نادر حلاوة
نادر حلاوة


ورطة ملك الصحافة «الصفراء»

بوابة أخبار اليوم

السبت، 14 نوفمبر 2020 - 01:51 م

الإعلامي الكبير الذي اشتعل رأسه شيباً يعيش في ورطة هذه الأيام، يتذكر الأيام الخوالي حين كانت نسبة مشاهدة برنامجه في قمتها، وكان المعلنون يتسابقون للفوز بنصيب من كعكعته الإعلانية، وقتها ارتفعت أرصدته البنكية، واشترى بعض العقارات واستثمر بعض أمواله في مشروعات أخرى.

لكن اليوم في صحرائه الفضائية الجرداء من المعلنين يفتش عن سبب تراجع أسهمه في سوق الإعلاميين ويلقي باللائمة على سياسات القناة التي حرمته من اشعال شغف المشاهدين بحرائق من نوع (الخلافات الشيعية السنية) أو (زنا المحارم) أو (التسريبات الجنسية) وغيرها من الموضوعات التي صنعت شهرته وأرصدته البنكية معاً.

يقف أمام المرآة، يصفف شعره ويفكر في آن واحد عن جدوى النظريات الإعلامية التي درسها ويميل فمه في ابتسامة ساخرة حين يتذكر محاضرة قديمة عن الرسالة الحقيقية للاعلام في دول العالم الثالث، وكيف أن للاعلام دور مهم لإصلاح المجتمع، ثم يمصمص شفتيه في ضجر وهو يتذكر المسؤول المهذب الذي علق على بعض فقرات برنامجه التي حاول فيها الاقتراب من نفس أسلوبه القديم.

ما الذي يفيد المشاهد؟، و مالذي يجذب المشاهد؟، عبر السؤالان في عقله سريعا فتبخر السؤال الأول وبقي السؤال الثاني يطن في أذنيه، فليس من شأن الإعلام في هذه الأيام أن يقدم ما يفيد بقدر تقديمه لما يجذب المشاهد حتى تزداد نسبة الإعلانات فيكون النجاح بالمزيد من الأرباح.

يعود الإعلامي الكبير إلى تاريخه الصحفي العريق فقد كان ملكاً متوجاً على عرش الصحافة الصفراء، ولو كان الأمر بيده لشيد تمثالاً للأميركي "ويليام راندولف هيرست" رائد هذا النوع من الصحافة الذي يعتمد على الإثارة والفضائح والجرائم ولأن الصحف والمجلات من هذه المدرسة كانت تُطبع على أوراق رخيصة صفراء اللون فقد عُرفت بالصحافة الصفراء.

يتذكر الإعلامي الكبير مشواره الصحفي الملطخ بهذا اللون الأصفر وكيف لون به الشاشات كذلك فأسس مدرسة إعلامية انضم إليها آخرون أغرقوا الشاشات بأسوأ ما يمكن أن يقوم به الإعلام، وهو مخاطبة الحد الأدنى من الوعي العام فبهذا الأسلوب لا يمكن الارتقاء أبدا بهذا الوعي لكن في الوقت نفسه هذا ما يضمن قاعدة عريضة من الجمهور والاعلانات.. الخ.

أعاد الإعلامي الشائب طرح السؤال الأول السخيف وهو ما الذي يفيد المشاهد؟، فوجد أن واجبه كإعلامي هو الارتقاء بالوعي العام وتعزيز الفكر العلمي و العقلاني في مجتمع اجتاحته موجات الخرافة واحدة تلو الأخرى فأغرقت عقله وكبلت قدراته، فهو يعلم جيدا أن العقل الغارق في الخرافة يعجز عن الربط بين الأسباب و نتائجها وبالتالي يعجز عن التعامل مع معطيات العصر والنتيجة الحتمية هي البقاء في قاع التخلف، وهنا ابتسم الإعلامي ابتسامة رائقة كشفت عن أغلب أسنانه أمام المرآة بعد أن عثر على المنفذ الوحيد الذي لا يمكن أن يتعارض مع سياسات القناة..  إنها الخرافة.. نعم.. الناس تحب الخرافة.. الناس تعشق كل ما لا يجبر عقلها على التفكير.. وتساءل الإعلامي إذا كان التفكير يزعج العقول النائمة... فماذا لو منحت هذه العقول سريرا مريحا لنوم أعمق وأنا أقص عليهم حواديت ما قبل النوم؟!

في اليوم التالي دخل الأعلامي الاستوديو بكامل أناقته وبخطوات واثقة وبنبرة صوت جادة أخذ يتحدث عن قصة غريبة جدا لجنين اختفى من بطن أمه!! ليتأكد لدى العقل الجمعي النائم أهمية السحر في حياته فيغط في نوم أعمق ولا يستيقظ منه أبدا إلا حين يأتي قرين العقل "الخرافي" وهو العقل "الخرفاني" الذي يزداد انتشارا مع استشراء الخرافة فيتحول إلى أداة سهلة طيعة في يد من يقود القطيع.. هو يعلم كل هذا.. لكنهم لا يعلمون.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة