دور إيواء المشردين
دور إيواء المشردين


حكايات مبكية من دور إيواء المشردين.. ضحايا عقوق الأبناء

رانيا عبدالكريم

الثلاثاء، 17 نوفمبر 2020 - 12:06 ص

 

» التضامن: لدينا 19 مؤسسة حكومية وأهلية لإيوائهم تضم 685 حالة
» استغلال مقرات مؤسسات الأحداث لإنشاء دور لدمج أطفال و محفوظ: أولادى رمونى فى الشارع بعدما أخذوا كل حاجة.. وصابر: كل اللى فى المؤسسة إخواتى  مسنين الشوارع

» نهلة: أصبحنا رواداً فى الجمع بين الكبار والأطفال للتعويض الاجتماعى المفقود
» هاجر: نأمل أن نصل إلى «مصر بلا تشرد» وهى من أسمى الرسائل


كتب - رانيا عبدالكريم
تصوير : محمود عبد العزيز


عجوز يرقد فوق الرصيف مفترشاً قطعة من الكرتون البالية وملتحفاً بالسماء، عادة ما يصاب بالدوار من حرارة الشمس وفريسة بين براثن البرودة القارسة والمطر شتاء، وغالباً ما يغلبه المرض ويبقي بالشارع إلى أن تفيض روحه.. هؤلاء هم (المشردون).. ظاهرة باتت مألوفة على أعيننا نراها في كثير من الأماكن منهم من يمتهنها كوسيلة للتسول وآخرون لجأوا إليها كملاذ للفرار من أوجاع وعقوق الأبناء ..وفئة ثالثة منهم تصنف من المجاذيب وفاقدي العقل.. ومنذ فترة قامت وزارة التضامن الاجتماعى بإطلاق حملة (إيواء) لجمع هؤلاء العجائز ومن لا مأوى لهم من العيش على الأرصفة لإيداعهم دوراً آدمية للرعاية يشاركهم عدد من الجمعيات الأهلية التي أسسها بعض الشباب المتطوع باصطحاب هؤلاء المشردين كفرصة جديدة للحياة.

«الأخبار المسائى» قامت بزيارة لهم لرصد حياتهم بعد التشرد، خاصة بعد ابتكار دار معانا لانقاذ إنسان لفكرة الجمع بين كبار السن والأطفال فى مكان واحد لإعادة الشعور الأسرى الذى افتقده الطرفان وعانا من عقوق ذوويهم. 


عم محمد محفوط صاحب الـ57 عاماً، هو أحد ضحايا عقوق الأبناء، فبعد أن كان يمتلك مطعماً ومنزلاً أصبح نزيلاً فى دار (معانا لإنقاذ إنسان) لإيواء المشردين، فمنذ عام ونصف، بعد أن أصابه المرض، وتأفف منه أولاده حتى إن أحدهم أشهر فى وجهه السلاح، وأخذوا منه كل ما يملك، ثم تركوه للشارع الذى أصبح ملجأه ومأواه.


«مش عايزهم ومش عايز أرجعلهم تانى، ولما ربنا يشفينى إن شاء الله هرجع اشتغل وأفتح فرع مشويات هنا، أنا كنت جزار وكبابجى» كلمات حسم بها عم محمد موقفه من أسرته.


من الكشك للدار
عم صابر عبدالعزيز تجاوز عمره الستين بأربعة أعوام، تحدث معنا وهو على كرسى متحرك، لعدم قدرته على تحريك قدمه اليسرى، قائلاً: «منذ ثلاثة أشهر كنت مشرداً فى كشك ببولاق أبوالعلا، وضعنى به أهل الخير، فأولادى رغم أنهم متزوجون ولديهم أبناء، أى أنهم يعرفون معنى الأبوة، لكن لم يسأل عنى أحد منهم». 


وأوضح: «أهالى بالمنطقة تواصلوا مع إحدى الدور الأهلية وتم نقلى من خلال فرق العمل وتم التعامل مع حالتى الصحية بذهابى مع مندوب للمستشفى للكشف والمتابعة، قائلاً: «الحمد لله كلهم هنا إخواتى وأولادى، وأهم حاجة شوفتها هنا الراحة النفسية والمعاملة الحلوة».


غلطة عمرى


«كل إنسان له غلطة، ومش هقول أصدقاء السوء لأن صاحب السوء هو النفس «إن النفس لأمارة بالسوء».. هذا ما بدأ به عيد ربيع كلامه عن أزمته التى أوصلته للدار، لا يستطيع أن يقيم رأسه، ولا يتذكر سنه، فقط يعرف أنه من مواليد 1966، وكان يعمل فى صناعة البراويز. أحضره أهلة إلى الدار بعد أن توفى شقيقه وانفصال زوجته عنه. 


«بعد ما أخويا مات فضلت بالشارع وحيداً، وأكيد هنا أحسن طبعاً».. بهذه الكلمات أوضح عيد شعوره بالتواجد فى الدار، ويؤكد: رغم المعاملة الحسنة والألفة والمحبة التى وجدها بالدار، فإنه لا يوجد ما يعوض الأهل، ومسحة يد ابنك أو اللى منك، متمنياً أن يصل صوته لزوجته وأبنائه ويسامحوه، وأن يعيش فى أى مكان قريب منهم.


مجموعة أمراض


محمد ومصطفى.. شقيقان، مصابان بضمور فى المخ، دخلاً الدار معاً، وانتقلت شقيقتهما القعيدة وأمهما المريضة لدار أخرى خاصة بالنساء، وهذا بعد أن توفى الأب الذى كان كل شىء لهم إثر حادث سيارة، وكان يعمل نهاراً ويعود مساءً ليرعى ويطبخ ويطعم، تحدثاً إلينا عن معاناتهم بعد وفاة سندهما وعائلهما، وفهمنا كلامهما بصعوبة لعدم قدرتهما على الكلام. وقال محمد: «اتبهدلنا بعد موته، ونزلنا عشنا بالشارع وأولاد الحلال جابونا بعد ما حالتنا اتدهورت ومبقاش فى حد فينا يقدر يعمل حاجة، ودلوقتى مرتاحين الحمد لله هنا فى الدار».


تأهيل ورعاية


وعلى الجانب الآخر تقول نهلة أبوالسعود مسئولة دار الرجال بمؤسسة معانا، إن أسعد أوقاتى عند رؤيتى لأحد النزلاء يعود لأهله بعد فترة غياب، أو عندما أرى أحدهم يبدأ فى التعافى نفسياً وصحياً بعد أن كان مدمراً، وأصعب ما يمر بى عندما أشاهد حالة لشخص كان ذا قيمة ومستوى وبفعل صدمات أو مشكلات معينة أصبح من مشردى الشوارع. 


وعن طبيعة العمل تقول نهلة: «بعد أن تأتى لنا الحالة نبدأ فى تأهيلها نفسياً، والحالات التى تعانى من مشكلات نفسية يأتى دكتور نفسى يكشف عليها، ويحدد ما إذا كانت حالتها بسيطة يصف لها العلاج ونتولى نحن مهمته، وإذا كانت الحالة صعبة نرسلها لأى مستشفى تحت إشرافنا، أو لو أن له أهلاً يمكنهم رعايته ويريدونه يأخذونه معهم، ونقوم بالمتابعة لمدة 3 أشهر لضمان أنه استقر معهم». 


وأكدت نهلة أننا أول دار تقوم بعملية الدمج بين الأطفال والكبار من المشردين كنوع من التعويض الاجتماعى عما فقده كل طرف منهما، قائلة: «خلال شهر قمنا بها مرتين، وذهبنا بالأطفال لدار الكبار، لقضاء اليوم كرحلة، وكان الجميع فى منتهى السعادة، وكانت فرحة المسنين لا توصف فمنهم من لديه حفيد أو طفل مفتقده. 


تعديل السلوك 


الأولاد الموجودون حالياً محولون من مكان آخر، وجميعهم للأسف مجهولو الهوية، هذا وفق حديث هاجر عصمت المسئولة عن دار الأطفال فى المؤسسة، متابعة: نستلم الأطفال للأسف بسلوكيات الشارع، ونحن نحاول معهم تدريجياً لنعودهم على المكان»، مستطردة: «واستطعنا بالفعل تعديل الكثير من سلوكياتهم»، وأملى أن نصل إلى «مجتمع بلا تشرد»، قائلة: «أن تأخذى هذا الطفل وتحميه من الشارع، وتقدمى له الرعاية والتعليم ليصبح إنساناً سوىاً نافعاً للمجتمع من أهم  الرسائل فى الحياة». 


محمد مظلوم، مدير عام الإدارة العامة للدفاع الاجتماعى بالتضامن، أشار إلى أنه توجد 19 مؤسسة لإيواء المشردين بلا مأوى خاضعة للتضامن تضم 685 مشرداً، منهم 9 دور حكومية و10 جمعيات أهلية بترخيص من التضامن بعد التأكد من تطبيقها للشروط الموضوعة، وتخضع لإشراف التضامن دون تقديم دعم مادى وتعتمد على التبرعات، موضحاً أنه فى حال وجود مشرد يتم توفير مكان له فى الدار الأقرب سواء حكومية أو أهلية.


ولفت مظلوم إلى أنه يوجد حالياً فكرة تم استحداثها وهى جمع الكبار والصغار من المشردين فى مكان واحد، وكانت البداية مع مؤسسة معانا لإنقاذ إنسان، حيث كانت مؤسسة أحداث فى الجيزة بها مبان فارغة، تم إسناد هذه المبانى إلى المؤسسة، وهم قاموا برفع الكفاءة والفرش والجهاز الوظيفى، وتم عمل مبنى للرجال وآخر للسيدات بطاقة استيعابية لكل منها 250 حالة أى إجمالى 500 حالة. وأضاف أن نسبة الإشغال على مستوى الـ19 مؤسسة قبل افتتاح هذه الدار كانت 65%، وبعدها انخفضت إلى 40%،

ومن ضمن المبانى كانت حضانة للأطفال وهذه تابعة لقطاع الأسرة والطفولة، ونفس التجربة تم تنفيذها فى مؤسسة بالشرقية.
لافتاً إلى أن هذا يتم القيام به فى الأماكن غير المستغلة، قائلاً: «مؤسسات الأحداث كبيرة وبها الكثير من المبانى فارغة، مثلاً مؤسسة أسوان تتسع لـ500 طفل بها 7 أطفال، ولدينا الكثير من المشردين الكبار، فلماذا لا نستغل هذه الأماكن، ويوجد لدينا 40 مؤسسة أحداث على مستوى الجمهورية، مؤسسة واحدة فقط للأطفال فى الجرائم الخطرة «العقابية» وهى مغلقة، والباقى يمكن للطفل الخروج والدخول والذهاب للمدرس».

اقرأ أيضا: "معانا لإنقاذ إنسان": الكثير من قصص الحب حدثت بالمؤسسة وانتهت بالزواج

وزارة التضامن الاجتماعى

وزارة التضامن الاجتماعى

وزارة التضامن الاجتماعى

وزارة التضامن الاجتماعى

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة