طه حسين
طه حسين


تعقيبا على ملف «أخبار الأدب» الأخير

«في الشعر الجاهلي».. درء تهمة السرقة عن عميد الأدب العربي

أخبار الأدب

الثلاثاء، 10 نوفمبر 2020 - 09:04 م

 

بقلم/ شعبان ناجي

سعدت‭ ‬أيما‭ ‬سعادة‭ ‬بالملف‭ ‬الأخير‭ ‬الذى‭ ‬أصدرته‭ ‬أخبار‭ ‬الأدب،‭ ‬وذلك‭ ‬لسببين،‭ ‬الأول‭: ‬أن‭ ‬الملف‭ ‬عن‭ ‬عميد‭ ‬الأدب‭ ‬العربى‭ ‬طه‭ ‬حسين،‭ ‬صاحب‭ ‬الصدمة‭ ‬الأولى‭ ‬والأهم‭ ‬والأخطر للعقل‭ ‬العربى‭ ‬فى‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭.. ‬والثانى‭: ‬أن‭ ‬كاتبه‭ ‬هو‭ ‬ممدوح‭ ‬فراج‭ ‬النابى،‭ ‬الذى‭ ‬لم‭ ‬أقابله‭ ‬حتى‭ ‬هذه‭ ‬الساعة،‭ ‬ولكنى‭ ‬قد‭ ‬تابعت‭ ‬إنتاجه‭ ‬النقدى‭ ‬منذ‭ ‬بداياته‭ ‬الأولى،‭ ‬وتوقفت‭ ‬عند‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عمل‭ ‬نقدى‭ ‬له،‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬كتابه‭ ‬الرصين‭ ‬عن‭ ‬السيرة‭ ‬الذاتية،‭ ‬وانتهاء‭ ‬بكتابه‭ ‬الظريف‭ ‬عن‭ ‬القارئ‭ ‬العادى‭.‬

وفى‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬الذى‭ ‬بين‭ ‬أيدينا،‭ ‬اختار‭ ‬النابى‭ ‬كعهدنا‭ ‬به‭- ‬موضوعا‭ ‬مشوقا‭ ‬وشائكا،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬الغريب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مشوقا‭ ‬وشائكا‭ ‬فهو‭ ‬كتاب‭ ‬عن‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬الذى‭ ‬ملأ‭ ‬الدنيا‭ ‬وشغل‭ ‬الناس‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬يشغلهم‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭.‬

عقد‭ ‬الكاتب‭ ‬فى‭ ‬بداية‭ ‬الملف‭ ‬مقارنة‭ ‬بين‭ ‬منهج‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬ومنهج‭ ‬تزيفان‭ ‬تودروف،‭ ‬وقد‭ ‬استفاض‭ ‬فى‭ ‬شرح‭ ‬المنهجين،‭ ‬وخرج‭ ‬بنتيجة‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬منهج‭ ‬تودوروف‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬العلم‭ ‬والنظرية،‭ ‬تلك‭ ‬التى‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬التخلص‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬فى‭ ‬مرحلة‭ ‬متأخرة؛‭ ‬بينما‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬هو‭ ‬منهج‭ ‬بحد‭ ‬ذاته،‭ ‬ومنهجه‭ ‬هو‭ ‬العقل‭ ‬والتأمل‭ ‬الذى‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الشك‭ ‬بالأساس‭.‬

ونحن‭ ‬إذ‭ ‬نقر‭ ‬هذا‭ ‬المنهج،‭ ‬نحب‭ ‬أن‭ ‬نقدم‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬الأدلة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬حيث‭ ‬يرى‭ ‬القارئ‭ ‬لأعمال‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬مصادر‭ ‬ولا‭ ‬يستخدم‭ ‬هوامش؛‭ ‬لأن‭ ‬مصدره‭ ‬هو‭ ‬عقله،‭ ‬وهوامشه‭ ‬هى‭ ‬تفكيره‭ ‬الحر‭ ‬الذى‭ ‬ينبت‭ ‬من‭ ‬داخله،‭ ‬وكأننا‭ ‬به‭ ‬يسأل‭ ‬معاتبا‭ ‬ذلك‭ ‬الذى‭ ‬يطلب‭ ‬المصدر‭ ‬أو‭ ‬الدليل‭: ‬وهل‭ ‬تفكيرى‭ ‬الشخصى‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬دليل؟

هذا‭ ‬هو‭ ‬طه‭ ‬حسين،‭ ‬الذى‭ ‬لم‭ ‬يتكئ‭ ‬قط‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬عقله‭ ‬النقدى‭ ‬المتشكك،‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬صبيا‭ ‬غرا‭ ‬يجلس‭ ‬فى‭ ‬حلقة‭ ‬الدرس‭ ‬أمام‭ ‬شيخ‭ ‬أزهرى‭ ‬معمم،‭ ‬ثم‭ ‬صار‭ ‬هذا‭ ‬ديدنه‭ ‬عندما‭ ‬صار‭ ‬فى‭ ‬شرخ‭ ‬الشباب‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قام‭ ‬بدرس‭ ‬أبى‭ ‬العلاء‭ ‬فجادله‭ ‬واختلف‭ ‬معه،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬درس‭ ‬شعر‭ ‬الخنساء‭ ‬فشك‭ ‬فى‭ ‬شعرها،‭ ‬بل‭ ‬شك‭ ‬فى‭ ‬وجودها‭ ‬نفسه،‭ ‬وهو‭ ‬الشك‭ ‬الذى‭ ‬انسحب‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شعراء‭ ‬عصر‭ ‬الجاهلية‭ ‬الأولى‭.‬

نعود‭ ‬أدراجنا‭ ‬إلى‭ ‬كاتبنا‭ ‬الذى‭ ‬ركز‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬فى‭ ‬القضية‭ ‬الأشهر‭ ‬وهى‭ ‬قضية‭ ‬كتاب‭ ‬فى‭ ‬الشعر‭ ‬الجاهلى‭ ‬وقد‭ ‬بذل‭ ‬باحثنا‭ ‬جهدا‭ ‬جهيدا‭ ‬يحمد‭ ‬له‭ ‬لدرء‭ ‬تهمة‭ ‬السرقة‭ ‬عن‭ ‬العميد،‭ ‬تلك‭ ‬التى‭ ‬ألقاها‭ ‬عليه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ناقد،‭ ‬ذكر‭ ‬لنا‭ ‬منهم‭ ‬الشيخ‭ ‬محمود‭ ‬شاكر،‭ ‬وقصة‭ ‬معركته‭ ‬مع‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬معروفة‭ ‬للجميع‭ ‬وهى‭ ‬موجودة‭ ‬بالكتاب‭ ‬لمن‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يرجع‭ ‬إليها،‭ ‬كما‭ ‬ذكر‭ ‬لنا‭ ‬ناقدا‭ ‬آخر‭ ‬اتهم‭ ‬العميد‭ ‬مباشرة‭ ‬بالسرقة‭ ‬من‭ ‬مرجليوث؛‭ ‬لكن‭ ‬الباحث‭ ‬استطاع‭ ‬تفنيد‭ ‬اتهامه‭ ‬ثم‭ ‬قدم‭ ‬الدليل‭ ‬على‭ ‬براءة‭ ‬العميد‭ ‬باعتراف‭ ‬مرجليوث‭ ‬نفسه‭ ‬الذى‭ ‬أشاد‭ ‬بكتاب‭ ‬العميد‭ ‬مقرا‭ ‬له‭ ‬بالسبق‭ ‬والريادة‭.‬

وهذا‭ ‬كلام‭ ‬يعد‭ ‬وجيها‭ ‬وعقلانيا،‭ ‬وفيه‭ ‬قدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الراحة‭ ‬لنا؛‭ ‬لكن‭ ‬هل‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يركن‭ ‬العقل‭ ‬النقدى‭ ‬إلى‭ ‬الراحة؟‭ ‬وهل‭ ‬يسلم‭ ‬العقل‭ ‬النقدى‭ ‬حتى‭ ‬بالمسلمات؟‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬باحثنا‭ ‬الجاد‭ ‬يؤيدنى‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬النقطة،‭ ‬فعقله‭ ‬لا‭ ‬يحب‭ ‬الراحة‭ ‬ولا‭ ‬يركن‭ ‬إلى‭ ‬السكون،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أنه‭ ‬الآن‭ ‬لم‭ ‬يرتح‭ ‬تماما‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الدليل،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أنه‭ ‬الآن‭ ‬يبحث‭ ‬بحثا‭ ‬مضنيا،‭ ‬وأنا‭ ‬أحب‭ ‬أن‭ ‬أشاركه‭ ‬بحثه‭ ‬وأن‭ ‬أستمتع‭ ‬معه‭ ‬بعذاب‭ ‬العلم‭ ‬وعذوبته،‭ ‬فالعلم‭ ‬بهجة‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬العميد‭ ‬نفسه‭.‬

لكن‭ ‬ما‭ ‬أقوله‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬كاتبنا‭ ‬يعرفه‭ ‬أكثر‭ ‬منى،‭ ‬فمن‭ ‬المؤكد‭ ‬أنه‭ ‬بحث‭ ‬عن‭ ‬المصادر‭ ‬التى‭ ‬استقى‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬منها‭ ‬ثقافته‭ ‬وأفكاره،‭ ‬ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أنه‭ ‬يعرف‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬أهم‭ ‬وأخطر‭ ‬هذه‭ ‬الروافد‭ ‬والمصادر‭ ‬هى‭ ‬الثقافة‭ ‬الفرنسية‭ ‬التى‭ ‬أولع‭ ‬بها‭ ‬العميد‭ ‬وأراد‭ ‬أن‭ ‬يطبقها‭ ‬بل‭ ‬ينقلها‭ ‬إلى‭ ‬مصر،‭ ‬ولقد‭ ‬استطاع‭ ‬ذلك‭ ‬ونجح‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬النجح‭.‬

والثقافة‭ ‬الفرنسية‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬بلا‭ ‬أدنى‭ ‬شك‭ ‬النصيب‭ ‬الأكبر‭ ‬فى‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬طه‭ ‬حسين،‭ ‬وكنت‭ ‬أحب‭ ‬أن‭ ‬أدعو‭ ‬صديقنا‭ ‬النابى‭ ‬إلى‭ ‬قراءة‭ ‬دراسة‭ ‬ماجستير‭ ‬مهمة‭ ‬صدرت‭ ‬فى‭ ‬العام‭ ‬1969‭ ‬للباحث‭ ‬االأب‭ ‬كمال‭ ‬قلتهب‭ ‬بإشراف‭ ‬من‭ ‬تلميذين‭ ‬نجيبين‭ ‬لطه‭ ‬حسين‭ ‬هما‭ ‬سهير‭ ‬القلماوى‭ ‬وشكرى‭ ‬عياد‭.. ‬وأهمية‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬تكمن‭ ‬فى‭ ‬أن‭ ‬صاحبها‭ ‬عاصر‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬وجلس‭ ‬إليه‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات‭ ‬وأخذ‭ ‬عنه‭ ‬نصائح‭ ‬مهمة‭ ‬حول‭ ‬بحثه،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الباحث‭ ‬قد‭ ‬سافر‭ ‬حينها‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا‭ ‬ليتتبع‭ ‬مصادر‭ ‬ثقافة‭ ‬العميد‭ ‬فى‭ ‬عقر‭ ‬دارها‭.. ‬وهناك‭ ‬قابل‭ ‬مؤنس‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬ودارت‭ ‬بينها‭ ‬مناقشات‭ ‬كثيرة‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭.‬

الغريب‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬تناولت‭ ‬كل‭ ‬أعمال‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬تقريبا،‭ ‬لكنها‭ ‬أسقطت‭ ‬من‭ ‬حساباتها‭ ‬الكتاب‭ ‬الصدمة‭ ‬افى‭ ‬الشعر‭ ‬الجاهلىب‭ ‬ونحن‭ ‬نخمن‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬يرجع‭ ‬إلى‭ ‬سببين،‭ ‬أولهما‭ ‬أن‭ ‬الباحث‭ ‬ربما‭ ‬استشعر‭ ‬الحرج‭ ‬فى‭ ‬مناقشة‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬أن‭ ‬مشرفته‭ ‬تلميذة‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬الأثيرة‭ ‬الدكتورة‭ ‬سهير‭ ‬القلماوى‭ ‬التى‭ ‬قدمت‭ ‬لهذا‭ ‬الدراسة،‭ ‬وثانيها‭ ‬أن‭ ‬الباحث‭ ‬قد‭ ‬رأى‭ ‬أنه‭ ‬يكفى‭ ‬الجدال‭ ‬الذى‭ ‬دار‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬القضية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فعليه‭ ‬أن‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬قضية‭ ‬أخرى‭ ‬جدية‭.‬

وهذا‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬الأب‭ ‬كمال‭ ‬قلته،‭ ‬فقد‭ ‬راح‭ ‬يتتبع‭ ‬الروافد‭ ‬الثقافية‭ ‬لطه‭ ‬حسين،‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬رحلته‭ ‬مع‭ ‬التعليم،‭ ‬وفى‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬استوقفتنا‭ ‬عدة‭ ‬أشياء؛‭ ‬ونريد‭ ‬عون‭ ‬كاتبنا‭ ‬فى‭ ‬تفسيرها‭ ‬لنا؛‭ ‬لأنها‭ ‬تخص‭ ‬الجانب‭ ‬الأكاديمى‭ ‬الذى‭ ‬يعرف‭ ‬خفاياه‭ ‬أكثر‭ ‬منى‭.. ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأشياء‭ ‬أن‭ ‬التواريخ‭ ‬تقول‭ ‬لنا‭ ‬إن‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬ترك‭ ‬الأزهر‭ ‬وتوجه‭ ‬إلى‭ ‬الجامعة‭ ‬الأهلية‭ ‬فى‭ ‬العام‭ ‬1909،‭ ‬بعدها‭ ‬بخمس‭ ‬سنوات،‭ ‬أى‭ ‬فى‭ ‬عام‭ ‬1914‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬الدكتوراه‭ ‬فى‭ ‬أبى‭ ‬العلاء‭ ‬المعرى،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬الليسانس‭ ‬أو‭ ‬الدبلوم‭ ‬أو‭ ‬الماجستير،‭ ‬فهل‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الدرجات‭ ‬مهملة‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت؟‭ ‬ثم‭ ‬إنه‭ ‬عند‭ ‬مناقشة‭ ‬الدكتوراه‭ ‬ناقشه‭ ‬مشايخ‭ ‬معممون،‭ ‬فهل‭ ‬كان‭ ‬هؤلاء‭ ‬المشايخ‭ ‬المعممون‭ ‬على‭ ‬دراية‭ ‬كاملة‭ ‬بمناقشة‭ ‬رسائل‭ ‬الدكتوراه،‭ ‬وهل‭ ‬ناقشوا‭ ‬باحثين‭ ‬قبل‭ ‬طه‭ ‬حسين؟

كما‭ ‬تقول‭ ‬لنا‭ ‬التواريخ‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬سافر‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا‭ ‬ثم‭ ‬رجع،‭ ‬ثم‭ ‬استقر‭ ‬فى‭ ‬باريس‭ ‬فى‭ ‬أواخر‭ ‬عام‭ ‬1915،‭ ‬بعدها‭ ‬بعام‭ ‬ونصف‭ ‬فقط‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬الدكتوراه‭ ‬فى‭ ‬فلسفة‭ ‬ابن‭ ‬خلدون،‭ ‬وبعدها‭ ‬بعام‭ ‬ونصف‭ ‬أخرى‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬الدبلوم،‭ ‬فكيف‭ ‬يكون‭ ‬ذلك؟‭ ‬هل‭ ‬الدبلوم‭ ‬يأتى‭ ‬بعد‭ ‬الدكتوراه؟‭ ‬هذه‭ ‬مجرد‭ ‬أسئلة‭ ‬نحب‭ ‬أن‭ ‬يساعدنا‭ ‬كاتبنا‭ ‬فى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬إجابة‭ ‬لها‭ ‬ونتمنى‭ ‬ألا‭ ‬تكون‭ ‬عنده‭ ‬غضاضة‭ ‬فنحن‭ ‬نستخدم‭ ‬حقنا‭ ‬فى‭ ‬مذهب‭ ‬الشك‭ ‬الذى‭ ‬ظل‭ ‬العميد‭ ‬يحارب‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬طوال‭ ‬حياته‭.‬

وبعيدا‭ ‬عن‭ ‬الانتقادات‭ ‬التى‭ ‬وجهت‭ ‬إلى‭ ‬طه‭ ‬حسين،‭ ‬من‭ ‬الشيخ‭ ‬محمود‭ ‬شاكر‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬النقاد‭.. ‬وبعيدا‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬المدافعين‭ ‬عن‭ ‬العميد،‭ ‬ومع‭ ‬احترامنا‭ ‬الكامل‭ ‬للطرفين‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬ننكر‭ ‬أن‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬قد‭ ‬كون‭ ‬جل‭ ‬ثقافته‭ ‬من‭ ‬الحضارة‭ ‬الفرنسية‭ ‬وقد‭ ‬أحب‭ ‬أن‭ ‬ينقلها‭ ‬إلينا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬كتاباته‭ ‬التى‭ ‬تأثر‭ ‬فيها‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬مفكر‭ ‬فرنسى،‭ ‬ولكننا‭ ‬نراه‭ ‬تأثرا‭ ‬محمودا؛‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يطغ‭ ‬عليه‭ ‬النقل،‭ ‬وإنما‭ ‬وضع‭ ‬العميد‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حصله‭ ‬تحت‭ ‬منظار‭ ‬العقل‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬فكرنا‭ ‬العربى‭.‬

وقد‭ ‬تأثر‭ ‬العميد‭ ‬مثلا‭ ‬بسانت‭ ‬بيف‭ ‬فى‭ ‬كتابه‭ ‬الرائد‭ ‬اأحاديث‭ ‬الإثنينب‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المقالات‭ ‬نشرها‭ ‬بيف‭ ‬فى‭ ‬مجلة‭ ‬الدستور‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬عام‭ ‬1849‭. ‬وقد‭ ‬نشر‭ ‬العميد‭ ‬على‭ ‬غراره‭ ‬كتابه‭ ‬الرائد‭ ‬أيضا‭ ‬احديث‭ ‬الأربعاءب‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬فى‭ ‬الأصل‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المقالات‭ ‬نشرها‭ ‬بجريدتى‭ ‬السياسة‭ ‬والجهاد‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬1924،‭ ‬لكن‭ ‬بيف‭ ‬كتب‭ ‬عن‭ ‬عن‭ ‬أدباء‭ ‬عصره‭ ‬ومجتمعه،‭ ‬بينما‭ ‬كتب‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬عن‭ ‬أدباء‭ ‬وشعراء‭ ‬بيئته‭ ‬العربية‭.‬

كما‭ ‬اتفق‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬مع‭ ‬شاتوبريان‭ ‬فى‭ ‬المنهج‭ ‬والغاية‭ ‬اللذين‭ ‬كتب‭ ‬من‭ ‬أجلهما‭ ‬كتابه‭ ‬المهم‭ ‬اعلى‭ ‬هامش‭ ‬السيرةب‭ ‬هذا‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬يتماس‭ ‬فى‭ ‬إطاره‭ ‬العام‭ ‬مع‭ ‬كاتب‭ ‬آخر‭ ‬وهو‭ ‬أرنست‭ ‬رينانب‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬كتب‭ ‬بدوره‭ ‬كتابا‭ ‬يدافع‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬السيد‭ ‬المسيح‭.‬

وأما‭ ‬عن‭ ‬تأثر‭ ‬العميد‭ ‬بفولتير،‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬استشهادات؛‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬التأثر‭ ‬معروف‭ ‬لدى‭ ‬الجميع،‭ ‬ولم‭ ‬ينكره‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬نفسه‭.. ‬يكفينا‭ ‬فقط‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬فولتير‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يولى‭ ‬الدين‭ ‬أهمية‭ ‬كبرى،‭ ‬وكان‭ ‬يسعى‭ ‬جاهدا‭ ‬لفصل‭ ‬الدين‭ ‬عن‭ ‬الدولة،‭ ‬وهو‭ ‬عين‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬طه‭ ‬حسين،‭ ‬ولا‭ ‬أدل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬ميله‭ ‬الشديد‭ ‬إلى‭ ‬الحضارة‭ ‬الفرنسية‭.‬

نقول‭ ‬فى‭ ‬النهاية،‭ ‬إن‭ ‬باحثنا‭ ‬الجاد‭ ‬قدم‭ ‬لنا‭ ‬دراسة‭ ‬جادة‭ ‬ورصينة‭ ‬عن‭ ‬العميد؛‭ ‬لكن‭ ‬حبه‭ ‬الطاغى‭ ‬لطه‭ ‬حسين،‭ ‬ربما‭ ‬قد‭ ‬أنساه‭ ‬بعض‭ ‬النقاط‭ ‬الموضوعية‭ ‬حول‭ ‬ثقافة‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬وتجربته‭ ‬ومدى‭ ‬تأثره‭ ‬بالآخر‭ ‬المختلف‭ ‬معه‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وهذه‭ ‬النقاط‭ ‬الموضوعية‭  ‬تصب‭ ‬قطعا‭ ‬فى‭ ‬صالح‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقلل‭ ‬أبدا‭ ‬من‭ ‬أثره‭ ‬العظيم‭ ‬فى‭ ‬ثقافتنا‭ ‬العربية‭.‬

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة