ينتظر الأبناء وأنا منهم يوم عيد ست الحبايب لكي أقبل يدها ورأسها وأتمني لو قلت لها كل كلمات الحب التي يعرفها العالم لكي أعبر لها عن فضلها وحبي الذي لا حدود له

يضيق الحال بي وتصبح الدنيا مثل « خرم إبرة «.. ولا أجد مخرجا إلا عند أمي. مجرد أن تسمع صوتي في التليفون تعرف علي الفور إن كنت حزينا أو مريضا أو في أي حال فتقوم علي الفور ببث علاجها الناجع الذي يزيل كل الآلام ويخفف المتاعب ويدفع بشحنة أمل وتفاؤل جديدة لمواصلة الحياة. كلمات نابعة من القلب يغلفها إخلاص وحنان لا يعادله إخلاص أو حنان آخر في الدنيا.
أمي هي رزقي. لطالما ضاق بي الحال ليس مرة أو عشرة بل كثيرا فمثلي يتصادم مع الخطأ الذي يسود حياتنا وهو كثير لذلك تضيق الأحوال ويضيٍق عليك الآخرون سبل الراحة وأشعر أن رزقي قليل وأن حظي قليل لكن سرعان ما أتذكر رزقي الأكبر الذي أعطاني إياه الله فأجزل العطاء كثيرا وهو أمي. عندما أتذكر رزقي هذا أحمد الله كثيرا كثيرا فقد ميزني وأعطاني هذه الأم الرؤوم المتفانية طوال الوقت بدون أن تنتظر من ولدها مقابل. أمي التي تزيد من رصيدي في الرزق بدعواتها فتجعلني مطمئنا إلي أن الله سيحتفظ لي برصيد دعواتها هذا في كل خانات الرزق.
كثير ما ننسي في زحام الحياة أن الرزق أنواع وأن الله لا يظلم أحدا لكننا في استغراقنا في مشاكلنا المالية نعتقد أن الرزق هو المال فحسب أو أن الرزق في الوظيفة أو المنصب فحسب ولكني أعتقد أن الرزق في كل شيء فقد يكون الشخص غنيا لكن غير محبوب أو يكون آخر غنيا لكن محروما من إحدي نعم الله. كل النعم في الدنيا طيبة ونحمد الله عليها لكن أروعها وأجَلها وأعظمها نعمة الأم، هذا الشخص الذي يحبك ولا يريد منك المقابل. الشخص الذي يتمني لك أن تكون أفضل منه وأفضل من أي إنسان آخر علي الإطلاق.
كل الأديان وكل الحضارات تحتفي بالأم فهي نبع الحياة الذي يمد العالم بالبشر، هي كذلك في كل الكائنات. الأم التي تتحمل آلام الحمل ثم آلام الوضع ثم مشاكل التربية حتي يكبر الصغار ويتحولوا إلي مواطنين صالحين في المجتمع يدفعون بالحياة قدما يعملون علي تحسين هذه الحياة وكما يقول أمير الشعراء أحمد شوقي : الأم مدرسة إذا أعددتها.. أعددت شعبا طيب الأعراق. كما حضت كل الديانات علي احترام وتوقير الأم وعلي تعظيم شأنها وعلي فضلها وفضل دعواتها في دخول الجنة وعلي فضل دعواتها في ستر الحياة وزيادة الرزق ومحبة الناس.
ينتظر الأبناء وأنا منهم يوم عيد ست الحبايب لكي أقبل يدها ورأسها وأقول لها كل كلمات الحب التي يعرفها العالم لكي، أعبر لها عن فضلها عليَّ وعن حبي الذي لا حدود له فلا السماء تحده ولا وريقات الشجر تعده ولا النجوم تبلغه. تمنيت لو قلت لأمي إنك صاحبة الفضل في استمراري في العيش راضيا فكم من مرات أحاط بي اليأس من كل جانب وكنت تقولين لي : الأفضل قادم. الخير هو ما يقدره الله لك. الله سيعوضك خيرا عن كل ما تعانيه. فعلا لقد استطعت يا أمي أن تثبتي يقيني بالأمل والتفاؤل وبالغد الأحسن. مثلي يقرأ ويطلع علي ما في الكتب التي تبث الأمل وتشجع علي التمسك بأسباب النجاح والسلام الداخلي ولكني لم أجد أفضل من نصائحك يا أمي. نعتقد أننا بدراساتنا وشهاداتنا العليا وثقافتنا التي استقيناها من القراءة والمشاهدة والسفر وتجارب الحياة أننا نعرف أفضل عن أنفسنا ولكني أؤكد لكم أن أمي التي لا تحمل شهادات ولم تغادر مصر إلا للأراضي المقدسة، قدوتي لأنها أفضل بمرات عديدة ممن يحملن الشهادات ويجلسن علي المنصات.
بعد هذه الرحلة في الحياة أتمني من الله أن يطيل عمر أمي ويمنحها الصحة لكي تتمتع بحياتها، تلك الحياة التي أفنتها لصالح أبنائها ولصالح من حولها.. أدام الله عليك يا أمي كل خير وصحة وعافية.. فأنت رزقي الأعظم الذي أشكر الله عليه في كل لحظة. وأدعو لأبي بالرحمة فقد كانا رفيقين كرسا حياتهما لأبنائهما دون أن يهتما لنفسيهما.