محمد بركات
محمد بركات


يوميات الأخبار

مصر واسرائيل.. ونصر أكتوبر

محمد بركات

الثلاثاء، 20 أكتوبر 2020 - 05:30 م

كى نتصدى لمن يحاولون تزييف التاريخ،...، هذه صورة واقعية لما جرى فى ملحمة العبور والنصر فى أكتوبر 73،...، نهديها لكل الشباب والأبناء الذين لم يعاصروا هذه الأيام المجيدة من تاريخ مصر.

تابعنا ونتابع جميعا المحاولات الفاشلة والمفضوحة التى يقوم بها قادة اسرائيل، لإخفاء حقيقة الهزيمة القاسية التى أصابتهم فى السادس من أكتوبر 1973، والإدعاءات الكاذبة التى يروجون لها عن انتصارات وهمية حققوها.
وفى مواجهة هذه الادعاءات.. سنترك الحقيقة وحدها ترد عليهم وتكشف أكاذيبهم،..، وفى ذلك تقول الوقائع المجردة، انه فى مثل هذه الأيام منذ سبعة وأربعين عاما، وفى نفس هذا الشهر «أكتوبر»، كانت الدنيا غير الدنيا وكان العالم غير العالم،..، كانت نيران الحرب ودماء الشهداء تعيد ان كتابة التاريخ فى هذه المنطقة من العالم، وتسطر بحروف من نار  ونور تاريخ جديد للمنطقة، مكتوب على وهج المعارك ونيران الحرب المشتعلة على ضفة القناة وعمق سيناء.
كانت مصر تكتب قصة من أروع قصص البطولة لشعب رفض الانكسار، وجيش هب لاسترداد كرامته وهزيمة النكسة وغسل عار الهزيمة، وأصر على تطهير أرضه من دنس الاحتلال، وإعادة سيناء الحبيبة الى حض الوطن الأم، بعد اغتراب دام ست سنوات عجاف مرت على مصر كلها وكأنها ستون الف عام.
تحدى المستحيل!!
ولكل الشباب والأبناء الذين لم يعاصروا هذه الأيام المجيدة التى بدأت بملحمة العبور الخالدة فى السادس من أكتوبر  1973، أقول.. إنها لم تكن حربا عادية بل كانت بمثابة الزلزال الذى هزالمنطقة والعالم، وأحدث متغيرات جسيمة فى الشرق الأوسط والمنطقة العربية وما بعدهما، وفرض على الجميع والقوى العظمى بالذات، إعادة النظر فى أوضاع المنطقة وسياساتها تجاهها.
ولهؤلاء الابناء من الشباب أقول.. إن الدلالة العظمى والمعنى الأكبر فى أكتوبر ، هو قدرة الانسان المصرى على تحدى المستحيل، وكسر قواعد ومسلمات كثيرة كانت تؤكد عجزه عن الحركة، بعد الهزيمة القاسية والمباغتة التى ألمت به عام 1967، والتى جعلت الجميع يتوقعون استسلامه  بالكامل لقدره ومصيره، وانه يحتاج الى عقدين أو ثلاثة عقود على أقل تقدير يلعق فيها جراحه، ويلملم اشلاءه ويجمع ذاته، كى يستطيع النهوض مرة أخرى.
ولكن هذا الشعب بمصريته الضاربة فى عمق التاريخ، ووعيه الحضارى وصلابته الفطرية وإيمانه بحريته وقدرته، وثقته فى الله العلى القدير وحبه الهائل والغير محدود لوطنه، واستعداده الدائم  لتقديم روحه فداء لهذا الوطن وصونا لاستقلاله ووحدة أراضيه ،...، رفض قبول المهانة وأصر  على تغيير الواقع المر.
هذا الشعب فاجأ الكل ونهض من كبوته فى بضع سنين لم تتجاوز الست، ليواجه عدوه ويصارعه وينتصر عليه، ويحطم اسطورة الجيش الذى لايقهر، ويعبر القناة ويحطم خط بارليف المنيع ويحرر أرضه، بعد ملحمة رائعة من القتال سجل فيها تاريخا مجيدا للعسكرية المصرية، أذهل العالم كله.
ديان.. وجولدا!!
من أجل ذلك نقول أن الانسان المصرى جنديا وضابطا وقائدا كان هو بحق المفاجأة الحقيقية والصادقة لحرب أكتوبر ،..، ذلك هو عين الصواب وكبد الحقيقة باعتراف وشهادة كل الاعداء وكل الاصدقاء.
ولو تابعنا وقائع ما حدث وما دار قبل وأثناء وبعد ملحمة العبور والنصر، لوجدنا كل الدلائل تشير إلى ذلك وتؤكده،..، ففى اسرائيل وقبل الحرب بشهور قلائل كانت «جولدا مائير» رئيسة الوزراء فى ذلك الوقت، «وموشى ديان» وزير دفاعها ينتظران رنين الهاتف القادم من مصر ليعلن الاستسلام ويطلب شروط الصلح، اعترافا بالهزيمة ويأسا من الأمل فى امكانية تغيير الواقع.
هذه ليست اجتهادات، بل هى رواية «ديان» «وجولدا مائير» بعد الحرب، وهذا ما ذكره كل منهما فى مذكراته.
وحتى عندما وردت اليهما معلومات استخبارية قبل الحرب بيومين، ثم قبلها بساعات قلائل تشير إلى أن المصريين يقومون باستعدادات وتحركات  غريبة، على طول الضفة الغربية للقناة، وان هناك حركة غير عادية قد تكون مقدمة لعمل عسكرى كبير،..، استبعد كلاهما ومعهما رئيس أركان الجيش الاسرائيلى، وجود أى قدرة للمصريين على الحرب والقتال.
واكدوا أن كل تلك الأشياء مقصود بها رسالة للداخل المصرى، وان الرئيس السادات يفعل ذلك كثيرا، وان حركاته دائما تكون للاستهلاك المحلى، وامتصاص غضب الشباب المصرى الناقم عليه نظرا لعجزه عن خوض الحرب وازالة آثار النكسة أو الهزيمة.
كيسنجر!!
كان هذا هو واقع الحال فى اسرائيل صباح يوم الحرب ومساء اليوم السابق عليها، رغم وصول معلومات استخبارية تؤكد لهم أن هناك قراراً مصريا قد اتخذ بالحرب، ولكنهم لم يصدقواذلك ولم يستوعبوه.
وعلى الجانب الآخر من العالم حيث الولايات المتحدة الامريكية، راعى اسرائيل الاول وحليفها القوى، لم تكن صورة مصر تختلف كثيرا عما هى لدى الاسرائيليين، فقد كان هناك انطباع قوى واقتناع كامل، بعدم قدرة المصريين على الحركة، بل كانوا يظنون ان المصريين قد ماتوا بالفعل، أو انهم فى غيبوبة ما قبل الموت بعد هزيمة ١٩٦٧، وما هم فيه من معاناة اقتصادية مؤلمة وقاسية.
وقد وضح ذلك جليا وبصورة مؤكدة عندما ذهب وزيرالخارجية المصرى فى ذلك الوقت الدكتور «محمد حسن الزيات» بتكليف من الرئيس السادات لمقابلة «هنرى كيسنجر»وزير الخارجية الامريكى، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك، قبل المعركة بعدة أيام فقط لاغير، وطلب منه أن تقوم الولايات المتحدة بحث اسرائيل على الانسحاب من الاراض المصرية والعربية المحتلة فى الخامس من يونيو ١٩٦٧، حتى يمكن أن يعود الاستقرار للمنطقة.
فإذا بكيسنجر يلقن وزير الخارجية المصرى درسا قاسيا، ويقول له بوقاحة غير دبلوماسية ما معناه، «كيف تطلبون ذلك وأنتم مهزومون، وتحولتم الى مايشبه الجثة غير القادرة على الحركة»،..، ثم يضيف «لا أحد يستطيع أن يساعدكم طالما أنكم غيرقادرين على مساعدة أنفسكم».
السوڤيت!!
أما على الناحية الأخرى من العالم حيث الاتحاد السوڤيتى الصديق الوحيد للعرب ومصر فى ذلك الوقت من عام 1973، فقد كانت الصورة لاتختلف كثيرا، حيث كان لدى القادة السوڤيت اقتناع كامل، بأن مصرقد أساءت الى السلاح الروسى، ودمرت سمعته فى مواجهة السلاح الغربى بصفة عامة والسلاح الامريكى بصفةخاصة فى هزيمة 1967، وكان السوڤيت مقتنعين  انه لامجال ولا امكانية لحرب أخرى فى الشرق الاوسط، ولاقدرة لمصر على الحرب، أو حتى التفكير فى تخطى قناة السويس أو عبورها، والتغلب على خط بارليف، الذى قالوا عنه أنه يحتاج الى قنبلة ذرية كى يمكن لمصر تدميره أو ازالته.
ونسى الجميع أن قوة الارادة عند الانسان المصرى، وقوة ايمانه بقدرة الله سبحانه تفوق قدرة القنابل الذرية، إذا ماصح العزم والعمل ورافقهما التخطيط الجيد والاعداد الجاد والتدريب المستمر والاصرار على النصر.
كانت هذه هى صورة مصر لدى العالم فى ذلك الوقت وافكار الاصدقاء والاعداء  عنها قبل الحرب بعدة أيام فقط،..، ولناأن نتصور قدر المفاجأة والدهشة التى أصابتهم جميعا يوم السادس من أكتوبر  مع بداية العبور العظيم.
الزلزال!!
فى البداية لم تصدق اسرائيل ماتراه يحدث أمامها على ضفة القناة، وبطول الجبهة الممتدة لأكثرمن 180 كيلو مترا، هى طول السافة من بورسعيد شمالا  وحتى ما بعد السويس جنوبا، فقد كان ما يحدث هولا عظيما يصعب عليهم تصديقه، حيث عشرات الآلاف من جنود مصر يعبرون القناة، ويحطمون خط بارليف ويدمرون المواقع الحصينة على الضفة الشرقية للقناة، ويندفعون كالطوفان المدمر يزيلون كل أثر لإسرائيل وجيشها على خط القناة،..، وكانت الصدمة مذهلة وهم يشاهدون طائراتهم «الزراع الطويلة لجيشهم» تتساقط أمام أعينهم وأمام حائط الصواريخ المصرية،وايضا فى مواجهة الطائرات المصرية.
كان الزلزال عنيفا، وكانت الصدمة قاسية، وكانت الحقيقة مرة بالنسبة لهم، فقد عبر المصريون القناة وحطموا خط بارليف، واسقطوا اسطورة الجيش الذى لايقهر ولا أحد يستطيع وقفهم.
وانهار «موشى ديان» عندما تأكد من حقيقة ما يحدث وقبل انهيار «ديان» كان انهيار «الجنرال جوتين» قائد الجبهة الجنوبية فى سيناء،..، وبعد انهيارهما انهارت ايضا «جولدا مائير» رئيسة الوزراء، وهى ترى انهيار وتدمير القوات الاسرائيلية فى سيناء، واصبح الطريق للهزيمة مفتوحا بالكامل.
استغاثة!!
وعبر الاطلنطى حيث الولايات المتحدة الحليف والصديق لاسرائيل كان المشهد مثيراللانتباه،..، ففى البداية لم يصدق الامريكان وعلى رأسهم «كيسنجر» ما يحدث على الجبهة المصرية مع اسرائيل.
ولكن المفاجأة كانت صعبة التصديق، عندما اكدت المعلومات المتوالية، وتقارير المخابرات المركزية الامريكية والاقمار الصناعية، ان المصريين عبروا القناة ويدمرون القوات الاسرائيلية ويحققون انتصارا كبيرا ومؤكدا، وان القوات الاسرائيلية بسيناء فى حالة انهيار تام.
وبعدها بثلاثة أيام فقط، أى  فى اليوم الرابع  للحرب العاشر من أكتوبر ، جاء صوت «جولدا مائير» رئيسة الوزراء الاسرائيلية «لكيسنجر» عبر الهاتف منهارة وتستغيث وتصرخ بضرورة التحرك الفورى والعاجل لإنقاذ اسرائيل من الهزيمة الكاملة والضياع المؤكد، وتطلب ضرورة ابلاغ الرئيس الأمريكى نيكسون فورا حاجة اسرائيل للمساعدة العاجلة، وتقول ان الطريق مفتوح الى تل أبيب ولا أحد يستطيع وقف المصريين.
وبالفعل أبلغ كيسنجر نيكسون.. وتم فتح مخازن الاسلحة الامريكية فى أوروبا وحلف الاطلنطى لمساعدة اسرائيل وانقاذها من الضياع،..، وطلبت امريكا والسوفيت وقف القتال فورا.
وهكذا.. اختلفت الصورة وتغيرت الاوضاع وأصبح شعب مصر وجيشها صانعا للنصر، ومحققا لمعجزة عسكرية لم يكن أحد يتوقعها على الاطلاق،..، وهو ما جعل شعب مصر وجيشها محل تقدير واحترام العالم كله، وأصبح نصر أكتوبر  1973 حدثا وواقعا لا ينسى فى تاريخ مصر والمنطقة والعالم.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة