سامح الزهار المؤرخ والآثاري
سامح الزهار المؤرخ والآثاري


الزهار: «بيبرس الجاشنكير» دراما تاريخية وأثر عظيم

شيرين الكردي

الإثنين، 16 نوفمبر 2020 - 11:28 م

تعد خانقاه السلطان بيبرس الجاشنكير (706 -709) (1306-1309م) بشارع الجمالية أثر 32 من أهم الآثار الإسلامية المصرية، فقد شرع في إنشائها الأمير بيبرس سنة 706هـ- 1306 م قبل أن يلي السلطنة وألحق بها قبة كبيرة، وكملت عام (709هـ-1309) وعقب الفراغ منها قبض عليه الناصر محمد بن قلاوون، وقتله ثم أمر بإغلاقها، صدر الأمر ثانية بفتحها في عام 1326 وأعيد غليها ما كان موقوفاً عليها، وقد حل محل الرباط الذي كان مجاوراً للخانقاه وكالة وربما أنشأهما سليمان باشا السلحدار.

وأكد سامح الزهار، المؤرخ والآثاري، في تصريحات لـ«بوابة أخبار اليوم»، أن واجهة الخانقاه جميلة لها كسي بالرخام وعليه آيات قرآنية وصحن الخانقاه يتألف من إيوانين معقودين شرقي وغربي، أما الجانبان البحري والقبلي، فقد أنشئ بهما خلاو للصوفية فوق بعضها، الإيوان الشرقي أكبر الإيوانات وقد قسم إلى ثلاثة أقسام، يتوسطه المحراب، غطيت الشبابيك بالوجهة الغربية بمقرنصات متنوعة.

وقد اشتملت على كتابة نصها: بسم الله الرحمن الرحيم في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه .. إلى قوله الكريم .. بغير حساب، أمر بإنشاء هذه الخانقاه السعيدة وقفاً مؤبداً على جماعة الصوفية من فيض فضل الله تعالى وجزيل إحسانه راجياً بذلك عفوه وغفرانه العبد الفقير إلى الله تعالى ركن الدين بيبرس المنصوري عبيد الله والفقير إليه الراجي رحمته يوم القدوم عليه ضاعف الله ثوابه وزكى أعماله ويسر له أسباب ما نشط إليه من المعروف آماله بمنه وكرمه وأفضاله وصلى الله على سيدنا محمد.

وفي داخل البناء كتابة أخرى نصها: "بسملة .. وكان الفراغ من هذه القبة والخانقاه في شهر رمضان المعظم سنة تسع وسبعمائة.

وأضاف المؤرخ والآثاري، أن بيبرس «الجاشنكير» من أشهر رجال عصره، وهو من أصل شركسى ومن مماليك السلطان المنصور قلاوون.

وتابع «الزهار» ، تدرج في المكانة فأصبح أميرا ثم جاشنكير - وهي كلمة من أصل فارسي "من كلمة چاشنی وتعني توابل" - وهي وظيفة في الدولة المملوكية كان صاحبها متذوق طعام السلطان للتأكد من أنه غير مسموم، وبعد وفاة قلاوون خدم كل من ابنيه السلطانين الأشرف خليل والناصر محمد، في فترة حكم الناصر محمد الثانية (1309 - 1299) تقلد منصب الأستادار، في عام 1302 لعب دورا في اخماد تمرد وقع في صعيد مصر وفي عام 1303 كان أحد قواد الجيش المصري الذي هزم المغول في معركة مرج الصفر.

 

كان السلطان الناصر محمد أثناء فترة حكمه الثانية ما زال صغير السن مما جعله تحت سيطرة الأميران سلار وبيبرس الجاشنكير في تلك الفترة انتشر الفساد ونظام الحماية وتضخمت سطوة وثروات المماليك البرجية التي كان بيبرس الجاشنكير يتزعمها ومنافسيها المماليك الصالحية والمنصورية التي كان على رأسها الأمير سلار والمماليك الأشرفية بزعامة الأمير برغلى. في عام 1308 أدرك السلطان الصغير قلة حيلته وخطورة موقفة في مواجهة سلار وبيبرس الجاشنكير فزعم أنه ذاهب إلى الحج ولكنه بدلا من الذهاب إلى مكة ذهب إلى الكرك ورفض العودة إلى مصر فما كان من سلار إلا أن خاطب الأمراء الذين عرضوا عليه السلطنة قائلا: " والله يا أمراء أنا ما أصلح للملك، ولا يصلح له الا أخى هذا " وأشار إلى بيببرس الجاشنكير فهتف البرجية: " صدق الأمير " فوافق الأمراء ونصب بيبرس سلطانا على البلاد بلقب الملك المظفر ومعه الأمير سلار نائبا للسلطنة ومنح بيبرس نيابة الكرك ومائة فارس للناصر محمد وبعث اليه برسالة تقول: " أنى أجبت سؤالك فيما اخترته، وقد حكم الأمراء على فلم تمكن مخالفتهم، وأنا نائبك " وحلف أمراء الشام ماعدا الأمير الأفرم الذي رفض سلطنة بيبرس قائلا: " بئس والله ما فعله الملك الناصر بنفسه!

 

وبئس ما فعله بيبرس! وأنا لا أحلف لبيبرس و قد حلفت الملك الناصر- حتى أبعث إلى الناصر" ولكنه وافق بعد أن شكره الناصر وأخبره أنه قد ترك الملك وان عليه أن يحلف لمن يولونه.

إلا أن الامور لم تستقم لبيبرس الجاشنكير الذي لم يكن محبوبا عند المصريين بسبب سؤ الأحوال الاقتصادية والسياسية وفي عهده انخفض منسوب النيل وارتفعت الأسعار وفشا الوباء ولاحت في الأفق تهديدات مغولية وصليبية. ما أن استقر بيبرس على عرش السلطنة حتى وردت الأنباء بأن ملك قبرص قد اتفق مع بعض ملوك الصليبيين على غزو دمياط فأمر بيبرس بمد جسر من القاهرة إلى دمياط وجسر آخر بطريق الإسكندرية.

 

ثم وردت أخبار آخرى بتأهب المغول للهجوم على الشام، إلا أن وجود الناصر في الكرك كان هو ما يفزع بيبرس أكثر من أي شئآخر فأرسل اليه يطالبه بإعادة المال الذي أخذه من مصر إلى الكرك وأمره أن لا يبقى عنده سوى عشرة مماليك مهددا اياه بانه ان لم يفعل ذلك فلسوف يرسل اليه العسكر لتخرب الكرك عليه فأرسل له الناصر مبلغا من المال. وأمر بيبرس بمنع الخمر في مصر واستخدم عنف مفرط ضد العامة والتجار وحتى الأمراء.

 

وتدهورت الأحوال وخرجت العامة تطوف الشوارع مرددة :"سلطاننا ركين ونائبنا دقين، يجينا الماء منين جيبوا لنا الأعرج، يجى الما ويدحرج" وبركين ودقين كانوا يقصدون بيبرس (ركن الدين) وسلار لقلة عدد شعرات الحيتة أما بالأعرج فكانوا يعنون الناصر محمد لأن كان به عرج خفيف.

ثم بعث بيبرس بالأمير مغلطاى إلى الملك الناصر ليأخذ خيوله ومماليكه فحنق الناصر وقال له: " أنا خليت ملك مصر والشام لبيبرس، وما يكفيه حتى ضاقت عينه على فرس عندى أو مملوك لى، ويكرر الطلب ؟ ارجع اليه، وقل له والله لئن لم يتركنى والا دخلت بلاد التتر، وأعلمتهم أنى قد تركت ملك أبى وأخى وملكى لمملوكى، وهو يتبعنى ويطلب منى ما أخذته" وكتب الناصر لنواب الشام ومؤيديه من أمراء مصر يستعطفهم ويثيرهم ضد بيبرس.

 

ثم ورد الخبر بخروج الناصر محمد من الكرك تجاه جهة غير معروفة وانتشر الخبر في أنحاء القاهرة وانشق الأمير نوغاى عن بيبرس ورحل إلى الكرك مع مماليكه وأخذ نواب الشام وعسكرها وعسكر مصر ينضمون إلى صف الناصر حتى خطب بدمشق له فسقط في يد بيبرس وعلم قرب زوال أمره. ودخل الناصر محمد دمشق واستقبله الأمراء وعامة الناس استقبالا حارا.

هذا بينما في القاهرة راحت العامة تسب بيبرس في الشوارع فكان رده عليهم مشوب بالعنف المفرط مما زاد من مقتهم له وثورتهم عليه فازداد اضطرابا وجمع الأمراء، وكان من بينهم الأمير المؤرخ بيبرس الدوادار واستشارهم فيما يفعله فنصحوه بخلع نفسه واستعطاف الملك الناصر لنيل عفوه.

 

وتخبط بيبرس الجاشنكير فقام بنهب الخزائن والخيل وتوجه إلى باب الإسطبل للفرار مع بعض أمراءه ومماليكه البرجية وكانت عدتهم سبعمائة فارس فاجتمع العوام عند الباب وراحوا يصيحون عليه ويرمونه بالحجارة فمنع مماليكه من الاعتداء على العوام وأمرهم بنثر المال عليهم ليشتغلوا بجمع المال عنهم إلا أن العوام لم يلتفتوا إلى المال المنثور وراحوا يتبعونهم ويسبونهم إلى أن تمكنوا من الفرار منهم بعد أن اخافهم المماليك بشهر سيوفهم.

فر بيبرس الجاشنكير إلى بلدة أطفح بصعيد مصر ثم إلى مدينة أخميم عازما الهروب إلى برقة إلا أن أكثر مرافقيه تخلوا عنه وفارقوه في أخميم وعادوا إلى القاهرة فقرر عدم الذهاب إلى برقة.

 

في اليوم التالى لفرار بيبرس من القاهرة، وكان يوم الأربعاء، وبأمر من سلار الذي بقى في القلعة، هتف الحراس باسم الملك الناصر وكتب سلار إلى الناصر بتنحى بيبرس وفراره وفي يوم الجمعة خطب على منابر القاهرة ومصر باسم الملك الناصر وأسقط اسم الملك المظفر بيبرس بعد أن حكم البلاد فترة تقل عن سنة، وصل الملك الناصر إلى قلعة الجبل وجلس على تخت السلطنة لثالث مرة واحتفل الناس بعودته وزينت القاهرة.

وفي النهاية ، قبض على بيبرس الجاشنكير وحمل إلى الناصر مقيدا بالحديد فعدد لة ذنوبه وأقر بها بيبرس وطلب العفو ولكن الناصر أمر بخنقه فخنق ودفن خلف القلعة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة