اقترحت على بعض الزملاء أن يكون هناك قرار موحد بينهم بمقاطعة نائب التطبيع والتزوير. وعدم الاهتمام به. ولكن الطبع غلَّاب

كنت أقف فى الطرقة الدائرية المحيطة بالقاعة الرئيسية لمجلس النواب أتحدث مع النائبة الدكتورة جهاد عامر، والنائب أحمد سلام الشرقاوى، حين لمحنا حالة من الهيجان ثم هلت علينا زفة نائب التطبيع والتزوير يمشى وحوله الإعلاميون من كل مكان.
كان مزهواً بنفسه. ينظر حوله ليقول لنا: شاهدوا وتأكدوا أننى الأهم. يحيا كأنه يعلق مرآتين، كل مرآة فى إحدى أذنيه ليرى نفسه فى كل لحظة. وليتابع خلجات وجهه وسكنات وجدانه. لم أكن راضياً عن تكالب الزملاء الصحفيين عليه. وانتظاره كأنه يحمل لهم الفرج. فهو الوحيد من بين النواب الذى يمكنهم من إرسال مانشيتات لصحفهم وكلام كبير يملأ جرائدهم. يفرحون بما يقوله لهم ولا يدققون الأكاذيب التى يعرفونها.
عاتبتهم أكثر من مرة. خصوصاً بعد أن اتهمهم نائب التطبيع والتزوير بأنهم جميعاً عملاء لأجهزة الأمن المختلفة فى مصر. وأى اتهام عام مرفوض. بالعكس يعكس فراغ وخواء من يوجهونه للآخرين ويكون مطمئناً بأنه يقول الصواب.
اقترحت على بعض الزملاء أن يكون هناك قرار موحد بينهم بمقاطعة نائب التطبيع والتزوير. وعدم الاهتمام به. ولكن الطبع غلَّاب. إحداهن قالت لى إننى أحضر كل صباح من أجل تغطية ما يحدث وما يجرى. وتصرفات نائب التطبيع والتزوير وأقواله وسلوكه غير المتزن يوفر لنا مادة لا نجدها عند العقلاء.
فكرت فى الاتصال بالزميل يحيى قلاش، نقيب الصحفيين. وحاولت الاتصال أكثر من مرة. لأقترح عليه قراراً جماعياً من النقابة يلزم كل أعضاء النقابة بمنع نشر أقوال أو أخبار أو صور لنائب التطبيع والتزوير واعتباره كأنه غير موجود. وهو ما قامت به النقابة والزملاء تجاه إنسان آخر كان قد تعود على إهانة الصحافة والصحفيين. وبعد أن تاب وأناب وأعلن التوبة على رءوس الأشهاد. عادوا يكتبون عنه وينشرون صوره.
وشبق الإعلام والجرى وراء غواية الصورة والبحث عن كاميرا أو جهاز تسجيل مرض معروف. نائب التطبيع والتزوير ليس الأول. ولن يكون الأخير. بل إن البعض يفتعل حكايات ويتصور روايات لم تحدث من أجل أن تكتب عنه الصحف أو تتناوله التليفزيونات أو الراديوهات.
مثل هذا النوع من البشر يبدأ يومه بالجرى وراء الصحف. يستحضرها. يفتحها باحثاً عن نفسه. صوره أو كلامه أو أخباره. فإن وجد ما يشفى غليله قال لنفسه مُردداً بيت شعر صلاح عبد الصبور: ما زلت حياً فرحتى. وإن لم يجد أخباره أو صوره يصيبه الغم والنكد ويتصور أنه مات. رغم أنه يعيش مثلنا جميعاً. فدلالة الحياة الوحيدة بالنسبة له أن يكون له مكان فى الإعلام. وعلى الرغم من أن الإعلام يشكل شهادة ميلاده الأساسية. فليس لديه مانع من الهجوم عليه واتهام القائمين عليه اتهامات لا أساس لها.
هل هى حالة الخواء الداخلى؟ أم هو الفراغ النفسى غير العادى الذى يجعل الإنسان لا يعرف ما يريد؟ ولا كيف يحقق ما يرغب فى تحقيقه؟ وهكذا يتخبط فى تصرفاتٍ يُقدم عليها دون تفكير.
يأتى نائب التطبيع والتزوير إلى البرلمان لا ليناقش قضايا الأمة. ولا ليحل مشاكل من انتخبوه. لكن فقط لكى يجلس فى البهو الفرعونى ويلتف حوله الصحفيون ويبدأ فى الكلام. يقول كلاماً غير مسئول أكثر من نصفه أكاذيب. هو أول من يعرف أنها أكاذيب. والهدف الوحيد أن يصوروه وينقلوا كلامه وينشروه. بصرف النظر إن كان صحيحاً أم لا. مع عدم إدراك مصالح الوطن العليا ولا ما يمر به من تحديات. علينا جميعاً أن نحاول الخروج منها بأقل الخسائر الممكنة.
أخذنى المغرور البهلوان بعيداً عن الحكاية. فعندما كنت أقف مر علينا تسبقه الكاميرات. وتحيط به الأقلام. وتُرفع أمام فمه أجهزة التسجيل. وهو مستمر فى الكلام. لا يعنيه ما يقول بقدر ما يهمه فكرة الاستمرار. رآنى فتوقف. ومد يده لى ليصافحنى. مع أننا لسنا أصدقاء. وما بيننا لا يزيد على اللقاءات العامة.
احترت ماذا أفعل؟ هل أمد يدى لليد التى صافحت سفير الكيان الصهيونى فى مصر؟ ضابط الموساد السابق؟ أم ماذا أفعل؟ ورغم أننى لست من الذين يقدمون على تصرفات مفاجئة. وأفضل التفكير فيما أقدم عليه قبل أن أفعله. إلا أننى رفضت أن أصافحه. وعندما سألنى عن السبب - تخيَّل - قلت له إن اليد التى صافحت سفير الكيان الصهيونى لا يمكن أن أصافحها.
سألنى عن السبب. قلت له: لأن يدك مليئة بدماء مائة ألف شهيد استشهدوا دفاعاً عن بلادنا ضد الصهاينة. تذكرت على الفور قصيدة أمل دنقل: لا تُصافح. التى أصبحت تميمة لعصرنا.
رفضت وضع يدى فى يدٍ ملوثة بالدماء.