صورة موضوعية
صورة موضوعية


حادث بيروت لم يكن واعظاً 

التجارة الحرام على أرصفة العتبة

بوابة أخبار اليوم

الجمعة، 16 أكتوبر 2020 - 02:06 م

◄نترات الأمونيوم والمواد الحارقة تهدد الشوارع التجارية بالانفجار 

◄أسمدة ومبيدات مسرطنة لربات البيوت

◄وزيرة البيئة: لدينا حصر بالمصانع المنتجة.. وهي تحت الرقابة

كتبت: رحاب أسامة 

تنقلنا بين وجوه البشر الذين ملئوا الشوارع والطرقات، والباعة الجائلين الذين احتلوا الأزقة والحواري والطرقات، نتفحص المحلات والوكالات المختلفة على جانبي الشوارع والطرقات بمنطقة العتبة في قلب القاهرة، في طريقنا حيث تجار الأسمدة والمبيدات، بشارع الجيش بمنطقة باب الشعرية، ومنطقة باب الخلق، بجوار مديرية أمن القاهرة،  مع صوت مؤذن جامع الشعراني بميدان باب الشعرية.

 بدأنا خطواتنا تجاه شارع الجيش بالعتبة، التي تضم أهم المناطق التجارية في القاهرة الفاطمية، حيث الأسواق التجارية، التي لا تعرف النوم ليلاً أو نهاراً، تجد حولك الازدحام والضجيج من كل اتجاه، محلات الملابس والمطاعم والمقاهي، وعلى الأرصفة تجد الباعة يفترشون الأرض ببضائعهم بمختلف الأصناف والأنواع.

بدأت المغامرة بالتجول بين محلات بيع الأسمدة والمبيدات الزراعية، عرجنا على أول محل قابلنا، مكتوب على لافتة المحل «....» لبيع المواد الكيميائية والأسمدة الزراعية والمبيدات الحشرية، سألنا البائع «عندك نترات أمونيوم أو نترات بوتاسيوم؟» وكانت النظرات الفاحصة والتأني في الرد والشك في السؤال عن هذه المادة، «أيوه عندنا.. محتاجين أد إيه؟ نظرات الشك من البائع، كشفت لنا عن الصعوبات التي يمكن أن نواجهها في مأموريتنا للكشف عن بيع نترات الأمونيوم بمحلات منطقة العتبة وتخزينها بشكل قد يؤدى إلى كارثة بالمنطقة التجارية المزدحمة، خاصة أن هناك حملات تمت على المنطقة للتفتيش عن المواد المخزنة منها.  فحريق بيروت الأخير الذي أصاب العالم بالذهول كان خير واعظ أو عبرة للبحث عن أماكن تخزين هذه المواد، من هؤلاء التجار ومحاولة إقلاعهم عن تجارة هذه المواد المتفجرة ففي حالة عدم تخزينها بطريقة سليمة وآمنة، ستكون الكارثة، والأدهى والأخطر أيضا من ذلك، استخدام هذه المواد أيضاً في صناعة المتفجرات التي تستخدم في العمليات الإرهابية،  فالتجارة بالفعل في مثل هذه المواد هي التجارة في الحرام، ومتاجرة بأرواح المواطنين..

التجارة الحرام

انتبهت على صوت البائع عاوزين أد إيه؟ بسرعة نص كيلو،  الحساب 65 جنيه لـ500 جرام، فانتبه شخص آخر بداخل المحل يجلس على مكتب، على كلام البائع: «النترات شاحة من السوق النص كيلو 140 جنيه».. تحججنا بأن السعر مغالى فيه وتركنا المحل وسط نظرات البائع وصاحب المحل المتسائلة عن سبب عدم شرائنا للنترات.. وتركنا محلات بجوار هذا المحل ودلفنا إلى شارع جانبي آخر، وبدأنا في السؤال عن هذه المواد «نترات البوتاسيوم، ونترات الأمونيوم، والكبريت الأصفر»، فحين نسأل عن هذه المواد، ينتبه إليك التاجر بشدة، يصمت قليلاً وهو يتفحصك بعينيه، لا والله الحاجة دي مش موجودة عندنا تسأله لماذا؟ فيرد عليك: المواد دي بتدخل في صناعة المتفجرات، وخطر تخزينها لأنها ممكن تنفجر في أي لحظة، وتم وضع هذه المواد بجدول المواد المتفجرة، لذلك يشرح التاجر أنها مواد محظور بيعها والاتجار فيها، لكننا نستبدل النترات بسلفات، سواء أمونيوم أو بوتاسيوم، عدد من التجار خلال جولتنا في المنطقة أكدوا عدم وجود تلك المواد في أسواق الأسمدة، خصوصاً بعد أن شاع أنها تدخل في صناعة المتفجرات، وخطورة تخزينها بعد تفجيرات لبنان.

 وصلنا إلى محل لبيع البذور والمنتجات الزراعية، وعند الحديث مع البائع، الذي جلس على مكتب خشبي صغير في إحدى زوايا المحل، قلنا له نحن في حاجة إلى نترات الأمونيوم لأننا طلبة ونقوم بعمل تجارب عليها بكلية الزراعة، فكانت الإجابة: موجود إن شاء الله، والكيلو من نترات الأمونيوم ثمنه 50 جنيه، فطلبنا شراء 500 جرام نترات أمونيوم، ليشير صاحب المحل إلى فتاة داخل المحل، واتجهت الفتاة إلى مكان داخل المحل بباب صغير، وخرجت ممسكة بكيس أسود ووضعته على الميزان الإلكترونى، واستعوضنا ربنا في الـ25 جنيه تمن النترات، والتي عرفنا فيما بعد أن هذه الكمية الصغيرة يمكن بها صناعة قنبلة بدائية، فنترات الأمونيوم هي مادة صلبة بلورية بيضاء عند درجة حرارة الغرفة والضغط القياسي، يشيع استخدامها كسماد زراعي، ومع سوء التخزين تتحول إلى قنابل متفجرة لتحول المكان الموجودة به إلى جحيم، فنترات الأمونيوم، والفيريون الكلور.. إلخ هذه المواد الحارقة والخطرة، قنابل موقوتة، وعدم الالتزام بمعايير السلامة والصحة المهنية عند التعامل معها وتعامل الناس معها دون وعى خطر كبير يهدد حياتهم، دون أي رقابة من قبل المسئولين، أو حتى المحليات التي يقع على عاتقها مراقبة بيع هذه المواد بالأسواق.

وبعد الرحلة التي استغرقت قرب الساعة خرجنا إلى شارع بورسعيد، لنتجه إلى ميدان باب الخلق، بجوار مديرية أمن القاهرة، دلفنا إلى باب الخلق، المحلات التجارية تمتد على جانبي الشارع، خلف مديرية الأمن تكثر المحلات التي تشتهر ببيع الأسمدة الزراعية، بدأنا البحث عن نترات الأمونيوم وباقي المواد القابلة للانفجار في أي وقت، لم نجد صعوبة في شراء نترات الأمونيوم، وكان متاحاً الحصول على أي كمية منها، وبسعر زهيد، وبنفس السهولة ونفس الطريقة وتقريباً نفس السعر، وحصلنا على 500 جرام أخرى من النترات وغرمنا 25 جنيها، مررنا على عدد آخر من المحلات ووجدنا أن النترات وغيرها من المواد متاحة للجميع.

تخميد النترات والأمونيا

وعلى المستوى الحكومي عقب حادث تفجير ميناء بيروت أعلنت وزارة البيئة أنها تخلصت من مئات الأطنان من المواد الخطرة المستخدمة في الزراعة، وأن الوزارة تتخذ عبر الإدارة الآمنة لمادة نترات الأمونيوم كإحدى المواد المهمة المستخدمة في صناعة الأسمدة الزراعية لاحتوائها على مادة الأزوت، ومادة نترات الأمونيوم من المواد الخطرة لأنها قابلة للاشتعال وتتطلب اتخاذ الاحتياطات اللازمة في تداولها وتخزينها، وأكدت الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة، أن لديها حصراً كاملاً بالمنشآت الصناعية المنتجة لمادة نترات الأمونيوم بجميع محافظات الجمهورية ويتم المرور عليها بشكل دوري وأصدرت الوزارة مجموعة من الاشتراطات التي يتعين على الشركات الالتزام بها، ومنها تخزين الأمونيا المسالة تحت الضغط الجوي العادي، وطبقا للاشتراطات الواردة بالدراسة والمواصفات الدولية الخاصة وتركيب أجهزة الرصد والإنذار اللازمة للكشف عن حالات التسرب والصيانة والمراقبة الدورية لنظام تخميد الأمونيا الغازية برشاشات المياه وهواية الطوارئ مع إحاطة خزان الأمونيا بجدار خرسانى مصمت لاحتواء أي تسريبات كما تشمل هذه الإجراءات النقل والتخزين والتداول الأمن بيئيا لجميع الخامات والكيماويات المستخدمة طبقاً لاشتراطات قانون رقم 4 لسنة 1994 وتعديلاته والالتزام بتنفيذ خطة الإدارة البيئية للمصنع متضمنة خطة تركيب محطة للرصد المستمر للانبعاثات الغازية والجسيمات العالقة الصادرة عن المشروع وتوصيلها بالشبكة القومية للرصد بجهاز شئون البيئة وإعداد خطة لمجابهة المخاطر وحالات الطوارئ وتأهيل العاملين عليها والتنسيق مع الجهات المعنية بشأن تطبيقها مع توفير الأجهزة اللازمة لمكافحة الحرائق.

سريعة الاشتعال

ورصدنا خلال جولة «الأخبار المسائي» انتشار بيع المواد سريعة الاشتعال والحارقة والتي تستخدم في صناعة الصابون والمنظفات والشامبوهات وهذه المواد مثل حمض الكبريتيك «مية النار» وحمض السالفونيك والبوتاسا الكاوية، ويقول حامد الزواوي صاحب شركة كيماويات: بالفعل يتم بيع مواد حارقة مثل، حمض الهيدروكلوريك، حمض السالفونيك، حمض الكبريتيك «ماء النار» ولكنها ليست مميتة وتوجد مواد خطيرة تستخدمها المصانع غير المرخصة «بير السلم» وتنتج المنظفات كما تبيع الشركات بشارع الجيش تلك المواد الحارقة والخطرة لربات البيوت ليصنعوا بأنفسهم المنظفات والمطهرات وتلك كارثة، وكشف أحد أصحاب شركات الكيماويات رفض ذكر اسمه، أن المواد الكيماوية التي يبيعونها خطرة وتسبب تشوهاً للجسم إذا لمسته فأي جالون يحتوى على هذه المواد الكيماوية إذا سقط على أحد يسبب له تشوهاً أما تخزين تلك الكيماويات فأكد صاحب شركة الكيماويات أنه لا يوجد معايير يخزنون على أساسها تلك المواد لكنهم ينقلونها ويخزنونها بالخبرة وأي محاذير عند التعامل مع تلك المواد، عرفوها من التعامل مع هذه المواد فالشكائر لا توضع على الأرض كي لا تتحجر وتوضع على طبلية والأحماض والمواد الكاوية تعلموا آليات تخزينها من الحوادث التي تعرضوا لها.

تخلص آمن

وصرحت وزيرة البيئة عقب حادث بيروت بأن الوزارة تخلصت بشكل آمن من 241 طناً من مادة اللاندين عالية الخطورة والتي ظلت مخزنة بميناء الأدبية منذ 30 عاماً بالإضافة لـ471 طناً من المبيدات القديمة بمخازن وزارة الزراعة منذ 17 عاماً وتم التخلص من تلك المواد في منشآت متخصصة خارج البلاد كما تم التخلص من 300 طن أخرى من المبيدات المهجورة، بالإضافة لمعالجة ألف طن من الزيوت الملوثة بمادة الـ pcbs بعد سحب عينات.

كما أعلن الدكتور محمد معيط وزير المالية عقب الحادث آنذاك أن مراجعة الحكومة لكميات المواد الخطرة الموجودة بالموانئ المصرية عقب انفجار مرفأ بيروت فى لبنان، وتم تنظيف الموانئ المصرية بالكامل من كل الراكد والمهمل والمواد الخطرة وسوف ننتهي منها ديسمبر المقبل، وإن ما حدث في بيروت جعلنا نراجع أنفسنا وتخلصنا بالفعل من كميات كبيرة من الراكد والمهمل والمواد الخطرة الموجودة في الموانئ وأن هناك مواد تم تسليمها للوزارات المتعددة ومنها البترول والدفاع والداخلية وأنه تمت مراجعة الرواكد والحاويات والمواد الخطرة بجميع الموانئ المصرية بناءً على تكليف الرئيس السيسي وهناك أمور تحتاج إلى وقت وإجراءات وتم التخلص بالفعل من كميات ضخمة من الرواكد خاصة الممنوع دخولها مثل الأسلحة والألعاب النارية.

أسمدة سامة

ويقول المهندس محمد عزب خبير السلامة والصحة المهنية أن مادة نترات الأمونيوم هي سماد زراعي، وتستخدم أيضا في صناعة المواد المفرقعة ولذا تستخدم بالمحاجر وشق الطرق ولكن لابد، من التخلص منها بشكل آمن والالتزام بالاشتراطات الصحية بأن يتم عمل كشف دوري على الخزانات والأنابيب التي تخزن فيها الأمونيا كما أن العاملين الذين يتعاملون مع مادة الأمونيا، لابد أن يرتدوا أقنعة وملابس واقية من غاز الأمونيا لأنها تسبب أضراراً للجلد وللجهاز التنفسي كما أنها مادة سامة، وأوضح المهندس عزب أن من المواد الكيميائية التي يحظر العالم استخدامها الكلور أيضاً في تعقيم المياه لأنه لو زاد مقداره  بالماء عن معيار معين يؤدى لوفاة الإنسان، كما أن تسرب غاز الكلور يؤدى لتسمم العاملين الموجودين بمحيط التسرب ومن المواد الكيميائية المستخدمة بالصناعة وتوقف استخدامها أيضا مادة الفيريون وتستخدم في صناعة الثلاجات لأنها تؤدى لتأكل طبقة الأوزون. 

تصريح أمنى

ويقول الدكتور محمد فهيم أستاذ التغيرات المناخية بكلية الزراعة بجامعة القاهرة أن أي مادة كيماوية تستخدم بالصناعة وتم تخزينها بشكل سيئ يعتبر جريمة لأنها تؤدي لحدوث تسرب وتسمم وكل قطاع لديه رواكد من المواد الكيميائية ولذا يجب أن يلتزم كل قطاع بتعليمات الأمن الصناعي كما يجب ألا تتواجد رواكد كيماوية لفترات طويلة مثل نترات الأمونيوم والفضة والأحماض العضوية والكيماوية وكل هذه المواد الكيميائية لابد من تخزينها طبقا لمعايير الأمن الصناعي أو إعدامها، أوضح الدكتور فهيم أن ذلك ضروري لأن التغيرات المناخية وزيادة درجات الحرارة تؤثر على المواد الكيميائية المخزنة بالمصانع وتجاهل هذا التأثير بمثابة جريمة إهمال ووزارة الصناعة والبيئة لديها الإحصائيات عن حجم هذه الرواكد من المواد الكيميائية والتخلص من هذه الرواكد يكون خارج المدن والمناطق السكنية.

ويرى الدكتور نور توفيق أستاذ الكيمياء غير العضوية بكلية العلوم جامعة القاهرة أن كثيراً من المواد الكيميائية ومنها نترات الأمونيوم لا يتم الحصول عليها الآن إلا بتصريح أمنى حتى لو كان يطلبها عاملون بمجال البحث العلمى لأنها مواد سريعة الاشتعال والانفجار، وأكد ضرورة وضع هذه القيود على هذه المواد الكيميائية بحيث لا يتم السماح باستخدامها إلا للأغراض الزراعية والبحثية ومراقبة مخازن تلك المواد بالمنشآت الصناعية لأن كثيراً من هذه المواد خطرة. أما الدكتور محمد البنا رئيس شعبة الكيمياء السابق بنقابة العلميين فأكد أنه لا بد من تواجد رقابة على الذين يتاجرون بالمواد الكيماوية ويصنعونها من غير المتخصصين كما يجب أن يتم ضبط عمليات تهريب المواد الكيماوية. 

مواد محظورة

وقال المهندس سعد قنديل صاحب إحدى شركات إنتاج السماد العضوي أنه لا يستخدم نترات الأمونيوم كمخصب للأرض الزراعية لأنه أحد الأسمدة الكيميائية التي تدمر النبات وعندما يأكلها الناس تؤثر على صحتهم ولذا حظرت أوروبا استيراد أي محاصيل زراعية تحتوى على نترات الأمونيوم  كما أن المشروعات الزراعية الحديثة بمصر لا تستخدم نترات الأمونيوم لأنها مادة خطرة.

مبيدات مسرطنة 

وقال النائب طارق متولى عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب: إن مادة نترات الأمونيوم تستخدم كسماد ويمكن أن تصبح مادة متفجرة إذا تم نقلها أو تخزينها بصورة خاطئة، وتم تشكيل لجنة من عدة وزارات للتفتيش على المصانع بمدى التزامها بالتعامل بشكل صحيح مع المواد المستخدمة بالصناعة ونقلها وتخزينها بشكل آمن، لأن حادث لبنان هو إنذار خطر ففي منطقة وسط البلد وشارع الجيش لا يوجد أي سيطرة عليها رغم أن بها يتم بيع وتداول المواد الكيميائية بدون أي معايير للأمان وبدون أي إشراف من الدولة هذا بالإضافة لمصانع «بير السلم» وهى أيضا بعيدة عن أعين الدولة كما أن هناك صناعات لها آثار تدميرية وأخرى تسبب أضراراً بيئية، والبيئية أشد خطورة من التدميرية مثل ما حدث بالسويس ومشكلة شحنة مبيد اللاندين المسرطنة والتي تم اكتشافها فى مارس 2016، مؤكداً أنه تبنى أيضاً إقامة مدينة للمخلفات الصناعية بوادي حجول ومتابعة خطة توفيق الأوضاع البيئية للشركات الصناعية بخليج السويس وتلك المدينة سيتم نقل المخلفات الصناعية بها لكثرة كميات المخلفات الصناعية وتنفيذ خطة توفيق الأوضاع والإصحاح البيئي للشركات الصناعية بخليج السويس.
 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة