محمد الشماع
محمد الشماع


يوميات الأخبار

الفرق بين الفاسد.. والمنتفع!

بوابة أخبار اليوم

الثلاثاء، 13 أكتوبر 2020 - 06:34 م

تهنئة خالصة للزملاء الذين تقلدوا مناصب صحفية جديدة أو استمروا فى مواقعهم نتيجة لما قدموه من جهد ونجاح، والتمنيات بالتوفيق لمن تركوا مواقعهم بعد أن أدوا دورهم بكل إخلاص.

كان الدكتور عاطف صدقى رحمة الله عليه يعشق العمل ويعشق الطعام الطيب وخصوصاً الحلويات. وكان يعمل ليلاً، لأنه كان يقضى ساعات طوالا بمكتبه حتى الساعات الأولى من الصباح، وبالتالى يحب الاستيقاظ متأخراً وفى أحد الأيام طلبت منه الرئاسة أن يكون فى استقبال الرئيس الأوغندى يورى موسيفينى أثناء توقف طائرته بمطار القاهرة، فى تمام الساعة الثانية عشرة ظهراً. مجرد استقبال بروتوكولى فقط، لأن موسوفينى توقف للتزود بالوقود وليس فى زيارة رسمية لمصر. كنا نحن محررى رئاسة الجمهورية متواجدين باستراحة الرئاسة بمطار القاهرة الدولى من الساعة الحادية عشرة صباحاً لتغطية استقبال د.عاطف صدقى للرئيس الأوغندى وكان يرافق رئيس الوزراء الدكتور بطرس بطرس غالى وزير الدولة للشئون الخارجية.
فى الحادية عشرة والنصف صباحا وصل د. عاطف صدقى يرافقه د.بطرس بطرس غالى إلى استراحة الرئاسة وألقى علينا تحية الصباح وبمجرد جلوسه طلب إفطارا وبالفعل تم اجراء اتصال لإحضار افطار من صالة السفر بالمطار، وصل الافطار خلال دقائق يحمله احد اطقم الضيافة يرتدى «يونى فورم» زى العمل، وفور دخول الإفطار تقدم مندوب المراسم ليخبر رئيس الوزراء بهبوط طائرة الرئيس الاوغندى وضرورة تحرك رئيس الوزراء ليكون فى استقبال الرئيس الأوغندى!
وإذا بعلامات الغضب والضيق تظهر على وجه رئيس الوزراء لعدم تمكنه من تناول أى شئ من الطعام وتقدم خلف مندوب المراسم يرافقه د.بطرس غالى، هبط الرئيس الاوغندى من الطائرة واستقبله د.عاطف صدقى مبتسما ومرحباً وتوجها إلى استراحة الرئاسة وجلسا بها عشرين دقيقة أو أكثر، وإذا بالمراسم تطلب من الضيف التحرك إلى الطائرة فقام يرافقه د.عاطف ود.بطرس غالى إلى الطائرة وتصافحا وتبادلا التحية بكلمات باللغةالفرنسية،  وصعد الضيف إلى باب الطائرة الذى أغلق فى ثوان!
انفجر الجميع فى الضحك!
خلال عودة د.عاطف صدقى ود.بطرس غالى إلى السيارة التى ستقلهما الى خارج المطار أحطنا نحن الصحفيين برئيس الوزراء لكى نسأله عما تم خلال لقائه مع الرئيس الاوغندى، فإذا بالدكتور عاطف يرد على اسئلتنا وهو فى حالة من الضيق: مفيش أى حاجة!
وفوجئنا بالدكتوربطرس غالى مقاطعا رئيس الوزراء قائلا: لقد ناقشنا عددا من القضايا الثنائية والأفريقية المهمة وعلى رأسهاالتعاون الثنائى بين البلدين فى كافة القضايا الاقتصادية والسياسية إقليميا  ودولياً. كما ناقشنا عددا من القضايا والمشاكل الافريقية ومنها قضايا خلافات الحدود والمديونية الأفريقية ومكافحة الفقر والتصحر. وفى تلك الاثناء كان عاطف صدقى ينظر إلى د. بطرس غالى باستغراب شديد وهو غير مصدق لما يسمع ثم قال: كل ده ناقشناه يادكتور.. ده دخل وخرج!
وانفجر الجميع فى الضحك من هذا الموقف من الزملاء الصحفيين والدكتور بطرس غالى نفسه وحتى الدكتور عاطف صدقى رغم أنه كان غاضبا لاستيقاظه المبكر وتأخر طعام الإفطار!
موقف آخر للدكتور عاطف صدقى فى افتتاح معرض للمنتجات الزراعية والغذائية لدولة الإمارات العربية المتحدة بالقاهرة، وكان موعد الافتتاح مبكرا جدا حيث تواجدنا نحن الصحفيين منذ الساعة السابعة صباحا لأن الرئيس سيفتتح المعرض ويحضر الافتتاح رئيس الوزراء د.عاطف صدقى وعدد من الوزراء والمسئولين الإماراتيين والمصريين.
إنت مش عايز تتحرك!
المعرض يضم معروضات من الأغذية والمنتجات الزراعية وأنواعا مختلفة من «التمور» الفاخرة، ونظرا لحضورنا مبكرا كان معظمنا لم يتناول افطاره. وكان الأشقاء الاماراتيون شديدى الكرم للضيوف يقدمون لهم أفخر أنواع التمور والحلوى والمنتجات الزراعية، تذوقت مما قدم لى ويبدو أنى كنت جائعا فأخذت انتقى من أنواع التمور المختلفة المعروضة ولكل نوع مذاق خاص رائع، اثناء انشغالى بالتذوق إذا بمن يربت على كتفى من الخلف وهو يقول بصوت خفيض: انت مش عايز تتحرك.. أنا عايز أدوق.. فين النوع الحلو.. وأثناء نظرى للخلف اكتشفت أنه دولة رئيس الوزراء د.عاطف صدقى فاعتذرت بسبب الزحام وأشرت عليه بالانواع الطيبة من التمر، وأخذ يتذوق منها ما لذ وطاب وهو سعيد واستغرق وقتا غير قصير، وتحرك كبار المدعوين لنتفقد باقى اجنحة المعرض.
فجأة سأل الرئيس أين الدكتور عاطف فإذا بالحرس يهرول نحو رئيس الوزراء وكادوا أن يحملوه الى الرئىس الذى توقف عن الجولة حتى يصل د.عاطف الى مقدمة الزوار وسط ابتسامات كبار الزوار وإعجاب د.عاطف بحلاوة التمور التى ظهرت على وجهه! كان رئيس الوزراء يعشق الحلوى والفاكهة حتى أنه كان يحضر اكثرمن مناسبة فى بعض الأيام كان يطلب الفاكهة أو الحلوى لأنه تناول العشاء فى مكان آخر!
د.عاطف صدقى كان مثالا للنزاهة وحب العمل هادئ الطباع خفيف الظل يتميز بذكاء غير محدود وتحمل عبء العمل الوطنى فى ظروف صعبة بل غاية فى الصعوبة واتخذ عدداً من القرارات الصعبة اقتصاديا كان لها وقع صعب على المواطنين، لكنها ساعدت كثيرا فى الإصلاح ومنع انهيار الاقتصاد وكان يعمل اكثرمن ١٥ ساعة يوميا.
كان د. عاطف صدقى مهذبا جدا  لا يحرج أحدا  وكان دبلوماسيا وشخصية اجتماعية محبوبة وكان يحترم حرية الصحافة ولايضيق بالنقد وكان يسعد بالاطلاع على الكاريكاتير العبقرى للثنائى «أحمد رجب- مصطفى حسين» لفلاح كفر الهنادوة الذى كان يزور البيه عاطف وينقل له مشاكل الكفر بطريقة طبيعية فكاهية عبقرية، وكان الفلاح يواسى د.عاطف ويشجعه على تحمل المشاكل والصعاب وفى بعض الأحيان رغم قسوة النقد لفلاح كفر الهنادوة لدولة رئيس الوزراء إلا أنه كان يتقبل النقد بشكل هادئ مبديا سعادته وكان يطلب الاحتفاظ ببعض أصول الكاريكاتير الذى كان ينشر فى معشوقتنا «الأخبار» و«أخبار اليوم»!
سر إقالة المحافظ!
حدث يوم إن كان رئيس الوزراء يتحدث مع أحد المحافظين تليفونيابمنطقة القناة الذى تجرأ على رئيس الوزراء  المهذب بكلمات من فلاح كفر الهنادوة، مما اعتبره د.عاطف تطاولا من أحد مرءوسيه فأغلق السماعة فى وجه المحافظ!
وصلت اخبار المكالمة الى مسامع الرئيس الاسبق مبارك فأصدر قراراً بإبعاد المحافظ عن منصبه فى نفس اليوم.. فى نفس الوقت كنت مدعواً على الغداء ومجموعة من الاصدقاء من المحافظ الذى لم يحضر الغداء ولم نكن نعرف السبب!
كانت معظم لقاءاتنا كصحفيين مع د.عاطف صدقى اثناء انعقاد مؤتمرات أو اجتماعات أو افتتاح أحد المشروعات. فكانت فرصة ذهبية لنا لكى نحاور رئيس الوزراء  ونحاول أن نحصل منه على اجابات لأسئلة تهم الرأى العام، وكان د.عاطف صدقى يعلم حجم الفساد الذى انتشر فى الدولة، لكنه كان يتعامل معه بحرص شديد وكان يقول لنا: لدينا مستفيدين ومنتفعين وليس لدينا مسئولين فاسدين!
ويشرح: عندما يحصل احد المسئولين أو رجال الأعمال على «مصلحة» مثل الحصول على قطعة أرض فى «لسان الوزراء» بسعر معتدل وبالتقسيط فهذا حقه «كمواطن» ويحصل على قطعة أو قطعتين أو أكثر فى المدن الجديدة فهذا حقه كباقى المواطنين، ومن حقه ايضا أن يحصل على شاليه أو فيلا فى مارينا كمصيف لأنه «مواطن»، ويحصل على شقة فى عمارة الوزراء بمدينة نصر بسعر تعاونى فهو «مواطن»، كما أنه قد يحصل على مساحة من الارض للاستزراع وهذا حقه كمواطن.. وإذا قام ببيع هذه الأصول وحقق ربحا فهو مواطن منتفع أومستفيد وليس فاسداً! باعتبار أن أى مواطن من حقه أن يحصل على أى شئ من هذه الاملاك كمواطن!
ومن بين اجابات د.عاطف صدقى رئيس مجلس الوزراء الأسبق التى مازالت عالقة فى ذاكرتى عندما قال: عندما يوجد سيادة الرئيس ليس لنا أى وجود!!
استمر د. عاطف صدقى فى منصبه ثلاثة عشر عاما رئيسا لوزراء مصر ولم يتم إعفاؤه من منصبه إلا بسبب مرضه وطلبه للراحة، فأسند اليه منصب رئيس المجالس القومية المتخصصة التى تضم خيرة علماء وخبراء مصر فى كافة التخصصات.. يبدو انه كان بين خيارين إما الفساد الواضح والرشاوى ونهب الأراضى والبناء على الأرض الزراعية وإهدار المال العام وإما فساد مسرب بالتقسيط تحت غطاء قانونى.
لا فرق بين الفاسد والمنتفع فكلاهما أجرما فى حق الشعب.. رحم الله د.عاطف صدقى وأسكنه فسيح جناته.
تجديد شباب الصحافة
تهنئة خالصة للزملاء الذين تقلدوا مناصب صحفية جديدة، أو استمروا فى مواقعهم نتيجة لماقدموه من جهد ونجاح، مع خالص التمنيات بالتوفيق لمن تركوا مواقعهم بعد أن أدوا دورهم بكل اخلاص.
ومع القيادات الحالية والتوجه العام لصعود كفاءات شبابية جديدة ستقدم صحافة اخبار اليوم من يستطيع أن يملأ الفراغ الذى تركه الموهوب أحمد رجب الذى كانت مصر كلها تنتظر منه نصف كلمة كذلك سوف يظهر لدينا كاتب مقال بحجم إبراهيم سعده وموسى صبرى، وسعيد سنبل وأحمد بهاء الدين. لاشك أن مصر حبلى بالمواهب وأنها تستطيع أن تنجب من يملك رشاقة قلم محمود عوض أو عمق الفكرة لدى يوسف أدريس أو زكى نجيب محمود أو موهبة الابداع التى امتلكها الراحل مصطفى حسين. اكتشاف تلك المواهب وتشجيعها ودفعها للأمام يحتاج الى عقول صحفية تملك مغامرة التجريب وذلك ما تفعله صحافة مؤسستنا العريقة «أخبار اليوم» التى تميزت بصناعة النجوم الصحفية وضخ دماء جديدة تملك لغة جديدة وأن تفتح قنوات للتواصل مع المجتمع.
ذلك أيضا ما أطالب به رئيس الحكومة أن يعيد تفعيل متابعة الصحافة ومحاسبة المسئولين الذين يتقاعسون ويطنشون عن الاستجابة لمشاكل وهموم المواطنين، بدلا من متابعات الحكومة لهواة نشر الفيديوهات المصنعة على الفيس ووسائل التواصل وتستغرق ثوانى لكنها تشغل وقت وفكر المسئولين أوقاتا ليست قليلة بل عدة أيام فى أمور أقل ماتوصف به أنها لاتستحق مشاهدتها أو التعليق عليها وليس نفيها أو مكافأتها وما يستتبع ذلك من تداعيات، علما بأن ماتنشره الصحف يستحق كل تقدير واهتمام لأنه ببساطة يأتى فى اطار القانون واحترام حق المواطنين فى الاستجابة لشكاواهم العادلة، وتقديم ما يهم القارئ بشفافية وصدق ليقف على حقيقة مايجرى على أرضه ويشارك فى الحفاظ على الدولة الوطنية.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة