مصطفى رجب
مصطفى رجب


يوميات الأخبار

اطلـبوا «الحلم».... ولو بالصين!

بوابة أخبار اليوم

الأحد، 08 نوفمبر 2020 - 07:28 م

 

مصطفى رجب

ولست أدرى أينجح هذا المقال فى تعليمك فنون الملل أم لا ؟ أتمنى ألا يكون قد أطلت أو خاننى «التعمير» !!

تمُرّ الأُمم فى مراحل نموها بمرحلتين: النوم واليقظة!، فإذا نامت طاب لها أن تحلُم، وتحلُم ما شاء لها الحُلُم: أن يُسقط الله تعالى كسفاً من السماء على إسرائيل، فتصبح ديارها خراباً بلقعاً. أو: أن يحدث زلزال فى واشنطن فيختلك عاليها بسافلها، ويجيب عليه زلزال آخر فى نيويورك.. ويصبح الناس فيجدون مقر الأمم المتحدة قد انتقل إلى قبرص، والبيت الأبيض يتوسط ميدان السكة الحديد فى أديس أبابا!!.
ولا يستطيع أحد أن يمنع أحداً من الحُلُم، إذا كان نائماً؛ كل ما نستطيع أن نطلبه منه هو أن يُحسن تغطية نفسه حتى تأتى أحلامه واقعية أو معقولة..
فمثلاً: لا جناح على العرب أن يحلُموا بتحسين علاقاتهم بالصين، لأن الصين هى العفريت التى ستنفجر قدراته خلال هذا القرن الحادى والعشرين؛ فيكتسح العالم كله اكتساحاً.
ويتنبأ كثير من المحللين السياسيين، ومنهم هيكل، بأن الصين سوف تتصدر قيادة العالم قبل عام 2020م!! ويستندون فى ذلك إلى:
إن الولايات المتحدة -الأعظم حالياً- سوف تأخذ فى الانهيار -كأى قوة عظمى على مدى التاريخ- تحت ضغط عوامل داخلية ضاغطة مثل: تزايد الديون، تزايد البطالة، التمييز العنصري، رغبة بعض الولايات الغربية فى الاستقلال، التضييق على الحريات الشخصية بعد 11 سبتمبر..الخ.
إن القوتين الناهضتين لخلافة الولايات المتحدة هما: أوروبا المتحدة والصين. غير أن المشكلات التى نجمت عن تطبيق نظام توحيد العملة (اليورو) فى أوربا، والاختلافات العرقية، والبغضاء التاريخية نتيجة التنافس الاستعمارى.. وما إلى ذلك من عوامل كفيلة بأن تدمر الوحدة الأوربية فى أى لحظة.. وما نراه الآن فى أوروبا من اختلافات حول الموقف من العراق يؤكد ذلك.
إن الصين ذلك النمر الرابض الذى يلبس مسوح الدول النامية؛ تتحرك تحركاً منتظماً ودقيقاً وهادئاً ولكنه سريع، وتتبع سياسة علمية مخططة جيداً لنشر منتجاتها -ومن ثم ثقافتها- على أوسع نطاق ممكن، من خلال علاقات دبلوماسية جيدة، واتفاقيات تجارية تعقدها مع «اللى يسوى واللى ما يسواش»!! من دول العالم من أجل تقوية نفوذها الدولى على خلفية العلاقات التجارية..
والتخوف الأمريكى من التقارب الصينى - اليابانى واضح جداً فى كتابات الصحفيين والمحللين، بل والعسكريين، والأمريكيين، لأن اندماج الصين واليابان مولد لقوة دولية لا قبل لأمريكا -ولا غيرها- بها. ولكن العرب إذا حلموا بالتقارب مع الصين فإن هذا الحُلم يكون حلماً مشروعاً وواقعياً وله جذوره.
فقد فتح المسلمون الصين سنة 96هـ فى عهد الأمويين، ومن يومها انتشر المسلمون والإسلام فى الصين حتى بلغ عددهم حسب إحصاء 2001م ما بين 35 - 45 مليون مسلم. وهذا التأرجح فى تقدير العدد يعود إلى نظام الإحصاء المعقد الذى يتبع فى الصين. حيث تتم الإحصاءات وفقاً للقوميات التى تعترف بها الحكومة، وليس الأديان، والمسلمون موزعون على عشر قوميات تضم غالبيتهم من بين ست وخمسين قومية تعترف بها الحكومات الصينية الشيوعية.
وهذا العدد (40 مليون تقريباً) يساوى عدد سكان 3 أو 4 دول عربية (غير الصومال!) متوسطة. ويمكن استغلال هذا العدد فى تطوير علاقات أفضل مع الدول العربية لاسيما بعد اعتراف الحكومة رسمياً بالدور الذى تقوم به (الجمعية الإسلامية الصينية) فى صيانة المساجد التى يبلغ عددها ما يقرب من 40 ألف مسجد. وتعيين الأئمة ومعلمى اللغة العربية بها وبالمدارس التابعة للجمعية.
وتوجد حالياً بالجامعات أقسام لدراسة اللغة العربية والدراسات الإسلامية يجب أن تتوجه إليها الجامعات العربية والهيئات الإسلامية الرسمية بالبعوث والمؤتمرات والمنشورات بهدف تقوية الروابط بين الأصل والفرع.. وربط المسلمين الصينيين بتراثهم فى موطنه الأصلي. كما يجب أن يتبرع أغنياء العرب بأموال تخصص كمنح لدارسين صينيين يُقبلون فى الجامعات العربية كطلاب منح للدراسة والإقامة؛ حتى إذا عادوا كانوا أبواقاً للدفاع عن الهوية العربية والإسلامية كما يفعل حالياً «أبواق» الثقافة الغربية فى جامعاتنا.
أما أن تكون الأحلام غير ذلك، أو بغير هذه الطريقة الواقعية، فسوف يترتب عليها ما لا تُحمد عقباه. ولا يُحمد ذكره أيضاً..
كيفَ تكونُ مُمِلاًّ ؟
يتهددك خطر عظيم إذا استلطفك الناس، فالإنسان أنانى بطبيعته ومؤثر لمصلحته بفطرته، فإذا ما آنس فيك لطفاً، أو خفة ظل، أو مروءة، أو أريحية، سارع إلى صداقتك، وألح فى التقرب إليك، والاستئثار بك، فيغنم منك جليساً مريحاً، وسميراً ودوداً، وإلفاً مألوفاً، وتخسر وقتك الثمين فتسكبه طواعيةً واختياراً لترطيب جلسات أصدقائك الجافة، وتجهد عقلك ولسانك وفكرك وراحة بدنك من أجل سعادتهم وهم بذلك مغتبطون وعليه حراص.
فتنبه -أرشدك الله إلى القصد وعصمك من الغفلة- إلى هذا المنزلق الخطر، واجعل من شخصك المحبوب المطيع المهذب اللطيف شخصاً آخر مثيراً للملل، مستفزاً، ثقيلاً، سمجاً، حتى تكسب نفسك، وتوفر جهدك، وتفوز بوقتك.
وما عليك إن أردت أن تكون مملاً إلا أن تتخذ " التناحة " لك منهجا، وتقاطع من يتحدث، مرة بعد مرة، بأسباب ومداخلات تافهة مغرقة فى التفاهة، فيبغضك المتحدثون، ويرون فى حضورك جلساتهم مصدراً عظيماً من مصادر التوتر والقلق والإملال.
ثم عليك إذا رأيت اثنين يتسارَّان أن تقتحم عليهما ما يحاولانه من خلوة، وأن تسأل وتلحَّ فى السؤال عما يصل إلى أذنيك من حديثهما ذاك الذى يتسارَّان به، ولا تستح إذا ما جَبَهَك أحدهما أو كلاهما بكلمة نابية، أو لوم عنيف، أو ذمٍّ قاسٍ. وعليك الاستمرار فى تقَحُّم سرهما ومحاولة فكِّ غوامضه، وتفسير كوامنه.
واعلم -وفقك الله للخير ووفق الخير إليك- أنك لن تدرك من بُغْيتك كلَّ ما تريد أو بعض ما تريد إلا إذا أخذت نفسك بكثير من الصبر والجَلَد، ووطنتها على مغالبة الغضب ومدافعة الثورة إذا ما سبك أحد الجالسين، أو سخر منك، أو طلب إليك أن تفارق جلستهم.
فإن حدث شيء من ذلك معك، فتقبله قبولاً حسناًَ، وأيقن فى داخل نفسك، أن ما يوجَّه إليك من سبٍّ وشتمٍ وطردٍ وسخريةٍ، إنما هى دلائل انتصارك، وعلائم فوزك، وأنك عما قليل بالغٌ من هدفك - وهو إملالُ الجالسين- بعضَ ما تريد.!
واعلم - نوَّرَ الله بصيرتك- أن من أسباب انتصارك أن تتبنى الرأى الضعيف، وتنتصر للفكرة البغيضة، وتدافع عن السخف بقوة وحماسة.
ولكى تكون مملاً عظيماً، عوِّد نفسك الخوضَ فيما لا تفقهُ من الأمور، ووطِّنها على الجدل العقيم، فإذا ثار جدل بين فريقين من جلسائك حول كرة القدم التى لا تفقه فيها شيئاً، فخُضْ مع الخائضين، واعمد إلى أبغض اللاعبين إلى نفوس القوم فامتدحه ما استطعتَ، وتخيَّرْ أسوأ مواقفه الرياضية التى يمقتونها لتتخذ منه دليلاً على عيقريته الرياضية !!.
وإذا سألتنى - وقاك الله الفهمَ- عن أعظم أبواب الملل أثراً، فسأجيبك بأنه الرغى والإزباد، فما عليك إلا أن تبدأ الحوار بموضوع تافه، أو قصة سبق أن حكيتَها لأصحابك خمسين مرة، أو معلومةٍ عديمة القيمة، ثم تأخذ فى شرح الواضح وتفسير مالا يحتاج إلى تفسير، وتستشهد فى كلامك - من باب حرق الدم- بأسماء ومصطلحات أجنبية تخترعها اختراعاً إن لم تمطرك بها ذاكرتك لحظتئذ.
ومن باب التلطف وتخفيف حدة الخلاف، عليك أن تستعين ببعض النكت بشرط أن تكون من السخف والقدم والبرود بحيث لا تُضحِك حتى الأبله، فإذا ما انتهيتَ من روايتها، ففجِّر ضحكةً عاليةً، مجلجلةً، طويلةً، صاخبة، هادرة، مدويِّةً، متصلةً لا تكاد تنقطع، ولا بأس إن صحبتْ تلك الضحكةَ مصافحةٌ قسريةٌ منك لأقرب مجالسيك. على أن تكون مصافحةً قاسيةً عنيفةً مؤلمةً تنقصف لها أصابعُه أو تكاد.
ومن تراث المُمِلِّين العظام مبدأٌ معروفٌ هو : "خالف تعرف" فإذا هاجم القوم التدخينَ فحدِّثهم عن مزاياه، فمثلاً إذا تحدثوا عن خطره الصحي، فشككهم فى مصادرهم، وأنها ليست علمية وإنما هى من الصحف تنشر ذلك دون مرجع موثوق بصحته، كيف وقد أثبتت التحاليل أن فى النيكوتين شيئاً قل أو كثر من البروتين ؟!! وهل يكون خطره الصحى على ذى المِرَّة السويِّ هو نفسَ الخطر على ضعيف البنية المتهاوي؟
وإذا تحدثوا عن حرمته الشرعية فما عليك إلا أن "تقلوظ" العمَّةَ على دماغك الكثيفة الأحراش، "وتلغوص" فى أدلتهم تفنيداً وتضعيفاً مستدلاً بآراء من أباحوا التدخين من قدامى العلماء، حينئذ ستظفر من جلسائك -أعداء التدخين- بقدر كبير من الاحتقار والشعور بالملل منك ومن اليوم الذى عرفوك فيه.
فإذا كان جلساؤك ممن يدخنون، فأفرغ عليهم جعبةَ مضارِّه الصحية منسوبةً إلى مصادر طبية تختلق أسماءَها بوقارٍ شديد، ثم اتلُ عليهم ما تحفظ من فتاوى التحريم والكراهة التى تحفظها.
فالمهم -فى الحالين- أن يسلم لك مبدأ "خالف تعرف" !!
ولست أدرى أينجح هذا المقال فى تعليمك فنون الملل أم لا ؟ أتمنى ألا يكون قد أطلت أو خاننى " التعمير " !!
>>>
زميلى وصديقى العزيز (.......) هل ترانى أفلحتُ فى تصوير شخصك الحبيب ؟

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة