يوسف القعيد
يوميات الأخبار
وداعا للكفيل مهما كان!
الثلاثاء، 10 نوفمبر 2020 - 08:46 م
المهم عندى أن هذا الإجراء يتم لصالح العامل الوافد. وأيضاً صاحب العمل.
حملت الأنباء خبراً سعيداً بالنسبة لى شخصياً. رغم أننى لم يحدث طوال حياتى أن عملت خارج بلادى. ولكن سعادتى سببها الحكايات التى كنت أسمعها من الذين سافروا إلى بعض الدول العربية الشقيقة وعملوا فيها. ثم عادوا إما فى إجازات يرجعون بعدها للبلاد الشقيقة التى يعملون بها. أو أنهم استأنفوا عملهم هناك بعد إجازاتهم القصيرة.
والخبر الذى أسعدنى بلا حدود يقول بالحرف الواحد إن وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية فى المملكة العربية السعودية أعلنت رسميا عن مبادرة جديدة. وأنا سعيد بهذه المبادرة. يقول الخبر الجديد أنهم قرروا تحسين العلاقة التعاقدية بين من يسافرون للعمل هناك. وبين أصحاب العمل الذين يعملون عندهم.
فى مارس القادم ينتهى هذا النظام حسب بيان رسمى صادر عن السعودية. ولذلك لا أحب التوقف طويلاً أمام عيون الإنسانية لكل من سافر إلى هناك ومر بهذه التجربة يدرك خطورة هذا القرار بل وأهميته ودفاعه عن إنسانية من يسافر للعمل هناك. ليس معنى هذا أن المسافر لا يحاسب على أى خطأ يقدم عليه. ولكن لابد من آليات العمل اليومى لمن يسافر للعمل هناك.
قالت نفس الأخبار إن عقد العمل بين صاحب العمل والعامل هو أساس العلاقة بدلاً من نظام الكفالة الذى أعلن عن إلغائه ابتداء من مارس القادم. قرار السعودية المهم. لا أقول إنه تأخر فى ظل إعادة النظر فى كثير من الأمور هناك إلى الأحسن والأفضل. المهم أنه صدر وسينفذ. ولأن الفرج يأتى مع بعضه مرة واحدة. هناك كلام فى الأخبار الواردة من السعودية الشقيقة عن حماية أجور العاملين فى القطاع الخاص وتوثيق العقود إليكترونياً. ورفع الوعى والثقافة العمالية. وأن تسوى الخلافات ودياً. وكلمة ودياً هذه عليها علامات استفهام كثيرة. ولكن وجود الطمع الإنسانى وهو إحدى صفات الإنسان التى نعرفها هنا عندنا نحن هى التى توجد هذا.
المهم عندى أن هذا الإجراء يتم لصالح العامل الوافد. وأيضاً صاحب العمل. لأن العلاقة الإنسانية مهمة وضرورية وتخلق حالة من المودة الإنسانية المهمة. والتى تكون لها نتائج أساسية فى المنتج النهائى لأى عمل يقوم به الوافد.
بقى أن تعرف أمرين، الأول أن عمر نظام الكفيل 72 عاماً. أى أنه كان قد أوشك أن يكمل قرناً من عمره. ولكن ما جرى من إعادة صياغة الحياة فى السعودية الشقيقة تدارك مثل هذه الأمور.
بعد خبر السعودية. جاء خبر من دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة مفرحاً أيضاً. الإمارات تلغى رسمياً نظام الكفالة بدءاً من مارس 2021، وتستبدله بنظام العقد بين صاحب العمل والوافد مع منح وإعطاء الوافدين حرية تغيير الوظائف ومغادرة الإمارات دون إذن من صاحب العمل.
ظهر نظام الكفالة فى دول الخليج العربى مع بدايات ظهور النفط، قالوا من أجل تبرير فرضه أنه وجد من أجل ضمان أن يكون المكفول تحت مسئولية الكفيل، وقالوا أيضاً إن هذا النظام وجد لتأمين استقدام العمالة الوافدة من الخارج، وبموجبه تقيد حرية تنقل المكفول خارج البلد، وحريته فى العمل لدى أى جهة أخرى، إلا بموافقة الكفيل.
هذا النظام أثار انتقادات المنظمات الحقوقية وقت فرضه. يرى بعضهم من وجهة نظره أن النظام جيد لبيئة الأعمال وللحفاظ على حقوق أصحاب الأعمال، وكذلك للحفاظ على حقوق العمال أنفسهم وهذا غير صحيح، يرى آخرون فيه تجارة وتحكما فى البشر.
فنظام الكفالة يتيح للكفيل التحكم فى حياة من يكفلهم، فيقرر أجورهم وأماكن عملهم وساعات العمل ومحلات السكن، ويستطيع أيضاً إبعاد أى منهم عن البلاد بدون إبداء الأسباب، كما يستطيع الكفيل منع المكفول من السفر بحجز جواز سفره، وإنهاء عقد العمل ومنع العامل من البحث عن عمل آخر، ما يدفع عمالاً إلى الهروب من كافليهم، والالتحاق بما تعرف بالعمالة السائبة التى لا كفلاء لها، والتى تشكل بيئة خصبة للجريمة. المهم أننا نقول الآن وداعاً للكفالة والكفيل أيضاً.
سد النهضة فى مكتبة الإسكندرية
عرفت من الصحافة بصدور أول كتاب عن أزمة سد النهضة. صادر عن مكتبة الإسكندرية وعنوانه: محاضرات فى ملف سد النهضة الإثيوبى، دراسات التفاوض، رؤى استراتيجية. حتى هنا توقفت قدرتى على قراءة أسماء من ألفوا الكتاب. لأننى أتعامل مع ما هو منشور عن الكتاب وليس الكتاب.
ومن المؤكد أنه تم تفكير الدكتور مصطفى الفقى رئيس المكتبة. والذى أضاف لدور المكتبة مهاماً جديدة ومغايرة للنسق الذى أعيد بعثها للحياة من جديد على أساسه بعد ما قامت به فى التاريخ.
ومصطفى الفقى كتلة من النشاط والحيوية والتفهم للدور الثقافى للمكتبة وإسهامها فى تناول قضايا الراهن المعاصر بطريقة لا يمكن أن تقوم بها سوى مكتبة الإسكندرية وحدها. فإن كانت المكتبة هى الأصالة. فإن رئيسها الحالى قد أضاف لها كلمة كانت فى أمس الحاجة إليها: المعاصرة.
ولكن المشكلة التى تواجهنا هنا فى القاهرة. وربما فى الوطن العربى والعالم. العثور على مطبوعات المكتبة. لأن ما ينشر من الكتب لابد أن يكون له دار نشر ومكتبة تعرضه على الناس. ربما كان مصطفى الفقى أول من فكر فى هذا التناول العلمى لأزمة سد النهضة بكل ما تعنيه لنا هنا فى مصر. وللسودان الشقيق، وفى حدود علمى ومتابعاتى ربما كان هذا الكتاب هو الأول فى ميدانه وموضوعه. ولكن السؤال: أين نجده؟!.
محمد فائق وكفى!
إتصل بى الأستاذ محمد فائق للإطمئنان علىَّ فقط. لم يكن هناك مبرر للإتصال سوى أن يطمئن على صحتى وأحوالى وكتاباتى. رياح كدنا أن ننساها من الإنسانية المعطرة بالتراحم والتآخى هبت علىَّ خلال المكالمة التى لم تستمر طويلاً.
سألت نفسى: منذ متى لم يحدث هذا؟ لم تجد نفسك وجهاً لوجه للحظة عطر إنسانى فوَّاح يذكرنا أننا بشر؟ إن كنا قد نسينا هذه الحقيقة. محمد فائق حكاية مصرية نادرة الحدوث. فى أيام عبد الناصر العظيمة كان واحداً ممن هندسوا وجه مصر الأفريقى فى زمن أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية التى كانت نواة لتعبير العالم الثالث. وابتكر لمصر الستينيات إعلاماً يعكس حضارة مصر العريقة.
وفى مايو سُجِن مع من سجنهم السادات ظلماً وعدواناً. ولكن السجن لم يكسره. لم يجعله يقول لنفسه ولنا كفى هذا. استمر. أسس دار المستقبل العربى التى لولاها ما نشرنا أعمالنا الأدبية التى لم يجرؤ ناشر آخر حتى على التفكير فى نشرها. ليس لى وحدى. ولكن لجيل كامل من أدباء الستينيات المصرية.
لم يكتف بنجاح دار النشر. سرعان ما اتجه إلى الملف الغائب فى حياتنا. كنا ننساه أو نتناساه بالغفلة. ألا وهو حقوق الإنسان. حضرت اجتماعات معه وهو نائب للدكتور بطرس غالى فى رئاسة اللجنة. ثم عندما تولاها لتصبح ضميراً مصرياً وعربياً للقضية الغائبة فى حياتنا. يعمل دون كلل أو ملل وبحماس داخلى من النادر أن نجده عند غيره. لأنه لا يفعل ما لا يؤمن به.
أخيراً قرأت أنه ناقش رسالته للدكتوراه واستغربت. فالرجل ـ اللهم لا حسد ـ يدور عمره حول التسعين ـ أمد الله فى عمره ـ لم أصدق نفسى. قبل أن أبارك له على هذا الجهد العلمى النادر فى مثل سنه. سألت زميلتى سلوى عبد الرحمن. محررة حقوق الإنسان النشطة والحاضرة دائماً وأبداً. قالت لى إنه كان يناقش رسالة دكتوراه. ومن باب عدم الدقة نُشِرَ أنه صاحب الدكتوره. قلت: بشرة خير.
ثم يبقى، لقد قرأت أخباراً من مذكرات محمد فائق التى يكتبها فى صمت تام كعادته عند القيام بأى عمل من أعماله. غير أنه من حقنا ومن حق الأجيال الآتية بعدنا قراءة مذكرات محمد فائق. فمتى ينتهى من كتابتها؟.
وداعاً عريقات
تعجز مفردات لغتنا العربية المعروفة بالسخاء. أن تُعبِّر عن شعورها عندما علمت ذات مساء أن الراحل صائب عريقات الذى كنا نقول عنه كبير المفاوضين الفلسطينيين مع الإسرائيليين. أنه عندما مرض بكورونا الذى نسميه كوفيد 19، دخل مستشفى هداسا الإسرائيلى للعلاج. وذلك بعد تدهور حالته الصحية.
ليست لدىَّ معلومات أكثر من هذا. ولا تفاصيل سواء صغيرة أو كبيرة عن دروب الحكاية. هل لم يكن أمامه سوى المستشفى الإسرائيلى لكى يعالج فيه؟ لا أريد أن أبدو مثل من يجلس فى بيته لكى يكتب هذا الكلام. سؤالى هو: هل لم تعرض دولة عربية. أى دولة كانت العلاج على صائب عريقات بدلاً من المستشفى الإسرائيلى؟.
هل ينتمى هذا الكلام لزمن فات ولم يعد له وجود ولم يبق منه حتى رماد الذكريات؟ كما أننى لا أحب أن أبدو مزايداً على من قضى عمره مفاوضاً ومكافحاً من أجل فلسطين الدولة المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشريف.
ونحن نعرف كل هذا ونحفظه كلمة كلمة. ثم عندما يهاجمه الوباء اللعين لا يجد أمامه سوى مستشفى أمان من اغتصب أرضه. وصادر وطنه. وحوَّل الحلم الفلسطينى إلى ذكرى. بعد أن كنا نتصور أنه حقيقة.
ولكى يكتمل المشهد ويصل إلى دلالاته المأساوية بينما كان الراحل بين الحياة والموت. يتلقى علاجاً من حقه كإنسان حتى وإن كان عدواً للكيان الصهيونى. أو لمظاهرات يقوم بها إسرائيليون. أو أوصى لهم بها. يحتجون على علاج هذا الفلسطينى الذى يطالب بتدمير إسرائيل فى بلادهم. وفى مستشفى يملكونها.
تترك حكاية صائب عريقات الكثير من الأسئلة. السؤال يلد السؤال. هل لم تعرض دولة عربية واحدة العلاج عليه.
أريد أن أكون مفهوماً ممن سيقرأ هذا الكلام. إن كانت هناك إدانة لا أدين إلا نفسى وقلمى. وأحاول الهروب من ديدان الجرح الغائر. وقد أنجح. من المؤكد أن النجاح لن يعرف طريقه إلىَّ.