الكاتب الصحفي إبراهيم المنيسي
الكاتب الصحفي إبراهيم المنيسي


في عيد ميلاد بيبو الـ ٦٦ ..

ابراهيم المنيسي يكتب: الخطيب.. والـ ٣ ورقات !!

بوابة أخبار اليوم

الجمعة، 30 أكتوبر 2020 - 10:28 م

 

وكأن سر الحياة كله مخفي فى ورقة.. الانسان منا يولد بورقة..يتعلم بورقة.. يكد  ويسهر وينجح بورقة.. يسترزق بورقة..يكمل دينه بورقة.. يحمى نفسه بورقة .. يعيش بورقة  وأخيرا يموت بورقة ولا يدفن بغير ورقة..وليأذن لنا يوسف بك وهبه اذا ما حورنا مقولته الشهيرة لتكون : ما الدنيا إلا  مجموعة أوراق..!

 

كنت أطالع مقالة الصديق العزيز عصام السباعى -رئيس تحرير اخر ساعة - فى  يوميات الأخبار وهو يتحدث عن محمود الخطيب وكيف أنه يري عبقريته وسر نجاحه  فى أخلاقه..والأهم من هذا أنه  كبشر يخطئ لكنه لا يكابر هو يعترف بخطئه  ويصححه  ويستفيد منه..  فلا هو ولا مجلس ادارة ناديه الأهلى ملائكة فلا يوجد على الكوكب من هم كذلك..لكن يبقي التميز فى أخلاق الانسان وعفة لسانه ومدى استفادته من أخطائه..


السباعى  عفيف القلم ، دقيق الألفاظ ونقي السريرة .اعرفه نابغة  منذ أيام الدراسة بكلية الاعلام جامعة القاهرة حين جلست أمامه بقاعات الدرس وكان قد عين  معيدا لتوه  قبل أن يخرج مستجيبا للنداهة..صاحبة الجلالة. بوصلة السباعى لا تخطئ الأحكام خصوصا عندما  تتجه إلى منطقة  الأخلاق وقياس درجات النقاء الانسانى..

كلمات السباعى حركت بداخلى الكثير..بل وبعثرت أوراقا كثيرة  بها شخابيط حكايات  وحواديت ومحتاجات عن محمود الخطيب.

ولكن لماذا الخطيب..؟
ولماذا الآن..؟
الخطيب الذى ربما لا يختلف اثنان على أنه  أمهر من لعب الكرة وأشطر من داعب هذه الساحرة المجنونة وروضها  ونال من وراءها شهرة لم يبلغها غيره؛ تكمن عبقرية نموذجه العجيب فى أنه وبرغم هجره ملاعب الكرة منذ ثلاثة وثلاثين عاما  لكنه لايزال وهج نجوميته لامعا.. ناس لا شافته ولا تابعت فنه ولم تشاهد مباراة كاملة له ومع هذا تحبه وتتحدث عن فنه وابداعاته..  شباب متعلق به ومقدر له ومسحور بشخصيته  وهو لم يشاهده بل ربما اعتزل بيبو قبل أن يأتى هؤلاء للوجود.


سر بقاء نجومية الخطيب ببدو مدهشا وعجيبا. نموذج يلفت الانتباه ويدعو المختصين بعلم الاجتماع وظواهره  لدراسة هذا النموذج المتدفق بلا انقطاع والجاذب بكل الامتاع حتى لمن لم يعايشوه..


ثلاثة وثلاثون عاما مضت على اعتزال الخطيب  كلاعب ..وضعف الرقم نفسه بالتمام والكمال يكمله رئيس النادى الأهلى  اليوم..فهو يبلغ عامه السادس والستين( مواليد ٣٠ اكتوبر ١٩٥٤) .. فكيف هذا البقاء والنقاء  بهذا النموذج المتفرد..؟


فتشت وقلبت كثيرا.. ولكن ليس كما تغنى عبد الحليم حافظ برائعة نزار ؛  بل وفى أوراق الخطيب وما عايشته شخصيا من تفصيلات  وحكايات حملتها أوراق ..لأتوقف باهتمام عند ثلاث ورقات فيهم الشفا !! 


الورقة الأولى كنت شاهد عيان عليها.. وفيها من دلالة النموذج الرياضي المختلف ما يحكى الكثير..

 

الورقة الأولى..الخطيب يتنازل عن مستحقاته ويطلب ارجاعها لخزينة الدولة ردا على قرار اتحاد الكرة فى مارس ١٩٩٧ .. 


فى العام ١٩٩٧ كنت قريبا من الخطيب حين كان مديرا لجهاز المنتخب  ومعه فاروق جعفر كمدرب..وهى المحاولة الثانية للاستفادة من الخطيب وتأثيره وخبراته فى المنتخب..كانت الأولى نهاية الثمانينيات مع الجوهرى حين شكل وزير الشباب والرياضة انذاك د. عبد الاحد جمال الدين جهازا فنيا وطنيا وضع الخطيب على رأسه لكن وهج نجومية بيبو هز رأس الكابتن الجوهرى الذى جار على اختصاصات الخطيب شيئا فشيئا حتى اضطر الخطيب للانصراف بهدوء لدرجة أنه حين صارح مدربه السابق بالنادى الكابتن الجوهرى برغبته فى الرحيل ، لم يكن يشغل بال الجوهرى يومها غير رد فعل الجمهور ( ايوه بس هنقول للناس يا بيبو ؟) وما كان من الخطيب الا أن قال : لا تشغل بالك يا  كابتن..أنا اللى هأقول..ومش هأعمل لك أى مشكلة..وخرج الخطيب يومها ببيان  من جملتين اثنتين   يعتذر عن  عن عدم الاستمرار لارتباطه بأعماله الخاصة ويتمنى التوفيق للمنتخب وجهازه الفنى.


وانصرف فى هدوء وواصل المنتخب مسيرته حتى نجح فى التأهل لكأس العالم بايطاليا ١٩٩٠..


ليست هذه الواقعة مقصدنا .."فوتك  بالكلام" ..على رأى  أهالينا فى البلد.. وخلينا نرجع   لورقة الخطيب غير المسبوقة ابان عمله  على رأس جهاز المنتخب ومعه فاروق جعفر كمدرب فى تجربة ٩٧..


كنت  أقوم بتغطية شئون المنتخب الوطنى لجريدتى  الأخبار حين إلتقيت الخطيب ذات ظهيرة بمقر اتحاد الكرة..شاهدنى واقفا مع الكابتن سمير زاهر رئيس الاتحاد يناقشنى فى وضع المنتخب .. وصافحنى بببو مبتسما وقال لزاهر : الناس بتوع شركة الملابس هنا جوه عايزين نقعد معاهم ونخلص عقودنا..ورد زاهر : وهو ينفع أتكلم أنا وانت موجود يا بيبو..خلص معاهم انت واحنا موافقين.. ودخل الخطيب للاجتماع بضيوفه ثم توجه بهم لتناول الغداء بالنادى الأهلى الملاصق لمقر الاتحاد..وانصرفت..واختفي سمير زاهر من  مقر الاتحاد فجأة..


فى نفس اليوم..وقرب العاشرة مساء ، جاءنى عبر تليفون  منزلى صوت الكابتن الخطيب متسائلا بغضب ظاهر : ابراهيم..انت عندك خبر ان سمير زاهر فى سلطنة عمان.. هل عندكم فى الأخبار  خبر عن كده..


قلت له: لا.. انت  شوفتنا واقفين فى الاتحاد وكلمك..عن عقد الملابس..بس اختفي بعدها..


قال : انا جبت الاهرام طبعة  أولى وأنا  مروح لقيت فيها خبر صفحة أولى ان سمير وصل عمان للتعاقد مع الجوهرى..


 أبديت دهشتى الكبيرة لأن سمير زاهر لم يشر أبدا الى رغبته فى هذا وتعحبت كثيرا من أن يقول للكابتن الخطيب : هو احنا ينفع نتكلم وانت موجود....(فى الاشارة لأمانته ودقته فى تفاصيل مثل هذه التعاقدات ..)خلص انت واحنا موافقين .. وشعرت بتنهيدة الخطيب الغاضبة والمهددة عبر الهاتف..ثم قال لى :  "طيب...خلينا على اتصال بكرة..احتمال اخد موقف مهم.. على الضهر كده نتكلم.." 


كانت لدى تفاصيل كثيرة  عن العمل بجهاز المنتخب الذى كان يضم علاء نبيل مساعدا لفاروق جعفر ..


كان يدهشنى وقتها  عدم اهتمام اتحاد الكرة بتحديد الاختصاصات فيما بين عمل الخطيب رئيس الجهاز ومديره الأول وفاروق جعفر المدرب أو المدير الفنى ..وكثيرا ما وقعت اختلافات فى وجهات النظر  وتاهت المسؤولية فى الاعلام ولا يهتم الاتحاد بتحديد الاختصاصات.. ولم أكن أفهم لماذا هذا الحرص على عدم حسم الأمور..


بعد مكالمة الخطيب الغاضبة  نزلت لشراء الأهرام للتأكد مما علمته ووجدت الخبر بتفاصيله من مكتب الأهرام فى مسقط..
عندها تذكرت ما كنت علمت به من كواليس اختيار الخطيب على رأس الجهاز وتركه هكذا..


كان الكابتن الخطيب مصدر ثقة كبيرة وتقدير لدى د. كمال الجنزورى رئيس الوزراء انذاك والذى كان  يحرص على مد يده فى ملف الرياضة وكرة القدم بالخصوص واذكر انه ذات مرة  جاء بالخطيب ضمن لجنة مصغرة لادارة الاتحاد مؤقتا اذكر ان لم تخنى الذاكرة كان معه  فيها الكابتن محمد السياجى والكابتن ابراهيم يوسف رحمة الله عليهما..


 كثيرون فى مجالس ادارة الاتحاد  كانوا  يشعرون  بتأثير الخطيب وتوهج نجوميته..  وكان هذا محور اهتمام  وكلام مسؤولى الجبلاية فى الكواليس وقتها.. وفهمت بعد مكالمة الخطيب وسفرية سمير ما  كانوا قد قالوه فيما بينهم وقتها : "نحط الخطيب ومعاه فاروق جعفر فى جهاز واحد..منه انهم نجوم هيقنعوا الجمهور  ويلموا الاهلاوية والزمالكاوية  ومنه  أننا   نبعد شوية عن الدوشة ووش المدفع..ولو نجحوا أهو احنا اللى جبناهم..ولو النتائج ما ساعدتش..نغير الجهاز  ونبقي   خلصنا  منهم.."


بعد ظهر اليوم التالى وبينما سمير زاهر يفاوض الجوهرى فى عمان ليعود من مسقط لتولى تدريب المنتخب لاكمال تصفيات كأس العالم  ٩٨..  جاءنى تليفون  الكابتن الخطيب بأنه تقدم الان باستقالته لاتحاد الكرة وليس هذا فقط ولكن أيضا سلم اللواء  خليل الديب مدير الاتحاد شيكا بقيمة كل الأموال التى كان قد حصل عليها من الاتحاد بقيمة زادت عن ٨٧ ألف جنيه ( كان رقما كبيرا وقتها ).. وبرر الخطيب فعلته غير المسبوقة فى اعادة هذه الأموال لخزانة الدولة بأنه لم يقدم للمنتخب ما كانت تتوقعه الجماهير من طنوحات..


 الخطيب اختصنى وقتها بارسال نص رسالته و قيمة ورقم الشيك الذى وقع  عليه اللواء الديب مدير الاتحاد بخط يده.. وثيقة كان نشرها بالأخبار فى  يوم ٦ مارس ١٩٩٧ سبقا صحفيا مهما..ولعل من يدقق فى أعلى هذه الورقة الوثيقة أقصي اليسار يلحظ عبارة "  عناية ابراهيم المنيسي " بخط يد الكابتن الخطيب ويظهر فى أعلى الوثيقة هذه  بيان ارسالها من فاكس الاتحاد المصري لكرة القدم  وبعد أن تسلم اللواء الديب أصل الاستقالة والشيك غير المسبوق..  الخطيب فى هذه الورقة الأولى  كشف فى استقالته عن مصدر الخلل معترفا بالخطأ الذى وقع منه بداية وهو قبول مهمة دون تحديد الاختصاصات بفواصل واضحة  وأيضا كاشفا الاتحاد  عند قوله أنه طلب أكثر من مرة الاجتماع بهم لتحديد المسؤوليات وعارضا استعداده التام  تحمل المسؤولية وحده لتحقيق طموحات الجماهير لكن لا أحد يرد عليه..


هذه الورقة الكاشفة الكاسفة والتى تضمنت تصرفا  غير  مسبوق فى تاريخ الرياضة المصرية..واحد بيرجع فلوس لخزينة الدولة..يتنازل عن راتبه عن فترة العمل كاملة..فى اعتذار  غير مسبوق للجماهير وفى كشف ظاهر وواضح  لموطن الخلل وسببه  وأطرافه..وفى كسف حقيقي لكل من يفمر فى استهداف صورة الخطيب..

 

لم يكن الخطيب وقتها يملك الكثير من المال الذى يمكنه من التصرف بوسع هكذا.. وكانت لديه كما أعلم  ضغوط حياتية..لكنه انتصر فقط لصورته ..وقيمته وأمانة العمل عنده وحرصه على مصلخة منتخب وطنه ..بل واختتم استقالته بأنه سيبقي دوما فى خدمة مصر من أى موقع..

 

كثيرة هى الأوراق المهمة فى ملف الخطيب ، لكن ومن بين الأوراق الثلاث البارزة والدالة على قيمة المعدن الأخلاقي لهذا الرياضي الذى كلما استمعت لتفصيلات  حياته ومكونات شخصيته تدرك معنى وتأثير التربية وما غرسه رجل التربية والتعليم ابراهيم ابراهيم الخطيب ابن المنصورة القادم من  قلب الدلتا وطينها الطيب فى نبته الصغير محمود واخوته العشر.. لكن تبقي هناك ورقتان  شديدتا الدلالة والأهمية..


الخطيب الذى لم تخذله الجمعية العمومية لناديه الأهلى مرة واحدة.. وهو الذى ترشح على كل مقاعد مجلس الادارة  واحتفظ لنفسه دوما بخاصية الحصول على أعلى الاصوات وأكبر ثقة من أعضاء ناد يعترف بفضله العظيم عليه ويقسم دوما على الاحتفاظ بقيمته وكبريائه  وتميزه..

 


قسم الأهلى الذى كثيرا ما يردده الخطيب مع نفسه  دفعه وحين زاد اللغط والاتهام وتناثرت كلمات لم يعهدها الخطيب اثناء علاقة تركى ال الشيخ بالنادى الأهلى وحرصا من الخطيب على اسمه وقيمته  ومن قبل على  كبرياء الأهلى..كانت الورقة الثانية البارزة : 


محمود الخطيب يكتب بنفسه إلى وزير الشباب والرياضة انذاك..وفى ٢٧ مايو ٢٠١٨ طالبا وبشكل رسمي ايفاد لجنة مالية وقانونية  من الوزارة والجهات المختصة  للتفتيش على النادى الأهلى وكشف حقيقة ما يتردد عن أموال هذه التبرعات والتأكد من مصارف انفاقها عبر الحسابات البنكية للنادى ولما خصصت له والوقوف على كل المستندات التى تبين حقيقة الموقف بالتمام وبكل وضوح..


الخطيب رئيس النادى يطلب بنفسه ويوقع الورقة المرسلة للوزير بنفسه  طالبا وفى أعلى درجات الحرص على الشفافية والنزاهة  وضع نفسه ومجلسه وناديه تحت تصرف القانون وتفتيش لجانه المختصة والجهات المسؤولة بالدولة..

الورق الثانية..الخطيب يطلب بنفسه من وزير الشباب والرياضة التفتيش  على النادى الأهلى وحماية المال العام..


نفس الحرص على النزاهة.. والخوف على نقاء الصورة.. وسلامة المصلحة العامة وتحديد المسؤوليات.

كما كانت بورقة الجبلاية الأولى من الخطيب كانت الورقة الثانية  إلى الوزير.. 

احتاج محمود الخطيب  إلى عامين كاملين من الصبر  على أبشع الاتهامات وطالته من الألفاظ ما تم تحويله لجهات التحقيق القضائية فى بلاغات ضد اساءات فاقت الحد  اعرف أن الخطيب كان كثيرا ما يتذكر معها وصايا والده وكلمات والدته التى رثاها بدموع منهمرة  وحروف باكية ظل يتذكرها ويرددها مع كل أزمة  وتطاول وتجريح.. وكأنه كان يدعو ربه: ربي  إنى مغلوب فانتصر..

 

ما يقرب من العامين الكاملين كانت فترة اختبار صبر الخطيب..وتحمل الخطيب.. وثبات الخطيب..حتى جاءت الورقة الثالثة  المنصفة لنموذج رياضي  يحمل من النقاء  والقيمة ما يكفي لتقديمه نموذجا رياضيا للشباب ودرسا حقيقيا فى الحرص على  ضبط النفس والالتزام بالأصول والأخلاق  والقيم السليمة وتغليب مصلحة الوطن وصورته ومكانته على كل وأى اعتبار..

بعد عامين من لجان التفتيش واعمال لجان متخصصة من كل الجهات الرقابية المسؤولة التى أمر معالى النائب العام بتشكيلها لمراجعة  أوراق وأموال وأحوال النادى الأهلى..تبرعاته وهداياه..  مستندات الصرف ووثائق الميزانية..حتى الساعات التى جعلوها  قضية الساعة وجدت جميعها فى خزانة النادى بكل تفاصيلها  وحقائقها..ليصدر مكتب النائب العام ختاما الورقة المهمة الناسفة لكل اتهام  وتجاوز والمنصفة لقيمة الخطيب ونزاهته و كانت  وثيقة ابراء الذمة من معالى النائب العام باستبعاد أى شبهة اعتداء على المال العام فى الأهلى..

 

ليتنهد الخطيب تنهيدة متعبة وهو يكمل عامه السادس والستين مستعدا للاعتراف بأى خطأ يصدر منه كبشر ويحرص على تصحيحه ومواجهته والتعلم منه ..

 

الورقة  الثالثة.. شهادة معالي النائب العام تؤكد سلامة  موقف الخطيب ونزاهة الاهلى وانه لا شبهة اعتداء على المال العام.

 

 

 

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة