لاتضربنا في مقتل لتصطف مع من قلت عنه أخيك المصري النبيل، واستعرت عنوان مقاله،الذي لو كتبه أو مثله عشرات المرات ما استأهل منا الرد
«مصر تكذب علي نفسها» مقال أزعجني ووخز قلبي، ذلك أن كاتبه شاعرنا الكبير سيد حجاب، وهو من هو، فلكم أمنا للصلاة في محراب الوطن، ولطالما كان أبانا الذي ليس في المباحث وإنما علي الأرض يمشي بيننا حاملاً آمال وأشواق جماهيره، ممسكاً ببوصلة هي ضمير الوطن وعينه الساهرة، فلماذا «تسوؤنا» فيك ياشاعرنا الجميل، وليه واخدنا هذه المرة في طريق ممنوش رجوع؟. هُنّا عليك ياعم سيد أم أخذك منا التعب واليأس وطول الطريق؟ فآثرت استراحة المحارب وركنت بقلبك الموجوع مستنداً إلي مقولات علبها غيرك علي هواه ووفقاً لرؤي وتصورات وحتي كلمات لم يتبن معناها إلا من كان في قلبه مرض، وابتعدت به السبل بغضب ويأس وتعدد ولاءات حتي تماهي مع مقولات ومواقف أعداء الوطن والمتربصين به في الداخل والخارج من بقايا البرادعي ومعتنقي أفكاره المغرضة، ومن قوي غربية متربصة وتنظيم دولي للإخوان وتوابعه.
العم سيد حتاك! أي حتي أنت؟ إذ كيف يأخذك الغضب واليأس وأنت الذي كنت لنا نبراساً ينير الطريق وكانت كلماتك بلسماً يضمد الجراح، ولقد بشرتنا دائماً ببكرة والفرج القريب، ألست انت القائل:
ما تسرسبيش يا سنيننا من بين ايدينا
ولا تنتهيش ده احنا يا دوب ابتدينا
واللي له أول بكرة حيبان له آخر
وبكرة تفرج مهما ضاقت علينا
العم سيد إلّاك، أي إلا أنت، لاتضربنا في مقتل لتصطف مع من قلت عنه أخيك المصري النبيل، واستعرت عنوان مقاله،الذي لو كتبه أو مثله عشرات المرات ما استأهل منا الرد، ولا هز في رؤوسنا شعرة، إلا أنت، فلا تاريخك يسمح، ولانحن نرضي لك أن تضع نفسك في هذا الموضع الضيق وتقف موقف النزق مع زمرة تخاصم عين الحقيقة وتنظر إلي مصر في معاركها القاهرة دون تقدير لظروف الداخل وحصار الخارج، وتتخلي عن رفاق مسيرة عسيرة وصورة حشد ومواكب في عيون صبية بهية عليها الكلمة والمعني. العم سيد عد إلي موقعك، أو حاول إن استطعت أن تمحو من تاريخك ومن ضميرنا كلماتك:
ليه يا زمان ما سبتناش أبرياء
وواخدنا ليه في طريق ما منوش رجوع
أقسي همومنا يفجر السخرية
وأصفي ضحكة تتوه في بحر الدموع
نعم تاهت ضحكتك الصافية في بحر دموعنا علي ماذهبت إليه في مقالك «مصر تكذب علي نفسها» فالأوطان ياشاعرنا الكبير لاتعرف الكذب، ربما الأفراد يكذبون، أما مصر فتعيش معركة وجود، تحتاجك كما تحتاج كل رجالها وكتابها ومثقفيها. نعم لدينا أخطاء، كما في كل ثورة وكل تجربة وطنية لها رجال يخطئون ويصيبون، لكن علينا نحن طليعة المجتمع ورموزه تصحيح المسيرة،وأن نقود الرأي العام للاحتشاد خلف الوطن في حرب شعواء تستهدف وجوده واستمراره قبل استقراره، لا أن نكفر بالتجربة ككل ونراها أكاذيب وأباطيل، ويكون مرجعنا من أصحاب الهوي والأفكار المحمولة جواً، ممن يقفون علي أرض الوطن وعيونهم ومصالحهم خارجه ورؤوسهم كما النعامة في الرمال، يهيلون التراب علي تجربتنا ولايرون فيها صيحة شعب يحتشد لتحديات فرضت علينا وظروف عسيرة تحاك ضدنا، ومحاولات دءوبة لتثبيت دعائم الدولة وتلمس طريقاً للنهوض. لو أنك تنتقد بعين المحب المناضل كما فعلت دائماً لما عاتبناك، إذ كنت ساعتها كما أنت دائماً في أتون المعركة تناضل وتنقد من داخل التجربة، ولكنت عوناً لها لا عليها، ولانرضي لك أن يصح فيك قول أمير الشعراء: أُحِبُّ الْحُسَيْنَ وَلَكِنَّمَا لِسَانِي عَلَيْهِ وَقَلْبِي مَعَهْ!. فالناس أمام كل ثورة وأمام كل تجربة وطنية، ثلاثة: الذين معها والذين عليها والذين ينافقونها، ولقد كنت دائماً مع الثورة ومع التجربة الوطنية، فكيف تضع نفسك اليوم في زمرة من هم عليها، ونربأ بك أن تكون ممن ينافقونها، فهؤلاء يكذبون ومن عليها أيضاً يكذبون سواء كانوا من النخبة أو من الحكم، لكن أن تحرق كل مراكبك وتخلع كل قناعاتك الوطنية لتتحدث حديث الإفك الذي لايليق بك ويطاوعك قلمك لتكتب «والحقيقة أن العطب عندنا في النخب الحاكمة، وعلي رأي المثل : السمكة بتفسد من رأسها». نعم العطب في محيطنا السياسي العام، من الإعلام والأحزاب والنشطاء والسياسيين وحتي الحكومة وأيضاً من الطابور الخامس والمغرضين وأهل الشر في الداخل والخارج، وليس في رأس النخبة الحاكمة، إذ هناك عند الرأس رجل صنعناه علي أعيننا، وأنت من أكبر داعميه، كنت وأحسبك لاتزال، وأنت كشاعر وضمير أمة تعرف مدي صدق الرجل وإخلاصه، ولعلك تري بأم عينك الفاحصة «الندرة» كيف يتكالب عليه الغرب: أمريكا وأوروبا وتوابعهم من دول متآمرة في الإقليم حتي لايكمل دورته الرئاسية، وحتي تفشل تجربته في التحرر الوطني والإستقلال والمقاومة والنهضة. ولقد حاولوا معنا ذلك من قبل وتكالبوا لكسر عبدالناصر و23 يوليو، وكانت النكسة، لكن كان أيضاً شعبنا الواعي الشجاع الذي خرج يتمسك باستكمال عبدالناصر لتجربته يهتف في الشوارع «لاتتنحي» و«أنور أنور ياسادات إحنا اخترنا جمال بالذات» لأن مخزون الوعي لدي شعبنا الوفي كان يعرف حجم المؤامرة ومدي استهداف التجربة.
العم سيد حجاب هل يصح لرجل في مثل قامتك وتاريخك وقيمتك أن يكتب معايراً مصر بخطأ عبدالعاطي وجهاز الكفتة؟ وتكتب علي سبيل المكايدة: «عن حالات الاختفاء القسري للعشرات، وامتلاء السجون والمعتقلات بحوالي أربعين ألفا أكثرهم من شباب الثورة» فمن أين أتيت بهذه الأرقام؟ ويحك أيها الرجل الكريم كيف تنزل نفسك هذا المنزل الضيق الزلق؟ وكيف تسوق أمثلة الخلل السياسي في خيارات بعض القيادات الوسيطة وتراها خللاً مؤسسياً عامداً، لتضرب التجربة من جذورها وتهيل التراب علي كل محاولات مصر الجادة للتحقق والنهضة. إن ماقلته سيادتك قاله عشرات قبلك ورصده الرئيس بنفسه ناقداً غير مرة، لكن شتان بين نقد ونقد، نقد يصحح ويقوي ويدعم من داخل التجربة إيماناً بها، ونقد يستهدف التجربة ويسخر منها وينفيها كفراً بها.فعين الرضا عن كل عيب كليلة وعين السخط تبدي المساويا. نعم لدينا أخطاء وخطايا، في النخب العامة والحكومة، لكنها شأن كل تجارب الدول، ليست عن عمد للإضرار بالوطن، ربما ضعف الكفاءة وسوء الاختيار، لكن يقابلها إرادة للتصحيح والتقويم من الشعب ومن الرئيس لايمكن إنكارها، فكيف لمثلك أن يكفر بتجربتنا الوطنية ويراها محض أكاذيب؟.
وكيف تري المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ كذبة كبري؟ إذ الحقيقة أنه كان في وقته مطلوباً لكسر الحصار السياسي ضد مصر، ولإعادة وضعها علي خريطة الاستثمار العالمي، وسعي لاعتراف العالم بثورة يونيو، وأحسب أنه حقق أهدافه تلك بجدارة، ولئن فشلت الحكومة في استثمار كل عوائده، فلنحاسب الحكومة والوزراء لا نكفر بالتجربة من أساسها. ثم صفر المونديال يسأل عنه د. علي الدين هلال، لا د.عبدالأحد جمال الدين كما كتبت. ماذا يعني ذلك؟ يعني أنك في لحظة تسرع عصبية غير مؤسسة ولا مدققة وربما لامقصودة كتبت ماكتبت، وليتك ماكتبت. ياسيدي مصر هي الشعب الذي إئتمنك علي كتابة ديباجة دستوره، وهي كل المخلصين من أبنائها، وكل الجادين والمناضلين من أجل نصرتها وأنت منهم، فاسحب ماقلته في لحظة غضب وعد إلي صفوفنا كما كنت دائماً ولا تصُفَ نفسك مع من لانرضاه صنواً لك.
ياعم سيد مصر في حالة حرب ويوم نشر مقالك الصدمة كانت توصيات البرلمان الأوروبي بمنع السلاح عن مصر ووقف التعاون معها، ألا تري في ذلك محاولة للعودة بنا إلي المربع صفر صبيحة 3 يوليو 2013؟ وأنه مقدمة لهجمة جديدة تستهدف حصار مصر والتدخل في شئونها ولي ذراعها، لقد بدأ اللعب علي المكشوف، وإلا كيف تري محاولات تفكيك مصر بإشعال جبهتها الداخلية بتيئيس الناس وتوليع الأسعار وعودة المظاهرات الفئوية وتلاعب التجار وجنون الدولار وضرب السياحة ونزق الإعلام ومخاطر الإرهاب والحرب علي حدودنا الشرقية والغربية والجنوبية وفي الخليج؟ ياعم سيد «إللي مايشفش من الغربال أعمي» ولعلك لاتزال مبصراً.