إيهاب الحضرى
إيهاب الحضرى


بالشمع الأحمر

إهدار الماء العام!

إيهاب الحضري

الأربعاء، 21 أكتوبر 2020 - 05:39 م

 

يذكر أبناء جيلى درسا بمادة القراءة، بإحدى سنوات المرحلة الابتدائية، كان يتحدث عن قيمة الادخار، ولكى تقترب الفكرة من عقولنا، استعان النص بمثال مُبسّط، هو وضع إناء تحت صنبور تتساقط منه قطرات متباطئة، وبعد فترة يمتلئ الوعاءعن آخره ويفيض. كالعادة ذاكرنا للحصول على درجة النجاح، ورسب غالبيتنا فى إبقاء بعض قروشه القليلة ممنوعة من الصرف! وبعد أعوام ظلت جيوبنا شبه خاوية بعد أن صرفنا ما فيها، ولم يأتنا ما فى الغيب من أموال، وربما تم إلغاء النص من المقرر الدراسى بعد ثبوت انتهاء صلاحيته! لكن بخبرة السنين أعتقد أن الحاجة باتت مُلحة لاستحضار الدرس نفسه فى عصرنا الراهن، لتوضيح ما يُمكن أن تفعله نقطة مياه صغيرة، عندما نترك آلاف الصنابير متهالكة، لمجرد إهمالنا عملية إصلاحها التى قد لا تتجاوز تغيير «جلدة». يحدث هذا فقط لأننا لا ننتبه إلى أن قطرة مياه قد تساوى حياة، خاصة لدى من جرب معاناة العطش، ونتجاهل أن أول الغيث عادة يكون قطرة، أما الإهدار فيُقاس بالأمتار المُكعّبة!
مؤخرا بدأت حكوماتنا تنتبه إلى أهمية التوعية بترشيد استخدام المياه، لم يقتصر الأمر على الحملات الإعلامية، بل امتد إلى الاستعانة بالصنابير الموفرة فى المصالح الرسمية، وتتابعت التصريحات مدعومة بأرقام مهمة، عن الكميات الهائلة التى يتم توفيرها باستخدام هذه الآلية، كما تم تجريم «إهانة المياه» عبر استخدام الخراطيم فى غسل السيارات، غير أن هذه الجهود لا تلقى اهتماما للأسف من جانب البعض. لا أتحدث هنا عن الأفراد فقط، بل أشير إلى إهمال بعض الهيئات، الذى يتسبب أحيانا فى إهدار مساعى الحكومة بشكل يفوق تجاوزات المواطنين بكثير.
صباح يوم قريب، خرجتُ من باب عمارتنا لأفاجأ بسُلم مدخلها الخارجى متهدما. تعجبتُ لأنه شهد عملية تطوير حديثة بعد هدم سابق لم يتجاوز شهرا. كما أن المشهد تكرّر فى الأسبوع نفسه أمام أكثر من بناية تحتل منطقتنا بمدينة نصر. أخبرنى الحارس أن الماسورة العمومية تمر تحت السُلم، وقد تآكلتْ مما استدعى الهدم بغرض الإصلاح! تعجّبتُ لأن المبرر نفسه صاحب عملية التكسير السابقة، فأوضح الرجل بتلقائية أنه تم إصلاح ماسورة فى المرة الماضية، ثم انفجرت التالية لها هذه المرة. وذكر أنه طلب من عُمال شركة مياه الشُرب بالقاهرة خلال الهدم الماضى تغيير الماسورتين، لكنهم رفضوا لأن تدخلهم لا يبدأ إلا بعد أن تلفظ المواسير أنفاسها فعليا! منطق ربما يعتمد على لوائح مكتوبة، لكن نتيجته توالى أعمال الهدم والبناء، فضلا عن إصابة معظم مواسير المنطقة بـ«موت الفجأة»، مما جعل واجهات العمارات تستضيف أكواما من مخلفات الحفر، لكن المشكلة الحقيقية تتمثل فى كميات المياه العذبة، التى بتُ أتعذّب كلما أراها ترتع بحرية فى الشوارع المحيطة، بينما أتسول من الصنبور قطرات كى أغتسل قبل النزول إلى العمل، لأن كل عملية ترميم للمواسير تستدعى بالضرورة قطع المياه عن المنطقة كلها.
تذكرتُ تصريحات متعاقبة لوزير الرى عن دخولنا حيز الفقر المائي، وغالبا كرّر التحذير ذاته قبل أيام فى «أسبوع المياه» الذى استضافته القاهرة، لكن يبدو أن هناك جهات أخرى تتعامل مثل الغنى الذى يُبعثر ثرواته بلا حساب، وقد نتغاضى كمواطنين عن تبديد أموالنا الخاصة، لإصلاح ما أتلفه هوى العمال ولوائحهم، لكننى أعتقد أنه لا يمكن التسامح مع إهدار الماء العام، بسفه لا يتناسب مع خطورة تحديات المستقبل.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة