المفكر الكبير د. صلاح فضل
المفكر الكبير د. صلاح فضل


فى أول حوار بعد توليه رئاسة «الخالدين»..

صلاح فضل: إنقاذ مجمع اللغة العربية من الهوى الإخواني مهمتي

عبدالهادي عباس

الأحد، 22 نوفمبر 2020 - 07:49 م

- «المعجم التاريخى» تتويج للتعاون المصرى الإماراتى وترقبوا ازدهاراً للاتحاد

- تنازلت عن ترشحى فى «2012» استجابة لرغبة الإمام الأكبر

منذ أيام كلف وزير التعليم العالي، الناقد والمفكر الكبير د. صلاح فضل بالقيام بأعمال رئاسة مجمع اللغة العربية، حتى يتم تعيين رئيس جديد للمجمع.

هنا حدثت إشكالية، إذ يُصر د. حسن الشافعي، أنها كانت مكتملة الأركان، ويُصر د. صلاح أنها غير ديمقراطية، وأنه جاء إنقاذا للمجمع من الهوى الإخوانى لدى البعض، ومتطوعا للارتقاء بالمجمع الذى اقترحت بعض الآراء بوزارة التعليم العالى تحويله مؤسسة خيرية تتبع وزارة التضامن الاجتماعي، مما يقضى على تاريخ أكبر مؤسسة لغوية وعلمية فى الوطن العربى كله.

حملنا الكثير من الأسئلة الشائكة ووضعناها أمام القائم بأعمال رئيس مجمع اللغة العربية، فكان هذا الحوار الكاشف لمخبوءات الماضى والمستقبل على السواء:

- فى البداية أسألك عن مدى قانونية تكليفك بإدارة أعمال المجمع من وزارة التعليم العالى رغم عدم توفيقك فى الانتخابات الأخيرة لرئاسته؟

تكليفى ليس مجرد قرار صحيح، بل هو قرار لتصحيح وضع خاطئ وخطير كان سيُودى بالمجمع ويُجمِّد خُطاه، وهو قرار إنقاذ للمجمع؛ وما حدث أنه منذ عام 2012م تولى رئاسة المجمع فى فترة المد الإخوانى أحدُ العلماء المنتمين للإخوان، وقد كنتُ مُرشحًا للرئاسة فى مواجهته فطلب منى فضيلة د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وهو شخصية أحبها وأقدرها وتربطنا علاقة وثيقة، أن أتنازل للشيخ حسن.

وكنتُ أعملُ وقتها فى وثائق الأزهر، وأذكر أننى اشترطت عليه حينئذ أمرين: أن يتولى رئاسة المجمع دورة واحدة، إذ كنا فى أعقاب ثورة يناير ولدينا فورة وحماس لتداول السلطة وتطبيق الديمقراطية، فقبل الشرط وخدعنى كما يفعلون دائما.

وثانيا أن يُغير زيه إلى البدلة المدنية لأن مجمع اللغة العربية ذو طابع مدني، فقال: هذه بسيطة، ثم لم يفعلها، وظل رئيسا للمجمع حتى 2016م، ووقتها تم إعفاؤه من عمله بجامعة القاهرة، فأشفق عليه زملاؤه فى المجمع أن يُحرم من عمله ثم يحرمونه من رئاسة المجمع أيضًا، فوافقوا، وأنا شخصيا وافقت، على المد له فترة ثانية.

سياسة مضادة !

- إذا كنت قد وافقت على رئاسته فترتين وأنت تعلم أنه ينتمى لجماعة محظورة فما الجديد الذى جعلك تُبدل رأيك الآن؟

لأنه كان من الطبيعى والمناسب أن يكتفى بفترتين، خاصة أن الدستور ينص على أن المناصب القيادية لا تتجاوز فترتين، فأوحيتُ إلى بعض أصدقائى أن يُسرَّ إليه بذلك، ولكنه أبدى تعنتا شديدا وإصرارا على الترشح لفترة ثالثة كشأن أعضاء هذه الجماعة عندما يتولون السلطة، وإن جاءوا بالانتخابات وباختيار الناس، ولنا فى حماس وإخوان مصر خير دليل على ذلك، فتم ترشيحه وانتخابه، لكنه كان يتبع سياسة مضادة للدولة، وكان تاريخه لا يسمح على الإطلاق للاستمرار رئيسا للمجمع.

كما عمل على أن يدخل فى عضوية المجمع من يميل فى اتجاهه، ولا أقول ينتمي، لأنها تُهمة لا أملك الدليل عليها، وأن يستبعد أى شخصية عامة أو أدبية ممن يتوجب أن يكون المجمع معتمدا عليهم.

هذا المجمع الذى رأسه لطفى السيد وطه حسين واشتغل فى عضويته عباس العقاد وتوفيق الحكيم، كان مثل الأكاديمية الفرنسية، يشغل مقاعده كبار الأدباء.

- ولكن وجودك عضوا، وأنت ناقد كبير، لأكثر من 17 عاما يدحض هذا.. ثم لماذا لم تجتهد لتغيير ذلك طوال تلك الفترة؟

اقترحتُ اسم بهاء طاهر فأسقطوه، وأحمد عبد المعطى حجازى فأسقطوه، وفاروق جويدة فأسقطوه، واقترحت شخصيات عامة، مثل القانونى الكبير يحيى الجمل فأسقطوه، ود. مصطفى الفقى فأسقطوه.

فشعرت أن المجمع يهبط مستواه ويفقد ألقه ويقتصر على أن يكون مجموعة من الخبراء فى اللغة وبعض كبار العلماء المختصين والمهتمين باللغة، وهؤلاء لهم كل تقدير؛ ثم تبين أن هناك نوعا من العصبية ليست الدينية فقط، وإنما المعهدية أيضا.

لم أستطع أن أقف أمامها وحدي، وبوفاة فاروق شوشة أصبح المجمع لا يضم أديبا واحدا، وهذه مأساة؛ وأذكر أننى قلتُ لهم بعد وفاة نجيب محفوظ: إنكم خسرتم قدرا كبيرا من مجدكم لأنكم لم تشرفوا بصحبته فى المجمع.

مُهمة إنقاذ

- هل كان ذلك هو الدافع وراء ترشحك المرة الأخيرة رغم أن معظم انتخابات المجمع تتم بالتزكية؟

أصبح وضع المجمع الآن مُهددا ولابد من إنقاذه والحفاظ عليه، وكان قد أُعيد فى هذا الشهر فتح باب الترشح مرة أخرى بشكل غير قانوني، لأن د. حسن كان يرأس الاجتماعات بعد انتهاء مُدته، لكننى تقدمت لترشيح نفسى ليس رغبة فى المنصب، وإنما سعيا لإنقاذ هذه المؤسسة العلمية الرفيعة.

ولكى يكون هناك خيار آخر أمام المسئول، مرشح له تاريخه ويُمكن أن تُوكل إليه المهمة، وتم اعتبار الانتخابات الأولى والثانية غير قانونية بناء على هذا، ولا يُمكن أن يُترك المجمع بدون قيادة، ولهذا تم تعيينى للقيام بعمل الرئيس إلى أن يتم تصحيح الإجراءات القانونية وانتخاب رئيس بمقتضى التقاليد الدستورية الآن، التى هى فوق القوانين، وتقضى بأن كل هيئة تُرشح ثلاثة من أعضائها يختار رئيس الجمهورية أحدهم، وذلك لضمان تفادى المشكلات التى سبَّبها حُكم الإخوان خلال العام الأسود الذى حكموا فيه.

- ألا ترى أن خطاب وزير التعليم العالى مخالف للديمقراطية وللوائح المجمع ولقانونه الذى لم يضعه الرئيس السابق، وبالتالى ليس مسئولا عن عواره؟

هذا بالضبط ما حدث فى الانتخابات التى جاءت بالإخوان، كانت فى ظاهرها ديمقراطية، وفى حقيقتها اعتمدت على استغلال الخطاب الدينى سياسيا واستغلال الناس الطيبة والحصول على أغلبية غير مستحقة، أغلبية تُحقق ديمقراطية شكلية تسمح بقيام دولة دينية عنصرية تستبعد معظم مواطنيها وتستأثر بالسلطة، وانتخابات المجمع شبيهة بانتخابات الإخوان، فالتاريخ يُعيد نفسه، ولكن المجمع مؤسسة رفيعة لم يتجل فيها ذلك إلا بعد ثمانى سنوات، وبذلك فإن هذه الانتخابات لم تكن ديمقراطية على الإطلاق.

- الواقع يشير إلى أن أول امرأة عضوا بالمجمع كانت فى عهد الرئيس السابق، وأنه رشح وديع فلسطين مرتين للعضوية لكن الأعضاء لم ينتخبوه.. فما ردك؟

دائما يتظاهرون بمثل ذلك، فهو لم ينتخب د. وفاء كامل ولكننا الذين انتخبناها، كما أن فريقا من مُحبى الجماعة التى تتعاطف معه وقفوا ضد مرشحات أخريات وأسقطوهن، فأين مثلا الأب حنا قلته، وهو من تلاميذ طه حسين، لماذا ليس عضوا بالمجمع، وأين سمير مرقص، وإدوار الخراط الذى رشحته- رحمه الله- ولم يتم انتخابه، وآخرون، ولا أريد التحدث بشكل طائفي، لأن المصريين إخوة وشركاء.

لكن أقول إن هذه حجج واهية وغير صحيحة وتُشبه ما كان يفعله مُرسى عندما عيَّن سمير مرقص مستشارا له، وعندما سألته: هل استشارك فى أمر واحد؟ فقال لي: إننى لم أره فى حياتي.

- ولكن د. حسن تبرأ كثيرا من انتمائه للإخوان، كما أنه الوحيد من أعضاء المجمع الذى تبرع بأكثر من نصف مليون جنيه إلى صندوق تحيا مصر فى واقعة معروفة.. ما رأيك ؟

الولاء لا يُشترى بالمال، وإنما يُضمر بالقلب، ولا يستطيع مَن عاش عُمره كله ينتمى إلى جماعة أن يُغير قلبه، وأنا لا ألومه على ذلك، فأنا أحترمه وأقدره وهو زميلى فى الكلية التى تخرجنا فيها، كما أنه عالم جليل فى الفلسفة الإسلامية .

عيب خطير
- إذن ما أولى الخطوات التى ستتخذها لتنفيذ رؤية وزارة التعليم العالى الإصلاحية للمجمع؟

لى مهمة مُحددة ولكنها مُتشعبة وصعبة جدا، وتبدأ المهمة القانونية بإصلاح الأوضاع القانونية للمجمع بتعديل قانونه ليتوافق مع الدستور، ثم إجراء انتخابات صحيحة قانونيا يختار الأعضاء من خلالها ثلاثة يصدر بأحدهم قرار لرئاسة المجمع، والأمر الثالث والخطير وهو رسالتى الشخصية فى محاولة إنقاذ المجمع مما لحقه طوال ثمانى سنوات من تجاهل لكبار الأدباء والمفكرين والشخصيات العامة، وهو الأمر الذى عزله عن الناس والحياة العامة، وأدى إلى أن يفقد وظيفته الحيوية والجوهرية فى الحفاظ على اللغة والثقافة والهوية، مع غلبة التيار المُحافظ حيث لا يضم سوى أستاذة واحدة، وبين نسائنا الجديرات بأعظم المحافل العلمية .

- هناك شكاوى من ضعف الرواتب والمكافآت بين الأعضاء والموظفين على السواء رغم أن ميزانية المجمع تقترب من 20 مليونا سنويا.. كيف تفكر فى حل تلك المشاكل المالية؟

الميزانية أقل من ذلك بكثير، والمجمع بالفعل يضم عددا كبيرا من الموظفين، والمكافآت التى يصرفها الأعضاء بخسة جدا ولا تفى إطلاقا بجهدهم، وسأحاول بقدر الإمكان تعظيم شأن وظيفة المجمع فى المجتمع ليُدرك الناس قيمته، ثم أطالب لهم بحقوقهم المادية للدولة، وأحسب أن الدولة لن تبخل على مؤسسة تحمى اللغة والهوية.

حماية اللغة

- لم يعد أحد يسمع عن قانون حماية اللغة العربية رغم الموافقات العديدة التى حازها.. لماذا تأخر هذا القانون فى الصدور حتى الآن رغم أهميته؟

قد أنضجنا القانون بالفعل وقدمناه إلى الدولة، وقد لا يعلم الشيخ حسن نفسه أننى شاركت فى الصياغة الأخيرة مع القانونى الكبير د. محمد العوا، لتكون مقبولة فى مجلس النواب، وأرجو أن نُحرك هذا القانون بالتوازى مع قانون إصلاح المجمع لكى تتم الموافقة عليهما مرة واحدة، لأن الدولة لن تنشط فى إقرار قانون من مؤسسة ترى أنها تتخذ وجهة مخالفة ومتحدية لاتجاهها العام، بل يجب ان تكون سياسة المجمع متناغمة مع السياسة العامة للدولة، ومع الطابع المدنى لها، وبعيدة عن أى تأثر بالقوى المُعادية لها؛ ولا يُمكن لأى مُنصف القبول بعمل المجمع، دون أن يدري، فى خدمة تيار مُضاد للدولة.

- تم صدور ثمانية أجزاء من المعجم التاريخى بالتوافق مع حاكم الشارقة فى وقت قياسي.. هل لديك خطة لزيادة هذا التعاون للانتهاء من هذا العمل الضخم قريبا؟

المعجم التاريخى له تاريخ طويل، ولم تُتخذ له إجراءات عملية إلا بعدما تكفل الشيخ سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، بتمويل المشروع، وقام المجمع فى السنوات الأخيرة، بفضل اتحاد المجامع العربية، بالمشاركة العلمية فى إخراج ثمانية أجزاء منه.

- تبرعت مصر بكامل مساحة الأرض وحاكم الشارقة بالبناء.. كيف تنوى الاستفادة من المبنى الضخم لمقر اتحاد المجامع العربية بالسادس من أكتوبر؟

يتم ذلك بإعمار المبنى الضخم، لأنه مهمل ومجهول تقريبا، ولا يُستثمر على الوجه الصحيح، وسأعمل ما وسعنى الجهد والوقت والطاقة، على الإفادة منه على أكمل وجه، وإذا كان الشيخ حسن قد أفاد قليلا فأطمح أن أفيد منها كثيرا بإذن الله.

المعجم الكبير

- المعجم الكبير عمل ضخم يتطلع الباحثون إلى الانتهاء منه قريبا،.. هل ستولى العمل به أولوية قصوى؟

هذا المعجم تم الانتهاء من جزء كبير منه، وطُبعت عدة مُجلدات منه بالفعل، ويُعد للطبع الآن عدة مُجلدات أخرى، وكان د. حسن قد اهتم به وضاعف جهد المجمع، ووجه اللجان لإنجازه، وهذا من الحسنات التى قام بها، وسأتم هذا العمل وأبنى عليه لكى ننجزه فى أقرب وقت.

- يتساءل الأعضاء عن موقفهم القانونى فى ظل التغييرات الجديدة وعن طريقة الانتخاب للأعضاء الجدد.. ما ردك؟

الأعضاء الموجودون باقون كما هم مدى الحياة كما ينص القانون، وقد حدث هذا من قبل فى تجديد قانون المجمع، وفى أى تجديد يتم النص على بقاء الأعضاء القدامى، لأن عضوية المجمع تختلف عن اى هيئة أو مؤسسة أخرى، هى عضوية علمية، والعالِم لا يفقد صفته بانتقاله من مرحلة إلى مرحلة، والأكاديمية الفرنسية التى بُنى على غرارها عضويتها مدى الحياة؛ كما سيظل النظام الانتخابى للأعضاء كما هو.

- ألا ترى أن ذلك يسمح ببقاء التربيطات والمواءمات الانتخابية كما هى ؟

هذا يتم فى معظم المؤسسات، ولا بد من تصويبهمن حين لآخر، ورئاسة المجمع عليها معوَّل كبير فى تغيير ذلك، وعندما كان طه حسين رئيسا له لم يدخله إلا من ارتضتهم عقلية وقامة طه حسين، وكذلك إبراهيم بيومى مدكور، وشوقى ضيف، فأسلوب تقديم الشخصية واختيارها ودعوة الآخرين يتدخل كثيرا فى ميول الأعضاء، ولهذا سأحاول تصويب الاتجاه بقدر ما تسمح به الريح.

تحديث تكنولوجى

- كيف ستعمل على الاستفادة من الوسائط التكنولوجية فى تحويل العمل بالمجمع إلى الرقمنة وتوفير المعاجم الإلكترونية؟

بدأنا ذلك منذ عقود، ولكن بخطى بطيئة جدا ومتعثرة جدا، وآخر ما حاولنا عمله كان تكوين لجنة للذكاء الاصطناعي، ولدينا لجنة للحاسوبيات، وأحسب أن من مهامى الأولى تحديث المجمع وإدخاله بقوة فى العصر الرقمي، ولا بد من اتخاذ كل الوسائل لذلك مهما كانت المعوقات، وأهمها أن معظم أعضاء المجمع فى سن الشيخوخة ولا يستطيعون التعامل مع التكنولوجيا الرقمية، وسوف أعالج ذلك عن طريق توفير مساعد لكل عضو يهديه إلى التعامل مع التكنولوجيا ويُسهل عليه وسائلها؛ وثانيا أن معظم أعمال ثلاثين لجنة بالمجمع تحولت إلى مصنع لصك المصطلحات فى مختلف الفنون، وكنت قد اقترحت عليهم منذ التحاقى بالمجمع قبل 17 عاما ضرورة البحث فى كيفية الاستفادة من هذه المصطلحات فى تحسين العلم والمعرفة واللغة على ألسنة الناس .

- ما المنتظر من المجمع خلال الفترة المقبلة لدعم التجديد الفكرى فى ضوء السياق العام للتجديد الذى تقوم به الدولة؟

رسالة المجمع تقوم على الارتقاء باللغة وتطويعها وتيسيرها، وما يترتب على ذلك يصب فى تشكيل العقل المصرى والعربي، ومشكلتنا الثقافية الرئيسية هى التشرذم الذى أدى إليه تيار الإسلام السياسى وجنوحه وجنونه بالسلطة وعداؤه للوطن، وهى مشكلة أساسية فى بنية العقل ذاته، وعندما يقوم المجمع برسالته يكون قد قام بدوره فى تجديد الخطاب الثقافى والديني، بل وفى تجديد الانتماء الوطنى أيضا .

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة