فاروق حسني
فاروق حسني


فاروق حسني: حالة استفزاز في باريس أطلقت شرارة بناء أكبر متحف في العالم

آمال عثمان

السبت، 10 أكتوبر 2020 - 04:41 ص

المصمم جعل هرم خوفو جزءا من معروضات المتحف وأكثرها جذبا للزائر

قامة كبيرة سطرت لنفسها تاريخا على صفحات الوطن، وأحد المرجعيات الثقافية التى مازال عطاؤها مستمرا، رغم بعدها عن المناصب والمواقع الرسمية، فنان صاحب بصمة متفردة ورؤية جمالية لا تخطئها العين، الإبداع لديه حالة متجددة والخيال عنده وسيلة لامتلاك الحلم، أفكاره تتفجر فى الزمن النادر، لتفيض بحالة من الدهشة والحيرة، مثل بركان يلقى بسيل حممه ليجعل زواره مشدوهين أمامه، محارب عنيد لا يعرف الاستسلام، لذا ارتبط اسمه بمعارك خاضها فاروق حسنى وخرج منها دائما منتصرا.


< كيف جاءت فكرة إنشاء أكبر متحف فى العالم التى أثارت ضجة كبيرة فى حينها؟


- الفكرة جاءت بعد صراع نفسى كبير، وكلما زرت المتحف المصرى بالتحرير أشعر بأسى وحزن على المعروضات العظيمة والمبنى العريق الرائع، وقلق نفسى شديد، وأجد نفسى مكتوف الأيدى أمام عملية إعادة تنسيق المتحف وتطويره، لأن القطع ضخمة ويصعب تحريكها، وكدت أصيب باليأس، لكن ظل بداخلى تحد كبير، ويوميا كنت أطلب من الأستاذ فاروق عبد السلام، وكيل أول الوزارة المرور على المتحف، ليطمئن بنفسه على الكهرباء والأبواب الإلكترونية وإنذار الحريق، وكل ما يتعلق بسلامة المتحف.
 حتى فوجئت بحالة شديدة من الاستفزاز بالصدفة، وحدث تلامس للسطح الحساس للفكرة، وذلك حين كنت فى باريس ودعانى صديقى «إدجار بيزانيه» رئيس معهد العالم العربى لتناول الغداء، فى وجود صديق مشترك المعمارى الإيطالى فرانكو ماريا ريتشي، صاحب دار نشر تطبع كتبا عظيمة القيمة فى مجال الآثار، وخلال الحوار سألني: ماذا ستفعل فى مخزن الآثار الموجود بميدان التحرير؟ اندهشت وأصبحت فى حالة من الاستفزاز لدرجة الغليان، وهذه الحالة كانت الومضة التى أطلقت شرارة الفكرة، وبسرعة أردت تصويب السهم نحوه وباغته قائلا: ألا تعلم أن لدينا مشروعا لإقامة أكبر متحف فى العالم، بهت الرجل وسألنى عن مكانه، قلت له بجوار الأهرامات، ومن شدة سعادته وعدنى بإقناع «جوليو أندريوتي» رئيس الوزراء الإيطالي، آنذاك بمساهمة الحكومة الإيطالية فى المشروع، وأبدى رغبة فى زيارة مصر ورؤية الموقع.


< وماذا حدث بعد ذلك؟


- الحقيقة أننى كدت أنسى الموضوع، لولا أننى فوجئت به يحضر إلى مصر،  ويطلب منى زيارة موقع المتحف، رافقته إلى منطقة الأهرامات، دون أن أعرف واجهتى بالتحديد، وبدأنا نتفقد الصحراء حتى وجدت قطعة أرض بعد الميناهاوس فى اتجاه طريق الفيوم، أثارت إعجابه بشدة ، لكن كان بها استراحة صغيرة لقائد الطيران، وحين عاد إلى روما أبلغنى بموافقة رئيس الوزراء الإيطالى على التمويل، فتحمست واتصلت بالرئيس حسنى مبارك، وعرضت عليه فكرة إنشاء أكبر متحف فى العالم، فقال لي: ومن أين تأتى بالتمويل؟ قلت المشروعات العملاقة تجد من يمولها، أما المشروعات الصغيرة فلا يهتم بها أحد، فصمت قليلا ثم قال: أبدأ فورا فى دراسة المشروع.


لكنى حين أبلغته بالموقع وبوجود الاستراحة، رفض تماما الاقتراب من أى مبنى للجيش، واقترح النزول بنفسه فى اليوم التالى لاختيار الموقع، وكان معنا حينها وزير الإسكان ووزير السياحة، وصعدنا إلى الهضبة المقابلة، أعجبت أكثر بهذا الموقع المدهش الذى تظهر منه الأهرامات بوضوح، وفى اليوم التالى وقع على قرار تخصيص 117 فداناً  للمتحف.


< وكيف جاءت فكرة تصميم المتحف؟


- هذا المشروع لا يمكن أن يتصدى له معمارى واحد، لذا فكرت فى تنظيم مسابقة دولية وتشكيل لجنة تحكيم من اليونسكو والجمعية المعمارية الدولية، وطرحنا المسابقة على الانترنت مصحوبة بعبارة تستفز المبدعين الموهوبين تقول: «مشروع متحف فى أهم مكان فى العالم.. يحتاج إلى أعظم معمارى فى العالم»، وبالفعل قام أكثر من 2000 مكتب معمارى واستشارى بشراء كراسة الشروط المرجعية، ووصل إلينا 567 مشروعا يمثلون 103 دول فى العالم، ثم بدأت اللجان فى تصفيتها، حتى وصلنا إلى 67 مشروعا، اختارت منها لجنة التحكيم 20 مشروعا، ثم انتهت إلى ثلاثة مشروعات، وجاء فى أسباب اختيار لجنة التحكيم للمشروع الفائز، أن التصميم استطاع أن يخلق حدا جديدا لهضبة الأهرامات، واعتمد على التصاعد الرأسى التدريجي، وكأنه يرتقى إلى الأهرامات للصعود إلى الأبدية، وأخذ فى الاعتبار أن يكون الجزء الخاص بالعرض فى الطابق العلوي، حتى يصبح هرم الملك خوفو جزءا من معروضات المتحف، وأكثرها جذبا للزائر. 


< وكيف بدأت الخطوات التنفيذية؟


-بدأنا بتنفيذ مركز ترميم الآثار فى الموقع، وقامت القوات المسلحة بنقل المعدات التكنيكية، وصار واحدا من أهم مراكز الترميم فى العالم، وأصبحت لدينا أياد مصرية مهرة ومدربة على أعلى مستوي، وبدأنا الترميم العلمى للقطع الأثرية التى سيتم وضعها فى المتحف، كما أقمنا مخازن على مستوى تقنى وفنى حديث، وفكرت فى زراعة أشجار كافور لتكون بمثابة سور يفصل رؤية المبانى السكنية عن المتحف، وكانت هناك إشكالية بالنسبة للواجهة التى صممت بنوع من الألباستر لا يوجد سوى فى اليونان وتركيا، كما يصعب توفير هذه الكمية التى تغطى هذه المساحة، لذا فكرت فى عمل جدار من الحجر الهاشمي، ووضع زجاج سيكوريت أمامه وبينهما إضاءة توفيرا للنفقات، لكن هذا مشروع يعيش إلى ما بعد العمر، وما يمكن تنفيذه اليوم يصعب عمله بعد ذلك. 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة