د. محمد السعدنى
د. محمد السعدنى


فى الفكر والسياسة

تسريبات هيلارى.. لئلا يرقص البيض مع الحجارة

محمد السعدني

الخميس، 15 أكتوبر 2020 - 08:42 م

بالأمس البعيد، أرادت لنا الولايات المتحدة الأمريكية أن نضع كل بيض المنطقة العربية فى سلة واحدة هى تملكها، واليوم يريد ترامب لهذا البيض أن يراقص الحجارة.
أثار قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مطلع هذا الأسبوع برفع السرية عن قضية تسريبات هيلارى كلينتون صخباً كبيراً لا داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وإنما فى منطقة الشرق الأوسط والعالم. وأعاد ملف البريد الإلكترونى الذى كانت تستخدمه وزيرة الخارجية السابقة،للأضواء مرة أخرى، ربما كورقة ضغط أخيرة على الديمقراطيين، فى سباقه الانتخابى الذى بدا له خاسراً فى معظم استطلاعات الرأى، حيث كشفت رسائل البريد الخاص الذى كانت تستخدمه هيلارى أسراراً وتفاصيل كثيرة عن مخططات إدارة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما لنشر الفوضى فى الشرق الأوسط. وقد أعاد قرار نشر تسريبات كلينتون للأذهان والميديا كل الأجواء التى سادت فى هذا الشأن أثناء التنافس الانتخابى الذى خسرته أمام ترامب فى 2016، وأكد خطورة الفضاء السيبرانى، وما يمكن أن ينتج عنه من تفاعلات وآثار وتداعيات خصوصاً فى محيطنا العربى، وأحيا من جديد كل الفضائح التى أبداً لا تموت فى ذلك الفضاء الافتراضى الذى تحول واقعاً مجنوناً فى عالمنا المعاصر. والمتابع للميديا الأمريكية سوف تدهشه أن جاءت طلقات ترامب «فشنك»، ولم يتلقفها منه إلا قناة فوكس نيوز التى امتطاها وزير خارجيته وعرابه «بومبيو» مصرحاً: «سننشر هذه المعلومات حتى يتمكن ‏الأمريكيون من رؤيتها لمعرفة الحقيقة»‏. ولا أعرف أى حقيقة تبناها هو أو رئيسه أو دافعا عنها منذ دخولهما البيت الأبيض، اللهم إلا الخداغ والغش والتطاول وقلة القيمة والابتزاز الذى راحت تمارسه إدارتهم على محيطنا العربى والتآمر ضد مصالح شعوبنا وبلداننا. وتابعت طوال الأسبوع الواشنطون بوست والنيويورك تايمز وأخبار الكونجرس ونوابه، فلم أجد صدىً يذكر فيهما عن التسريبات والإيميلات حتى ولا النزر اليسير، غاية انشغالهم كانت تغطيات ومقالات ومقابلات عن كورونا وسياسات ترامب الخائبة بشأنها، وهل شفى بالفعل أم هو يغامر بإعادة نشرها وفريقه غير الملتزمين بالإجراءات الوقائية سواء فى البيت الأبيض أو مؤتمراتهم الانتخابية، وكذلك عن جلسات الاستماع والإجراءات القانونية بشأن تعيين القاضية «إيمى كوناى باريت» فى المحكمة العليا، أو تأجيل القرار لما بعد الانتخابات كما حدث مع أوباما عندما طلب تعيين القاضى «ميريك جارلاند» ليحل محل القاضى الراحل أنتونين سكاليا بعد وفاته فى فبراير 2016، ولم يوافق الجمهوريون حينها، وطلبوا تأجيل التعيين لما بعد السباق الانتخابى. وكان انشغالهم الأخير بشأن إلغاء المناظرة الثانية بين المرشحين الرئاسيين، لا أكثر. ويبدو أن رصاصة ترامب الطائشة لم تصب هدفها فى الولايات المتحدة، وإنما أخطأته إلى عالمنا العربى، فأصابت إعلامه بالحمى وطاشت الاتهامات من هنا وهناك وتعالى الصياح والتلاسن بين بارونات الإعلام المفلسين. لكن ترامب أراد أن يكون الختام باستخدام نظرية الأرض المحروقة، وأن يخلف وراءه معارك للديمقراطيين إن كسب بايدن لا يستطيعون السيطرة على تداعياتها بسهولة. فقد أزعجنا بوجوده الثقيل، واليوم يريد أن يكون رحيله تدشيناً لمحرقة كبرى وحربا سياسية لا تخمد نيرانها بين بلداننا العربية وبعضها، وفى داخل كل بلد وقواها السياسية المتناظرة والمتنافسة، وأيضاً المتنابذة بالألقاب والنعوت وأساليب كيد النسا والسباب. وفى هذا ليس تقليلاً من أهمية التسريبات والإيميلات، بل علينا دراستها وتحليلها والاستفادة منها، بشرط عدم ابتلاع الطعم حتى الثمالة، فنحقق لهم أغراضهم فى تحكيم ماضينا البعيد فى مستقبلنا القريب، ذلك إذا صحت التسريبات. يا سادة، لا تنساقوا وراء غواية ترامب المدمرة بالتسريبات والإيميلات، ولا تجعلوها مدخلاً أوسع للشقاق والخلاف وحرب الإعلام الغشيم الفارغ من كل معنى أو قيمة. فلا الديمقراطيون هم المجرمون وحدهم يريدون نشر الفوضى الخلاقة فى بلادنا، ولا الجمهوريون ملائكة منزلون، فقد بدأوا تنفيذ فوضاهم هم أيضاً مع جورج بوش الصغير وكونداليزا رايس. وكانت سياسات الحزبين ضد مصالحنا على طول الخط، رغم ادعاءاتهم طوال الوقت بالصداقة والشراكة الاستراتيجية والتعاون المشترك. ياسادة  ولا تسمحوا للبيض على مسارحكم السياسية والإعلامية أن يرقص مع الحجارة، لئلا ينكسر البيض ولا تبقى لنا سوى الحجارة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة