إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد


مصر الجديدة :

نوبل والعرب

إبراهيم عبدالمجيد

السبت، 10 أكتوبر 2020 - 07:41 م

أكثر من ثلاثين سنة الآن لم تأت جائزة نوبل لكاتب عربى. حصل عليها نجيب محفوظ عام 1988 ولم تتكرر. بلا شك وقتها انفتح باب الأمل وتخيل الكثيرون أن ما حدث يعنى قراءة للأدب العربى واهتماما به. وبالتاكيد ستكون شهادتى مجروحة باعتبارى أحد كتاب الرواية العربية إذا قلت إن فى الرواية العربية ما يضاهى وينافس الروايات العالمية، وأستطيع أن أسوق إليكم كثيرا من الأسماء، لكنى أخشى أن أنسى أحدا ويبدو الأمر كأنى أزكى كاتبا عن كاتب. هذا للأسف كثيرا ما يفتح باب التعليقات أكثر من الموضوع نفسه، ولا أنسى يوما كتبت مقالا فى جريدة الحياة أثنيت فيه على أعمال قرأتها لعشرة كتاب من الشباب فنالنى من النقد من الآخرين الكثير رغم أنى اعتذرت فى مقالى عن عدم قدرتى على ذكر كثير من الأسماء المهمة، وأن من ذكرت اسماءهم هم للمثل فقط وليس الجميع. وتزداد هذه المساحة من التعليقات الآن بسبب وجود الميديا التى تمنح الكثيرين سهولة الرد دون قراءة جيدة فى الموضوع. الأمر نفسه فى الشعر بمناسبة فوز الشاعرة الأمريكية لويز جلوك بالجائزة. ففى العالم العربى شعراء كثيرون دخلوا مناطق الفضاء الفلسفى فى التعبير عن الكون والوجود والعدم والخراب والعمران وغير ذلك من القضايا الكبرى. لماذا لم تعد نوبل للعرب رغم مضى هذه السنوات الطويلة رغم أنها عادت لبلاد كثيرة؟ لن أقف عند ما يقال أن نوبل مُسَيّسَة، فكثير جدا من الأعمال الروائية والشعرية عن الخراب السياسى والقمع والسجون والهجرة والحروب التى بلا جدوى وغيرها مما نراه فى عالمنا العربى. وهكذا لو كان الأمر مُسَيّسًا فقط لعادت نوبل. بالمناسبة كثير جدا من هذه الروايات أو القصائد على درجة عالية من الفن أيضا، وليست مجرد صرخات وشعارات. سأوافق إلى حد ما أن نوبل مُسَيّسُة، لكن ليس على طريقة من يتصورون أن الطريق إليها يبدأ باسرائيل، ويمدحون اسرائيل متصوين أنهم سيقتربون من نوبل، ولا يدرون أن الأمر ليس كذلك. هى مُسَيّسَة من جانب آخر لا يخص نوبل فقط. يخص العالم كله فى فهمه ومعرفته بالعالم العربى، وأقول هذا الكلام من خلال الخبرة وليس الرأى. حضرت ندوات كثيرة خلال الأربعين سنة السابقة فى أوروبا عن روايات لى ولغيرى من الكتاب العرب تُرجمت إلى لغة البلد الذى تتم فيه الندوة. فوجئت دائما بعد حديث الكاتب الأدبى عن العمل وحديث من يقدمه أن تسعين بالمائة من الأسئلة تكون عن الأوضاع السياسية وعن الإرهاب، ويتم نسيان الرواية وقيمتها رغم ان الناقد الأجنبى الذى يقدم الرواية تحدث عن فنيتها! تكرر هذا فى كل الندوات تقريبا ولم يتم من الحضور الأجانب فقط، لكن أيضا من بعض الحاضرين من العرب ممن يعيشون فى الخارج. وجدت الحوار النقدى عن فنية العمل الأدبى يأتى فى الخلف دائما رغم أنه هو الأهم. وما دمنا دخلنا فى السياسة فالموضوع يبتعد كثيرا عن العمل الذى تتم عنه الندوة. هذه الندوات التى هى أصلا عن عمل مُترجَم تخرج بعيدا عنه. لا أعتقد أن هذا يمر مرور الكرام إذ تصبح السياسة هى الفضاء ويتم نسيان العمل أدبيا، وهذا هو موضوع التقييم الأول لجائزة نوبل قبل السياسة. هكذا صار الأدب يدفع ثمن أوضاع لم يساهم فيها سواء كان من الإرهاب أو من السياسة. إن عدد الروايات العربية المترجمة قد لا يصل إلى مائة رواية، وخمسين ديوانا أو مختارات من الشعر، وهذا العدد لا يسبب زخما أدبيا يلفت انتباه نوبل، لأن ندوة واحدة ترتفع فيها رايات الحديث عن السياسة تخفى الأعمال الأدبية خلفها، وتجعل الفكرة العامة أن هذه منطقة متخلفة لا تستحق الاهتمام. كيف يمكن أن يكون الحوار حول فنية العمل الأدبى طريقا طويلا لا شك أن ازدياد الترجمة مسلك إليه، لكن أيضا تغير الأوضاع السياسية طريق أوسع، أنه ينتج روايات وقصائد جميلة تفوق الخيال!

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة