كرم جبر
كرم جبر


إنها مصر

الوعى .. «وثقافة الكهوف» !

كرم جبر

الثلاثاء، 10 نوفمبر 2020 - 08:39 م

كانوا‭ ‬يخططون‭ ‬لمصر‭ ‬المضطربة،‭ ‬الواقعة‭ ‬فى‭ ‬أتون‭ ‬الفتن‭ ‬والنزاعات‭ ‬والحرب‭ ‬الأهلية،‭ ‬وهم‭ ‬متأكدون‭ ‬أن‭ ‬الدماء‭ ‬تؤدى‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬الدماء،‭ ‬وحاولوا‭ ‬تدشين‭ ‬الضحايا‭ ‬بمقولة‭ ‬‮«‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬نعيش‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬ضحايا‮»‬،‭ ‬و»الضحايا‮»‬‭ ‬هم‭ ‬المواطنون‭ ‬العاديون،‭ ‬أبناء‭ ‬الشعب‭ ‬والبسطاء‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬حول‭ ‬لهم‭ ‬ولا‭ ‬قوة،‭ ‬أما‭ ‬‮«‬المؤمنون‮»‬‭ ‬الذين‭ ‬سيهبون‭ ‬لهم‭ ‬الحياة،‭ ‬فهم‭ ‬أهلهم‭ ‬وعشيرتهم‭ ‬وجماعتهم‭ ‬ومن‭ ‬معهم‭.. ‬أو‭ ‬بعبارة‭ ‬وجيزة‭ ‬الحياة‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬الجماعة‮»‬‭ ‬والموت‭ ‬للمصريين‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬يطلقون‭ ‬عليهم‭ ‬‮«‬الرويبضة‮»‬‭.‬

تلك‭ ‬الأيام‭ ‬السوداء‭ ‬التى‭ ‬عشناها‭ ‬تحت‭ ‬حكم‭ ‬الإخوان،‭ ‬ولا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تغيب‭ ‬أبداً‭ ‬عن‭ ‬الأذهان،‭ ‬وليس‭ ‬معنى‭ ‬استعادة‭ ‬الاستقرار‭ ‬أن‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬الخطر‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يعود،‭ ‬إذا‭ ‬حل‭ ‬الاسترخاء‭ ‬محل‭ ‬الحذر‭ ‬واليقظة‭.‬

ولم‭ ‬يكن‭ ‬حازم‭ ‬صلاح‭ ‬أبو‭ ‬إسماعيل‭ ‬يهرِّج‭ ‬عندما‭ ‬قال‭ ‬‮«‬وإيه‭ ‬يعنى‭ ‬لما‭ ‬يموت‭ ‬10‭ ‬آلاف‭ ‬فى‭ ‬سبيل‭ ‬مشروعنا،‭ ‬مصر‭ ‬فيها‭ ‬90‭ ‬مليون،‭ ‬وإيه‭ ‬يعنى‭ ‬10‭ ‬آلاف‮»‬،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬المعزول‭ ‬محمد‭ ‬مرسى‭ ‬عندما‭ ‬قال‭: ‬‮«‬مفيش‭ ‬مانع‭ ‬إحنا‭ ‬نضحى‭ ‬بشوية‭ ‬عشان‭ ‬الباقى‭ ‬يعيش‮»‬،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬طارق‭ ‬الزمر‭ ‬يهدد‭ ‬فقط‭ ‬حين‭ ‬قال‭: ‬‮«‬سنطهر‭ ‬أوطاننا‭ ‬الإسلامية‭ ‬من‭ ‬دنس‭ ‬الروافض‭ ‬وعبدة‭ ‬الوثن‮»‬،‭ ‬وسوف‭ ‬نحول‭ ‬جثامينهم‭ ‬النجسة‭ ‬إلى‭ ‬غداء‭ ‬شهى‭ ‬للكلاب‭ ‬والحيوانات‭ ‬المفترسة،‭ ‬أكلة‭ ‬الجيفة‭ ‬ولحوم‭ ‬الخنازير‭.‬

داء‭ ‬الإرهاب‭ ‬أشد‭ ‬قسوة‭ ‬من‭ ‬الفقر‭ ‬والتصحر‭ ‬والإيدز‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأمراض‭ ‬والإرهاب‭ ‬لا‭ ‬يرحم‭ ‬شعوباً‭ ‬فقيرة‭ ‬تطحن‭ ‬الأزمات‭ ‬عظامها‭ ‬وتزداد‭ ‬معاناتها،‭ ‬والإرهابيين‭ ‬فى‭ ‬الدول‭ ‬المنهارة‭ - ‬مثلاً‭ -  ‬يستخدمون‭ ‬السيارات‭ ‬المفخخة‭ ‬فى‭ ‬عملياتهم‭ ‬الإجرامية،‭ ‬التى‭ ‬تستهدف‭ ‬الفنادق‭ ‬والأسواق‭ ‬والمساجد‭ ‬والأماكن‭ ‬المزدحمة،‭ ‬بهدف‭ ‬إسقاط‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬القتلى،‭ ‬ولو‭ ‬خصصوا‭ ‬ثمن‭ ‬المتفجرات‭ ‬لأطعموا‭ ‬أفواهاً‭ ‬كثيرة‭ ‬جائعة‭.‬

‭>>>‬

مصر‭ ‬تتعرض‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬لهجمات‭ ‬‮«‬‭ ‬تغييب‭ ‬الوعى‭ ‬‮«‬،‭ ‬ومزاحمة‭ ‬الأفكار‭ ‬المتطرفة‭ ‬ضد‭ ‬هوية‭ ‬الوطن،‭ ‬والهوية‭ ‬المصرية‭ ‬هى‭ ‬التى‭ ‬تخلق‭ ‬انسجاماً‭ ‬رائعاً‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يعيشون‭ ‬على‭ ‬أرضه‭.‬

مصر‭.. ‬مفرداتها‭ ‬المحبة‭ ‬والتسامح‭ ‬والسلام‭ ‬وعشق‭ ‬الوطن‭ ‬وهوائه‭ ‬وترابه‭ ‬ونيله،‭ ‬عشق‭ ‬هادئ‭ ‬وأصيل،‭ ‬ويقف‭ ‬المثقفون‭ ‬على‭ ‬أبوابها‭ ‬كحراس‭ ‬أشداء،‭ ‬وعشنا‭ ‬فى‭ ‬الستينيات‭ ‬نستهلك‭ ‬المخزون‭ ‬الثقافى‭ ‬المتراكم‭ ‬منذ‭ ‬ثورة‭ ‬19‭ ‬حتى‭ ‬قيام‭ ‬ثورة‭ ‬يوليو،‭ ‬وظل‭ ‬التجريف‭ ‬مستمراً‭ ‬حتى‭ ‬العظم‭.‬

مصر‭ ‬فيها‭ ‬مواهب‭ ‬واعدة‭ ‬وأنامل‭ ‬ساحرة‭ ‬وعقول‭ ‬حالمة،‭ ‬ويستطيع‭ ‬هذا‭ ‬المثلث‭ ‬أن‭ ‬يعيد‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬عصر‭ ‬النهضة‭ ‬الثقافية‭ ‬المصرية،‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬والعقاد‭ ‬وطه‭ ‬حسين،‭ ‬وأم‭ ‬كلثوم‭ ‬وعبد‭ ‬الوهاب‭ ‬وعبدالحليم‭ ‬وشوقى‭ ‬وحافظ‭ ‬وبيرم‭ ‬وغيرهم‭.. ‬مصر‭ ‬ولادة‭.‬

إزالة‭ ‬الصدأ‭ ‬والتراب‭ ‬عن‭ ‬المواهب‭ ‬المهملة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬عوامل‭ ‬استعادة‭ ‬الوعى‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬كنوز‭ ‬إبداعية‭ ‬تحتاج‭ ‬من‭ ‬يفتش‭ ‬عنها،‭ ‬وحماية‭ ‬المواهب‭ ‬التى‭ ‬يتم‭ ‬إدخالها‭ ‬حظائر‭ ‬اليأس‭ ‬والإحباط؟

ما‭ ‬علينا‭.. ‬فلنتكاتف‭ ‬لوقف‭ ‬ثقافة‭ ‬‮«‬الكهوف‮»‬‭ ‬مع‭ ‬اختلاف‭ ‬توزيعاتها‭ !.‬


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة