د. مبروك عطية
د. مبروك عطية


يوميات الأخبار

الخطاب الدينى المهجور «3»

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 22 أكتوبر 2020 - 07:15 م

والأجيال ضحية هذا الدين الذى انتهجناه، وهو دين الحالة.

 الدين حياة لا حالة
السبت:

معنى أن الدين حالة أن تشعر به فى مناسباته المعروفة كرمضان واستقباله، والأعياد وطقوسها، والظروف التى تمر بها من نجاح، أو إخفاق، وزيجة وطلاق، وميلاد، وفراق، ومعنى أن الدين حياة أن تعيش على منواله ومبادئه، وأن تتنفسه صحيحا وعليلا وحالا ومرتحلا، وغنيا وفقيرا، حيث إنه منهج لتلك الحياة التى يحرم من جنبات سعادتها من اتخذ الدين حالة؛ وما أشبه الدين فى كونه حالة بإجازة امرئ سافر فيها يوما أو أياما، وسكن فندقا عظيما، وأكل ما يشتهى، وتنعم فيها ثمعاد إلى حياته الدائمة التى يعبر عنها بقوله حين يعود (رجعنا إلى الغلب والغم) أى رجع إلى بيته الضيق، وعيشه الأضيق، ليس معه من تلك الحياة سوى الذكريات، والحلم الذى يرجوه أن يعود بعد عام إلى هذا المكان أو ما يشبهه، أو يتفوق عليه.
وقد يحدث أن يطيل إجازته يوما أو أسبوعا ظانا بذلك أنه يعطى نفسه حقها من التنزه، والاستجمام، كالذى يبالغ فى مناسبته التى يحتفل بها.
بل إن بعض الناس يود المزيد من الاحتفال على أن يكون أبهى وأعظم من العام الميلادى الذى يحدث فيه احتفال كبير ويهتم به الإعلام اهتماما كبيرا وكأننا نريد مباريات بيننا وبين غيرنا مباريات ليس فيها شيء من فقه الدين فالمباراة الهادفة هى المباراة الاقتصادية والمباراة العلمية لأن الغيرة على الدين ليست كلاما وذكر الله تعالى -ليس كلاما وحين تستحيل المعانى كلاما تفقد مقتضاها وطعمها ترانا كذلك نحتفل بالعام الهجرى الجديد كل عام ولا جديد نكشف به هما أو ننفس به كربا، وكل يقول للآخر (كل عام وأنتم بخير- ولا خير -ولكى نكون صادقين فى هذه العبارة أقول
كل عام وأنت بخير؛ فأنا أحب لك الخير كما أحب لنفسى
كل عام وأنت بخير؛ فوجودى يحقق لك الخير.
وكل عام وأنت بخير؛ فأنا أدفع عنك الأذى.
كل عام وأنت بخير؛ فلو أخطأت فى حقى عفوت عنك
وكل عام وأنت بخير؛ فأنا دائم السؤال عنك.
وكل عام وأنت بخير؛ فأنا أقرضك قرضا حسنا إن احتجت.
وكل عام وأنت بخير لو جاء وقت السداد وكنت معسرا أنظرتك..
أو تركت لك شيئا مما عليك لك، أو تركته كله.
وكل عام وأنت بخير إن مرضت زرتك..
وإن غبت افتقدتك..
وإن استشرتنى كنت أمينا وقدمت لك صواب الرأى..
وإن صحبتنى لم أرهقك: "قال لا تؤاخذنى بما نسيت ولا ترهقنى من أمرى عسرا..
وإن استودعتنى أمانة حفظتها لك كما أحفظ مالى
كل عام وأنت بخير لأنى كما تعلم أمشى فى حاجتك، حتى أقضيها لك. كل عام وأنت بخير فأنا أستر زلتك كى يسترنى ربي وأنفس كربتك حتى ينفس الله عنى كربة من كربات يوم القيامة. وكل عام وأنت بخير فأنا لا أشمت بك، بل يحزننى مصابك وألمك.
كل عام وأنت بخير فأنا أخوك، ومن كان له أخ فلا يحزن. كل عام وأنت بخير فدمك على حرام. كل عام وأنت بخير فمالك على حرام. كل عام وأنت بخير فعرضك على حرام. كل عام وأنت بخير فأنا أنصرك مظلوما.
لا يطيب عيشى حتى أسترد لك مظلمتك وآتيك بحقك.
كل عام وأنت بخير فأنا أنصرك ظالما، حيث أمنعك عن الظلم حتى لا تتلقفك أيدى الظالمين، ويسوء وجهك بين يدى رب العالمين. كل عام وأنت بخير فقلبى لا يحمل إلا الود لك
كل عام وأنت بخير فأنا لا أحسدك على نعمة أنعم الله بها عليك. كل عام وأنت بخير فأنا لا أوثر نفسى عليك بل أوثرك على نفسى. كل عام وأنت بخير فإن جعت أطعمتك..
وإن عريت كسوتك وإن ناديت لبيتك..
وإن دعوت أجبتك وإن جهلت برفق علمتك وإن عاتبتنى رجعت إلى سالف عهدى بك وإن عاتبتك لم أستقص فى عتابى فأذكر لك كل ما كان منك، بل أذكر بعضه وأعرض عن بعض فهذا من خلق النبى الكريم وهو على خلق عظيم.
: "وإذ أسر النبى إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض".
عندئذ نكون صادقين حين يقول بعضنا لبعض: "كل عام وأنتم بخير".
لكن كيف يقول الظالم للمظلوم الذى يصر على ظلمه كل عام وأنت بخير، ومن أين يأتيه الخير ونار الإحساس بالظلم تحرق كبده!
وكيف يأتيه الخير من حاقد حاسد يتمنى زوال ما عنده من نعمة.
وكيف يشعر بأن هاجِره الذى لا يسأل عنه يرجو له الخير حين يقول له كل عام وأنت بخير؟.
وكيف يشعر بالخير وهو فى حاجة يستطيع من يقول له كل عام وأنت بخير
قضاءها له هذا فضلا عن الدروس المستفادة من الهجرة المباركة، والتى نسردها سردا عند الحالة أى المناسبة ونبدى إعجابنا بها وفى صبيحة اليوم التالى ننساها ولا نلتفت إليها
ومنها أن النبى صلى الله عليه وسلم اختار الرجل المناسب رفيقا له وهو الصديق رضى الله عنه ومنها أن الفرح فى هذا الدين مسئولية، فقد بكى الصديق فرحا بالصحبة وأدى به هذا الإحساس إلى أن يعد راحلتين راحلة للنبى صلى الله عليه وسلم وراحلة له ولمولاه عامر بن فهيرة رضى الله عنه وقد بات الفرح عند كثير منا فرقعة كفرقعات الأطفال فى الأعياد ورقصا وطربا وأحيانا معصية بتناول المخدرات والمسكرات يختم المسلم صيامه ليلة العيد بالحشيش والأفيون وكأنه يستعد للخروج من الحالة أسوأ استعداد.
والشاب يفرح ليلة زفافه ويرقص ويغنى لعرسه (حبيبى وعنيه لو فى وسط ميه ما يخفاش عليه) وهو بعد أيام من زواجه سوف يقول لها حقيقة لا أغنية (انت مين يا اللى انا مش عارفك انت مين)
ولو فهمنا الفرح مسئولية وهو درس من دروس الهجرة لكان فرحنا بوطننا إنتاجا لا قطع طريق وكان فرحنا بالوظيفة مزيد إنتاج لا صرف رواتب، والحصول على ميزات العاملين بها من مكافأة مادية وحافز ومصيف وعلاج وغير ذلك لمجرد أننا نحمل بطاقة تقول إننا موظفون لكن ماذا قدمنا لوظيفتنا هذا امر لا محل له من قلوبنا ولا فكرنا كالذين يتوهمون انهم مسلمون فقط لأنهم يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله او يركعون ويسجدون ويصومون ويعتمرون، ولا يسأل أحدهم نفسه ماذا قدم لهذا الدين من نصرة وماذا قدم للناس من خير بل ما الذى أحدث الإسلام فيه من تغيير طبع، وهو الذى يعلن فى العالمين هكذا أنا وهذا طبعى ومحال لا يتغير حتى ولو كان الدين على خلاف ما يقول الطبع غلاب والطبع لا يخرج إلا بعد خروج الروح وقد كان لسلفنا الصالح بلا شك طباع فى الجاهلية وقد عرفنا أنها قد تغيرت بالإسلام، وحين خرج منها لفظ مجرد لفظ قال النبى صلى الله عليه وسلم لقائله: "إنك امرؤ فيك جاهلية"
لأنه قال لرجل: "يا ابن السوداء" فتاب واستغفر وندم وكان يلبس خادمه من الثوب الذى يلبس ويطعمه من الذى يأكل مبالغة فى التخلص من تلك الجاهلية ومن تلك الدروس أن أساس العمل فى هذا الدين الخبرة لا التدين والدليل على ذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم استعان بعبد الله بن أريقط ليكون دليل الطريق فى هجرته المباركة، وكان مشركا، لكنه كان خريتا (خبيرا) بالطرق
والمسلمون فى حاجة اليوم إلى مراجعة ذلك والإفادة منه لكن كيف ذلك وهناك مشكلتان مؤرقتان الأولى أننا لا نذكر ذلك إلا مرة واحدة كل عام، أى عند الحالة، وشأن الحالة أن المشاعر تكون فيها متأججة وبعدها تنطفئ
والثانية أن هؤلاء كفرة (يا جدع)
أى كيف نذهب إلى الكفرة وكيف ننفعهم ونعطيهم أموالنا، ونعرض عليهم نساءنا للكشف عليهن!
ألم يكن دليل رسول الله صلى الله عليه وسلم مشركا، وأعطاه أجره
ولم نكره أنه ينتفع وهو ينفعنا بعقله وخبرته، وطبه وهندسته ومهارته والدين يدعو إلى تحقيق المنافع
وقد قال الله تعالى-: "فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا فى حديث غيره".
وليس هناك من خلاف بين العلماء فى تفسيرها أى إذا خالطنا الكافرين لمصلحة بيننا وبينهم وخاضوا فى ديننا فلا نقعد معهم فى هذه الساعة لكن نعود إليهم بعده بدليل قول الله تعالى -: "حتى يخوضوا فى حديث غيره"، أى إذا خاضوا فى حديث غيره خالطناهم، وقعدنا معهم من إجل تحقيق مصلحتنا التى عندهم والحديث فى هذه المسألة طويل لكنا مازلنا على مدرسة (يغور اللبن من وجه القرود).
 دين الحياة مثالية ممكنة
الأحد:
والذى أراه أن دين الحياة مثالية ممكنة، لا مثالية فلسفة أفلاطون، ولا ما أطلقنا عليه (سينما) أو ما أطلق عليه بعض الطيبين (جنة أو ملائكية) فليست مثالية الدين شيئا من خيال أو تصور بعيد؛ بدليل قول الله تعالى: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" ففى وسع كل إنسان أن يكون نظيفا فى بدنه، زكيا فى سلوكه، عظيما فى معاملته، تقيا فى تعاملاته، يؤدى الأمانة إلى من ائتمنه، ويكرم ضيفه، ويمنع أذاه عن جاره، ويساعد من هو فى حاجة إلى معونته قدر وسعه، واستطاعته، يعيش فى سلام مع ربه، ونفسه، والناس، ومن ثم قال عليه الصلاة والسلام: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن".
والأجيال ضحية هذا الدين الذى انتهجناه، وهو دين الحالة، ألا ترى الصغير إن جاءه والده بثوب جديد سأله: هل اقترب العيد يا أبى!
ذلك لأنه اعتاد ألا يأتيه أبوه بجديد إلا فى العيد، وإن عاد بحلوى أو فاكهة سأله كل من فى أسرته قائلا: ماذا جرى؟ هل صرفت علاوة؟ هل زيد راتبك؟ هل رد إليك المدين الذى طلع روحك وروحنا مالك! لأنهم لم يعتادوا تلك النفحة إلا ووراءها مناسبة أى حالة، وكما يحدث فى الأمور المادية يحدث بعينه فى الأمور المعنوية، أما ترى لو واظب تارك الصلاة عليها فأقامها، أو قال بحلال وحرام قيل فيه : قد استشيخ، أو قيل فيه: الحمد الله الذى هداك أو اتلم عليه أحد الصالحين، وكأن المعهود عنه أنه شيطان، فكيف تحول الشيطان إلى ملاك فى غير مناسبة، أما المشار إليه فى حديث السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله (وشاب نشأ فى عبادة الله) فعزيز أن ينشأ وحده مخالفا أسرته التى شب فيها على دين الحالة، إلى درجة أن بعض الأسر إذا جلبت فولا جافا كالذى يدمسونه فى رمضان هتف من رآه بقوله: ده بيفكرنا برمضان، كلٌ معلقٌ بالحالة من أثر الخطاب الدينى الذى يشبه إقرار الناس على الحالة، ويبقى الخطاب الدينى المهجور الذى يذكر الناس بأن ديننا دين الحياة، لا دين المناسبات.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة