دونالد ترامب
دونالد ترامب


4 مؤلفات تكشف ما وراء «ترامبية ترامب»

محمد عبدالفتاح

الإثنين، 02 نوفمبر 2020 - 02:58 م

«وضع كتاب عن دونالد ترامب ربما يكون أصعب من إطلاق النار على هدف متحرك».. عبارة أطلقها جوشوا ميتشل أستاذ النظريات السياسية بجامعة جورج تاون في واشنطن، وأعادت لور ماندفيل مراسلة صحيفة لوفيجارو الفرنسية اليومية في الولايات المتحدة استخدامها، في كتاب بعنوان «حقيقةً من هو دونالد ترامب؟».. عبارة تتبادر إلى الذهن عقب قراءة كل كتاب يتحدث عن تلك الظاهرة التي يجسدها ملياردير العقارات النيويوركي الذي يحب أن يصف ما فعله لمسرح السياسة الأمريكي بـ«الحركة»، فيما يراه المراقبون «ثور هائج» ينطح في كل الاتجاهات. 
 
تبدو الكتابة عن الرجل صعبة من زاوية أخرى، فهو حديث العهد بعالم السياسة وتاريخه مازال في طور الكتابة، ولا يكاد يمر يوم إلا وأتى فيه بجديد، وإذا كان الظهور الأول لترامب في أوساط السياسيين بتاريخ 2015، فإنه أصبح في العام التالي مباشرة المرشح الرسمي للحزب الجمهوري لخوض انتخابات الرئاسة.. ظهر ترامب في بداية تسليط الأضواء عليه متردداً في تسويق نفسه بين قالبين، الأول هو إضفاء صبغة رئاسية على هيئته ومظهره وكلماته ومصطلحاته، وهو ما تطلب جهداً خارقاً منه شخصياً ومن المحيطين به والمساعدين له وفشل الجميع في المهمة، والقالب الثاني هو أن يترك الرجل نفسه لنفسه وأن، وهو ما لخصه كوري ليفاندوفسكي، المدير السابق لحملته الانتخابية، بقوله « دعوا ترامب ليكون ترامب»،  وكان الخيار الثاني سبباً في إنتاج خطاب سياسي عنيف بدأ بدهس كل قواعد الذوق، واحتقار قواعد الديموقراطية الأمريكية برمتها، وانتهى بالتلويح بإثارة حرب أهلية وعدم قبول نتيجة الانتخابات حال الهزيمة. 


«حقيقةً من هو دونالد ترامب؟» تتسائل لور ماندفيل، علماً بأن علامة الاستفهام هنا لها مهمة تحذيرية، حيث أن لا أحد يعلم ما الذي يدور في رأس ملياردير العقارات، بل ربما هو نفسه لا يعمل إلى أين سيقوده قراره يالترشح في الانخابات الرئاسية، في حال الفوز أو الخسارة. 
 

هل يسير ترامب على نهج أندرو جاكسون، الرئيس السابع في تاريخ الولايات المتحدة (1829-1837)، ذلك الرجل لم يرتاد الجامعة ولم يكن من عائلة غنية، والذي عٌرف عنه الصرامة والصلابة واستخدام لغة ذات عبارات قوية وعزم على تحقيق ما يعد به؟ بحكمة تُحسب لها امتنعت مراسلة الصحيفة الفرنسية عن الإجابة الصريحة، مكتفية بلفت انتباه القارئ إلى الينابيع العميقة التي أنتجت شخصية ترامب. . في جملتها عوامل اقتصادية وثقافية تعود إلى حرمان طبقة اجتماعية في معظمها من البيض المهمشين محدودي التعليم والذين كان من المفترض أن يجدوا أنفسهم على رأس أولويات الحزب الديموقراطي باعتباره أميل لسياسات اليسار المنحازة للفقراء، ولكنهم وجدوا أنفسهم ممثلين في ملياردير العقارات.

 

وهو ما أكدته أيضاً  كورنتين سيلين الباحثة بمعهد العلاقات الدولية بباريس في دراسة كاشفة عن تلك الطبقة العاملة منشورة بعنوان «ترامب والناخب الشعبوي الأبيض»، واتفقت كورنتين ولور ماندفيل على أن انتقاد ترامب الدائم للـ« الهجرة التي لا تريد الدولة السيطرة عليها»، ووضع ذلك في القلب من خطاباته هو ما ضاعف من عدد مناصريه الباحثين عن «الحماية» من اتفاقيات التجارة الحرة التي جعلت من استثماررات أمريكية بقيمة 5,1 ترليون دولار تهرب إلى المكسيك وكندا ويستفيد منها عمال البلدين وليس عمال الولايات المتحدة، علماً بأن تلك الاتفاقيات وقعها بيل كلينتون في مطلع التسعينات من القرن المنصرم، «وها هي زوجته تفعل كما يفعل هو بل هي كانت على علم بتفاصيل فضائحه الجنسية»، هكذا يقول ترامب لمناصريه، واعداً إياهم بإلغاء تلك الاتفاقيات، وإغلاق الحدود لا سيما مع المكسيك، وبالتالي الحفاظ على «حدود الأمة الأمريكية ثقافياً واجتماعياً».


نُخب من الأنطاع 
هل دونالد ترامب صوت شعب ضد نُخب من الأنطاع الفاسدين المعولمين الباحثين عن متعهم الشخصية؟، تبدو الإجابة بنعم غير بعيدة عن مناصري الملياردير الشاطح على الدوام، حيث هناك من يخشى «اندثار الهوية الأمريكية»، التي يلوح بها ترامب كنوع من التخويف ويعزف بها على وتر أصحاب الحنين لأمريكا «بروتستانتية بيضاء»، ولكن منتقديه يردون بأنه يدعي لنفسه «صوت المنسيين ولكنه براجماتي انتهازي لا يهتم بفرض إجراءات حمائية لصالح الفقراء قدر اهتمامه بتحقيق مصالح الأغنياء من خلال سياسات رأسمالية تدهس من يقف في طريقها»، لذا فليس من المفترض أن يجد المهمشون والكادحون أنفسهم في خطاباته.

 

وتقدم الصحفية المراسلة رأياً آخر لمفكرين أوربيين مقيمين في الولايات المتحدة، مثل ماري سيسل نافاس مؤلفة كتاب «ترامب.. صدمة الموجة الشعبوية»، وأوليفيه بيتون مؤلف « الثورة الأمريكية الجديدة»، اللذان يريان في «الشعبوي ترامب» صدى لموجة من النعرات القومية اليمينية المتشددة في أوروبا، التي ترفض كل أشكال الهجرة والانصهار في بوتقة العولمة.. تلك الموجة نفسها هي التي دفعت الإنجليز للتصويت بنعم للخروج من الاتحاد الأوروبي، بعدما ضاق العامل والمواطن البريطاني عموماً بنظيره القادم من بولندا ورومانيا والتشيك، والذي يحصل على نصف أجره وبالتالي يجبره على القبول بأجر مماثل وإلا فإنه سيلزم بيته طريحاً للبطالة.. تلك الموجة المنغلقة هي أيضاً من جعلت من قادة اليمين يتصدرون المشهد في بلدان تقود الاتحاد الأوروبي، ففي فرنسا هناك ماري لوبان زعيمة الجبهة الوطنية FN التي تطالب بـ«فرنسا للفرنسيين»، وترحيل كل من ليس أبيض البشرة وأزرق العينين.. وبالنسبة لها فإن فرنسا لم تفز بكأس العالم عام 1998 ولا بكأس أمم أوروبا عام 2000 لأن من فعلوا ذلك لاعبين عرب وأفارقة مثل زين الدين زيدان وتيير هنري، لذا فإن أوليفييه بيتون يجيب على سؤال «ما الذي أصبحت عليه أمريكا بعد تلك الحملة الانتخابية؟»، فيقول: « أصبحت أوروبا كغيرها».


يرى أوليفيه بيتون بأن الزمن لم يعد زمن العولمة التي جسدها الغرب ونقلها لغيره، فالقيم التي كان يسهل الدفاع عنها بالأمس أصبحت موضعاً للطعن اليوم، وتحولت حملة ترامب الانتخابية لمادة تشكك في كل القيم الغربية، ليس ذلك فقط، بل أنها كشفت عن تقارب بين قوى اليمين المتطرف على ضفتي الأطلسي و«فقراً فكرياً».. تلك النظرة التشاؤمية التي تمهد لحركة غير مسبوقة في الولايات المتحدة الأمريكية، يتوقعها بيتون «الثورة الأمريكية الجديدة»، وتقوم على وعود من مناصري ترامب المتعصبين بحمل «المنجل والمشعل»، ليس للعمل والبناء أو لإنارة الطريق للأجيال القادمة، ولكن لحرق وتدمير المعبد على رؤوس جميع في حال خسارة مرشحهم، وهو ما يعني أن «ترامبية ترامب لها دوماً ما يميزها عن غيرها حتى لو كانت صدى لما يحدث في أوروبا».   

 

اقرأ المزيد .. السباق إلى البيت الأبيض.. انتخابات يحركها الغضب 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة