نادر حلاوة
نادر حلاوة


تربية "إخوان"!

نادر حلاوة

الأربعاء، 18 نوفمبر 2020 - 09:56 م

 

"إن غاية الإخوان تنحصر في تكوين جيل جديد من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح يعمل على صبغ الأمة بالصبغة الإسلامية الكاملة في كل مظاهر حياتها " ، حين تقرأ هذه الكلمات لحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان عليك أن تضع خطوطا حمراء كثيرة تحت عبارة (تعاليم الإسلام الصحيح) فالعبارة تعني أن هناك إسلاما صحيحا وإسلاما آخرخطأ وهذا شأن كل جماعة دينية خرجت على الناس في كل عصر وفي كل زمان فهي دائما تعرف وحدها ماهية الدين الصحيح  أما من هم خارج الجماعة فإنهم بالضرورة على الدين الخطأ .

اقرأ أيضا|في النفس البشرية

من هذه الفكرة التكفيرية المحضة انطلق مشروع حسن البنا لأخونة المجتمع ، فبالنسبة له الإخوان و الإسلام "الصحيح" شيء واحد لذلك وجبت عليه "الدعوة" ليدخلأفراد المجتمع في دين الإخوان أفواجاً وليصبغ الأمة "بالصبغة الإخوانية" التي يسميها هو الصبغة "الإسلامية" فهل نجح البنا في مشروعه هذا ؟ 

هنا تظهر ملامح الإجابة حين يستكمل "البنا" كلامه عن وسائل أفراد الجماعة لتكوين الجيل الجديد المنشود".. وإن وسيلتهم في ذلك تنحصر في تغيير العرف العام وتربية أنصار الدعوة على هذه التعاليم حتى يكونوا قدوة لغيرهم في التمسك بها والحرص عليها والنزول إلى حكمها" 

وحسب المباديء الثلاثة المتدرجة التي وضعها البنا لدعوته وهي التعريف والتكوين و التنفيذ 

بدأت عملية التكوين منذ منتصف أربعينيات القرن الماضي مع الإعلان عن تأسيس مدارس إسلامية على النهج الإخواني ، وفي هذه المرحلة نفذت الجماعة استراتيجيتها لاختراق الجامعات و النوادي و الصحف و النقابات والمؤسسات الدينية بحجة الدعوة للإسلام "الصحيح" ، وبرزت ظاهرة تجنيد الإخوان لأعضاء جدد من الشخصيات البارزة أو المؤثرة في محيطها .

وبطبيعة الحال يبدأ التجنيد بالدعوة للإسلام و التأكيد على حسن الخلق والتسامح وغيرها من الشعارات الجذابة الكذابة مع تجنب أي قضايا خلافية وشيئا فشيئا يتم غسل أدمغة المجندين الجدد بخطب وكتب تحمل السم في العسل .

لاشيء أسهل من التلاعب بعقيدة دينية إلا باستخدام مدخل ديني ، وبالطبع نجح الإخوان في توسيع قاعدتهم حتى كان الصدام مع الدولة بعد يوليو 1952 وبعد وفاة عبد الناصر منحتهم متغيرات السياسة قبلة الحياة حين قرر "السادات" المشاركة في المشروع الأمريكي لمواجهة تمدد الاتحاد السوفييتي  في المنطقة باستغلال الدين في محاربة الشيوعية وفي الوقت ذاته كانت الجماعات الدينية وعلى رأسها "الإخوان" هي رأس الحربة في مواجهة معارضي الرئيس "المؤمن" من اليساريين و الناصريين .

عاد الإخوان بكل قوتهم لاستكمال البند الثاني في خطة "البنا" وهو "التكوين" وتحت سمع وبصر الدولة احتل الاخوان اتحادات الطلاب في الجامعات و النقابات بل ووسائل الإعلام ليحلوا محل ممثلي اليسار ومؤيدي عبد الناصر .

تغلغل الإخوان في المدارس ومناهجها و التليفزيونوبرامجه ، حتى أنهم وضعوا بصمتهم على بعض الأعمال الدرامية الدينية التي روجت لمرتكزاتهم الفكرية .

والغريب أن الدولة وأجهزتها الأمنية في ذلك الوقت انطلت عليهم الخدعة الإخوانية الأبدية الساذجة "مش إخوان لكن بحترمهم" فامتلأت مفاصل الدولة بهذه النوعية من الإخوان "الملثمين" الذين يخفون هوياتهم الحقيقية حيث أدى كل منهم دوره بطريقة مرسومة لا تضعه مباشرة في صدام مع الدولة فهذا دوره فقط "البيزنس" حتى نحتاجه ، وذاك عليه أن ينضم للحزب الحاكم ولا مانع من إعلان معاداته للإخوان فسنحتاجه لاحقا ، أما هذا الشاب المتحمس فسينشق علنا عن الجماعة ويهاجم قيادتها ثم يؤسس حزبا مستقلا وسيكون له دور فيما بعد ، وهذه المذيعة ستختار ضيوفها بعناية دون أن تفصح عن هويتها الحقيقية ، وهذا الكاتب سيعلن رفضه التام لمباديء الإخوان لكنه سيتبنى رؤية إسلامية تتفق تماما مع المباديء التي يرفضها علنا .

وهكذا استمرت مرحلة "التكوين" كما قال البنا تحديدابتغيير "العرف العام" ، نعم تم تغيير "العرف العام" بمساعدة عوامل كثيرة أخرى لعل أبرزها عدم اهتمام الدولة بالمعالجة الفكرية والاكتفاء بالقبضة الأمنية التي كانت ترتخي أحيانا تحت تأثير الضغوط الخارجية فوصل الإخوان الى البرلمان ولم يمر زمن طويل حتى وصلوا لكرسي الرئاسة .

ثمة حقيقة شديدة المرارة هنا لكن مواجهتها أفضل من تجاهلها ، نعم .. تمكن الإخوان من تغيير العرف العام بل والعبث بهوية هذه الأمة ، نعم..ستلمح كل أفكار الإخوان هنا وهناك حتى بين أولئك الذين يكرهون الإخوان ويرفضون وجودهم بحق ودون إدعاء.

ستجد وهم الخلافة أو "يوتوبيا" الماضي الخرافي تحلق في خيال الكثيرين بعد أن ترسخت الصورة التي أرادها الإخوان عن عصور الخلافة الملائكية ليتولوا هم السعي لإعادتها عن طريق الوصول للحكم .

ستجد قطاعا لا بأس به من الملايين التي انتزعت الإخوان من الحكم في 30 يونيو وهم يرددون دون وعي أصداء الأفكار الإخوانية وفتاوى رموزهم الذين هم (ليسوا اخوانا ولكن يحترمونهم) ، ستراهم يقدسون دعاة تفوح من كل أفكارهم رائحة التكفير عند "سيد قطب" ، ستراهم وهم يخرجون بالدين من روحانيته الفردية إلى تغوله الجماعي كوسيلة لقمع أصحاب الأفكار المختلفة ، ستراهم منقادين تحت شعارات دينية يظنونها بعيدة عن فكر "الإخوان" ، ستراهم في مقدم برامج يعتبر نفسه عدوا لدودا للإخوان رغم مشاركته في مزايدات دينية وطائفية من حين لآخر حتى يثبت للجميع أنه مسلم أيضا .

وستراهم في كل رجل دين لا يريد أن يبرح ساحة السياسة ويتمسك بممارسة سلطاته على المجتمع متجاوزا حتى دور الرسول "ما على الرسول إلا البلاغ" لأن البلاغ بالنسبة له لا يكفي فحسب تعليمات "الإمام الشهيد" لابد من العمل على تطبيق المرحلتين الأخيرتين من الدعوة وهما التكوين والتنفيذ . 

 

سترى هؤلاء في تأييدهم لمحاكم التفتيش المعاصرة التي ترتج غضبا أحيانا على ترددات موجات البث الإذاعي ، ستراهم في التدخل في خصوصيات الغير وتقييم أخلاقهم والتفتيش في نواياهم ، وسترى أن جل همهم هو الإبقاء فقط على المظاهر الدينية الشكلية مهما بلغ عفن الجوهر ومهما فاحت روائحه الكريهة لتزكم أنوف الجيران وجيران الجيران .

سترى كل ذلك فتعرف أنهم جميعا تربية "إخوان" .. لكن أكثرهم لا يعلمون .  

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة