى حد ذاتها، وجديرة بالحضارة المصرية، وما أضيف بعد ذلك يجعلها متفردة فى العالم، كما أن هناك فلسفة ووجاهة ومنطقا فى التصميم، وليس مجرد مبنى متحفي، وأعظم جزء فى الفكرة التى ولدت عملاقة، ربطها بالمنطقة المحيطة بالمتحف، لتصبح تلك البقعة الفريدة العاصمة السياحية لمصر، وذلك من خلال القرارات الجريئة والواعية التى اتخذها الرئيس السيسي، وأولها إنشاء الطرق المحيطة حول المتحف، لحل التشابكات المرورية فى طريق الفيوم والإسكندرية، والتقاطعات على شوارع فيصل والهرم والثلاثين والترسة وخلافها، لتيسير الحركة ومواجهة الكثافات المرورية، من القوس الجنوبى إلى القوس الشمالى بعد تطوير محور المنصورية، دون المرور على منطقة الأهرامات والمتحف، هذا إلى جانب قرار تطوير مطار سفنكس.


المسافة ما بين المتحف وهضبة الأهرامات يقطعها طريق الفيوم، والذى يجرى تطويره ليصبح 9 حارات فى كل اتجاه، وتغطيته بمشايات ربط بطول 12 كيلومترا، ليصبح أكبر ممشى سياحى فى العالم، يتنقل فوقه السائح بأمان كامل، مترجلا أو يرتقى «الجولف كار» غير الملوثة للبيئة، ليصل إلى هضبة الأهرامات، ويعود لقضاء وقت داخل المتحف، وينطلق من إقامته الفندقية المجاورة ليزور القاهرة الفاطمية وكافة المتاحف والمناطق الأثرية الأخرى، وبذلك تمتد فترة إقامة السائح فى القاهرة لأكثر من 7 أيام، هذه هى رؤية الدولة المكملة لفكرة المسئولين السياسيين الذين اتخذوا القرار عام 1998، ثم جاء الرئيس عبد الفتاح السيسى ليضيف للفكرة بعدا أكبر عام 2016، يجعل المشروع أكبر متحف فى تاريخ الإنسانية. 


التصور للمساحة التى أضيفت للمتحف يقوم على ربط هضبة الأهرامات التى تبلغ مساحتها 3500 فدان، مع أرض نادى الرماية التابع للقوات المسلحة، التى تبلغ مساحتها 180 فدانا، بعد إزالة المنشآت الموجودة عليها، بالإضافة لمساحة المتحف وتبلغ 117 فدانا، وربطها جميعا فى شكل «مخروط ذهبي»، تجعل تلك المساحة مجتمعة، والتى تصل إلى 3800 فدان، هى مساحة المتحف الحقيقية، وتصبح تلك البقعة هى أكبر متحف فى تاريخ الإنسانية، تضم متحفا مكشوفا، والأهرامات وأبو الهول والمعابد والمقابر، ثم المتحف المصرى الكبير المغلق، والذى يحتوى فى جنباته على كنوز التاريخ المصري، وهذه المساحة لا تستطيع أن تتجاوزها دولة أخرى فى العالم.


تعود بداية إحياء هذا المشروع الحضارى العملاق إلى عام ٢٠١٦ حين طلب الرئيس السيسى من المهندس إبراهيم محلب الوقوف على أسباب تعثر المشروع، وقام بتشكيل لجنة من وزارة الإسكان، أعدت تقريرا يوضح أن المشروع يحتاج مليارا و600 مليون دولار للانتهاء منه، أى ضعف القيمة التعاقدية التى كانت تبلغ 800 مليون دولار، حيث أن المشروع منذ بدأ فى 2010 وحتى 2015 لم تتجاوز نسبة الإنجاز فيه 15 % ، وكان مقررا الانتهاء منه فى 2014 ، لكن الظروف الحرجة التى مرت بها الدولة منذ 2011 ، وعدم تدبير الموارد اللازمة لاستكمال إنشاء المتحف أوقفت العمل، لكن مضاعفة القيمة جعلت الرئيس يبحث بنفسه عن الأسباب وكلّف وزارة الإسكان بدراسة جدوى استكمال هذا المشروع، وانتهت الوزارة إلى أن المشروع معقد والتكلفة ضرورية، وتم تشكيل لجنة أخرى وضم إليها الكلية الفنية العسكرية والمكتب الاستشارى للهيئة الهندسية، وقررت اللجنة ان طبيعة التصميم معقدة، و40% منه أعمال افتراضية، وهذا يفتح سقف القيمة التقديرية، وأكدت أنه يستحق المبلغ الذى أقرته اللجنة الأولى.


وفى مرحلة تالية قدم المشرف على المشروع أمام سيادة الرئيس عرضا مطولا حول أسباب التعثر، فى يناير 2016، والرؤية الدقيقة للنهوض بهذا المشروع الاستراتيجى المتفرد، والمبالغ المطلوبة للانتهاء من تنفيذه، وتطوير المنطقة المحيطة، والحقيقة أن قرار الرئيس كان بالبدء فى انجاز المشروع بعد تلافى أسباب التعثر، وبدأ العمل على الفور، وأصبح المشروع فى حاجة إلى 150 مليون دولار فقط فوق العقد الأصلي، بعد مرور أكثر من 6 سنوات، تم اعتماد استراتيجية هندسة التوفير، والمفاجأة أن قيمة الوفر زادت 120 مليون دولار، ليصل إجمالى الوفر 770 مليون دولار، دون المساس بكفاءة وجودة المشروع. 


وحرص القائمون على المشروع على استخدام خامات من البيئة المحلية، كما كان يفعل أجدادنا الفراعنة، لمنع الاستيراد والاحتكار، بالإضافة إلى إلغاء الأعمال الافتراضية التى كان يتضمنها المشروع، على سبيل المثال تصميم الواجهة الرئيسية، يتماهى مع تصميمات المهندس الفرعوني، كما أنه استخدم مفهوم البعد الرابع أو «الفور جى»، وهو بُعد الزمن، وبالفعل حافظ القائمون على المشروع على هذه المنهجية، وقاموا بتعديلات بسيطة أضافت صبغة للحضارة والنسيج المصرى المستخدم، وتم تعديل الواجهة الرئيسية حيث إن الواجهة السابقة لم يكن لها علاقة بجسم المتحف وهى عبارة عن جسم معدنى، أقرب للوحات الإعلانية، مغطى بنوع من الرخام المضيء، موجود فى محجر وحيد فى العالم بمقدونيا، كان يوقعنا تحت طائلة الاحتكار، وتبلغ تكلفته أكثر من 200 مليون دولار.

أما الواجهة الحالية للمتحف فقد تكلفت 10 فى المائة من هذه القيمة، بالإضافة إلى استخدام المثلث، العنصر الهندسى المستخدم فى كل ضلع من الهرم، أعظم عجيبة فى الكون، والأيقونة المصرية الباقية، وغزله فى شكل موتيفات، صُممت بها الواجهة الشرقية، وبنفس العنصر صُممت الواجهة الشمالية، الزجاجية الشفافة المطلة فى اتجاه البحر المتوسط، وفلسفتها أن الحضارة بعثت من الجنوب إلى الشمال، من مصر إلى أوروبا والعالم، وهو تأكيد لدور مصر الريادى فى بعث الحضارة للعالم، أما الجهة الشرقية فعبارة عن ضلعين، كل منهما يخرج منه 3 أهرامات مضيئة فى حركة ديناميكية، والضوء يربط بين الأرض والسماء وتبث النور والعلم والثقافة.

فى السابق كان الأطراف المسئولون عن المشروع فى جزر منعزلة، المقاول العام مع مقاولى الباطن «بيست أوراسكوم» مصرى بلجيكي، واستشارى الإدارة والإشراف «هيلد هاف» تحالف مصرى أمريكي، والمالك وزارة الثقافة سابقا ثم وزارة الآثار، وفريق التصميم «هانيان بنج» نرويجى صيني، كل منهم فى اتجاه، مما أدى إلى تشتيت فى القرارات، وهذا ما تسبب فى أن يكون الإنجاز 17% فقط خلال 6 سنوات.


جلس المشرف العام على المشروع مع كل الأطراف، وأول قرار اتخذه استبعاد فريق التصميم، لأن حلقة الاستفسار عن التصميمات المفقودة أو غير الواضحة، كانت تستغرق شهورا، وفى النهاية لا يتوصلون لقرار، خطابات وإيميلات متبادلة، ومقترحات ولجان، ودراسات للرد على جزئية قد تحتاج إلى دقائق، وكل ذلك تسبب فى تشويه الأداء، وللأسف العالم كله ترجم هذا الأداء إلى عدم قدرة مصر على إنجاز المشروع، فكان لابد من تغيير هذه الصورة، والآن أوشكنا على الانتهاء، ووصلنا إلى نسبة تنفيذ تتجاوز 96% خلال السنوات الأربع، بإجمالى حجم مصروفات يقارب 17 مليار جنيه، وفوجئ العالم أن مصر استطاعت تحقيق الحلم الضخم بهذه السرعة والكفاءة والجودة.


وفيما يتعلق بسيناريو العرض المتحفى فإن اللجنة المصرية التى وضعت سيناريو العرض المتحفى لقاعات توت عنخ أمون والدرج العظيم، حرصت على منهجية المصمم «أتيلير بروكنر»، وهو ألمانى ومن المكاتب العالمية المهمة فى العرض المتحفي، وضع رؤيته وتمت مناقشتها مع لجنة السيناريو، وتم التوصل لأفضل سيناريو يُظهر الحضارة المصرية.


أما التشوهات الموجودة أمام تمثال أبو الهول فالرؤية الأشمل التى تم عرضها على الرئيس، واتخذ قرارا بالبدء فى تنفيذها على مراحل، وتشمل إعادة تخطيط مساحة تتجاوز 9 آلاف فدان، وتضم المنطقة، نزلة السمان وسن العجوز، فى إطار المخطط الاستراتيجى للدولة ورؤيتها لإزالة التشوهات مع مراعاة الجانب الاجتماعى لقاطنى هذه المناطق.


وهناك دراسة لإقامة مسرح مكشوف للصوت والضوء، يتسع لنحو 10 آلاف مشاهد تظهر فى الواجهة الأهرامات الثلاثة - قاعدة المخروط الذهبي- مضاءة فى مشهد بديع، وفى الخلف المتحف الكبير، ويمكن استدعاء أبو الهول بخاصية الهوليجرام ليصبح مشهدا متفردا يجعل الزائر ينتقل عبر الزمن.

الفرعون الصغير أيقونة المتحف


لأول مرة تُعرض مجموعة الفرعون الذهبى الصغير توت عنخ آمون كاملة، ويصل عددها إلى 5600 قطعة، وذلك فى قاعتين بالدور العلوي، تبلغ مساحتهما 7500 متر مربع. ومن خلال تجربة عرض مختلفة باستخدام وسائل تكنولوجيا حديثة و شاشات عرض متطورة، يتعرف  الزائر على رحلة اكتشاف هوارد كارتر للمقبرة، والصعوبات التى واجهته، وقصة حياة الملك الصغير، ومتعلقاته الشخصية التى استخدمها أثناء حياته، ورحلته الجنائزية وبعثه فى العالم الآخر. 
    
الدرج العظيم يروى رحلة المجد والخلود والأبدية


فوق الدرج العظيم الذى لا يوجد له مثيل فى متاحف العالم، يبحر الزائر  فى رحلة صعود إلى الأبدية، يتدرج فيها من الملكية المصرية، التى تضم فى بلاطها مجموعة من الملوك والملكات الذين حكموا مصر وحققوا لها المجد والخلود عبر التاريخ، بعدها ينتقل الزائر إلى البيوت المقدسة، ليشاهد أجزاء من المعابد والمقاصير الفرعونية، ويرتقى فى المرحلة الثالثة ليشهد صورا تجمع الآلهة ومعبودات مع فراعنة مصر، وعند نهاية الدرج الأعظم يصل الزائر إلى الأبدية حيث يتجسد هرم خوفو فى البانوراما المفتوحة ليصبح جزءا من معروضات المتحف.


أول مسلة معلقة فى التاريخ 


لم يكن أحد يعلم أن المسلة الحمراء التى ظلت ألف عام تعانى من تقلبات الزمن، تحمل فى باطنها بصمة تنفرد بها عن كل المسلات التى عرفها العالم، ولم يتوقع أحد أن مسلة الفرعون العظيم رمسيس الثانى ستكون أول مسلة معلقة فى التاريخ القديم والحديث.


بدأت فكرة ميدان المسلة المعلقة حينما أحضرنا مسلة للملك رمسيس الثانى من منطقة صان الحجر فى الشرقية، يُطلق عليها المسلة الحمراء يبلغ ارتفاعها 16 مترا، ووزنها أكثر من 120 طنا، لوضعها فى ميدان أمام المتحف، ولوحظ أن كعب المسلة يحمل خرطوشا عليه نقوش فرعونية، وهذا الخرطوش خاص بالملك رمسيس الثانى، وهنا جاءت فكرة إبراز عبقرية المصرى القديم فى وضع خرطوش خامس، إلى جانب تسجيل إنجازاته فوق أضلاع المسلة الأربعة، مذيّلة بخرطوش يحمل اسمه فى كل جانب.  ولذلك جاءت فكرة إقامة أول مسلة معلقة فى العالم، لتتيح للزائر فرصة مشاهدتها من أسفل حيث تُعلق على أربعة أعمدة، وأسفلها القاعدة الأصلية للمسلة.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة