عمرو الخياط
عمرو الخياط


نقطة فوق حرف ساخن

الممارسة السياسية الآمنة

عمرو الخياط

الجمعة، 30 أكتوبر 2020 - 06:38 م

 

ليس هذا مقالا عن تفاصيل العملية السياسية للانتخابات البرلمانية، ولا عن ملابسات المنافسة السياسية، لكن المقصود هو الإشارة إلى تفاصيل الحالة المؤسسية التى تمكنت الدولة خلالها من إتمام ممارسة سياسية آمنة للمرشح أو الناخب فى ظل تعددية حزبية ظاهرة مختلفة الأوزان النسبية، وفِى ظل استمرار تداعيات جائحة كورونا.

الانتخابات الجارية الآن ليست عملية تنافسية اعتيادية بل خطوة مهمة لتأكيد قدرة دولة ٣٠ يونيو على ترسيخ استقرار مراحل ومكتسبات خارطة الطريق التى كان السيسى قد أعلنها عشية ٣يوليو من العام ٢٠١٣.
لقد جرت العملية الانتخابية فى مرحلتها الأولى فى أجواء معلنة وتحت رقابة ميكروسكوب إعلامى محليا ودوليا، وقد تكون بعض وسائل الإعلام تحدثت عن سلبيات لكن واقع المشهد أكد حالة من الانسيابية والتناغم المؤسسى استطاعت أن تحققه الدولة برغم ما يحيط بها من تعقيدات إقليمية ومصاعب اقتصادية ومواجهات مستمرة للإرهاب المتربص.
لقد تمت العملية الانتخابية دون رصد تجاوز أمنى واحد فى أنحاء الجمهورية، وهى حالة معقدة تضيف أعباء جديدة على مؤسسة الأمن المصرى إلى جانب مسئولياته اليومية الروتينية التى يمارسها دون صخب ظاهر لكن تأثيراتها تصل لكل مواطن ولكل بيت بتدفق شعور بالأمان لا يمكن تقييم حيوية دوره فى حركة دوران الحياة إلا بافتقاده وهو احتمال باهظ التكاليف، وبرغم ذلك لا يمكن الإقرار بحالة ألفة الأمن ومايترتب عليها من افتقاد لأهميته بحكم الاعتياد، أن تألف الأمن فتفقد الشعور بقيمته هو أمر ضد المنطق وضد الواقع ويعكس تشوهاً فى فهم معنى الدولة.
ومخطئ من يعتقد أن تأمين العملية الانتخابية خلال طباعة ونقل بطاقات الاقتراع، وتأمين مقار التصويت، وتأمين عملية التصويت، نقول مخطئ من يعتقد أنه بالأمر اليسير الناتج عن الصدفة أو إفرازات اللحظة، بل هو عمل مؤسسى يعكس حقيقة منظومة أمنية لديها خطط تأمينية محكمة ولديها القدرات المادية والبشرية القادرة والمدربة على تنفيذها، ولم تكن المؤسسة الأمنية لتتواجد بهذا المستوى إلا داخل بنيان تنظيمى لدولة راسخة الاستقرار.
أحاطت بهذه الحالة الأمنية منظومة قضائية محكمة منذ لحظة تقديم الأوراق وفحص ملفات المتقدمين والتأكد من استيفائهم لشروط التقدم، وصولاً إلى الإشراف الكامل على عملية التصويت وتحقيقاً لحماية إرادة الناخب.
إدارة العمل القضائى على النحو الذى تم لم يكن ليحدث إلا استناداً لمؤسسة قضائية محكمة البنيان الإدارى والقانونى، والتى استطاعت أن تديرها اللجنة العليا للانتخابات من خلال إجراءات محددة ومعلنة تستند لمرجعيتها الدستورية والقانونية.
عموم الحالة عكس قدرة الدولة على ضبط أداءات مؤسساتها فى مسارات محددة تنتهى بتحقيق أهدافها التى نشأت من أجلها.
بالتوازى مع الأداء الأمنى والقضائى المنضبط ظهرت منظومة إعلامية خاصة ورسمية استطاعت أن تتيح مساحات بارزة للتعبير عن هذه الحالة الانتخابية، فمكنت المرشحين منفردين أو فى قوائمهم من تقديم أنفسهم لجمهورهم من الناخبين، كما مكنت الناخب من التعرف على هدفه الانتخابى وإدراك أهمية الاستحقاق الذى يدعى إليه دستوريا.
لم يقتصر دور الإعلام المصرى على الأداء الإعلانى عن تفاصيل الاستحقاق الدستورى بل إنه نجح فى عملية تثقيف انتخابى مكثفة من أجل التوعية بأهمية المشاركة وفرض الإرادة الشعبية دون التورط فى عملية توجيه تصويتى محددة.
لقد مارس الإعلام عمله بمسئولية احترافية استهدفت حالة من التوعية العامة وليس التصنيف السياسى أو الحزبى.
حالة انسجام إدارى وتناغم منضبط ظهرت عليه الدولة المصرية التى قدمت نموذجاً للقدرة على إدارة عمل مؤسسى ضخم أكد امتلاك هذه الدولة لأدواتها والقدرة على استخدام هذه الأدوات استخداماً تحكمه قواعد القانون.
ليس ذلك فحسب بل إن القدرة على إدارة الممارسة السياسية الآمنة بهذه الاحترافية أكد قيمة الإرادة الشعبية فى ذهنية قيادة هذه الدولة التى سخرت مؤسساتها من أجل إنفاذ هذه الإرادة وحمايتها.
هكذا ظهرت الدولة المصرية بقدرتها على الاستمرار فى بناء مؤسساتها الدستورية المستمدة شرعيتها من الإرادة الشعبية، من خلال منظومة شديدة الانضباط عكسها المظهر الملتزم لقوات التأمين والالتزام العام بالإجراءات الاحترازية والوقائية فى مواجهة الفيروس الذى لم يستطع أن يصمد أمام إصرار الإرادة الشعبية التى عقدت العزم على إدارة عجلة الحياة وليس الاستسلام لاحتمالات المرض.
وفِى وسط محيط إقليمى شديد التعقيد لم تعجز دولة ٣٠ يونيو عن مواصلة البناء القانونى لسلطاتها الدستورية دون أن تغفل عن ملفاتها الدبلوماسية.
فى الحقيقة لم تكن عملية التصويت لفرادى المرشحين أو لقوائمهم الانتخابية بل كان تصويتاً حقيقياً لاختيار الدولة المصرية مرشحاً وحيداً اجتمعت على محبته إرادة المصريين.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة