علاء عبدالوهاب
علاء عبدالوهاب


يوميات الأخبار

زيارة سريعة لمستقبل.. لا ينتظر متكاسلاً!

علاء عبدالوهاب

الثلاثاء، 27 أكتوبر 2020 - 07:15 م

 

اقتحام المستقبل لم يكن يوماً ترفاً أو نزهة، إنما إرادة وعزم، من ثم فإن دوران عقارب الساعة ليس فعلاً ميكانيكياً، بقدر ما هو ترجمة لإرادة فعل انساني.

 تجاوز الأسقف
المحطة الاولى:

لطالما ألهب المستقبل وشواغله وهمومه عقلي، وبصدق لا أستطيع أن احدد منذ متى ملك ذلك الأمر علىّ تفكيرى.
لم استطع- أيضاً- مقاومة اغراء تلمس «آفاق المستقبل» لكل ما حولي، متجاوزاً الحدود والأسقف جميعها، حتى إن الكلمتين ما بين القوسين كانتا عنوان باب اسبوعى حررته لسنوات.
كان المستقبل- وعفواً إن سبقته بـ «كان» - أجمل وأعظم الاشياء فى نظري، لكنه بالقدر ذاته من اليقين لا يصادف الكسول أو المتقاعس أو المتواكل فرداً كان أم مجتمعاً، فالحق فى المستقبل لا يملكه إلا من يقبل بمواجهة تحدياته.
اقتحام المستقبل لم يكن يوماً ترفاً أو نزهة وإنما إرادة وعزم، من ثم فإن دوران عقارب الساعة- فى اعتقادي- ليس فعلاً ميكانيكياً بقدر ما هو ترجمة لإرادة فعل انسانى يسبقها فكرة، وخطة، وعمل شاق. هكذا كنت أثمن المستقبل كفكرة ومعى.
 القدرة على الحلم
المحطة الثانية:

لا يمكن أن تشارك فى صناعة المستقبل إلا إذا كنت قادراً على الحلم، وتملك خيالا خصباً، ولا يغيب عنك قراءة واعية للواقع، وإلا كنت ضحية لسراب أو ضائعاً فى غيابات المجهول.
اليوم وبعد مسيرة عملية تجاوزت الأربعة عقود، يستطيع المرء أن يمتلك رؤية نقدية دون إدعاء للحكمة، وإذا ما انجز الانسان ما كان يطمح فى تحقيقه، فإن ما يسديه من نصح، أو ما يسلط عليه الضوء من مواطن ضعف، أو الاشادة بما يستحق من انجازات فإن أى شبهة بالتجاوز تكاد تنتفى، إذ  إن ما يبقى من العمر لا يحتمل إلا كلمة لوجه الله، يقولها المرء ويمضى.
 من ثم، فإن تأمل المشهد الراهن يشى بمقاربات تلامس المستقبل، تمنح قدراً طيباً من الطمأنينة، بأن الآتى قد يحمل فى طياته ما يدعو للتفاؤل.
ربما يبدو للبعض أن الأمر ليس كذلك، لكن قد يعود ذلك إلى أن هذه النظرة يحرم أصحابها أنفسهم من رؤية بانورامية، من شأنها أن تحركهم نحو موقع أفضل للرؤية، ومن ثم التقييم.
أولوية التعليم
المحطة الثالثة:
عدة مبادرات تصب فى خانة اشتباك إيجابى مع المستقبل.

بالتأكيد يظل التعليم المشروع القومى الأولى بالاهتمام، ما دمنا قد عقدنا العزم على اللحاق بقطار المستقبل، ويتصدر الأولوية هنا المعلم إعداداً وصقلاً، والأهم مستواه المعيشى الذى يحصنه من التحول إلى ماكينة، لا تسعى إلا لجمع المال من الدروس الخصوصية والتجول بين السناتر.
أؤمن بأن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، شرط أن يعقبها خطوات تدعمها وتؤكدها، من ثم فإن الزيادة التى تبدو متواضعة فى دخول المعلمين، لابد من وضعها فى سياقها، إنها مجرد بداية.
الزيادات الشهرية تكلف الموازنة العامة أكثر من ٦ مليارات جنيه، ولا شك أن توفىر حياة كريمة للمعلم وأسرته يستحق المزيد، ومع وصول بند التعليم فى الموازنة إلى ما نص عليه الدستور، سوف يتم ترجمة ذلك إلى رقم أكبر فى دخل المعلم.
اتساءل متمنياً: هل يمتد بى العمر كى أرى المعلم الذى يتلقى أحفادى دروسهم على يديه، قريب شبه بمن علمونى القيم والأخلاق قبل العلم؟ تفاؤلى الذي قد اتخلى عنه تحت وطأة الضغوط أحيانا، لايتخلى عنى هو، ويظل مخلصاً لي، يبشرنى بأن القادم بإذن الله أفضل. وإذا كان لى أن أطلق العنان لحدود الزيارة السريعة لمستقبل التعليم فى وطنى، فلا أقل من أن نمتلك القدرة على صياغة تجربة تقودنا إلى دائرة التنافسية العالمية فى التعليم، فهل تجاوزت حدود الحلم الممكن؟
 صناعة الغد
المحطة الرابعة:
«ابدأ حلمك».. «جائزة الدولة للمبدع الصغير».

مبادرتان تم إطلاق الأولى فى ٢٠١٩ والثانية فى ٢٠٢٠.
حضّانتان للقوة الناعمة، إذ لا يلامس مجتمع أفقاً للمستقبل سوى باعتماد تلك القوة، إلى جانب القوة الخشنة والقوة الذكية فى حزمة واحدة تضمن للوطن أن يتقدم وينهض، وهو محصن وقادر على حماية انجازه. المبادرتان ترجمة عملية للإهتمام بعقول الأجيال المسئولة عن صناعة الغد.
«ابدأ حلمك» مبادرة هدفها اكتشاف ودعم المواهب الشابة، فى مجالات إبداعية عدة، عبر تنمية الوعى العام، ومن قبله تنمية الوعى بالفنون، والمهم أن يتم تعميم التجربة حتى تصل إلى القرى النائية والنجوع البعيدة، وألا تقتصر على عواصم المحافظات ومدنها الكبري.
أما جائزة المبدع الصغير، فمن نصيب من لا يتجاوز عمره الثامنة عشرة عاماً، ويستطيع  تقديم منتج فكرى أو مادى مبتكر، ولعل من بين هؤلاء من يمثل روافد لمبادرة «ابدأ حلمك» فتتكامل المبادرتان، لتجسيد معنى مهم يتمثل فى التوزيع العادل للثقافة وخدماتها ومنتجاتها لجميع أبناء الوطن.
 توليد الافكار
المحطة الخامسة:

التعليم، كما الثقافة، دعامتان رئيسيتان لضمان جاهزية الوطن لمواجهة تحديات المستقبل، كيف يصبح التحدى فرصة، تلك هى المسألة، أو بدقة أكثر هى المعضلة، إذ العالم يتحرك من حولنا بسرعة ولا تنتظر التحولات الكبرى من لا يستطيع استيعابها، أو اللحاق بها.
 عبر التعليم، والثقافة تولد أفكار جديدة تماماً.
بحكم خبرة السنين، أتصور أننا بحاجة لمؤتمر قومى يناقش تطوير التعليم ودور الثقافة معاً فى بناء إنسان قادر على التعاطى من التوجهات التى سوف تعيد صياغة شكل العالم فى العقود القادمة، عبر نوع مختلف من التفكير.
مؤتمر يرسم خارطة طريق، فى ضوئها يتم صياغة استراتيچية متكاملة لبناء الأجيال، التى قدرها تحمل مسئولية المستقبل على الأقل حتى منتصف القرن الحادى والعشرين.
النفط الجديد
المحطة السادسة:

فى منتصف العمر- تقريباً- لاح فى الأفق مصطلحات من قبيل «ثورة المعلومات» و«التدفق المعلوماتى».. بالنسبة لجيلى كان ذلك بشائر الولوج إلى عصر المعلومات، ومضى قطار العمر سريعاً ليتحول الأمر إلى واقع مُعاش.
بالفعل أصبحنا نعيش ليس فقط فى عصر المعلومات، وإنما عصر الهيمنة المعلوماتية، وقبل أن ينتهى قرن، ويبدأ آخر شهدنا الثورة الرابعة فى تاريخ الإنسانية، أى «ثورة المعلومات» صاحبها تطور تقنى، كان يصعب تصور أبسط ملامحه قبل أن نستيقظ على تجلياته الهائلة.
لم أندهش- للحظة- وأنا ابن تلك الحقبة حين طالعت قول ستيلا ابراهامز وزيرة الاتصالات والتقنية الرقمية فى جنوب أفريقيا: إن المعلومات هى النفط الجديد.
التصريح جاء فى سياق مشاركتها بالقمة العالمية للذكاء الاصطناعى، وطالبت بتمكين شعبها وحماية معلوماته، والقدرة فى نفس الوقت على تحقيق ربح اقتصادي، وأن ذلك يمثل تحدياً للحكومات. وبالطبع فإن الأمر يتوقف فى العديد من جوانبه على التراكم المعرفى الناتج عن التعليم والثقافة لدى مجتمع بعينه، ومدى ارتباط ذلك بالنظرة للمستقبل.
ثروة لاتنضب
المحطة السابعة:

إذا كانت المعلومات ثروة لا تنضب، مقابل الثروات الطبيعية التى مهما طال أمد عمرها، فهى الى نضوب، فإن الهم الذى يشغل البال، يتعلق بكيف نتحول إلى منتجين للمعلومات؟ ثم كيف نؤمنها؟ ثم كيف نعظمها وننميها ونستثمرها؟
ثمة تناسب طردى بين أهمية المعلومات، وقيمة المعرفة، والقدرة على مراكمتها، والاشكالية هنا ليست فى أن نعرف، ولكن أن ننتج المعرفة، لا أن نوطنها - فقط - من حيث أتت.
أقرأ، وأشاهد، وأستمع إلى من يستعرض معلوماته حول مسألة علمية أو اقتصادية، أو فكرية ويلقب نفسه، أو يخلع عليه من يستضيفه ألقابا من قبيل المفكر الكبير، العالم البارز، الاقتصادى البارع، ثم يصدمك أن ما يقوله هذا أو ذاك ليس من بنات أفكاره، أو نتاج ابحاثه، وإنما هى معلومات على الشبكة العنكبوتية، يستطيع حفىدك بضغطة زر أن يتوصل إليها، وبمقدور ابنك أن يعرضها بصورة أفضل، لأن لديه امكانات اتصالية أرقى من صاحب الوجه اللامع والصوت الرخيم!
فى ظل إيقاع متسارع بصورة مذهلة لتجليات الانفجار المعلوماتى والمعرفى، بات ما يجب أن يشغلنا- جميعاً- الاجابة العملية على سؤال لا يمكن تأجيل طرحه، وإلا سيتجاوزنا الزمن: كيف نصبح منتجين للنفط الجديد، اقصد المعرفة بمعناها الحقيقي؟
المثلث الذهبى
المحطة الثامنة:

دون أدنى مبالغة، أميل إلى النظر لهذه القضية بإعتبارها مسألة حياة أو موت، ترتبط- بالأساس- بضرورة إعادة النظر فى تعاطينا مع كل ما يخص البحث العلمي، وضرورة الربط بين هذا الأمر ومفهوم القوة التنافسية للدولة، فى عصر بات التقدم المعلوماتى والتقنى الاساس المعتمد لتصنيف الدول، ووضعها فى المكانة الجديرة بها، جنبا إلى جنب مع مكانتها الاقتصادية وقوتها العسكرية، فهذا المثلث يصنع- فى المحصلة النهائية- المكانة السياسية للدول.
بل لا أغالى إذا ذهبت إلى حد اعتبار التقدم المعلوماتى والتقنى قاعدة هذا المثلث الذهبي، لأن المكانة الاقتصادية والآلة العسكرية، كلاهما يعتمد تماماً على البحث العلمى والتراكم المعرفى معلوماتياً وتقنياً.
أقرأ، وأسمع، وأشاهد، دعوات للاستفادة من تجارب دول سبقتنا فى أكثر من مضمار، وأحرزت نجاحات بارزة فى العديد من الميادين، وآن أن أتابع كل ذلك فىما يخص قضية البحث العلمى، وأن أتطلع - بإلحاح وشغف - إلى زيارة سريعة للمستقبل.
لن نعيد اختراع العجلة، وعلى القائمين على أمر البحث العلمى استكمال الطريق من حيث انتهى الآخرون، وطبقاً لاحتياجاتنا الوطنية، سعياً لابداع الجديد المبتكر، لا استنساخ ما سبقنا «الآخر» إليه.
أخيراً٬:
لا أستطيع أن أجزم، هل من المناسب أن يضاف البحث العلمى إلى أچندة المؤتمر القومى الذى دعوت لانعقاده ليناقش قضايا التعليم والثقافة، أم أن الأمر يتطلب أن يكون مؤتمراً قائماً بذاته؟

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة