ميشيل هتشيسين
ميشيل هتشيسين


المترجمة ميشيل هتشيسن: الترجمة تشبه أن يأتمنك أحد على رعاية طفلة

الفائزة بالبوكر البريطانية 2020 تحاور مترجمتها للإنجليزية

أخبار الأدب

الإثنين، 02 نوفمبر 2020 - 08:56 م

 

ترجمة: رفيدة جمال ثابت

ماريكا لوكاس رينفيلد: الكتابة هي العودة إلى البيت

«قلق المساء» هى الرواية الأولى للكاتبة والشاعرة الهولندية ماريكا لوكاس رينفيلد (1990)، وفازت عنها بجائزة البوكر البريطانية لعام 2020. أما ميشيل هتشيسن، مترجمة الرواية من الهولندية إلى الإنجليزية، فمترجمة إنجليزية متخصصة فى الترجمة من الهولندية والفرنسية. هنا ترجمة لحوار بين المؤلفة ومترجمتها عقب إعلان القائمة الطويلة.

- ميشيل: صفى لنا يا ماريكا شعورك بعد ترشح روايتك لقائمة البوكر الطويلة؟

ماريكا: الترشح لجائزة البوكر الرائعة شرف عظيم. أولاً، لأنه يعنى أن كتابى لاقى صدى واسعًا خارج هولندا، وهذا تقدير للعمل على أى حال؛ ثانيًا، لأن هذا الترشيح ليس للكاتب فحسب، بل وللمترجم كذلك، وأحيانًا ننسى ذكره. أعترف أنه لولا ميشيل هتشيسن لم أكن لأتواجد فى القائمة الطويلة؛ إذ إنها تمكنت من نقل أسلوب الكتاب ولغته الشعرية بشكل دقيق، ولم يكن ذلك بالأمر الهين. لقد حافظت ترجمتها على أسلوب الرواية ولم تغير منها شيئًا، وهذا ما يفعله أبرع المترجمين. وأخيرًا أتشرف بوجودى فى هذه القائمة بصفتى هولندية، بعدما رُشح كاتبان فحسب من قبل وهما تومى ﭭيرينخا وهارى موليش، واعتبرهما قدوتي. بالإضافة إلى الكتاب الأجانب الذين رُشحوا فى الماضى وأكن لهم محبة كبيرة، مثل فيليب روث، أليس مونرو وليديا ديفيس.

- ميشيل: هل يمكن تلخيص «قلق المساء»؟
ماريكا: الرواية تدور حول عائلة متدينة تعمل بمزرعة ألبان تتأثر بموت طفل من أحد أفرادها. يذهب الابن ماتيس فى رحلة تزلج قبل يومين من عيد الميلاد ولا يعود. عبر عينيّ الشخصية الرئيسية ياس التى تعيش فى منطقة محايدة بين الطفولة والمراهقة، نرى كيفية تعامل أفراد العائلة مع هذه الخسارة. يشل الحزن الأم والأب، فلا ينتبهان إلى التحولات الخطيرة التى تطرأ ببطء على ياس وشقيقتها هانا وشقيقها أوبي. القصة مليئة بموضوعات عن الجنسانية والدين وبذاءة الوجود.

- ميشيل: «قلق المساء» تشبه روايات السيرية.. كيف سارت عمليتا الكتابة والنشر؟ هل كانت يسيرة أم شاقة ومرهقة؟
ماريكا: عكفت على كتابة الرواية لمدة ست سنوات. ويرجع أحد أسباب استغراقى هذه الفترة الطويلة إلى ترددى الكبير إزاء كتابتها. إنها مزيج من الواقعية والفانتازيا، كما أن شخصيتى بها الكثير من ملامح شخصية ياس. ورغم أننى قمت بعدة محاولات للعمل فى كتاب مختلف، كنت أرجع دومًا إلى القصة الأصلية. لذا، تراءى لى ضرورة الانتهاء منها قبل البدء فى شيء آخر. لقد نصحنى أحد أصدقائى من الكُتّاب أنه فى وقت ما يجب أن أكون «قاسية» على من حولى وعلى نفسى بالأخص. قمت بكتابة هذه الكلمة بحروف كبيرة على ورق الحائط فوق مكتبي، فكانت خير معين. على الكاتب أن يتحرر من جميع المعوقات حتى يتمكن من حكى أفضل قصة بداخله. حين نُشر الكتاب، سُلطت الأضواء عليّ فجأة، فانتشر وروجع فى كل مكان، بل وعُلقت ملصقات فى المدينة التى أعيش فيها، فكنت أمر من أمامها وأنا أشعر ببعض الخجل. لم أكن خجلى من كتابي، بل لأننى أعرف أن عائلتى مرت بوقت عصيب بسببه، ولا يمكنهم تجاهله. فى قريتى كان الجميع يتكلمون عن الرواية. كنت سعيدة للغاية وممتنة لكل الثناء الذى لاقاه الكتاب. لكنى فى الوقت ذاته شعرت أننى صرت مرئية ومكشوفة جدًا، بعدما كنت أعيش فى عزلة طيلة تلك السنوات. بالإضافة إلى إحساسى بالحزن لأنى فقدت بطلتى ياس. لم يعد بإمكانى الفرار إلى ذلك العالم حين أرجع إلى بيتي، لقد غادرت وخرجت إلى العالم. أظن أن أصعب شيء أن تفلت الأشياء التى تبقيك طافيًا. إننا لا نقوم ببناء قصة فحسب أثناء الكتابة، بل ونخلق كذلك شعورًا بالعودة إلى البيت، لمكان آمن؛ بقعة يمكننا الاختباء فيها دائمًا. والآن تبخر كل هذا فجأة. ومع ذلك، حين أفكر أن ياس صارت معروفة ومقبولة بين الناس، يهون ذلك من اشتياقى إليها إلى حد ما.

- ميشيل: صدر لكِ من قبل ديوانان.. كيف اختلفت تجربة كتابة الرواية عن الشعر؟
ماريكا: استغرقت وقتًا طويلًا لأدرك أننى لا يمكن أن أكتب روايتى الأولى بنفس الطريقة التى أكتب بها القصائد. فى الرواية يجب أن تأخذ بيد القارئ من العبارة الأولى، الشعر ليس كذلك. إذ إن الكاتب أكثر حرية فى كتابة القصائد، والقارئ أكثر تقبلًا لعدم فهم إحدى العبارات على الفور، أو أن عليه إعادة قراءتها. بعد أن أنهيت النسخة الأولى من قصتى وجدتها تشبه القصيدة المكتظة بالصور، ولم يكن أحد ليقرأ ذلك. لقد استغرقت وقتًا للتطوير وللعثور على النغمة الصحيحة التى كانت دومًا موجودة، ولكن احتجت إلى تشذيبها وإضفاء الأسلوب عليها. وبرأيى لا أستطيع الاستغناء عن كلا الشكلين الأدبيين. روايتى مترعة بالشعر وقصائدى مترعة بالنثر، وأظن أنه لا يمكن لأحدهما الوجود دون الآخر، أرى أن كتابة القصائد أسهل قليلاً من كتابة الرواية، كما أنها تمنحنى الرضا والإشباع فى وقت قصير، فالقصيدة يمكن إنهاؤها فى اليوم نفسه. بالإضافة إلى أن اكتشاف جملة لطيفة أو كلمة جميلة يملؤنى بالبهجة ويجعلنى أقفز من مقعدى وأدور فى الغرفة، وأشعر بالنشوة تسرى فى جسدي. أما الرواية فعمل شاق يقوم على التمحيص المستمر وإعادة الكتابة. يشبه الروائى عالم الآثار؛ يمكنه أن يستشعر الاكتشاف ويعرف أن هناك شيئًا جميلًا مدفونًا، ولكى يخرجه عليه الحفر بحرص شديد ودأب؛ كى يحفظ ما أعجبه فيه منذ الوهلة الأولى. من أمتع الأمور فى كتابة القصة أن يعرف الروائى شخصياته، فيتعرف على رغباتهم ومخاوفهم. أحيانا أشعر بأننى محظوظة لأننى أمارس أجمل مهنة فى الوجود.
 

ماريكا تسأل ميشيل:

ماريكا: ما الذى أعجبك فى «قلق المساء» لتترجميها؟
ميشيل: أنا متيمة بترجمة الشعر وهذه الرواية تفيض به؛ وبالتالى شعرت بالسرور أثناء ترجمتها. بالإضافة إلى ولعى بالرواة الأطفال لأنهم يخاطبون الطفلة المفقودة بداخلي. كما أن طريقة ياس فى رؤية العالم تتسم بالأصالة المدهشة، والحق أن الرواية برمتها تقوم على صورها النابضة المفعمة بالحيوية.

ماريكا: كيف تمكنت من نقل الكلمات والعبارات غير القابلة للترجمة؟
ميشيل: لا أعتقد أن الرواية تحتوى على شيء غير قابل للترجمة على المستوى اللغوي, لكن هناك بعض الجمل والكلمات لها خصوصية ثقافية. مثلًا، ربما يجهل القارئ الإنجليزى مقدمة برامج الأطفال ديفرتشيه بلوك. لكن منذ البداية قررت أنا والمحرر عدم تغيير بعض العبارات والكلمات لإضفاء الطابع المحلي. فى الواقع اسم ياس لا ترجمة له؛ إذ إنه يعنى المعطف بالهولندية! لكننا قررنا عدم تغيير اسمها إلى شيء قريب من معناه مثل جاكى أو باركر لأنه سيفقد طابعه الهولندى.

ماريكا: «قلق المساء« أول رواية لـ ماريكا لوكاس، فهل شعرت بالتوتر من ترجمة عمل أول؟
ميشيل: أشعر دومًا بالتوتر حين أترجم بصرف النظر عما إذا كان عمل أول أم لا. عملية الترجمة تشبه أن يأتمنك أحدهم على رعاية طفله، ثم يطلب منك أن تربيه فى ثقافة مختلفة. أشعر بالقلق الدائم من عدم فهم شيء بطريقة سليمة؛ فالترجمة تتطلب الانتباه بداية من الإيقاع والصور وانتهاءً بأصغر الفروق الدقيقة. الترجمة الأدبية مسئولية جسيمة، والمترجمون مهووسون بالكمال. من المريح ترجمة أكثر من كتاب لنفس الكاتب/ة؛ لأن عملية الترجمة تنساب بشكل سلس فور تكيف ترجمتك على أسلوبه/ها. أعكف حاليًا على ترجمة الرواية الثالثة للكاتب إيليا ليونارد فايفر، وأظن أن العمل الأول يعنى اللقاء الأول بين المترجم والكاتب.

 

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة