ملعونة تلك الديمقراطية خاصة في دولة مثل دولتنا يستغل الديمقراطي كل واحد فيها حسب هواه.. حتي السادات زمان قال : الديمقراطية لها أنياب !! وقد صدق فعلا

ما حدث في مجلس النواب في الفترة الماضية ليس أحداثا طبيعية. أقصد قبول استقالة المستشار الجليل سري صيام وإسقاط عضوية النائب توفيق عكاشة. غير الطبيعية يتمثل في توجهات الأغلبية في البرلمان ، هذه الأغلبية المصطنعة المصلحية فهي ليست أغلبية عقائدية تجمع بين نواب يؤمنون بنفس التوجه السياسي أو الحزبي. كان التعامل في مسألة استقالة المستشار الجليل سري صيام منبئا عن سلوك النواب من المنتمين إلي قبيلة الأغلبية وكلنا يعلم كيف تم خلق هذه الأغلبية وكيف صنعت.
اقتربت من المستشار سري صيام علي مدي ما يقرب من عام كامل عندما شرفت بتمثيل نقابة الصحفيين بصفتي عضوا بمجلس النقابة وزميلي جمال فهمي مع نقيب النقباء الأستاذ كامل زهيري رحمه الله والدكتور محمد نور فرحات في مشروع قانون منع الحبس في قضايا النشر. كان المستشار سري صيام رئيس اللجنة التي أعدت تعديلات قانون العقوبات بهذا الشأن وأشهد أن الرجل كان قمة في الأدب والأخلاق.. قمة في القيادة.. قمة في قدراته التشريعية والقانونية. من خلال هذه المعرفة كان لدي ارتياح لتعيينه عضوا بمجلس النواب لأنه إضافة للتشريع المصري خاصة في هذه الفترة التي نعاني فيها من نقص في الكفاءات حيث يتصدر المشتاقون المشهد في كل المجالات غير راغبين في إفساح المجال لذوي الخبرة.
كان يمكن للمجلس أن يوافق علي استقالة المستشار صيام بهدوء بعرض الموضوع وطلب الرأي عليه ، لكن هناك من كان ينتظر لكي يظهر الشماتة ويظهر مدي قوته بأغلبية قبيلته ويتيح الفرصة لبعض « الجدد « أن يبدوا رأيهم في المستشار الجليل بسخافة لا تمت للموضوعية أو للسياسة أو للاحترام بصلة فقام هؤلاء بالحديث بطريقة الاستخفاف والشماتة بينما الرجل لم يطلب إلا أن يعامل باحترام يليق بشخصه وبتاريخه وبما يمثله كرجل تولي منصب قاضي القضاة.
منطق القبيلة والعصبية يحكم البعض داخل البرلمان. من يتوفر لديه أكبر عدد من المناصرين المنتمين إلي العصبية نفسها يسعي إلي الانفراد بالحكم وإحكام قبضته عليه ويجبر الجميع علي الخضوع لسلطته. يصير الولاء لرئيس القبيلة السمة الأساسية لتنامي نفوذ القبيلة وفرض سيطرتها وتحالفاتها علي الآخرين لتعظيم نفوذها وتعزيز دولتها ويتعاظم دور رئيس القبيلة متناسبا مع قدرته علي تحقيق رغبات رموز القبيلة المتنفذين وطموحاتهم باعتبارهم شركاء في اتخاذ القرارات. نشير إلي توجه الأغلبية المصطنعة في المجلس إلي زيادة عدد لجان المجلس إلي 26 لجنة وهو ما يعني حسب النظام القديم أن لكل لجنة 4 أعضاء هم هيئات مكاتبها أي أن القبيلة يمكن أن توزع علي أعضائها 104 مناصب علي الأقل أما إذا زاد عدد أعضاء هيئات المكاتب إلي 7 أعضاء لكل لجنة فسوف يزيد نصيب القبيلة إلي 182 منصبا !!!.
أما إسقاط عضوية عكاشة فهو أمر يحتاج إلي وقفة فرئيس المجلس في جانب ونسبة كبيرة من السياسيين والمراقبين والمحللين في جانب آخر بشأن إجراءات إسقاط العضوية وربما يكون الرأي العام ضد عكاشة لكراهية المصريين إسرائيل ولكن اتباع الإجراءات القانونية أمر حتمي في مؤسسة التشريع بل وأذكركم بأن القضاء حاكم حبارة متبعا الإجراءات القانونية التي وصلت إلي محكمة النقض بينما الرأي العام يغلي لمقتل الجنود والضباط. لم يشح القضاء عن القانون والإجراءات ولم ينسق وراء انطباعات الرأي العام. واللافت أن نوابا حاولوا الحديث في الإجراءات ولكن رئيس المجلس صاحب توكيل الدستور الذي صنعه بيده رفض ، وهو دائما ما يذكر النواب بأنه صانع الدستور !!.
اللافت أيضا في موضوعات مجلس النواب أن هناك شماتة فيما حدث لتوفيق عكاشة وكأن الدائرة لن تدور علي الباقين كل بدوره وكأن هذه هي الديمقراطية التي يتشدق بها كل رئيس قبيلة وكل صاحب غرض يهدف إلي السيطرة. ملعونة تلك الديمقراطية التي قال عنها السادات زمان : الديمقراطية لها أنياب !! وقد صدق فعلا.. فالديمقراطية لها أنياب ضارية.. والضحية في النهاية الوطن.. الذي طالما غرزت في لحمه تلك الأنياب.