اللوحات
اللوحات


فى ذكرى ميلاده الـ 96.. حامد ندا «عاشق الخرافة» ورائد سريالية الفن التشيكلي

د. طارق عبدالعزيز

السبت، 21 نوفمبر 2020 - 12:54 ص

- أستاذ السريالية كان يعيش مع الدراويش

- أقام حلقة زار فى الكلية وحصل على إمتياز 

 
أبدع في  العديد من اللوحات التى تسبح بنا فى عالم مجهول ملىء بالسحر والشعوذة والخرافات، تأثر برائد مدرسة السيريالية العبقرى المجنون الفنان الأسبانى سلفادور دالى، كان مهمومًا طوال تاريخه بإلقاء الضوء على التقاليد المصرية والإبحار فى عالمها، فقدم لنا أعمالًا غير تقليدية عبرت عن شخصيته غير المألوفة فى هذا الزمان، فأصاب المهتمين والنقاد بصدمة تشكيلية سرعان ما أفاقوا منها على رائد جديد صاحب فكر ومدرسة خاصة تخرج منها تلاميذ وأساتذة فيما بعد إنه الفنان الكبير حامد ندا، أحد نجوم الفن المعاصر وأستاذ مدرسة السيريالية التى تخصصت فى تسليط الضوء على الفقراء والأحياء الشعبية ورموزها.


عالمه الخاص


ولد الفنان حامد ندا فى 19 نوفمبر 1924 بحى القلعة أعرق أحياء قاهرة المعز، تشكلت طفولته فى هذا الحى القديم الساحر ولعبت نشأته وسط هذه الأجواء الصاخبة البسيطة دورًا كبيرًا فى تكوين وجدانه الفنى، فقد عاش طفولته فى عالم خاص تحيط به الأسرار والتقاليد الخرافية والدجل من جميع النواحى، عالم مزدحم بالوجوه المكافحة الفقيرة، حركة الأطفال وصوت البائعين يرن صداها فى أرجاء المكان، فكانت فلسفته التشكيلية التى انعكست فى أعماله وكأنه يعيش أحلام اليقظة..، رغم أن ندا تتلمذ فى الفنون الجميلة على يد الكلاسيكيين الكبار "أحمد صبرى ويوسف كامل وحسين بيكار"، إلا أنه شق طريقه الخاص ورسم فى مشروع التخرج "حلقة الزار"، وأحضر لمبنى الكلية مجموعة خاصة لإقامة حلقة زار فى أتيليه قسم التصوير. 


رقصات مجنونة

وبالفعل جسد بأدواته رقصات الزار المجنونة على صوت الدفوف وحركات المجموعة الهستيرية، وحصل على تقدير إمتياز فى مشروعه، وتم تعيينه عام 1951 مدرسًا بقسم التصوير بكلية الفنون الجميلة بالأسكندرية عند تأسيسها عام 1957، ثم سافر فى بعثة إلى أسبانيا لدراسة فن التصوير الجدارى وحصل على دبلوم أكاديمية سان فرناندو للفنون الجميلة، ليلتحق بعد عودته عام 1962 للعمل بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة ويتولى رئاسة قسم التصوير..واستمرفى العمل بعد سن المعاش أستاذًا متفرغًا حتى رحيله.


الحصان الأزرق


انضم بعد تخرجه من الكلية للجمعية الأدبية المصرية التى كانت تضم أسماء كبيرة بين محريريها مثل د.طه حسين، د.سهير القلماوى، والشاعر صلاح عبد الصبور،وتأثر حامد بهذه الفترة وبدأ اهتمامه بمساحات الفراغ فى أعماله، وكذلك المبالغة فى رسم أعضاء جسم الإنسان متأثرًا بالتراث المصرى القديم والرسوم الحائطية الفرعونية، فرسم فى مرحلة الأربعينات أعمالًا سلط فيها الضوء على سلبيات المجتمع وأبطاله فرسم لوحات "القبقاب"،"الدراويش" عام 1947، و"العصافير"، و"داخل المقهى"عام 1948..، ثم رسم بعد ذلك لوحات "الفتاة والسمك"، و"حديث المحبين"، "الحزن والفرح"عام 1955، "أنشودة الصباح" عام 1956، "الحصان الأزرق" عام 1958، "الليل والنهار" عام 1960، ثم بدأ بعد ذلك مرحلة جديدة حيث استعان ببعض العناصر فى أعماله مثل القط والسلحفاة، والمركب والشمس والقمر، وكانت بداياتها فى مرحلة الستينيات واستمرت معه حتى أواخر السبعينيات.


خرافات


بعد ذلك عادت أعمال ندا السيريالية للظهور، فبدأ يرسم لوحاته كأنها أحلام أو خرافات بعيدة عن الواقع، فجسد الإنسان فى شكل حيوان، وكذلك عادت التلميحات الجنسية للظهور من جديد فى العديد من لوحاته، وبدأت الرموز تأخذ بعدًا مخالفًا فى أعماله، فنجد مثلًا أن وجود الديك كرمز لا ليعبر عن الفداء والقوة والتضحية كما كان فى أعمال سابقة له، إنما رسمه فى تعبيرًا مغايرًا كرمز للذكورة والإخصاب، وكذلك الزير الذى كان رمزًا للإرتواء أصبح يرمز إلى الأسرار الخاصة التى يكتمها بداخله، وكانت الخرافات تلازمه فى الكثير من أعماله، فبعد أن كان يرسم القط والديك ومصباح الكيروسين والبرص والسحلية، والسمكة والثور، نجده كان يتخيل كائنات ويجسدها فى أعماله مثل الطائر الذى حير النقاد فأطلقوا عليه "العنقاء" وهو فى الحقيقة طائر لا وجود له.


التقديرية بعد وفاته


شارك حامد فى إحتفالية فرنسا بمرور 150 سنة على العلاقات المصرية الفرنسية بدخول نابليون بونابرت إلى مصر عام 1798 واتخذ الاحتفال شكلًا ثقافيًا بالدعوة لإقامة معرض مصرى فى باريس عام 1947، ووقع الاختيار على مجموعة من الفنانين المصريين للمشاركة فى المعرض مثل راغب عياد، ومحمد ناجى، ومحمود سعيد ويوسف كامل.

نال ندا العديد من الجوائز طوال مشواره فى مصر وخارجها، فقد حصل على جائزة الدولة التشجيعية عام 1962 عن لوحته "العمل فى الحقل"، ثم جائزة الدولة التقديرية فى الفنون عام 1991 بعد وفاته، وكان مرشحًا لها قبل وفاته.


صياح الديك


يقول صبحى الشارونى فى كتابه "حامد ندا نجم الفن المعاصر" .. أن حامد تزوج ثلاث مرات، كانت الأولى عام 1949 وهو طالب بالكلية، وكان زواجه الأخير من الفنانة هند شلبى التى حققت لحياته الاستقرار وبددت شكوكه فى ضرورة ملازمة الهموم والأحزان للفنان، وتأثرت ألوانه بهذه الحياة الهنية فذابت ألوانه رقة وأشكاله رشاقة وتكويناته عذوبة، وبالفعل عندما نتعمق فى لوحات حامد ندا، نجد أن النساء تظهر فى معظم أعماله وكان يميزها بالطول الفارع، نحيلات الخصور، كبيرات الأرداف، ولكنها أشكالًا مسطحة فقط، تحتل مساحة كبيرة من حيز اللوحة لكن دون أن يشعرك بحجمها ونسبها التشريحية..، وبتأمل أعماله نجد أن الرموز الجنسية تحتل حيزًا فى أفكاره السيريالية وهذا يعكس البعد الغريزى عنده، لكن الشارونى يفاجأنا فى كتابه: أن الغريزة اختلفت عند حامد ندا بعد أن ضعف سمعه، فبعد أن كنا نسمع في لوحاته الأولى صياح الديك ومواء القطة، تطورت الأصوات لتخرج من امرأة تغني في الميكروفون، أو جواد يسابق الريح، ثم بعد ذلك من الفونوغراف أو البيانولا التي تخرج موسيقى صاخبة، ثم آلات النفخ وهي تجلجل في فراغ اللوحة.


لحظة الوداع


 لقد أصبح الصوت المرتفع النبرة والذي يوقظ كل عناصر اللوحة هو المسيطر على أعماله كلما اقترب من الصمم التام.وعلى الرغم من هذا الصمم التام الذي أصاب الفنان فإنه اتجه إلى غرفة التليفون – لسبب لا نعرفه - مساء 25 ابريل عام 1990 عندما انقطع التيار الكهربائي فجأة عن مصر كلها، وكان الفنان في مرسمه بمبنى وكالة الغوري بحي الأزهر، وهناك انكفأ على وجهه حيث لم ينتبه إلى المستوى الحجري المرتفع أمام هذه الغرفة، فسقط فاقدًا وعيه بعد أن شجت رأسه، وقضى في المستشفى حوالي 30 يومًا، ثم أسلم الروح يوم 27مايوعام 1990.
أقرأ ايضا:

استخراج جثة "سلفادور دالى" لتحليل الحمض النووى

اللوحات

اللوحات

اللوحات

اللوحات

اللوحات

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة