صورة أرشفية
صورة أرشفية


روشتة متكاملة لعلاج «الجرائم الأسرية»

سنية عباس- غادة زين العابدين

الخميس، 05 نوفمبر 2020 - 06:44 م

يحرم الإسلام الجرائم بصفة عامة ويتوعد مرتكبيها سرا ثم يبرزون للناس وكأنهم أطهار شرفاء بقول الله تعالى : ( إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله )، ويوما بعد يوم يعلو صوت بعض هذه الجرائم ليتصدر اهتمام الناس وعناوين الإعلام المكتوب والمرئى، ليس مستحدثا ليصل إلى حد الظاهرة ولكنه يتزايد ليشكل قلقا ومنها مايطلق عليه جرائم الأسرة حيث يكون الجانى أحد أفرادها الذى لا يتوقع حدوث الجريمة منه ضد أقرب الناس الذى يحتاج رعايته وعطفه فلا يعمل بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته )، وقد يكون من الأصول الشرعية كأحد المحارم أو غير الشرعية ممن يوكل إليهم تربية ورعاية الأبناء أو المساعدين لهم فى شئون الحياة أو له سلطة قانونية أو أحد المعارف المقربين، وتتنوع هذه الجرائم بين سرقة وقتل وتحرش وخدش للحياء وغيرها لتصل إلى زنا المحارم، وهذه وقفة تدق ناقوس الخطر لإلقاء الضوء على دوافع هذه الجرائم والرؤية الإسلامية والنفسية للوقاية والعلاج منها.
يقول د. أحمد محمود كريمة أستاذ الفقه بجامعة الأزهر الشريف: بفضل الله الجرائم التى تنشأ داخل الأسرة لم تصل إلى حد الظاهرة فتمثل كارثة مجتمعية إذا تم قياسها بالكثافة السكانية التى بلغت ١٠٤ملايين نسمة، وإنما تعد مقلقة إلى حد كبير مع شعب مسالم آمن تحترم الأسر فيه التعاليم الإسلامية وتؤمن بأن صلاح الأسرة واستقامة أفرادها من صلاح المجتمع لما للأسرة من دور كبير فى بناء شخصية أبنائها وتقديمهم للمجتمع فى أفضل صورة. ويتابع : تزايد هذا النوع من الجرائم الشاذة بين أفراد الأسرة الواحدة وتنوعها يعود لأسباب مختلفة ومتداخلة ما بين صعوبات اقتصادية تجعل الأشخاص فى حالة توتر وقابلية للانفجار فى أى لحظة ولكنها ليست مبررا لارتكاب هذه الجرائم، وفى دراسة للمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية بينت النتائج الارتباط الوثيق بين المخدرات وارتكاب الجريمة داخل الأسرة لتعاطى ٦٦فى المائة من أفراد العينة المخدر بأنواعه قبل ارتكاب الجريمة ومن هذه العينة ٩٦فى المائة ارتكبوا جرائم هتك العرض و٤٥ فى المائة قتلا عمدا.
قصور مرفوض
ويضيف د. كريمة : من الأسباب أيضا زيادة السكان التى تفرض على بعض الأسر تكدس أفرادها فى مسكن لا يسعهم يفرخ جرائم كثيرة، منها هتك العرض والاغتصاب، بسبب الاحتكاك المباشر بينهم ويساعد على ذلك ضعف الوازع الدينى وتراجع الخوف من الله عز وجل قال الرسول صلى الله عليه وسلم موضحا أن الإجرام سببه نقص الإيمان : ( لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ) فعندما يغفل الإنسان عن الله تبارك وتعالى لحظة ارتكاب الجريمة تغلبه شهوته ويقوده الشيطان إلى ما يهلكه، وأيضا قصور دور الدعاة فى تناول فقه الواقع وفقه المصالح، وعدم التركيز على إعادة الالتفاف الأسرى بعد تدنى مفهوم الأسرة لمرحلة الوهن والضعف وانعدام التماسك الاجتماعى يساعد على ذلك التكنولوجيا الحديثة، التى جعلت كل أفراد الأسرة فى غرف منعزلة ولو كانوا يجلسون فى غرفة واحدة وانحلال أخلاقى لعدم مراقبتهم.
نصائح نبوية
ويؤكد د. كريمة : يستهدف الإسلام حماية أعراض الناس وسمعتهم وكرامتهم بوقاية البيئة من الفتنة والجريمة لصياغة مجتمع بلا مشاكل خلال خطين متوازيين هما الجانب الوقائى والجانب العلاجى، فالإسلام لا ينتظر وقوع الجريمة حتى يتصدى لها، وإنما يتخذ كل الإجراءات والتدابير للحيلولة دون وقوعها فوضعت السنة الشريفة مبادئ كثيرة للتربية الأسرية تقى من الوقوع فى المعاصى المؤدية إلى ارتكاب الجرائم قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم ) وذلك للحد من الحقد والتطلع إلى ما عند الغير ومحاولة الحصول عليه بطرق غير مشروعة، وهذا دواء عجيب، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم فى المضاجع) فيعلم الآباء وسائر الأولياء على الصغار كيفية بنائهم دينيا بترسيخ القواعد الإيمانية والأخلاقية لأداء العبادات وفعل الطاعات التى تحصنهم من المعاصى، وما يلزمهم بعد البلوغ كالتفريق فى المضاجع، لسد أبواب الشهوات وإن لم يكن ذلك فى الاستطاعة فغطاء مستقل لكل طفل ويضيف : قال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)، فوقاية الأبناء والأهل بتربيتهم على العفة والحياء بعدم الظهور بالألبسة الداخلية أمام الغير وتوعيتهم بما هو حسن من الأفعال ولماذا؟ وما هو قبيح ولماذا؟ والأسلوب المهذب للحديث وعدم التفوة بألفاظ تخدش الحياء ولو على سبيل المزاح، والاستئذان قبل دخول غرف نوم الأهل ومراقبة الآباء لتصرفاتهم بما لا يخدش الحياء أمام الأبناء فيقلدوهم، وغرس الحب بينهم وأن الله يراقبهم فى جميع الأوقات.
ويقول الدكتور على عبد الراضى استشارى العلاج والتأهيل النفسى : لابد أولا من اختيار زوج وزوجة قادرين على تحمل المسئولية وتبعات الزواج ومؤهلين نفسيا لتربية الاولاد ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال دورات أو برامج فى الفضائيات وهذا ما قدمته بعض الجهات الدينية والاجتماعية ولا تلتزم به بعض الأسر وذلك لأنه يوجد فى الواقع خير مطلق ولاشر مطلق لدى الإنسان، ولكن يوجد صراع بين الذات من حيث إشباع الرغبات.
ويضيف : أسباب الانحراف الأسرى متعددة منها الفراغ الدينى والفكرى والبطالة، مما يدفع إلى مشاهدة المواقع الإباحية. ويؤكد أن عجز بعض الشباب عن تدبير تكاليف الزواج يدفع إلى التنمر ثم التحرش وينتهى بالاغتصاب، هذا بالإضافة إلى السلبية والأنانية واللامبالاة التى انتشرت عند بعض الأسر بدلا من روح التعاون، التى كانت سائدة، مما يعنى أن كل فرد يبحث عن مصلحته الخاصة ولا يجد حرجا فى ارتكاب أى فعل منهى عنه يجنى منه المكاسب والأموال حتى لو على حساب عائلته، أيضا سوء معاملة الوالدين للأبناء وإهمال النفقة عليهم خاصة فى حالات الطلاق والنزاع بين الأبوين وأخيرا العاطفة الزائدة، التى تجعل الوالدين يتغاضيان عن توجيه الأبناء ونصحهم عند الخطأ. والعلاج هو تلافى هذه الأسباب على قدر المستطاع من الأسر وذويهم والمهتمين بالشأن الأسرى فى الدولة.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة