محمد سعد
محمد سعد


آمنية

أمى

محمد سعد

الأحد، 22 نوفمبر 2020 - 07:29 م

يأفل وميض عام مضى راحلا إلى الماضى ويبزغ نور آخر جديد فى الأفق، وأنا اتذكرها واشتاق إليها، فيأخذنى الحنين فأحدثها وأقول لها كل عام وأنت الرضا بالحياة والمكتوب وبالقضاء والقدر، كل عام وأنت الأمل فى الوجود والابتسامة فى ليل الأحزان الدامس ووهج السعادة على طول المدى، كل عام وأنت الحب الدافئ فى ليالى الشتاء الباردة والأحلام الصافية فى عز النهار والدعاء عندما يعز الرجاء.
فجأة أفيق من غفلتى لأكتشف أن المؤذن نادى بالرحيل، فلا راد لقضاء الله وقدره لكن تبقى الذكرى لا ترحل بالرحيل وكيف وهى باقية؟، واستوعب أننى فى لحظات حالمة، ترحل بمضى السنين لكن يبقى أثرها فى عمق الوجدان ساكنا.. ما بين عام مضى وآخر يأتى ليذكرنى بيوم فقدت فية أمى كأوراق الخريف قبل ثلاثة عشر عاما من هذا اليوم دون إرادة منى فلا أستطيع هزيمة الزمن.
ليلة الخامس والعشرين من نوفمبر عام 2007 اشتدت الآلام عليها وأعلن قلبها التمرد على الاستمرار فى الحياة وفشلت كل المحاولات لإثنائه عن موقفه المتخاذل، لكنه ابى واستعصم واصر أن يمضى إلى حيث النهاية، وعند بزوغ فجر اليوم الذى يليه هممت بها إلى حيث اعتادت أن تداوى قلبها قبل ثلاثين عاما عند أمهر جراحى القلب فى هذا الزمان، واتجهنا قاصدين المستشفى بالحى الهادئ - مصر الجديدة - وما إن دخلنا حتى هرع الأطباء إليها ليسرعوا بها إلى غرفة الانعاش.
بدأت خيوط الصباح تجتمع والقلق يساورنى، كلما استطعت أن أسرق لحظات كى ادنو منها وانظر إليها يصرون على إبعادى وإخراجى من الغرفة، لكن العيون كانت تلتقى فى كل مرة وكأنها تودع بعضها، وظللت على هذا الحال حتى انتصف النهار ولم يتبدد القلق ولم يهرب الخوف، وعندما حانت ساعة الزيارة منعت بمنتهى الصرامة والجلد، وقالوا إن الحالة لا تسمح.
اقتربت الساعة من الحادية عشرة مساء وقالوا إن الحالة استقرت والقلب استجاب وبدأ فى الهدوء، وعلينا الانصراف حرصا على راحة المرضى على الوعد بأن أراها فى اليوم التالى - وليتهم صدقوا-.
عند الواحدة والنصف فجر السابع والعشرين، امسكت بالهاتف واتصلت بالمستشفى ليرد الممرض ويطلب لحظات حتى يأتى الطبيب ليحدثنى ويبلغنى أن الحالة سيئة، فأسرع إليها واتلمس يديها لتنظر إلىّ وتسألنى عن سبب المجىء فأجيب لكى اطمئن فتصدمنى بأنها باتت على مشارف الموت وتطلب منى أن استريح.
طلبت أن اظل إلى جوارها لكنهم رفضوا -وليتهم ما فعلوا- ذهبت إلى حيث بيتى وعند الصباح عدت إليها، لأجد الأطباء مجتمعين حولها يحاولون انعاش قلبها دون جدوى، ويخرج أحدهم فى التاسعة صباحا ليبلغنى أنها اسلمت روحها إلى بارئها، ماتت أمى وهذا أسوأ ما قد سمعته فى حياتى وشعرت بأن الدنيا أوشكت على الفناء وأصبحت كالغراب.
> مسك الختام
وداعا يا زمنى الماضى والحاضر، اشتاق إليك، مكانك مازال وسيبقى فارغا فى قلبى، جسدك رحل لكن روحك ستبقى ترافقنى أينما كنت، السلام على روحك الطاهرة أرقدى بسلام وفى مثواكِ بالفردوس اسكنى يا أمى.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة