عائلة واحدة أحرقت أوروبا.. «جحيم الخنادق» في الحرب العالمية الأولى 
عائلة واحدة أحرقت أوروبا.. «جحيم الخنادق» في الحرب العالمية الأولى 


حكايات| عائلة واحدة أحرقت أوروبا.. «جحيم الخنادق» في الحرب العالمية الأولى 

محمود مالك

الأربعاء، 11 نوفمبر 2020 - 05:16 م

في 11 نوفمبر من كل عام، تحل على أوروبا وعددٍ من الدول ذكرى انتهاء الحرب العالمية الأولى التي توسع فيها الصراع وسميت «الحرب العظمي»، بعد أن خلفت حوالي  17 مليون قتيل عسكرياً و7 ملايين مدني، و20 مليون جريح.

 

الشرارة الأولى التي أطلقت الحرب العالمية الأولى، وما ترتب عليها من سقوط إمبراطوريات، تمثلت في اغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند ولي عهد مملكة النمسا المجرية، وزوجته صوفي دوقة هوهنبيرغ، في 28 يونيو 1914 والقاتل هو جافريلو برينسيب، وهو قومي صربي ويوغوسلافي العرقية من مجموعة شباب البوسنة، الذي كان عضواً في منظمة اليد السوداء.

 

كانت هذه المنظمة في صربيا تطمح لإعادة حكم البوسنة وضمها لصربيا بعد أن ضمتها مملكة النمسا المجرية لحكمها قبل ما يقرب من 7 أعوام من حرب شنها الإمبراطور النمساوي فرنز جوزيف، وكان يفكر في ضم الباقي إلا أن القومية السلافية وقفت لها بالمرصاد.

 

زاد الصراع بين النمسا والمجر وصربيا، قبل أمن تعلن روسيا الحرب؛ قبل أن تقرر النمسا المجرية الوقوف إلى جوار صربيا معتبرة أنها حماية للقومية السلافية وكان نيكولاس الثاني إمبراطور روسيا في هذا الوقت قد عمل على تطوير جيش بلاده.

 

 

غضب ويليام الثاني قيصر ألمانيا من ابن عمه إمبراطور روسيا، خاصة أنه رافض لتدخله في أمور لا تخصه وكان دائماً ما ينتقده فأرسل له يطلب منه عدم التدخل في الحرب وإلا ستكون ألمانيا إلى جانب النمسا بحكم اتفاقية التعاون العسكري الموقعة بينهما.

 

هنا رأت فرنسا رأت في الوضع مكسب لها بعد أن كان قيصر ألمانيا هاجمها قبل أعوام، واحتل مقاطعتي (الألزاز واللورين) شمال شرق فرنسا فأعلنت الحرب بدورها على ألمانيا لترد الأخيرة بقرار مماثل على فرنسا وروسيا.

 

وبالفعل مرت ألمانيا من دولة بلجيكا لدخول فرنسا فقامت بلجيكا بإعلان الحرب على ألمانيا وحلفائها، وكانت قد وقعت اتفاقية دفاع وتعاون مع بريطانيا فدخلت بريطانيا الحرب ضد ألمانيا والنمسا، ومن العوامل الأخرى التي دخلت حيز اللعب خلال الأزمة الدبلوماسية التي سبقت الحرب المفاهيم الخاطئة عن نية (على سبيل المثال، فإن الاعتقاد الألماني أن بريطانيا ستبقى محايدة)، القدر أن الحرب كانت حتمية، وسرعة الأزمة، التي تفاقمت بسبب التأخير وسوء تفاهم في مجال الاتصالات الدبلوماسية. 

 

أبناء العائلة الواحدة 

 

في 22 يناير عام 1901 توفيت الملكة الإنجليزية الكبرى فيكتوريا، وكانت تلقب بأم أوروبا نظراً لأن أولادها وأحفادها يشغلون عدد من العروش الأوروبية، حيث أصبح ملوك وملكات أوروبا عائلة واحدة كبيرة، كان الملك البريطاني جورج الخامس وقيصر روسيا نيكولاس الثاني ابني عم، وكان الناس يحسبهما توأمين لشدة تشابه وجهيهما.

 

 

كما كان القيصر الألماني ويليام الثاني كان ابن عمهما وبديل ولي العهد الروسي أليكسي؛ حيث كان الوريث الوحيد وولي عهد نيكولاس الثاني وكان مصاباً بالناعور، ودمه لا يتخثر وأي جرح بسيط سيؤدي إلى وفاته، ويعود هذا المرض إلى جدته فيكتوريا من جهة والدته.

 

ولم يسع أولاد العم للسلام بل ساقوا الملايين من أبناء العالم إلى حتفهم وقتل في حفر وخنادق منتشرة في ميادين المعارك ملايين لم يستطع العالم تحديدها نظراً لقلة التطور التي كانت في هذا التوقيت رغم أن ثورة صناعية كبرى انتشرت في أوروبا في هذا التوقيت، وأصبحت أوروبا على طريق التطور لعالم جديد وكانت على موعد مع انهيار أغلب الإمبراطوريات والممالك.

 

سقطت ألمانيا القيصرية وتحولت لجمهورية ألمانيا، وتفككت النمسا والمجر لعدة دول تحت حكم جمهوري بعد معاهدة فرساي، وسقطت الإمبراطورية الروسية بفعل الثورة البلشفية عام 1917 وقبل نهاية الحرب فعلياً، وقتل القيصر وأسرته بالكامل على يد ثوار، وسُلمت روسيا الكبيرة والشاسعة لمجموعة من أصحاب الأفكار الشيوعية بقيادة لينين وسُميت روسيا الاتحاد السوفيتي نظراً للـعراق والجنسيات المختلفة وحافظ هذا عليها من التفكك.

 

الإمبراطورية العثمانية سقطت كذلك، بعد أن كانت حليفًا لألمانيا في هذا الوقت وتقسم أراضيها على الدول التي ربحت الحرب، بين كل ذلك حافظت إنجلترا على كونها مملكة وهي الوحيدة الناجية من دول الحلفاء الفائزين أو المركز الخاسرين من التخلي عن لقب المملكة.

 

 

خطة شيفلن

 

في 3 أغسطس 1914 أشعل الألمان فتيل الحرب بهجوم سريع فساروا إلى فرنسا عن طريق بلجيكا، بخطة غزو لتحقيق نصر سريع من حرب قصيرة، حيث وضع القائد الألماني شليفن خطة تحمل اسمه قوامها مهاجمة لوكسمبورغ وبلجيكا قبل أن تهاجم روسيا ألمانيا من الشرق ويُجبر الجيش الألماني على القتال على جبهتين.

 

ولكن بلجيكا كانت دولة محايدة بعد هزيمة نابليون، وكان الهدف من اعتبارها منقطة محايدة إيجاد منقطة عازلة بين بريطانيا وفرنسا وألمانيا، دفع انتهاك هذه الحيادية لندن إلى القيام برد فعل فوري وإعلان الحرب على ألمانيا.

 

كان القادة الألماني وضعوا حسابات يفترضوا فيها بأنه لن يكون لدى البريطانيين وقت للوصول إلى القارة الأوروبية، وستنتهي الحملة على بلجيكا بسرعة شديدة.

 

حرب الخنادق 

 

على طول 600 ميل بين فرنسا وألمانيا وبلجيكا، حفرت خنادق بعرض أوروبا بالكامل تمتد من سويسرا وحتى البحر تمركز فيها الجنود من الجهتين ألمان وفرنسيين فقد حفرت الخنادق من الجهتين بعرض القارة العجوز بعدما احتلت ألمانيا بلجيكا بالكامل واجتاحت فرنسا وأوشكت أن تصل باريس.

 

 

توقف التقدم الألماني إلى فرنسا في معركة مارن وبحلول نهاية عام 1914، استقرت الجبهة الغربية على معركة استنزاف تميزت بسلسلة طويلة من خطوط الخنادق التي تغيرت قليلاً حتى عام 1917.

 

على الجبهة الشرقية، دخل جيشان روسيان شرق بروسيا في 17 أغسطس، امتثالا لاتفاقهما مع فرنسا عام 1912 لمهاجمة ألمانيا خلال 15 يوماً من التعبئة.

 

أجبر الألمان على تحويل قوات من الغرب، لكنهم نجحوا في صد هذا الغزو بانتصارات في تانينبرغ وبحيرات ماسوريان، ومع ذلك احتل الروس مقاطعة غاليسيا الشرقية في النمسا والمجر.

 

شهدت الحرب مرحلتين عرفت الأولى بحرب الحركة والثانية بحرب الخنادق، وفي حرب الحركة امتازت التحركات العسكرية في خلال هذه الفترة بسرعة الحركة على كل الجبهات، وخلال حرب الخنادق اتَّخذت الحرب على الجبهتين الغربية والروسية خاصة طابع الثبات في المواقع وقامت الجيوش المتقابلة على الجبهات بحفر الخنادق وتحصينها وتجهيزها مستخدمة في مواجهاتها أسلحة جديدة مثل الدبابات والطائرات.

 

 


قبل الحرب العالمية الأولى في مواكبة التقدم والتطور التكنولوجي ولكن بعد اندلاع الحرب أصبح لتطور أنظمة الدفاع تأثير قوي، وكانت الأسلاك الشائكة تمثل عقبة كبيرة في تقدم الجنود المشاة وأصبحت المدفعية أكثر فتكاً مما كانت عليه في عقد 1870 إضافةً إلى اقترانها بالرشاشات الذي جعل من عبور الأراضي المفتوحة في غاية الصعوبة.

 

لكن قادة الجانبين فشلوا في تطوير تكتيكات حربية في حرب الخنادق دون أن تكون هناك خسائر فادحة، ومع ذلك فقد بدأت التكنولوجيا اللازمة لإنتاج أسلحة هجومية جديدة منها الغازات السامة والدبابات وإدخال الطائرات في الحرب.

 

حرب الغواصات 

 

آنذاك كانت ألمانيا أكبر دول العالم تطوراً في هذا الوقت في المجال البحري، وبخاصة الغواصات فقد امتلكت غواصات من نوعية "U" بينما لم تكن بريطانيا تملك مثيلتها إلا بعد 20 سنة من انتهاء الحرب العالمية الأولى، وعند اندلاع الحرب اتخذت الولايات المتحدة سياسة عدم التدخل لتجنب الصراع وأن تكون وسيط السلام.

 

 

وعندما أغرقت غواصة U-boat الألمانية  السفينة لوسيتانيا في 7 يونيو 1915 وقتلت 128 أمريكيا كان على متنها، أعلن الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون إنهاء هجمات إغراق سفن الركاب وامتثلت ألمانيا لهذا القرار بأنها لن تهاجم سفن الركاب، لقد حاول ويلسون أن يلعب دور الوسيط ومع ذلك فقد حذَّر تكراراً أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع حرب الغواصات التي تنتهك القانون الدولي، وقد ندَّد الرئيس الأمريكي الأسبق ثيودور روزفلت بهذا الإعتداء الألماني ووصفه بالقرصنة. 

 

 

في يناير 1917 استأنفت ألمانيا حرب الغواصات وهم مدركين أن هذا من الممكن أن يُدخل الولايات المتحدة إلى الحرب، لذا أرسل وزير الخارجية الألماني برقية زيمرمان إلى المكسيك تقترح فيها أن تكون حليفةً لألمانيا في شنها الحرب على الولايات المتحدة وبالمقابل فإنه ألمانيا ستكون الداعم للمكسيك في حربها على الولايات المتحدة وستساعدها على استرداد أراضيها السابقة: تكساس ونيومكسيكو وأريزونا.

 

 ولكن سلك الاستخبارات السرية البريطانية اعترضت هذه البرقية وفكَّت شفرتها وقدمتها إلى السفارة الأمريكية في المملكة المتحدة، ساهم هذا في إعلان الولايات المتحدة الحرب على ألمانيا ودخلت أمريكا الحرب.

 

نتائج الحرب 

 

بعد الحرب فرض مؤتمر باريس للسلام سلسلة من معاهدات السلام بين دول المركز حتى تُنهي الحرب بشكل رسمي، حينما وافقت ألمانيا على توقيع الهدنة في 11 نوفمبر 1918 كان على أساس مبادئ ويلسون الأربعة عشر واعتقدت ألمانيا حينها أن القرارات التي ستصدر في مؤتمر السلام ستكون على أساس هذه المبادئ ولكن هذا لم يحصل مطلقاً.

 

كان أول اجتماع لعصبة الأمم في 28 يونيو 1919، أُجبرت ألمانيا على الرغم من الاحتجاجات الشديدة لها أن تعترف بالذنب لبدئها الحرب في عام 1914 وبالتالي فهي مسئولة عن التعويضات الضخمة التي عليها أن تقوم بتعويضها لدول الحلفاء المتضررة والمواطنين بسبب العدوان الألماني.

 


وأصبح هذا الشرط لاحقًا عند الألمان بأنه شرط ذنب الحرب، حيث شعرت الغالبية العظمى من الألمان بالمهانة والاستياء حول هذه النقطة، وبعد ذلك أصبحت هذه النقطة قضية النازيين أثناء حملتهم الكبرى في عقد 1920 شعر الألمان أنه تم التعامل معهم ظلمًا بسبب ما سموه بـ«أوامر فرساي» التي تلقوها.

 

ولعل كل ما سبق لخصه الكاتب الألماني المنتمي للحزب النازي ويليبالاد شولز  بقوله إن المعاهدة وضعت ألمانيا في ظل العقوبات القانونية محرومة من القوة العسكرية ودمِّرتها اقتصادياً وأُذلَّتتها سياسياً وهو ما كان السبب الحقيقي لاندلاع الحرب العالمية الثانية.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة