الكاتب الساخر الراحل الأستاذ محمود السعدني - أرشيفية
الكاتب الساخر الراحل الأستاذ محمود السعدني - أرشيفية


صحفي تهابه الحكومات.. محمود السعدني يتحدث عن «الرجل القمة»

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 22 أكتوبر 2020 - 09:02 م

بدأت صلة العبد لله بالكاتب الصحفي الكبير الأستاذ محمد التابعي على صفحات مجلة "آخر ساعة"، ثم تعقبته على صفحات "أخبار اليوم" وتمنيت من أعماقي أن ألتقي به مرة وأجلس معه وأتحدث إليه، وجاءت الفرصة في معرض أقامه الرسام طوغان في نهاية الأربعينات، وصافحت الأستاذ محمد التابعي، وتحدثت إليه، والتقط المصور صورة تذكارية للعبد لله إلى جانبه، وقلت للكاتب الكبير إنني في حاجة إلى وقت أطول للحديث معه، فأجابني ببساطة، مرحبا بك في أي وقت..
سألته: فين؟
أجاب: في منزلي بالزمالك.
وصور لي غروري وأنا في بداية شبابي أنني صرت من أصدقاء الأستاذ محمد التابعي، وكيف لا أكون صديقه وقد دعاني إلى منزله؟
وخطفت رجلي بعد أيام وذهبت إلى منزل الأستاذ محمد التابعي، وفتح الباب خادم عجوز، وسألت عن الأستاذ محمد التابعي، فسألني عن اسمي، ثم عاد بعد قليل وقال:
- البيه نائم!!.
واستبد بي الغيظ لحظات ثم أخرجت ورقة من جيبي وكتبت عليها السطور التالية:
- الأستاذ التابعي.. إن لي قلما كقلمك، ولكنه أرفع وأروع، وعندما يحين الوقت المناسب سأكتب للملايين قصة الذين يسكنون الزمالك ويكتبون عن آلام الناس في حوش بردق وشق الثعبان!.
وهكذا انقطعت "الصداقة" التي توهمتها بيني وبين الأستاذ محمد التابعي!
وبعد خمسة عشر عاما كتبت عدة حلقات عن شخصيات مصرية تحت عنوان "رجل فوق القمة" بدأتها بالفنان يوسف وهبي، والدكتور أنور المفتي، والشيخ مصطفى إسماعيل، والمهندس حسن فتحي، ثم جاء الدور على الأستاذ محمد التابعي.
اتصلت بالأستاذ محمد التابعي ووصلني صوته على التليفون هادئا، وضرب لي موعدا في اليوم التالي.
وفي الموعد المحدد ذهبت إليه، واستغرق حديثي معه أربع جلسات على مدى أسبوع، اكتشفت أن الكاتب الكبير لا يعيش زماننا ولا يجد نفسه.. فالقاهرة التي يعرفها تغيرت، والناس أيضا.
سألته: هل يسهر في أماكن خارج البيت؟
سألني: وهل هناك يطمئن الإنسان إلى ما يقدمه؟
واكتشفت أنه لا يغادر بيته إلا نادرا، وعرفت أنه لا يزور أحدا ولكن الأصدقاء يحضرون لزيارته.
ولم يكن أصدقاؤه من النوع العادي، ولكنهم كانوا زبدة مجتمع مصر، سألته عن كاتب كبير ورأيه في ما يكتبه؟
فأجابني: أنه يهدي كتبه إلى ابني وأحيانا أتصفحها!
سألته عن شاعر كبير؟
فقال: لا بأس به! 
ورحت أنظر إلى الأستاذ محمد التابعي وهو جالس أمامي والتمست له العذر.
فهذا الرجل كانت تهابه الحكومات وتعمل له ألف حساب، وكل الفنانين الكبار شهد خطواتهم الأولى وأشترك في صنع أمجادهم. كلهم وبلا استثناء.. من أول أم كلثوم إلى محمد عبدالوهاب إلى أسمهان إلى فريد الأطرش، وكل أصحاب الأقلام الذهبية والأسماء الرنانة كانوا تلاميذه وأبناءه كلهم من أول مصطفى أمين لعلي أمين لكامل الشناوي لإبراهيم الورداني لمأمون الشناوي لمحمد حسنين هيكل، ثم... إنه صاحب الفضل في الصورة التي أصبحت عليها الصحافة المصرية الحديثة ونفس الشيء ينطبق على الصحافة العربية.

إنه رجل ليس فوق القمة، ولكنه القمة نفسها.

وبعد نشر الموضوع بساعات، تلقيت تليفونا من الأستاذ محمد التابعي يشكرني على ما كتبته، واعتبرت هذه المكالمة هي أكبر جائزة صحفية نلتها في حياتي.

رحمة الله عليه أستاذنا محمد التابعي، بمناسبة ذكرى رحيله عن دنيانا في ديسمبر 1976.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة