من فيلم « إسكندرية ليه »
من فيلم « إسكندرية ليه »


أفلام عانى أبطالها بسبب الطبقية الاجتماعية

«إنت ابن مين فى مصر»؟

أخبار الأدب

الثلاثاء، 17 نوفمبر 2020 - 07:11 م

ضحى الورداني

عند الفراق يكون من السهل وقوع اللوم على الشخص صاحب المكانة الاجتماعية الأدنى، للاعتقاد بأن صاحب الطبقة الأعلى لا يخطئ فهو ذو مكانة اجتماعية وثقافية وعليه يظن المجتمع انه مصدر ثقة وأمان للطبقة الأدنى

صُدم الشعب المصرى فى الأيام السابقة بسبب رؤيتهم فيديو متداولا بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعى يدور حول طفل صغير العمر يسخر من شرطى المرور أثناء قيامه بعمله وسؤاله للطفل عن رخصة قيادته للسيارة، فما كان من الطفل الا السخرية منه ومحاولة صدامه متعمدا وسط ضحكات تمتلئ بالفخر، ولكن عقب الإفراج عن بيانات هذا الطفل ومعرفة مهنة والده تحولت ردود الأفعال من الصدمة إلى التقبل والمنطقية، فوالده يعمل مستشارا، وسبق أن رسخ فى ذاكرة الشعب الجمعية عبر أجيال أن أى شخص يمتلك سلطة قانونية وسياسية هو شخص (فوق القانون) يستطيع الفتك بأى مواطن، وعليه يكون الطفل هو صورة مصغرة من والده.

 رغم أن التأويل الجمعى السابق قد يبدو قاسيا أو مبالغا فيه بعض الشيء إلا أن السينما المصرية  اهتمت بطرح هذه المعضلة المجتمعية كشكل مرآوى لمجتمعنا الطبقى على مر العصور، مثال على ذلك فيلم َ«الغول» من إخراج سمير سيف و«اسكندرية ليه» من إخراج يوسف شاهين و«فتاة المصنع» من إخراج محمد خان، وعليه سأشير إلى بعض المشاهد الطبقية بالتحديد التى تسببت فى فهم رؤية المثقف والمبدع للعالم من حوله.
الغول.. حقيقة قانون ساكسونيا

«العدالة ليها رجلين اتنين، انها تنصف المظلوم وتعاقب الظالم، إنتم عايزين عدالة برجل واحدة بس، فهمى الكاشف عايز يفرض القانون بتاعه، قانون ساكسونيا، عايز يعمل ناس من دهب وناس من طين، الأغنيا ليهم قيمة والفقراء مالهمش» المقطع السابق تم قوله على لسان الصحفى عادل عيسى –قام بدوره عادل إمام- قاصدا به نظام الحكم ومؤسسته القضائية الذى يلجأ إلى قانون فهمى الكاشف –قام بدوره فريد شوقي- وهو قانون ساكسونيا الذى أراد منا المخرج سمير سيف والمؤلف وحيد حامد الانتباه له.

قانون ساكسونيا هو قانون كان يُطبق فى القرن الـ15 فى ولاية ساكسونيا الألمانية، ينص على إنه إذا ارتكب أحد من عامة الشعب جريمة قتل تُقطع رقبته فوراً. أما إذا ارتكبها أحد النبلاء فلا تُقطع رقبته. تدور أحداث الفيلم حول قضية قتل عمد لأحد الموسيقيين وإصابة راقصة بحادث سيارة، ويجد المُشاهد أن الجانى فيها ابن أحد كبار رجال الأعمال البارزين وهو فهمى الكاشف، والذى حاول بكل طرقه وأساليبه الملتوية إسقاط التهمة عن ابنه وحفظ القضية ضد مجهول، إلا أن الصحفى عادل تصادف أن يكون شاهدًا على الحادث، أصر على أن تأخذ القضية مجراها الطبيعى أمام القضاء، لذلك قرر الوقوف ضد محاولات رجل الأعمال الكبير والتصدى له.

 لم يستطع الصحفى الصمود أمام هذا الغول وتياره الجارف بمفرده، فيصاب باليأس والإحباط والشعور بعدم جدوى الحياة بعد براءة القاتل، فيقرر تنفيذ حكم الإعدام فى الغول نيابة عن المجتمع عبر قتله بالساطور، ولعل الطريقة الوحشية التى لجأ إليها الصحفى ليست صحيحة من الناحية القانونية ولكن فى الوقت الذى يجب فيه تشكيل مجتمع جديد تسوده العدالة كان لابد من مواجهة العنف بالعنف والفساد بالفساد حتى يتشكل مجتمع أقل عنفا وأكثر عدالة من وجهة نظر سمير سيف ظله المنعكس من الشمس على الأرض. وأصبح هذا القانون مثالا للعدالة الزائفة الوهمية.

اسكندرية ليه.. مقاومة الفقر بالفن

«لا يهمنى اسمك، لا يهمنى عنوانك، لا يهمنى لونك ولا ميلادك، يهمنى الإنسان ولو ملوش عنوان»  تلك العبارات السابقة والتى تذكرنا بأغنية «حدوتة مصرية» للمطرب محمد منير من فيلم يحمل نفس الاسم للمخرج يوسف شاهين، إلا انها العبارات المكتوبة فوق شاهد قبر يوسف شاهين وأيضا هى المدخل لفهم طبيعة تفكير يوسف شاهين رغم أن فيلم حدوتة مصرية هو الفيلم الثانى من رباعية أفلامه الذاتية ويسبقه فى الكتابة فيلم «إسكندرية ليه؟» الا أن شخصية يحيى فى الفيلمين هى ببساطة صورة مستنسخة من يوسف شاهين.
تدور أحداث الفيلم عن يحيى شكرى مراد –قام بدوره محسن محيى الدين- الطالب المسيحى الذى يرغب فى السفر إلى أمريكا من أجل دراسة التمثيل فى ظل ظروف اجتماعية سيئة تمر بها أسرته أثناء الحرب العالمية الثانية فى الإسكندرية، وخلال أحداث الفيلم نتفهم طبيعة علاقة الصداقة السابقة بين والد يحيى -قام بدوره محمود المليجي- ووالد محسن صديق يحيى – قام بدوره فريد شوقي- فضلا عن قصة الحب بين الشاب الثورى المسلم والشابة اليهودية.

تتميز أسر الطبقة الوسطى بالرغبة الدائمة فى الالتحاق بالطبقة العليا، عادات برجوازية تتسبب فى سقوط الطبقة لا ارتفاعها، وأكبر مثال على ذلك جدة يوسف شاهين التى تتجادل مع والدته من أجل إقامة حفل منزلى مع الأقارب حتى لا يشعر أحد بسوء أحوالهم الإقتصادية، الأمر ذاته والد يحيى ووالد محسن، حيث يستمر والد محسن فى الحط والتقليل من والد يحيى ونفهم من خلال الحوار الدرامى إنه رفض إستمرارية الصداقة معه لأنه لم يتخل عن مبادئه من الصعود الطبقى أيضا ناعتا اياه بالغبى والأحمق.

وخلال أحداث الفيلم ندرك طبيعة والد يحيى الحساسة، فهو محام يدافع عن المظلومين بدون مقابل ولا يقبل أن يخسر رفاقه فى مقابل بعض الأموال، ونتاج هذه المبادئ معاناة أسرته، بل معاناته هو أيضا. فالمجتمع لا يعير انتباها الا للطبقة العليا فقط، ولهذا كان حلم يحيى مُعرضا لعدم التحقق لأنه لا يمتلك المال الكافى من أجل دراسته على عكس صديقه محسن ولكن تكتف أسرة شاهين معا كان السبب وراء تحقيق حلمه وسفره للتعلم خارج مصر.

فتاة المصنع.. لا يسمح للفقراء بالحب

«اسمعينى كويس، لو كنتِ فاكرة أو حتى عدى على دماغك إنى ممكن أتجوزك فى يوم من الأيام، يبقى خيالك وداكى لبعيد أوى يا شاطرة، أنا غلطان من الأول إنى دخلتك بيتى وعرفتك على أمى وأختي، احنا كنا فاكرينك غلبانة، لكن انتى اللى فرضتى نفسك عليا» بهذه الكلمات قرر مهندس المصنع صلاح – قام بدوره هانى عادل- إنهاء علاقته العاطفية مع عاملة المصنع هيام –قامت بدورها ياسمين رئيس- فى أحد مقاهى وسط البلد وأثناء سير المظاهرات السلمية.

عند الفراق يكون من السهل وقوع اللوم على الشخص صاحب المكانة الاجتماعية الأدنى، للاعتقاد بأن صاحب الطبقة الأعلى لا يخطئ فهو ذو مكانة اجتماعية وثقافية وعليه يظن المجتمع أنه مصدر ثقة وأمان للطبقة الأدنى، ولكن العكس هو ما حدث مع هيام، فلم يستطع المهندس صلاح تحمل أحاديث العمال والعاملات الجانبية داخل المصنع عن طبيعة علاقته بزميلتهم هيام، فأعلن خطبته من أخرى وقرر مقابلتها من أجل إنهاء العلاقة بطريقة دونية أثارت الشفقة تجاه هيام ورؤيتها لحبها الأول وهو يتم تدميره أمام أعينها.

تعمدت والدة صلاح معاملة هيام كخادمة داخل المنزل، فأصبحت هيام تقضى طلبات صلاح وابنتها ولكن عندما شعرت بحرارة كل من هيام وصلاح قررت التفرقة بينهم لأن هيام من طبقة فقيرة لا ترتقى للاقتران بهذه الزيجة  وعليه تكون الأم قد ساهمت بجزء فى عدم شعور صلاح بالمسئولية تجاه هيام، الأمر المشابة لقصة فيلم «رد قلبي» من إخراج «عز الدين ذو الفقار» حول العلاقة العاطفية الخاصة بأبن الجناينى (علي) و(انجي) ابنة صاحب القصر وتتعقد قصة حبهم بسبب التفرقة الطبقية، ورفض والدها القاطع لتلك الزيجة. وتزيد الأمور تعقيدا بعدما يعلم والدها بتلك العلاقة، فيقوم بطرد والد «علي» الذى كان يعمل جناينى لديه فى القصر، ويهدد «إنجي» أنه سيؤذى حبيبها إذا لم تتراجع عن مشاعرها.

الأفلام السابقة بالتأكيد ليست هى الوحيدة فى طرح هذا النوع من القضايا الخاصة بالطبقية وسوء استخدام السلطة لكن كل منهم طرح القضية بشكل مختلف وغير مماثل، فمنهم من وقف فى وجه القانون، ومنهم من وقف فى وجه أسرته، ومنهم من وقف فى وجه الحب، ولكنهم اجتمعوا فى الشعور بالظلم والعجز نتاج هذه الطبقية، الطبقية التى نرسخها ونؤكدها نحن أيضا.!


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة