نادر حلاوة
نادر حلاوة


سمعة الحكومة في درج مفتوح!

بوابة أخبار اليوم

الأربعاء، 11 نوفمبر 2020 - 10:53 ص

على مقربة من المبنى الحكومي القديم الذي فاض برواده فألقى بهم على الرصيف في صورة طابور بلا نهاية وقف رجل يرتدي نظارة طبية سميكة في حيرة وهو ينقل نظره بينملف الأوراق في يده والطابورالذي لا يتحرك.

وحين بدا اليأس على وجه الرجل التقطته عين خبيرة، عين رجل آخر مهنته الحقيقية مجهولة لكنه يجيد اكتشاف زبائنه بدقة ، يُمكن اعتباره وسيط أو سمسار متخصص في المعاملات الحكومية.


قال هذا السمسار للرجل الذي نزع نظارته ليمسحها " عايز تنجز والا تقف في الطابور؟" وقبل أن يجيب الرجل تابع السمسار " 20 جنيه".


ناول الرجل ملف أوراقه مع العشرين جنيه للسمسار الذي اخترق منتصف الطابور إلى مدخل المصلحة الحكومية والرجل يعدو خلفه حتى وصلا أمام مكتب مدام "نجوى" التي أشارت للرجل أن أوراقه ناقصة لكنها ستبذل جهدها لاتمام الإجراءات المطلوبة.


نهضت "نجوى" من مقعدها وهي تجر جسدها الممتليء نحو إحدى الغرف وسط همهمات الواقفين في الطابور اللانهائي بينما نظر السمسار للرجل نظرة ذات معنى وهو يوميء للدرج المفتوح في مكتب مدام "نجوى".


نظر الرجل للسمسار مستفسرا ففرد أصابع يده وضمها بسرعة فتقدم الرجل ليضع خمسين جنيه في الدرج المفتوح ولم تمر دقيقة حتى عادت مدام نجوى لتفتش عن قلم في درجها المفتوح ثم تهلل وجهها وهي تحمل القلم لتضع إمضاءها مشيرة بابتسامة ميكانيكية إلى المكتب المجاور. 


استغرقت الإجراءات حوالي ربع ساعة تعرف خلالها الرجل على درجين مفتوحين على الأقل واستمع إلى عبارة "كل سنة وانت طيب يابيه "مع أياد ممدودة عدة مرات عند ماكينة التصوير وعند "البوفيه" وعند خروجه من دورة مياه المصلحة مسرعاً بعد أن غير رأيه وفضّل إجبار مثانته على الصمود لفترة أطول بدلا من استخدام قناع الحرب الكيماوية الذي يتطلبه التنفس في هذا المكان. 


انتهت المهمة بنجاح وشكر الرجل ذو النظارة السميكة السمسار و لوح بيديه لمدام نجوى ورفاقها قبل أن يغادر المصلحة.


في صباح اليوم التالي وأمام نفس المبنى الحكومي القديم توقفت سيارتان سوداوان وخلفهما "بوكس" شرطة ، ولم تعرف مدام "نجوى" سبب القبض عليها ولم يعرف مدير المصلحة سر خضوعه للتحقيق بينما استسلم السمسار بهدوء كإجراء اعتاد عليه بالنظر لصحيفة سوابقه.


في الليلة السابقة داخل مكتب إحدى الجهات الرقابية نزع الرجل ذو النظارة السميكة أحد أزرار سترته وسلمها مع النظارة للمسؤولين هناك فقد كان الرجل في مهمة عنوانها "المتعامل السري" استخدم خلالها "كاميرا" و"ميكروفون" خفيين وقام بتسجيل كل الوقائع التي شهدها في المصلحة الحكومية وكانت هذه أول تجربة من نوعها في مصر بعدها انتشرت أخبار "المتعامل السري" في المصالح الحكومية  ثم تضخمت أكثر بالمبالغات والشائعات ، وبدأ كل موظف يتشكك في كل متعامل معه فينجز عمله على خير وجه بل ويضطر أحيانا للتبسم في وجه أخيه المواطن !، بينما اختفى السماسرة من أمام المصالح الحكومية.


وبعد 6 شهور أعلنت الحكومة رسميا عن مشروع "المتعامل السري" حيث أكد رئيس الوزراء الدكتور "مصطفى مدبولي" أن هذا المشروع  الذي تكلف أقل من 5 ملايين جنيه فقط قد نجح في خفض نسبة الفساد الإداري إلى 15% ورفع من جودة الخدمات التي يحصل عليها المواطنين بنسبة 50% واوقف إهدار سمعة الحكومة التي لا يراها المواطن إلا في موظفيها فينسى أي إنجاز حقيقي آخر.


 كما أكد الدكتور "مدبولي" أن أسلوب "المتعامل السري" يتسم بالدقة والشفافية التامة ويعتمد على المتطوعين وعلى تقنيات حديثة متوفرة تمنع التلاعب بالمادة المسجلة التي يتم بثها مباشرة إلى 5 جهات رقابية مختلفة ، ورفض الدكتور "مدبولي" التصريح بعدد "المتعاملين السريين" في مصر لكنه أكد أن العدد أقل مما قد يتصور البعض مقارنة بالأثر الإيجابي الكبير الذي أحدثه في القطاع الحكومي مشيرا إلى أن الحكومة المصرية استفادت من تجارب دول أخرى في هذا المجال حيث اعتمدت هذه الدول على مبدأ مهم وهو أن الخوف الدائم من العقاب هو أكبر رادع للمخالفين.
(حدثت هذه الوقائع في منتصف عام 2022).    

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة