د. محمود عطية
د. محمود عطية


من باب العتب

الرصيف لقيطًا

د.محمود عطية

الخميس، 15 أكتوبر 2020 - 08:25 م

هل ولد الرصيف لقيطا.. وتاه من أهله فى زحمة المدن حتى أضحى منتهكا من كل من هب ودب ؟!..أم اقترف ذنبا عظيما كالشرك فتركته الآلهة نهبا للجميع وبعثت إليه من يسومه سوء العذاب.. فصار لا اسمه يذكر ولا علم يرفع واختفى فى تكدس المقاهى والشوارع والميادين.. ولم يعد يقام باسمه الأفلام مثل فيلم «رصيف نمرة خمسة».. وبات لا يوصينا أحد به كمنقذ لنا من سوء الطريق كما كان يحذرنا آباؤنا ونحن صغار قائلين: خد بالك من الطريق وامش فوق الرصيف..!
فقد تخلت عنه «الأحياء» وهجرته شرطة المرافق..فاستباحته الإشغالات من كل صنف ولون وطردت المارة من فوقه.. وفقد المارة بذلك حقهم الشرعى فى السير فوقه ورضخوا صاغرين وصاروا وسط الطريق معرضين حياتهم للخطر ومربكين حركة المرور.. وبات المارة يتنابذون بالسباب مع قائدى المركبات..فالمارة يرون انه بات لهم حق السير فى نهر الطريق، والمركبات ترى أنها صاحبة الحق الشرعى فى نهر الشارع.. وتُعاير المارة بعدم قدرتهم على حماية حقهم فوق الرصيف ومحاولة سرقة نهر الطريق من المركبات.
وتحول الرصيف لمربعات يتم تأجيرها - من قبل البلطجى الكبير - للباعة الجائلين ولكل من يفترش الرصيف.. ولمن يقف بسيارته فاتحا شنطة سيارته عارضا بضائعه كأنه محل متحرك..ومن يجعل الرصيف امتدادا لمحله فيضع على جانبى المحل وفوق الرصيف بضاعته.. ويجاوره «الكوفى شوب» أى القهوة موزعة كراسيها على طول وعرض الرصيف ولا موطئ لأى قدم تسير فوق الرصيف.. وينظر شذرا لمن يحاول المرور فوقه بجانب الترابيزات المتراصة بتناغم مذهل وباطمئنان يثير الدهشة.. وتحتل مقاه اخرى الممر بين العمارات كأن الممر حق لها.. وساكنو العمارات لا حق لهم سوى الاستماع للأحاديث المتناثرة من زبائن المقهى وسماع رشفات المشاريب الساخنة.. وبقلب ميت بات ما بين العمارات خاصة وسط البلد حقا مكتسبا للمقهى ولو كان المقهى مترا فى متر..!
حتى بيوت الله من المساجد والكنائس ساهمت فى ابتلاع الأرصفة..فتجدها تقيم مظلات فوق الرصيف بجانب دور العبادة وأحيانا أبنية خرسانية وبالوقت تصبح جزءا لا يتجزأ من بنيان المسجد أو الكنيسة..وفى أوقات الصلاة لا تفهم لماذا يحلو للبعض الصلاة خارج صحن المسجد ويحتل الرصيف ويزيد فضلا البعض ويمد الصف إلى نهر الشارع ويتم تعطيل المرور باسم الصلاة.. وتستفحل الظاهرة فى الأعياد والمناسبات مثل رمضان والأعياد وعيد أحد القديسين.
ويصمت المارة كما يصمت القانون عن تنظيم الأرصفة..رغم أن ضمير القانون أحيانا يفيق فجأة ويتذكر أن الأرصفة فضاء عام وخدمة عمومية للسادة المارة وليس لمن يحتله عنوة. فترى شرطة المرافق والأحياء وكل من له علاقة بالرصيف ولو من بعيد يحررون المحاضر للمقاهى والمطاعم والورش والمحلات والباعة الجائلين وكل من سولت له نفسه اغتصاب الرصيف وجعله منفعة خاصة..!
لكن بقدرة قادر بعد ساعات يعود كل شىء كما كان ولا تسأل كيف لأن سكة أبو زيد كلها مسالك.. وعبارات الاستعطاف كثيرة "دول غلابة..طيب يعنى يشتغلوا بلطجية.. انتو ح تضيقوا على الناس فى أرزاقهم حرام. ما الناس برضه ماشية فوق الرصيف.. وبعدين نعمل ايه فى الزحمة.." ويعود الرصيف لقيطا..!

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة