رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد
رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد


الصراع بين حكومة إثيوبيا و«تيجراي».. الهدف والجذور التاريخية    

محمد عبدالفتاح

الأحد، 15 نوفمبر 2020 - 06:01 م

ما هو السبب الذي فجر الصراع، يوم الثالث من نوفمبر الجاري، بين السلطة المركزية الإثيوبية وحكومة "تيجراي" ذلك الإقليم ذات الستة ملايين نسمة، والواقع شمال ثاني أكبر دولة إفريقية تعدادا للسكان «110 مليون نسمة» والمتاخم للحدود مع إريتريا؟

مما لا شك فيه أن الجانبين أظهرا عزما وعندا في المضي قدما نحو صراع مخيف على مدار الأشهر القليلة الماضية، لذا يجدر توضيح أسباب سكب الزيت على نار كانت خافتة في بلد لا يمكن وصفه إلا بأنه فريسة لمجموعة توترات عرقية تجعله، ومعه منطقة القرن الإفريقي برمتها، مرشحا للانفجار في أي وقت.

وفقا لرئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، فإن الهجوم الذي شنته قوات تابعة لحكومة "تيجراي" على تمركزات لقوات تابعة للحكومة الفيدرالية، لاسيما في «ميكيلي»، عاصمة الإقليم، هو فعل أعقبه رد فعل، من القوات الفيدرالية التي تأتمر بأمره.

 وأكد «أحمد» أن قوات «تيجراي» تجاوزت كل الخطوط الحمراء بعد سلسلة من الاستفزازات، فيما ترد السلطات المحلية لـ"تيجراي" بأن آبي أحمد فاقد للشرعية وفقا لانتهاء فترته كرئيس للوزراء، وذلك على خلفية تأجيل الانتخابات التشريعية التي كان من المفترض أن تشهدها البلاد في أغسطس من العام الجاري، وتم تأجيلها إلى توقيت غير معلوم في 2021.

غير أن مصدر مطلع قال لصحيفة «لوموند الفرنسية اليومية» إن هذا الصراع يتم الإعداد له منذ أسابيع وربما منذ أشهر، ولم يجد الطرفان أفضل من الثالث من نوفمبر لإشعاله، حيث أن الكوكب بأكمله كان مشغولا بمتابعة انتخابات الرئاسة الأمريكية".

 وكان الجدول الزمني للتصعيد واضحا، ففي نهاية أكتوبر أعلنت سلطات "تيجراي" أنها لم تعد تعترف بشرعية السلطة الفيدرالية في أديس أبابا، وكمقدمة لذلك نظم الإقليم -متحديا الحكومة الفيدرالية- انتخابات تشريعية خاصة به في 9  سبتمبر، وفازت بها "جبهة تحرير شعب تيجراي Tigray People's Liberation Front" والمعروفة اختصارا بـ TPLF، وهو الحزب الحاكم في "ميكيلي" بزعامة ديبرتسيون جيبرميكائيل، بنسبة 98% من إجمالي الأصوات.

وبالتوازي مع ذلك التصعيد، قامت حكومة "تيجراي" بتنظيم عروض عسكرية، كنوع من استعراض القوة، وشارك فيه ضباط جيش منشقون عن جيش الجكومة الفيدرالية وقادة ميلشيات محلية، علما بأن عناصر "تيجراي" من المكونات الرئيسية الهامة لجيش الدفاع الإثيوبي الفيدرالي.

وفي إشارة أخرى على رفض أي أوامر صادرة من أديس أبابا، وتحديدا يوم الخميس الموافق التاسع والعشرين من أكتوبر، منعت سلطات "ميكيلي" نائب مدير المنطقة الشمالية العسكرية -وهو ليس من عرقية التيجراي- من دخول الإقليم وذلك باعتباره موفدا من حكومة غير شرعية في العاصمة أديس أبابا، ثم وقعت المناوشات الأولى على خلفية تمركز قوات جيش تابعة للحكومة الفيدرالية على حدود إقليم "تيجراي"، وهنا صدر بيان بخطاب حرب عن TPLF يؤكد أن الإقليم سيكون  "مقبرة لمن يهاجمه"، وأن قوات من القيادة الشمالية انضمت للقوات الخاصة بالإقليم.

 

جذور هذه العداوة تكمن في عدة عوامل، يرجعها البعض لتاريخ إثيوبيا السياسي خلال العقود الماضية، ففي عام 1991، استولى تحالف ماركسي-لينيني مسلح على السلطة في العاصمة أديس أبابا، بعدما طرد منها " اللجنة التنسيقية للقوات المسلحة والشرطة والجيش" المعروفة اختصارا باسم DERG والتي حكمت إثيوبيا بشكل مؤقت بدء من سنة 1974م إلى سنة 1991، بعدما أطاحت بحكم الإمبراطور هايلي سيلاسي، وكانت حكومة DERG مدعوما من كوبا والاتحاد السوفيتي.

التحالف اللينيني-الماركسي كان يضم قوتين متوازنتين، الأولى هي TPLF بقيادة رئيس وزراء إثيوبيا الراحل ميليس زيناوي -توفي عام 2012- والقوة الثانية هي "جبهة تحرير شعب إريتريا" المعروفة اختصارا بـ EPLF، وكانت بقيادة الرئيس الإريتري الحالي آسياس آفورقي.

وبعدما كان زيناوي وآفورقي حليفين، حولتهما خلافات قديمة إلى عدوين، ولكن قبل ذلك تمت صياغة دستور تسمح نصوصه بحق تقرير مصير أوبعبارة أدق بانفصال إريتريا بموجب استفتاء تم تنظيمه في عام 1993، وكان ذلك الدستور يمنح، نظريا، نفس الحق لأقاليم إثيوبيا كافة.

 

في تلك الأثناء، هيمنت قوة موازية للجبهة الشعبية لتحرير شعب تيجراي على كل مفاصل السياسة والاقتصاد في أديس أبابا، وذلك حتى اندلاع الحرب مع إريتريا في الفترة من 1998 إلى 2000، غير أن تلك الهيمنة "التيجرانية" على مقاليد الأمور في العاصمة لم تنته سوى في عام 2018، أي مع وصول آبي أحمد، المنتمي لعرقية الأورومو، لرئاسة الوزراء وهو ما كسر قبضة التيجرانيين على السلطة المركزية.

الحرب التي تدور رحاها يوما بعد آخر على الجبهة الشمالية، قد تكون مصحوبة بتجاوزت ضد السكان التيجرانيين في عموم البلاد بدءً من العاصمة أديس أبابا.. ومع إعلان حالة الطوارئ توقفت الرحلات الجوية إلى إقليم "تيجراي" كما استبعدت شركة الخطوط الجوية الإثيوبية الطيارين والمضيفين التيجرانيين من رحلاتها الخارجية، كما تعمل الحكومة الفيدرالية حاليا على إبعاد عناصر الشرطة المنتمين للإقليم، الأمر الذي يؤشر على حالة الاحتقان العرقي في عموم البلاد.

على مدار الأشهر القليلة الماضية تم إنشاء قنوات للتنسيق بين مجموعات أورومو مسلحة كانت قد انبثقت من انقسام حدث في جبهة تحرير أورومو المعروفة اختصارا بـ  OLF، ونفس الأمر حدث مع جماعات من العرقية "العفارية" المتمردة، والأخطر من ذلك هو قلق عبر عنه مصدر بالاتحاد الإفريقي لمجلة "جين أفريك" الناطقة بالفرنسية، من أن يقوم متمردون تيجرانيون من قطع الطريق الواصل العاصمة أديس أبابا بميناء جيبوتي، حيث أن ذلك الطريق هو الحبل السري الوحيد لإثيوبيا الذي يمنحها رئة بحرية للاستيراد والتصدير.

في النهاية، ونقلا عن صحيفة «لوموند الفرنسية» فإن الباحث المستقل رينيه ليفورت يرى أن "الطرفين ليسا بحاجة للحرب، وكل ما يفعلانه هو إظهار أكبر قدر ممكن من القوة قبل الذهاب إلى طاولة المفاوضات".

صورة: ديبرتسيون جيبرميكائيل زعيم جبهة تحرير شعب تيجراي

اقرأ أيضا: وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الوزاري حول سد النهضة.. اليوم

قرأ أيضا: رئيس وزراء إثيوبيا يقيل وزير الدفاع بعد أيام من وضعه قيد الإقامة الجبرية

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة