يوسف القعيد
يوسف القعيد


يوميات الأخبار

وداعا للكفيل مهما كان!

يوسف القعيد

الثلاثاء، 10 نوفمبر 2020 - 08:46 م

المهم‭ ‬عندى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬يتم‭ ‬لصالح‭ ‬العامل‭ ‬الوافد‭. ‬وأيضاً‭ ‬صاحب‭ ‬العمل‭.‬

 

حملت‭ ‬الأنباء‭ ‬خبراً‭ ‬سعيداً‭ ‬بالنسبة‭ ‬لى‭ ‬شخصياً‭. ‬رغم‭ ‬أننى‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬طوال‭ ‬حياتى‭ ‬أن‭ ‬عملت‭ ‬خارج‭ ‬بلادى‭. ‬ولكن‭ ‬سعادتى‭ ‬سببها‭ ‬الحكايات‭ ‬التى‭ ‬كنت‭ ‬أسمعها‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬سافروا‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الشقيقة‭ ‬وعملوا‭ ‬فيها‭. ‬ثم‭ ‬عادوا‭ ‬إما‭ ‬فى‭ ‬إجازات‭ ‬يرجعون‭ ‬بعدها‭ ‬للبلاد‭ ‬الشقيقة‭ ‬التى‭ ‬يعملون‭ ‬بها‭. ‬أو‭ ‬أنهم‭ ‬استأنفوا‭ ‬عملهم‭ ‬هناك‭ ‬بعد‭ ‬إجازاتهم‭ ‬القصيرة‭.‬

والخبر‭ ‬الذى‭ ‬أسعدنى‭ ‬بلا‭ ‬حدود‭ ‬يقول‭ ‬بالحرف‭ ‬الواحد‭ ‬إن‭ ‬وزارة‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬والتنمية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬فى‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬أعلنت‭ ‬رسميا‭ ‬عن‭ ‬مبادرة‭ ‬جديدة‭. ‬وأنا‭ ‬سعيد‭ ‬بهذه‭ ‬المبادرة‭. ‬يقول‭ ‬الخبر‭ ‬الجديد‭ ‬أنهم‭ ‬قرروا‭ ‬تحسين‭ ‬العلاقة‭ ‬التعاقدية‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬يسافرون‭ ‬للعمل‭ ‬هناك‭. ‬وبين‭ ‬أصحاب‭ ‬العمل‭ ‬الذين‭ ‬يعملون‭ ‬عندهم‭.‬

فى‭ ‬مارس‭ ‬القادم‭ ‬ينتهى‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬حسب‭ ‬بيان‭ ‬رسمى‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬السعودية‭. ‬ولذلك‭ ‬لا‭ ‬أحب‭ ‬التوقف‭ ‬طويلاً‭ ‬أمام‭ ‬عيون‭ ‬الإنسانية‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬سافر‭ ‬إلى‭ ‬هناك‭ ‬ومر‭ ‬بهذه‭ ‬التجربة‭ ‬يدرك‭ ‬خطورة‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬بل‭ ‬وأهميته‭ ‬ودفاعه‭ ‬عن‭ ‬إنسانية‭ ‬من‭ ‬يسافر‭ ‬للعمل‭ ‬هناك‭. ‬ليس‭ ‬معنى‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬المسافر‭ ‬لا‭ ‬يحاسب‭ ‬على‭ ‬أى‭ ‬خطأ‭ ‬يقدم‭ ‬عليه‭. ‬ولكن‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬آليات‭ ‬العمل‭ ‬اليومى‭ ‬لمن‭ ‬يسافر‭ ‬للعمل‭ ‬هناك‭.‬

قالت‭ ‬نفس‭ ‬الأخبار‭ ‬إن‭ ‬عقد‭ ‬العمل‭ ‬بين‭ ‬صاحب‭ ‬العمل‭ ‬والعامل‭ ‬هو‭ ‬أساس‭ ‬العلاقة‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬الكفالة‭ ‬الذى‭ ‬أعلن‭ ‬عن‭ ‬إلغائه‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬مارس‭ ‬القادم‭. ‬قرار‭ ‬السعودية‭ ‬المهم‭. ‬لا‭ ‬أقول‭ ‬إنه‭ ‬تأخر‭ ‬فى‭ ‬ظل‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬فى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬هناك‭ ‬إلى‭ ‬الأحسن‭ ‬والأفضل‭. ‬المهم‭ ‬أنه‭ ‬صدر‭ ‬وسينفذ‭. ‬ولأن‭ ‬الفرج‭ ‬يأتى‭ ‬مع‭ ‬بعضه‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭. ‬هناك‭ ‬كلام‭ ‬فى‭ ‬الأخبار‭ ‬الواردة‭ ‬من‭ ‬السعودية‭ ‬الشقيقة‭ ‬عن‭ ‬حماية‭ ‬أجور‭ ‬العاملين‭ ‬فى‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬وتوثيق‭ ‬العقود‭ ‬إليكترونياً‭. ‬ورفع‭ ‬الوعى‭ ‬والثقافة‭ ‬العمالية‭. ‬وأن‭ ‬تسوى‭ ‬الخلافات‭ ‬ودياً‭. ‬وكلمة‭ ‬ودياً‭ ‬هذه‭ ‬عليها‭ ‬علامات‭ ‬استفهام‭ ‬كثيرة‭. ‬ولكن‭ ‬وجود‭ ‬الطمع‭ ‬الإنسانى‭ ‬وهو‭ ‬إحدى‭ ‬صفات‭ ‬الإنسان‭ ‬التى‭ ‬نعرفها‭ ‬هنا‭ ‬عندنا‭ ‬نحن‭ ‬هى‭ ‬التى‭ ‬توجد‭ ‬هذا‭.‬

المهم‭ ‬عندى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬يتم‭ ‬لصالح‭ ‬العامل‭ ‬الوافد‭. ‬وأيضاً‭ ‬صاحب‭ ‬العمل‭. ‬لأن‭ ‬العلاقة‭ ‬الإنسانية‭ ‬مهمة‭ ‬وضرورية‭ ‬وتخلق‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬المودة‭ ‬الإنسانية‭ ‬المهمة‭. ‬والتى‭ ‬تكون‭ ‬لها‭ ‬نتائج‭ ‬أساسية‭ ‬فى‭ ‬المنتج‭ ‬النهائى‭ ‬لأى‭ ‬عمل‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬الوافد‭.‬

بقى‭ ‬أن‭ ‬تعرف‭ ‬أمرين،‭ ‬الأول‭ ‬أن‭ ‬عمر‭ ‬نظام‭ ‬الكفيل‭ ‬72‭ ‬عاماً‭. ‬أى‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬أوشك‭ ‬أن‭ ‬يكمل‭ ‬قرناً‭ ‬من‭ ‬عمره‭. ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬صياغة‭ ‬الحياة‭ ‬فى‭ ‬السعودية‭ ‬الشقيقة‭ ‬تدارك‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأمور‭.‬

بعد‭ ‬خبر‭ ‬السعودية‭. ‬جاء‭ ‬خبر‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬الشقيقة‭ ‬مفرحاً‭ ‬أيضاً‭. ‬الإمارات‭ ‬تلغى‭ ‬رسمياً‭ ‬نظام‭ ‬الكفالة‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬مارس‭ ‬2021،‭ ‬وتستبدله‭ ‬بنظام‭ ‬العقد‭ ‬بين‭ ‬صاحب‭ ‬العمل‭ ‬والوافد‭ ‬مع‭ ‬منح‭ ‬وإعطاء‭ ‬الوافدين‭ ‬حرية‭ ‬تغيير‭ ‬الوظائف‭ ‬ومغادرة‭ ‬الإمارات‭ ‬دون‭ ‬إذن‭ ‬من‭ ‬صاحب‭ ‬العمل‭.‬

ظهر‭ ‬نظام‭ ‬الكفالة‭ ‬فى‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربى‭ ‬مع‭ ‬بدايات‭ ‬ظهور‭ ‬النفط،‭ ‬قالوا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تبرير‭ ‬فرضه‭ ‬أنه‭ ‬وجد‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ضمان‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المكفول‭ ‬تحت‭ ‬مسئولية‭ ‬الكفيل،‭ ‬وقالوا‭ ‬أيضاً‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬وجد‭ ‬لتأمين‭ ‬استقدام‭ ‬العمالة‭ ‬الوافدة‭ ‬من‭ ‬الخارج،‭ ‬وبموجبه‭ ‬تقيد‭ ‬حرية‭ ‬تنقل‭ ‬المكفول‭ ‬خارج‭ ‬البلد،‭ ‬وحريته‭ ‬فى‭ ‬العمل‭ ‬لدى‭ ‬أى‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬إلا‭ ‬بموافقة‭ ‬الكفيل‭.‬

هذا‭ ‬النظام‭ ‬أثار‭ ‬انتقادات‭ ‬المنظمات‭ ‬الحقوقية‭ ‬وقت‭ ‬فرضه‭. ‬يرى‭ ‬بعضهم‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬جيد‭ ‬لبيئة‭ ‬الأعمال‭ ‬وللحفاظ‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬أصحاب‭ ‬الأعمال،‭ ‬وكذلك‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬العمال‭ ‬أنفسهم‭ ‬وهذا‭ ‬غير‭ ‬صحيح،‭ ‬يرى‭ ‬آخرون‭ ‬فيه‭ ‬تجارة‭ ‬وتحكما‭ ‬فى‭ ‬البشر‭.‬

فنظام‭ ‬الكفالة‭ ‬يتيح‭ ‬للكفيل‭ ‬التحكم‭ ‬فى‭ ‬حياة‭ ‬من‭ ‬يكفلهم،‭ ‬فيقرر‭ ‬أجورهم‭ ‬وأماكن‭ ‬عملهم‭ ‬وساعات‭ ‬العمل‭ ‬ومحلات‭ ‬السكن،‭ ‬ويستطيع‭ ‬أيضاً‭ ‬إبعاد‭ ‬أى‭ ‬منهم‭ ‬عن‭ ‬البلاد‭ ‬بدون‭ ‬إبداء‭ ‬الأسباب،‭ ‬كما‭ ‬يستطيع‭ ‬الكفيل‭ ‬منع‭ ‬المكفول‭ ‬من‭ ‬السفر‭ ‬بحجز‭ ‬جواز‭ ‬سفره،‭ ‬وإنهاء‭ ‬عقد‭ ‬العمل‭ ‬ومنع‭ ‬العامل‭ ‬من‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬عمل‭ ‬آخر،‭ ‬ما‭ ‬يدفع‭ ‬عمالاً‭ ‬إلى‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬كافليهم،‭ ‬والالتحاق‭ ‬بما‭ ‬تعرف‭ ‬بالعمالة‭ ‬السائبة‭ ‬التى‭ ‬لا‭ ‬كفلاء‭ ‬لها،‭ ‬والتى‭ ‬تشكل‭ ‬بيئة‭ ‬خصبة‭ ‬للجريمة‭. ‬المهم‭ ‬أننا‭ ‬نقول‭ ‬الآن‭ ‬وداعاً‭ ‬للكفالة‭ ‬والكفيل‭ ‬أيضاً‭.‬

سد‭ ‬النهضة‭ ‬فى‭ ‬مكتبة‭ ‬الإسكندرية

عرفت‭ ‬من‭ ‬الصحافة‭ ‬بصدور‭ ‬أول‭ ‬كتاب‭ ‬عن‭ ‬أزمة‭ ‬سد‭ ‬النهضة‭. ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬مكتبة‭ ‬الإسكندرية‭ ‬وعنوانه‭: ‬محاضرات‭ ‬فى‭ ‬ملف‭ ‬سد‭ ‬النهضة‭ ‬الإثيوبى،‭ ‬دراسات‭ ‬التفاوض،‭ ‬رؤى‭ ‬استراتيجية‭. ‬حتى‭ ‬هنا‭ ‬توقفت‭ ‬قدرتى‭ ‬على‭ ‬قراءة‭ ‬أسماء‭ ‬من‭ ‬ألفوا‭ ‬الكتاب‭. ‬لأننى‭ ‬أتعامل‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬منشور‭ ‬عن‭ ‬الكتاب‭ ‬وليس‭ ‬الكتاب‭.‬

ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أنه‭ ‬تم‭ ‬تفكير‭ ‬الدكتور‭ ‬مصطفى‭ ‬الفقى‭ ‬رئيس‭ ‬المكتبة‭. ‬والذى‭ ‬أضاف‭ ‬لدور‭ ‬المكتبة‭ ‬مهاماً‭ ‬جديدة‭ ‬ومغايرة‭ ‬للنسق‭ ‬الذى‭ ‬أعيد‭ ‬بعثها‭ ‬للحياة‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬على‭ ‬أساسه‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬فى‭ ‬التاريخ‭.‬

ومصطفى‭ ‬الفقى‭ ‬كتلة‭ ‬من‭ ‬النشاط‭ ‬والحيوية‭ ‬والتفهم‭ ‬للدور‭ ‬الثقافى‭ ‬للمكتبة‭ ‬وإسهامها‭ ‬فى‭ ‬تناول‭ ‬قضايا‭ ‬الراهن‭ ‬المعاصر‭ ‬بطريقة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬سوى‭ ‬مكتبة‭ ‬الإسكندرية‭ ‬وحدها‭. ‬فإن‭ ‬كانت‭ ‬المكتبة‭ ‬هى‭ ‬الأصالة‭. ‬فإن‭ ‬رئيسها‭ ‬الحالى‭ ‬قد‭ ‬أضاف‭ ‬لها‭ ‬كلمة‭ ‬كانت‭ ‬فى‭ ‬أمس‭ ‬الحاجة‭ ‬إليها‭: ‬المعاصرة‭.‬

ولكن‭ ‬المشكلة‭ ‬التى‭ ‬تواجهنا‭ ‬هنا‭ ‬فى‭ ‬القاهرة‭. ‬وربما‭ ‬فى‭ ‬الوطن‭ ‬العربى‭ ‬والعالم‭. ‬العثور‭ ‬على‭ ‬مطبوعات‭ ‬المكتبة‭. ‬لأن‭ ‬ما‭ ‬ينشر‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬دار‭ ‬نشر‭ ‬ومكتبة‭ ‬تعرضه‭ ‬على‭ ‬الناس‭. ‬ربما‭ ‬كان‭ ‬مصطفى‭ ‬الفقى‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬فكر‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬التناول‭ ‬العلمى‭ ‬لأزمة‭ ‬سد‭ ‬النهضة‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تعنيه‭ ‬لنا‭ ‬هنا‭ ‬فى‭ ‬مصر‭. ‬وللسودان‭ ‬الشقيق،‭ ‬وفى‭ ‬حدود‭ ‬علمى‭ ‬ومتابعاتى‭ ‬ربما‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬هو‭ ‬الأول‭ ‬فى‭ ‬ميدانه‭ ‬وموضوعه‭. ‬ولكن‭ ‬السؤال‭: ‬أين‭ ‬نجده؟‭!.‬

محمد‭ ‬فائق‭ ‬وكفى‭!‬

إتصل‭ ‬بى‭ ‬الأستاذ‭ ‬محمد‭ ‬فائق‭ ‬للإطمئنان‭ ‬علىَّ‭ ‬فقط‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬مبرر‭ ‬للإتصال‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬يطمئن‭ ‬على‭ ‬صحتى‭ ‬وأحوالى‭ ‬وكتاباتى‭. ‬رياح‭ ‬كدنا‭ ‬أن‭ ‬ننساها‭ ‬من‭ ‬الإنسانية‭ ‬المعطرة‭ ‬بالتراحم‭ ‬والتآخى‭ ‬هبت‭ ‬علىَّ‭ ‬خلال‭ ‬المكالمة‭ ‬التى‭ ‬لم‭ ‬تستمر‭ ‬طويلاً‭.‬

سألت‭ ‬نفسى‭: ‬منذ‭ ‬متى‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬هذا؟‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬نفسك‭ ‬وجهاً‭ ‬لوجه‭ ‬للحظة‭ ‬عطر‭ ‬إنسانى‭ ‬فوَّاح‭ ‬يذكرنا‭ ‬أننا‭ ‬بشر؟‭ ‬إن‭ ‬كنا‭ ‬قد‭ ‬نسينا‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭. ‬محمد‭ ‬فائق‭ ‬حكاية‭ ‬مصرية‭ ‬نادرة‭ ‬الحدوث‭. ‬فى‭ ‬أيام‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬العظيمة‭ ‬كان‭ ‬واحداً‭ ‬ممن‭ ‬هندسوا‭ ‬وجه‭ ‬مصر‭ ‬الأفريقى‭ ‬فى‭ ‬زمن‭ ‬أفريقيا‭ ‬وآسيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬نواة‭ ‬لتعبير‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭. ‬وابتكر‭ ‬لمصر‭ ‬الستينيات‭ ‬إعلاماً‭ ‬يعكس‭ ‬حضارة‭ ‬مصر‭ ‬العريقة‭.‬

وفى‭ ‬مايو‭ ‬سُجِن‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬سجنهم‭ ‬السادات‭ ‬ظلماً‭ ‬وعدواناً‭. ‬ولكن‭ ‬السجن‭ ‬لم‭ ‬يكسره‭. ‬لم‭ ‬يجعله‭ ‬يقول‭ ‬لنفسه‭ ‬ولنا‭ ‬كفى‭ ‬هذا‭. ‬استمر‭. ‬أسس‭ ‬دار‭ ‬المستقبل‭ ‬العربى‭ ‬التى‭ ‬لولاها‭ ‬ما‭ ‬نشرنا‭ ‬أعمالنا‭ ‬الأدبية‭ ‬التى‭ ‬لم‭ ‬يجرؤ‭ ‬ناشر‭ ‬آخر‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬التفكير‭ ‬فى‭ ‬نشرها‭. ‬ليس‭ ‬لى‭ ‬وحدى‭. ‬ولكن‭ ‬لجيل‭ ‬كامل‭ ‬من‭ ‬أدباء‭ ‬الستينيات‭ ‬المصرية‭.‬

لم‭ ‬يكتف‭ ‬بنجاح‭ ‬دار‭ ‬النشر‭. ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬اتجه‭ ‬إلى‭ ‬الملف‭ ‬الغائب‭ ‬فى‭ ‬حياتنا‭. ‬كنا‭ ‬ننساه‭ ‬أو‭ ‬نتناساه‭ ‬بالغفلة‭. ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬حضرت‭ ‬اجتماعات‭ ‬معه‭ ‬وهو‭ ‬نائب‭ ‬للدكتور‭ ‬بطرس‭ ‬غالى‭ ‬فى‭ ‬رئاسة‭ ‬اللجنة‭. ‬ثم‭ ‬عندما‭ ‬تولاها‭ ‬لتصبح‭ ‬ضميراً‭ ‬مصرياً‭ ‬وعربياً‭ ‬للقضية‭ ‬الغائبة‭ ‬فى‭ ‬حياتنا‭. ‬يعمل‭ ‬دون‭ ‬كلل‭ ‬أو‭ ‬ملل‭ ‬وبحماس‭ ‬داخلى‭ ‬من‭ ‬النادر‭ ‬أن‭ ‬نجده‭ ‬عند‭ ‬غيره‭. ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يفعل‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يؤمن‭ ‬به‭.‬

أخيراً‭ ‬قرأت‭ ‬أنه‭ ‬ناقش‭ ‬رسالته‭ ‬للدكتوراه‭ ‬واستغربت‭. ‬فالرجل‭ ‬ـ‭ ‬اللهم‭ ‬لا‭ ‬حسد‭ ‬ـ‭ ‬يدور‭ ‬عمره‭ ‬حول‭ ‬التسعين‭ ‬ـ‭ ‬أمد‭ ‬الله‭ ‬فى‭ ‬عمره‭ ‬ـ‭ ‬لم‭ ‬أصدق‭ ‬نفسى‭.‬‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬أبارك‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الجهد‭ ‬العلمى‭ ‬النادر‭ ‬فى‭ ‬مثل‭ ‬سنه‭. ‬سألت‭ ‬زميلتى‭ ‬سلوى‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭. ‬محررة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬النشطة‭ ‬والحاضرة‭ ‬دائماً‭ ‬وأبداً‭. ‬قالت‭ ‬لى‭ ‬إنه‭ ‬كان‭ ‬يناقش‭ ‬رسالة‭ ‬دكتوراه‭. ‬ومن‭ ‬باب‭ ‬عدم‭ ‬الدقة‭ ‬نُشِرَ‭ ‬أنه‭ ‬صاحب‭ ‬الدكتوره‭. ‬قلت‭: ‬بشرة‭ ‬خير‭.‬

ثم‭ ‬يبقى،‭ ‬لقد‭ ‬قرأت‭ ‬أخباراً‭ ‬من‭ ‬مذكرات‭ ‬محمد‭ ‬فائق‭ ‬التى‭ ‬يكتبها‭ ‬فى‭ ‬صمت‭ ‬تام‭ ‬كعادته‭ ‬عند‭ ‬القيام‭ ‬بأى‭ ‬عمل‭ ‬من‭ ‬أعماله‭. ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬حقنا‭ ‬ومن‭ ‬حق‭ ‬الأجيال‭ ‬الآتية‭ ‬بعدنا‭ ‬قراءة‭ ‬مذكرات‭ ‬محمد‭ ‬فائق‭. ‬فمتى‭ ‬ينتهى‭ ‬من‭ ‬كتابتها؟‭.‬

وداعاً‭ ‬عريقات

تعجز‭ ‬مفردات‭ ‬لغتنا‭ ‬العربية‭ ‬المعروفة‭ ‬بالسخاء‭. ‬أن‭ ‬تُعبِّر‭ ‬عن‭ ‬شعورها‭ ‬عندما‭ ‬علمت‭ ‬ذات‭ ‬مساء‭ ‬أن‭ ‬الراحل‭ ‬صائب‭ ‬عريقات‭ ‬الذى‭ ‬كنا‭ ‬نقول‭ ‬عنه‭ ‬كبير‭ ‬المفاوضين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬مع‭ ‬الإسرائيليين‭. ‬أنه‭ ‬عندما‭ ‬مرض‭ ‬بكورونا‭ ‬الذى‭ ‬نسميه‭ ‬كوفيد‭ ‬19،‭ ‬دخل‭ ‬مستشفى‭ ‬هداسا‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬للعلاج‭. ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬تدهور‭ ‬حالته‭ ‬الصحية‭.‬

ليست‭ ‬لدىَّ‭ ‬معلومات‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬هذا‭. ‬ولا‭ ‬تفاصيل‭ ‬سواء‭ ‬صغيرة‭ ‬أو‭ ‬كبيرة‭ ‬عن‭ ‬دروب‭ ‬الحكاية‭. ‬هل‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أمامه‭ ‬سوى‭ ‬المستشفى‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬لكى‭ ‬يعالج‭ ‬فيه؟‭ ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أبدو‭ ‬مثل‭ ‬من‭ ‬يجلس‭ ‬فى‭ ‬بيته‭ ‬لكى‭ ‬يكتب‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭. ‬سؤالى‭ ‬هو‭: ‬هل‭ ‬لم‭ ‬تعرض‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭. ‬أى‭ ‬دولة‭ ‬كانت‭ ‬العلاج‭ ‬على‭ ‬صائب‭ ‬عريقات‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬المستشفى‭ ‬الإسرائيلى؟‭.‬

هل‭ ‬ينتمى‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬لزمن‭ ‬فات‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬له‭ ‬وجود‭ ‬ولم‭ ‬يبق‭ ‬منه‭ ‬حتى‭ ‬رماد‭ ‬الذكريات؟‭ ‬كما‭ ‬أننى‭ ‬لا‭ ‬أحب‭ ‬أن‭ ‬أبدو‭ ‬مزايداً‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬قضى‭ ‬عمره‭ ‬مفاوضاً‭ ‬ومكافحاً‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬فلسطين‭ ‬الدولة‭ ‬المستقلة‭ ‬ذات‭ ‬السيادة‭ ‬وعاصمتها‭ ‬القدس‭ ‬الشريف‭.‬

ونحن‭ ‬نعرف‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬ونحفظه‭ ‬كلمة‭ ‬كلمة‭. ‬ثم‭ ‬عندما‭ ‬يهاجمه‭ ‬الوباء‭ ‬اللعين‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬أمامه‭ ‬سوى‭ ‬مستشفى‭ ‬أمان‭ ‬من‭ ‬اغتصب‭ ‬أرضه‭. ‬وصادر‭ ‬وطنه‭. ‬وحوَّل‭ ‬الحلم‭ ‬الفلسطينى‭ ‬إلى‭ ‬ذكرى‭. ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كنا‭ ‬نتصور‭ ‬أنه‭ ‬حقيقة‭.‬

ولكى‭ ‬يكتمل‭ ‬المشهد‭ ‬ويصل‭ ‬إلى‭ ‬دلالاته‭ ‬المأساوية‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬الراحل‭ ‬بين‭ ‬الحياة‭ ‬والموت‭. ‬يتلقى‭ ‬علاجاً‭ ‬من‭ ‬حقه‭ ‬كإنسان‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬عدواً‭ ‬للكيان‭ ‬الصهيونى‭. ‬أو‭ ‬لمظاهرات‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬إسرائيليون‭. ‬أو‭ ‬أوصى‭ ‬لهم‭ ‬بها‭. ‬يحتجون‭ ‬على‭ ‬علاج‭ ‬هذا‭ ‬الفلسطينى‭ ‬الذى‭ ‬يطالب‭ ‬بتدمير‭ ‬إسرائيل‭ ‬فى‭ ‬بلادهم‭. ‬وفى‭ ‬مستشفى‭ ‬يملكونها‭.‬

تترك‭ ‬حكاية‭ ‬صائب‭ ‬عريقات‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭. ‬السؤال‭ ‬يلد‭ ‬السؤال‭. ‬هل‭ ‬لم‭ ‬تعرض‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬واحدة‭ ‬العلاج‭ ‬عليه‭.‬

أريد‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬مفهوماً‭ ‬ممن‭ ‬سيقرأ‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭. ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬إدانة‭ ‬لا‭ ‬أدين‭ ‬إلا‭ ‬نفسى‭ ‬وقلمى‭. ‬وأحاول‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬ديدان‭ ‬الجرح‭ ‬الغائر‭. ‬وقد‭ ‬أنجح‭. ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬النجاح‭ ‬لن‭ ‬يعرف‭ ‬طريقه‭ ‬إلىَّ‭.‬

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة