ما ذنب الناس أن تترك حياتهم هكذا للصدفة البحتة وللاعتماد علي أخلاقيات بعض سائقي التاكسي؟ ومن المعروف أن الأخلاقيات في حالة تراجع مستمر

شكَّل مجلس الوزراء - بجلالة قدره - لجنة وزارية لتقنين شركتي أوبر وكريم، بعد أشهر من عملهما في الشارع المصري. ولمن لا يعلم. فإن أوبر وكريم تمتلكان عدداً من السيارات التي يمكن استخدامها كتاكسي بشوارع القاهرة.
الشركتان تعملان خارج القانون. وبدأت المتاعب من جانب أصحاب التاكسي الأبيض الذين اعتصموا بسياراتهم ثلاث مرات: أمام مسجد مصطفي محمود. والثانية: أمام حديقة الحيوان. والثالثة: - وربما لن تكون الأخيرة - فوق كوبري أكتوبر.
احتجاجات أصحاب التاكسي الأبيض لأن هذا النظام الذي يعمل خارج القانون أثر علي عملهم. وإقبال الناس عليهم. علماً بأن انصراف الناس عنهم سببه سوء الخدمة التي يقدمونها وتلاعبهم في العدادات. بل وتعطيل العدادات وفرض الأمر الواقع أو أن يحصل علي أجر من الراكب بوضع اليد.
الحكاية تشير لمرض استعصي في مصر علي أي علاج. وتعايشنا معه باعتباره من الأمور الطبيعية. ألا وهو الغياب التام للدولة المصرية الراهنة ممثلة في الحكومة ووزاراتها. وترك حياة الناس «سداح مداح» تمضي حسب أوضاع القوة اليومية في الشارع المصري. وهذا وضع يمكن أن يقود لحالة من الصراع الاجتماعي الذي لا يعرف سوي الله المدي الذي يمكن أن يصل إليه.
هل يعقل أن شوارع القاهرة - وهي مجرد مثال فقط - تعرف الآن من وسائل النقل الخاصة ثلاثة أنواع من التاكسي. هذا غير الشركات الخاصة التي تشغل تاكسيات بأنظمة تخصها. لدينا التاكسي الأبيض، والتاكسي الأسود القديم الذي ما زال يعمل. والتاكسي الأبيض أنواع. فيه من يعتمد علي العداد وفيه من عطَّل العداد. وفيه من يعمل عداده وفق التعريفة القديمة المنتهية. ثم العدادات التي تم العبث بها سواء بمعرفة صاحب السيارة أو السائق الذي يعمل عليها.
هل يعقل أن تستخدم تاكسي لمشوار واحد لنفس المسافة ومن نفس الطرق وتدفع مرة 35 جنيهاً. وفي مرة ثانية لنفس المشوار 70 جنيهاً؟ هذا معناه أن العداد أصبح حالة افتراضية لا وجود له. والفيصل بين الراكب وسائق التاكسي جهات المرور المسئولة التي لا بد أن تراقب العدادات والسيارات.
كان الله في عون الأمن المصري. فهو يخوض معركة يومية ضد التطرف والإرهاب. ويواجه عمليات إرهابية خسيسة في أمكنة كثيرة من بر مصر. لكن ما ذنب الناس أن تترك حياتهم هكذا للصدفة البحتة وللاعتماد علي أخلاقيات بعض سائقي التاكسي؟ ومن المعروف أن الأخلاقيات في حالة تراجع مستمر ومتواصل في المجتمع المصري في أيامنا هذه.
هل يعقل أن نجد في الشارع سيارات الميكروباص الجديدة غير المرخصة والتي تحمل أرقام ملاكي وتستعمل كميكروباص أجرة؟ هل يعقل أن نجد سيارات ملاكي أرقامها تقول أنها سيارات خاصة. ومع هذا تكتشف أن بها عدادات مركبة ولا تعرف من الذي ركب العدادات؟ ويقال أنها شركة خاصة. مع أن تركيب العداد من المهام التي لا بد أن تقوم بها جهات المرور الرسمية.
ثم هل يعقل أن أوبر وكريم ولا يسألني أحد عن أصول هذه التسميات؟ ومن الذي أطلقها؟ وما هي الدلالة التي تشير إليها؟ هل يعقل أنهما شركتان تعملان في نقل المواطنين دون ترخيص ودون عدادات؟ وأن الأجر يتم الاتفاق عليه بين الشركة والراكب. والكل يعرف هذا النظام ويتعامل معه إلا الدولة المصرية الغائبة. ولا أستطيع أن أقول الغائبة الحاضرة. لأنها في حالة غياب غير عادي.
التوك توك محنة أخري يملأ شوارع القاهرة والمدن الأخري. بل وصل إلي القري بدون أرقام، بدون اعتراف رسمي به. يقدم خدمات للناس وكل هذا خارج القانون المصري. ومن المعروف في أي دولة محترمة إما أن يتم ترخيصه؟ أو أن يمنع؟ أما أن يجري في الشوارع هكذا دون ضابط أو رابط. دون تقنين أو رقابة أو متابعة. فهذا يعني العودة لمجتمع الغابة.
نحن نتشدق بملء الفم ونقول أن مصر فيها أقدم دولة في التاريخ. وهي حقيقة. ولكن الدولة الأقدم في التاريخ أصابها ما يصيب الذين تجاوزوا أعمارهم. حدثت حالة من الترهل والغيبوبة وفقدان مبرر وجود. فنجد ما لا يصدقه العقل في حياتنا اليومية.
أوبر وكريم في أي دولة لها سيادة علي شوارعها لا بد أن تبدأ بالحصول علي ترخيص للعمل. والتراخيص تمنح وفق شروط محددة. أما أن تبدأ أي شركة العمل هكذا في الشارع. وكأن البلاد صحراء مفتوحة يفعل فيها أي إنسان ما يشاء وما يرغب. فذلك نذير شؤم أمام مجرد فكرة استمرار هذه الأمور مستقبلاً.
قبل أن يقرر مجلس الوزراء تقنين أوضاعهما. كان لابد من السؤال: كيف تم العمل دون ترخيص؟!.