غسان محمد عسيلان
غسان محمد عسيلان


نقطة ارتكاز

العرب والنظام العالمى الجديد!

بوابة أخبار اليوم

الإثنين، 16 نوفمبر 2020 - 07:08 م

غسان محمد عسيلان

عقب انهيار الاتحاد السوفييتى عام 1989م برزت الولايات المتحدة الأمريكية كقطب أوحد يسيطر على العالم، وراح المنظِّرون السياسيون الأمريكيون يبشِّرون بما أسموه بـ (القرن الأمريكي) وهيمنة أمريكا على العالم، وبدأت ملامح نظام عالمى جديد فى الظهور على المسرح السياسى والاقتصادى الدولي، ووجدت فكرة (العولمة) أصدَاءً واسعة فى فضاءات التنظير السياسي، واندفعت وسائل الإعلام حول العالم تتحدَّث عن سمات العولمة الفكرية والاقتصادية والاجتماعية، وولادة منظومة جديدة من العلاقات الدولية بين المجتمعات والدول، منظومة لها معالمها ومقوِّماتها الثقافية والفكرية التى تنتشر بين الأجيال، وتسيطر فيها الشركات العابرة للقارات على الاقتصاد العالمي.
هكذا بدت الأمور فى أواسط التسعينيات الميلادية من القرن العشرين، وظن الجميعُ أن العالم قد دان لهذه الرؤية التى بشَّر بها أنصار (العولمة) وساهم فى الشعور بذلك ما أدَّت إليه ثورة المعلومات من تقارب أنماط المعيشة فى مختلف المجتمعات حول العالم، ودخول البشرية عصر الفضائيات والسماوات المفتوحة، وحدوث تطور هائل وغير مسبوق فى تكنولوجيا الاتصالات، وانتشار الإنترنت، وشيوع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
على الجانب الثقافى والاجتماعى نجد أن من أبرز الملامح الفكرية والثقافية للنظام العالمى الجديد ما يتعلق بالأسرة والطفولة والعلاقات الاجتماعية، ففى المؤتمر الدولى للسكان الذى عقد فى القاهرة عام 1994م تمَّت مناقشة قضايا متنوعة تضمنت: تنظيم الأسرة، وتحديد النسل،والإجهاض، والختان والصحة الجنسية، والسماح بما سمى فى وثائق المؤتمر بأشكال الاقتران الجنسى خارج إطار الزواج، وخارج نمط الأسرة وشكلها الطبيعى الذى تعارفت عليه البشرية منذ بدء الخليقة، وهو ما دعا الدول الإسلامية إلى الاعتراض على هذه المقررات التى تمسخ هوية الأسرة وتروج للرذيلة فى المجتمع، كما اعترض عليها الفاتيكان، وعدد من الجماعات المحافظة حول العالم.
واليوم وبعد مرور نحو عقدين ونصف على هذا المؤتمر يمكننا القول: إن أصداء هذه المقررات قد تسللت فى خفية إلى وسائل الإعلام فى جميع أنحاء العالم، وخاصة إلى صناعة السينما، بل نجدها قد تسللت إلى صناعة الدراما التليفزيونية حول العالم التى تقدم منتجها إلى الأسر فى المنازل،والمؤسف أن هناك تنافسًا بين مختلف جهات الإنتاج لإخراج أسوأ ما فى النفس الإنسانية، والضغط على مشاعر المشاهدين لدفعهم إلى تبنى منظومة قيم لا قيمة فيها للأخلاق ولا وزن للمبادئ الإنسانية التى تقررها الأديان فى كافة المجتمعات، حتى ولو كان ذلك على حساب الأهل والأسرة والصداقة والعلاقات الإنسانية السويَّة!!
على الجانب الاقتصادى والسياسى لم تكتمل بعدُ ملامح النظام العالمى الجديد، ولم يخلُص أمرُ قيادة البشرية للولايات المتحدة الأمريكية بشكل مطلق، فما تزال قوة الصين الاقتصادية تتصاعد وتزاحم هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على الأسواق العالمية، فضلا عن وجود قوى اقتصادية أخرى لا يمكن الاستهانة بها، مثل ألمانيا واليابان وبريطانيا وغيرها، وما تزال الصين تبحث عن موطئ قدم لها فى السياسة الدولية، وما يزال نفوذها السياسى والتجارى يتعاظم، وهو ما يبرر الحرب التجارية التى تندلع بين الصين وأمريكا بين الفينة والأخرى.
وهنا يتساءل الكثيرون: أين العرب من هذا كله؟! أين نحن على خارطة النظام العالمى الجديد؟! لماذا لا تتوَّحد الدول العربية فى تكتل حقيقى قوى فاعل يستطيع الصمود والدفاع عن مصالحه والحفاظ على هويته الأخلاقية وتمايزه الحضارى؟!
إننا أكثر من 420مليون إنسان، ونمتلك فى بلادنا أهم ثروات العالم من النفط والحديد والفوسفات والذهب، ولدينا الأنهار والبحيرات، والشواطئ البحرية الممتدة، ونشغل موقعًا استراتيجيًّا بالغ الأهمية، وتطل دولنا على أهم المضايق والممرات البحرية فى العالم، ولدينا إسهاماتنا الحضارية الرائدة التى سادت العالم أجمع طوال عدة قرون من الزمان!! فما الذى ينقصنا حتى تكون لنا كلمة مسموعة ومؤثرة فى النظام العالمى الجديد الذى يتشكل منذ ما يزيد على عقدين من الزمان؟!!

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة