يوسف السباعى - توفيق الحكيم - إحسان عبد القدوس
يوسف السباعى - توفيق الحكيم - إحسان عبد القدوس


بسبب ورثة فؤاد سراج الدين.. دعوى قضائية تهدد بقاء «نادي القصة»

أخبار الأدب

الإثنين، 09 نوفمبر 2020 - 04:20 م

محمد القصبى

الخيوط الأولى لنسيج الملحمة تدلت من رأس الراحل إحسان عبد القدوس فى أحد صباحات عام 1950: فكرة عمل إبداعى فريد ومغاير لكل أعماله الإبداعية السابقة بل واللاحقة، هرع إلى البكباشى يوسف السباعى فى مكتبه بسلاح الفرسان بكوبرى القبة، عرض عليه فكرته، مشروعه، انشاء نادٍ للقصة يستقطب فرسان هذا الفن الجميل الآخذ فى الازدهار فى أنحاء مصر، من مجمل أنشطته إصدار كتاب دورى شهريا، على أن يكون رواية من أعمال أحد الأعضاء، تململ البكباشى فى مقعده وبدا مترددا، لم يترسب فتور السباعى بداخل إحسان يأسا، بل دعاه لتناول الشاى بمنزله.

وما اكتفى إحسان فقط بدعوة السباعي، بل جًيَّش أيضا العديد من الرموز فى حجرة الاستقبال  بمنزله، ليعاونوه فى ضخ أكسير الحياة فى الفكرة، حيث وجه الدعوة أيضاً لكل من عبد الحميد جودة السحار، صلاح ذهني، محمد عبد الحليم عبد الله، نجيب محفوظ، على أحمد باكثير، أمين يوسف غراب .

ويبدو أن شاى إحسان كان سحريا، حيث تهيأ ضيوفه للإنصات الجيد، فعرض مشروع النادى وسلسلة الكتب التى سيصدرها، ليفاجأ بالجميع يبدون حماسهم، وبلغت المفاجأة أوجها مع إبداء يوسف السباعى حماسه فى ذات الجلسة وهو الذى استقبل أمس الفكرة بشيء من الفتور، بل إن حماس البكباشى تضاعف بعد ذلك حتى أن المشروع ما كان يمكن أن يرى النور كأول منتدى من نوعه فى الجغرافية العربية إلا بفضل هذا الحماس، وبفضل الجهد المضنى للسباعى وإحسان وغيرهما أصبح نادى القصة بعد سنوات قليلة أهم منتدياتنا الأدبية.

فى الأيام التالية لجلسة الشاى تلك عرض السباعى وإحسان فكرة المشروع على الكبار: طه حسين، توفيق الحكيم، محمود تيمور، فأبدوا أيضا حماسهم ليتشكل أول مجلس إدارة للنادى من 12عضوا، حضر اجتماعه الأول تسعة هم : طه حسين، توفيق الحكيم، إحسان عبد القدوس، يوسف السباعي، على أحمد باكثير، صلاح ذهني، محمد عبد الحليم عبد الله، يوسف غراب، محمد فريد أبو حديد، نجيب محفوظ، محمود تيمور، عبد الحميد جودة السحار. وعقد أول اجتماع للمجلس فى ٢٥ من مارس عام 1952 لم يحضره محفوظ وتيمور والسحار، ليس تكاسلاً أو احتجاجاً على عدم صرف بدل اجتماعات أو أن المشوار مرهق، بل لوجودهم خارج القاهرة، وتم تنصيب طه حسين رئيسا للنادي.
ركن فى شقة!.

استهل نادى القصة نشاطه في غرفة  بمجلة الفن التى كان يصدرها عبد الشافى القشاشي، حتى تم استئجار جزء من شقة المخرج جمال مدكور فى ميدان التحرير، أسهم كل من السباعى وإحسان فى تأثيثها، حيث تلاقى  بها عظماء الحكى المصرى كل أربعاء، ومن ذلك الركن بشقة جمال مدكور انطلقت  سلسلة الكتاب الذهبى فى يونيو 1952: بداية برواية  للأديب الكبير عبد القادر المازني، أعقبها  مسرحية «وراء الستار» ليوسف السباعي، ثم رواية خان الخليلى لنجيب محفوظ.

وما كان الكتاب الذهبى حكراً على أعمال الكبار، بل أتيحت الفرصة لأقلام جديدة وغير معروفة لكنها تكتب جيداً، وتليق إبداعاتهم الأدبية بالمسمى: سلسلة الكتاب الذهبي.

وكم كان حجم التوزيع؟

 وفقا لتصريحات يوسف السباعى فى هذا الشأن تراوح ما بين 20ألف نسخة إلى 30 ألفا.. أى ما يوازى تقريباً 60 ضعف توزيع أى كتاب حاليا!
وما كان ذلك الركن الذى تم اقتطاعه من شقة المخرج جمال مدكور بكافٍ لتحقيق طموحات أعضاء مجلس الإدارة واستيعاب أنشطة النادى التى توسعت .

لذا فكر الكبار فى البحث عن مقر أكثر اتساعاً ليستقروا على شقتين بعمارة فؤاد سراج الدين فى 68 شارع قصر العيني، وأبدى الباشا ترحيبه بتأجير الشقتين للنادي، وتم بالفعل توقيع عقد الإيجار بين المالك فؤاد سراج الدين ويوسف السباعى وكيلاً عن مجلس الإدارة!، لينطلق النادى إلى آفاق أرحب مصرياً وعربياً من خلال ندواته ومسابقاته السنوية ومجلة القصة وسلسلة الكتاب الذهبي، فالكتاب الفضي.
فى انتظار الطرد

 والآن.. يمضى رئيس نادى القصة نبيل عبد الحميد وأعضاؤه لحظات عصيبة فى انتظار حكم القضاء غداً فى دعوى طرد النادى من مقره العريق 68 شارع قصر العينى .

وتلك الدعوى التى رفعها المالك منذ ما يقرب من العام تستند إلى أن المستأجر “نادى القصة “شخصية اعتبارية، ومن حق المؤجر فى هذه الحالة المطالبة بإخلاء المكان مع انتهاء العقد.

وللتذكرة فالقانون 136 لسنة 1981 الخاص بتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر ينص على: «لا يجوز للمؤجر أن يطالب المستأجر إخلاء المكان، ولو انتهت المدة المتفق عليها فى العقد»، ينطبق هذا على الأشخاص الطبيعيين وأيضاً الاعتباريين، إلا أن المحكمة الدستورية العليا قضت فى جلسة 5 مايو 2015 بعدم دستورية هذا النص، وبالتالى لم يعد من حق الأشخاص الاعتباريين مد عقد الإيجار.. ولأن نادى القصة شخصية اعتبارية رفع الملاك «ورثة فؤاد باشا سراج الدين» دعوى بإخلاء مقر النادي.

هل كان هذا وارداً فى خاطر الراحل العظيم يوسف السباعى حين وقع عقد الايجار فى الأول من يوليو عام عام 1960؟ ولا أظنه كان وارداً فى خاطر صاحب المبنى حينها فؤاد باشا سراج الدين! بل لو كان الباشا موجوداً الآن، لما فكر أبداً فى أن يقدم على تلك الجريمة، إغلاق منتدى ثقافى كنادى القصة، بل أظن  أنه لو علم بعثرة النادى المادية، لما توانى لحظة واحدة عن تقديم العون له، وربما أثار القضية فى البرلمان وفى مجلس الوزراء باعتبارها قضية قومية!.

فى حين باشاوات الآن لا يعلمون ماذا يعنى نادى القصة، ولو ذكر أمام أحدهم اسم يوسف السباعى لتساءل لو كان لديه وقت: مين يوسف السباعى؟
المقر شقتان تمت إزالة الجدران بينهما، وثمة اقتراح بالتفاوض مع المالك حول إعادة شقة منهما واحتفاظ النادى بشقة، ولا أراه بالاقتراح المثالى لسببين، أولهما أن الشقة صغيرة ولن تطيق أنشطة النادي، خاصة ندواته التى تستقطب العشرات ممن لايزالون يقبضون على «جمر» الأدب إبداعاً ونقدا، ويرون أن تقزم وجوده فى المجتمع من علامات تخلفه عن ركب الحضارة الانسانية!.

الثاني: هل يوافق المالك على احتفاظ النادى بشقة فى مقابل مثلا قيمة إيجارية لا تزيد عن 1500 جنيه شهريا، أى 18000 ألف جنيه سنويا، وهو مبلغ يمثل حوالى 60% من قيمة الاشتراكات السنوية لأعضاء النادي، هذا لو حرص جميع الأعضاء على الالتزام بالسداد؟ وقد يوافق المالك على هذا المخرج، لكن  مع رفع القيمة الإيجارية إلى 10 آلاف جنيه شهريا، أى 120 ألف جنيه سنويا، وهو مبلغ يتجاوز طاقة ليس أعضاء النادى لو اجتمعوا! بل كل الأدباء من الانس والجن.

فى حاجة إلى محسن!

البعض يرى أن إنهاء محنة النادى بشكل دائم فى حاجة إلى رجل أعمال يضع الثقافة بصدق ضمن أجندة اهتماماته، وثمة محاولتان  مع رجلى أعمال من الوزن فوق الثقيل لكن لم أوفق فى أى منهما، ويقينا مسألة التواصل مع أى من أثريائنا فى حاجة إلى أحد رموزنا الثقافية الثقيلة، مثل كاتبنا الكبير محمد سلماوي، فهل يوافق سلماوى ويبدأ بطرق أبواب أحدهم، خاصة وأنه يحظى بعلاقات طيبة مع بعضهم؟.

فإن بدت سبل البحث عن «مُحسن» لإعانة النادى من عثرته ممترسة بالعقبات فثمة سبيلان آخران، أحدهما أن يتحول النادى إلى منشأة رابحة، من خلال استحداث أنشطة كتنظيم دورات فى مجالات الأدب: كيف تكتب رواية؟ كيف تكتب سيناريو؟ كيف تكون ناقدا؟ وأيضا دورات فى مجالات الكتابة الصحفية؟.

ومثل هذه الدورات قد تيسر للنادى الحصول على دخل سنوى بضعة عشرات من الآلاف، ربما مع  رسوم الاشتراك السنوية للأعضاء بالكاد تساعد النادى على البقاء حياً.. دون أن يغادر غرفة الإنعاش! أما أن يخرج من محنته صحيحا معافى يمارس أنشطته الأدبية فى عنفوان كما كان حاله فى عصره الذهبي، ففى حاجة إلى حلول أخرى جذرية.

اللى معاه يتحمل!!

ثمة حل من خارج الصندوق، تطرقت إليه أكثر من مرة، وآمل - من خلال صفحات أخبار الأدب - أن يجد منصتا!. حل يرتكز على مبدأ «اللى معاه يصرف على اللى مامعهش»!.

الدراما التليفزيونية خاصة فى رمضان، والتى يصل حجمها أكثر من مليار جنيه سنويا، وتحقق أرباحا عشرات الملايين، لماذا لا يقتطع من تلك الأرباح 1% يخصص لدعم منتديات المجتمع المدنى الثقافية مثل: اتحاد الكتاب، نادى القصة، دار الأدباء، أتيليه القاهرة وغيرها؟.

لا أحد، وليس قرارا، بل مشروع قانون يقدم من قبل أى من نوابنا للبرلمان خلال دورته الجديدة، نائب يحشد حوله بعض النواب ممن يعون يعنى إيه أدب ويعنى إيه ثقافة ويعنى إيه نادى القصة.

قد يبدو ذلك حلماً.. نسبة تحقيقه قد تتجاوز الصفر قليلا.. قليلاً جدا.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة