نادر حلاوة 
نادر حلاوة 


المتجهمون في الأرض !!

بوابة أخبار اليوم

السبت، 24 أكتوبر 2020 - 12:06 م

بقلم: نادر حلاوة 

هل سألت نفسك مرة عن الهدف الحقيقي من اعتناقك هذا الدين أو ذاك ؟ 

هناك غايتان أساسيتان لا ثالث لهما يشترك فيهما جميع المؤمنين بكل الأديان على كوكب الأرض 
الغاية الأولى هي تحقيق السلام النفسي والطمأنينة في الدنيا 

أما الغاية الثانية فهي ضمان المصير الأفضل بعد الموت ، وهنا تتباين مفاهيم الأديان بين آخرة وجنة ونار أو تناسخ وغيرها من المعتقدات ، لكن الغاية الأولى تظل ثابتة عند الجميع فالإيمان أيا كانت أشكاله يمنح المؤمن السكينة والطمأنينة والراحة باستناد المؤمن إلى تواصل روحاني مع قوة كونية مطلقة القدرات .

ومن يصل إلى هذا السلام الداخلي تراه على وجهه إشراقا وبشاشة ، لكن المدهش في زماننا ومكاننا  أن أغلب من يرفعون شعارات الدين ويتحدثون عن قوة الإيمان سترى على وجوههم إما تجهما أو نظرات غاضبة عدائية ، أو حتى ابتسامات زائفة صفراء صقلوها بما يعتمل في صدورهم من معتقدات لا تفسح أي مجال لظهور السلام النفسي والراحة الحقيقية .

والمشكلة هنا تكمن في نمط التدين الغالب في عصرنا وتحديدا خلال النصف قرن الأخير ،فهناك فارق شاسع بين الدين و التدين كالفرق بين السماء و الأرض فالتدين هو فهم وممارسة الناس للدين لذلك تختلف أنماطه من بيئة لأخرى ومن زمان إلى زمان، وإذا كان الدين كالمطر النقي الذي يهبط من السماء فإن التدين هو نتاج ما تنبته التربة بعد سقوط المطر ، ولكل تربة طبيعتها ولكل بذرة تنمو هناك من تخيرها وبذرها في التربة .

تديننا المعاصر الذي تضافرت لتكوينه عوامل شتى يعاني من خلل أساسي وهو الاعتقاد بأن دور المؤمن هوتحويل كل البشر إلى نمط تدينه هو، وكأنه هو المكيال المثالي للإيمان ، ويظن هذا المؤمن المتحمس أن ثمة عصا سحرية قد يمتلكها ذو سلطة فيغير بها قناعات ومعتقدات الناس كيفما شاء فصار التكالب على الوصول إلى السلطة هم جماعات من هؤلاء المؤمنين ،وهم الباقين هو ممارسة السلطة على غيرهم من أفراد المجتمع، فأصبح الجميع قضاة للأخلاق والإيمان يقيسون درجة إيمان غيرهم ويوجهون النصح لهذا وهذه ، بل ويقهرون غيرهم على ما يظنونه صوابا.

أصبح التفتيش في صدور الناس وضمائرهم الشغل الشاغل للجميع ، ووسط كل هذا أغفلوا إصلاح ذواتهم أولا فلا أحد يجرؤ على تقويم وتقييم إيمان غيره إلا من ظن بأنه مكتمل الإيمان حتى ولو نفى هذا ، وعندما يبلغ إنسان هذا الشعور الزائف بالكمال تراه غاضبا من أي نقص يبصره في غيره ، وتراه ضيق الأفق يظن أن ما معتقداته وأفكاره هي المعيار الوحيد الصحيح لإيمان غيره .

لا يدرك هؤلاء أن المجتمع الفاضل يبدأ بالفرد الفاضل ، وهذا الفرد دوره الأسمى والأعظم أن يجعل من عقيدته أداة لإصلاح ذاته لا ذوات غيره ، وهنا يظهر الهدف الأول لاعتناق الأديان وهو بلوغ مرحلة السلام الداخلي الذي سيظهر بدوره في سلوك الإنسان تسامحا ورحمة ومحبة ،فمن يدرك الحقيقة الكلية لهذا العالم_ولومن وجهة نظره الخاصة_  لن يتسع قلبه للكراهية أو الحقد أو الغضب أو الرغبة في ممارسة القهر على غيره لإجباره على هذا النمط من "الإيمان القسري".

أما المتجهمون و أصحاب الابتسامات الصفراء فقد سقطوا في هوة سحيقة لنمط تدين يُعلي من شأن المظهر الخارجي على حساب الجوهر ، ويمنح طاعة الفتاوى الأولوية على ضميره الإنساني الذي فُطر منذ الولادة على التفرقة بين الخير و الشر وغُرست فيه القيم الإنسانية العامة التي لا يختلف عليها كائن من كان في هذا العالم ، وهذه القيم تتشوه حين ينشأ الإنسان في بيئة ثقافية مكتظة بالتناقضات الأخلاقية فبينما يخبره ضميره من الأعماق بأن الحب قيمة عليا يقتنع عقله المسلوب بأن هناك كراهية مقدسة ، وبينما يصرخ ضميره بأن الرحمة قيمة عظمى يغلي صدره بالرغبة في قتل هذا أو ذاك وفق نص ما يفهمه بطريقته أو بالطريقة التي شاعت في ثقافته . 

ومع التشبع التام بأفكار هذا النمط من التدين ينسحب الضمير فيخفت صوته، وترتفع صيحات الحناجر تردد كلمات بلا صدى ، ويغيب العقل تحت ركام التناقضات الهائلة فتسمع عجبا وترى أعجب وتنظر إلى مجتمعك وهو يغوص أكثر فأكثر في دوامة عميقه تضعه خارج الحضارة وتسقط عنه رداء الإنسانية قطعة .. قطعة . 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة