نادر حلاوة
نادر حلاوة


ستراك ..حين تراها| الخيمة المهترئة و"نمبر ون" في الإسفاف 

نادر حلاوة

الإثنين، 23 نوفمبر 2020 - 02:57 م

كيف تراها ؟ منخلف "اليشمك" التركي ؟ أم من وراء نافذة حجرية في قلعة صحراوية بعيدة ؟ أم تراها في لمعة الذهب على قناع الملك "توت" أم في عيون حتحور؟ 
هل ترى رايتها راية بين الرايات ؟ أم ترى رايتها هي فقط ؟ هل تعرفها ؟! 

إن كنت تعرفها حقا لن تذكرها إلا بإسمها مجردا ، فلا صفات لها إلاها هي مصر أيا كان مسماها ، هي مصر التي حين تراها مصر فقط تراك ، تمنحك مفاتيح مجدها ، وتغدق عليك من فيض ذاكرتها الذهبية  

هي أمة قائمة بذاتها ، مستقلةبثقافتها ،هويتها لا تنقصها هوية أخرى ، فقد اكتملت وتجذرت منذ آلاف السنين 
أقول هذا وقد حان الوقت لقوله دون مواربة ، بعد أن أوشك ثقل الواقع أن يهوي فوق رؤوس أدمنت الأوهام ، فتشوشت الرؤية و الرؤى وضاعت البوصلة .

في زمن ناطحات السحاب اخترنا تشييد خيمة لم تلبث الرياح إلا أن عبثت بها فتمزقت وتشتت سكانها وتلاوموا واختصموا بعضهم وهاهم الآن يغادرونها واحدا تلو الآخر .

خيمة العروبة المشيدة في الأساس على أنقاض دول الخلافة المتعاقبة وأوهام الوطن الأكبر الذي لم يكن موجودا في التاريخ إلا تحت القوة القاهرة غزوا أو فتحا (اختر ما تشاء) 

هذه الخيمة لا تشبه غيرها فصوت المصالح الذي تُبنى عليها العلاقات الدولية كان خافتا تحت قرع طبول الشعارات والمزايدات والمكايدات و المؤامرات  
 
بقيت أطلال الخيمة شاخصة لسنوات طويلة فلم تفلح في صد عواصف التطرف التي عبثت بأركان الخيمة لتأتي الرياح بهوية أخرى لسكانها 
جاءت عواصف تيارات الإسلام السياسي بشعاراتها أيضا وبغيوم تطرفها وبأنهار الدماء التي سكبتها دون أن يفكر أصحاب هذه التيارات في نوعية تلك الهوية الإسلامية التي تضم طوعا أديان أخرى ولم يتساءلوا عن كنه طائفة هذه الهوية أشيعية هي ؟أم سنية؟ وماذا عن مذهبها ؟ أهي هوية حنبلية أم مالكية أم لعلها داعشية أو سلفية أو إخوانية ؟.. لكن ضجيج الشعارات كان يصم الآذان ويغلق العقول. 

وتسأل نفسك سؤالا منطقيا يندُر طرحه ماذا كانت تفعل مصر داخل أطلال الخيمة أمام تلك العواصف ؟ 

كانت تحاول جمع بقايا الخيمة الممزقة في مشهد عبثي لا يليق بذكرى  سيدة اسمها  "إيزيس" جمعت كل ممزق فصنعت خلودا والخيمة المهترئة لا تليق بهرم راسخ خالد والمعارك الصغيرة والكبيرة مع "أشقاء" لا تليق بماسجله "رمسيس الثاني" من معارك على جدران معابده .
اليوم ..وهم يغادرون أطلال الخيمة المتداعية لماذا تتلفت مصر حائرة باحثة عن هويتها ؟ ألم يكفنا بعد قرونا من غياب الذات عن الذات ؟ ألم نلحظ حتى الآن كيف تشير البوصلة إلى أرض الضياع ؟ 

ألم نقرأ من بين السطور كيف ساهم ضياع البوصلة في اختلال الفهم العام لطبيعة أمننا القومي ؟ 

فهم هش ارتجت أركانه لصورة ممثل دلف إلى النجومية من باب الإسفاف وتشويه الوعي ، الصورة جمعته بشخص إسرائيلي فاندلعت الجدالات المفزعة عن أسباب بقاء العداء مع إسرائيل ، قيل أن السبب ديني فهل لو دخل الإسرائيليون الإسلام أفواجا تسقط الحجة ؟ وهل إسلام أردوغان وغلام قطر يجعلهما حليفان لمصر ؟ وهل دخول "تيمورلنك" في الإسلام انقذ رقاب المسلمين من سيفه ؟وهل اسلام سليم الأول منعه من غزو مصر ؟ 

وقيل أن السبب هو القضية الفلسطينية كقضية عربية مركزية محورية استوائية والتوائية ، فهل إذا تصالح الفلسطينيين والإسرائيليين اليوم سترفع تل أبيب أقدامها من منابع النيل غدا ؟! هل وجود أي قوة إقليمية على حدود بلادك يعني لك شيئا ؟

وقيل أنه الثأر القديم ، فكيف إذن انقضى ثأر الفيتناميين من الأمريكيين وأين ذهب ثأر فرنسا من ألمانيا أو ثأر بقايا الهنود الحمر من الأوروبيين؟! وهل يرغب العراقيون الآن في الثأر من منغوليا موطن جنكيز خان وهولاكو الذي اجتاح بغداد وأسقط الخلافة العباسية ؟! الثأر تمحوه الأيام كما تُمحى آثار الدماء مع تقادم الأزمان .

 كل هذه الأسباب ترجعلتشوش الرؤية بعيدا عن مصر وقريبا من ايديولوجيات لا ترى مصر كمصر ، ولا تعرف أن الأمن القومي لمصر واضح ومحدد منذ آلاف السنين ، وأن وجود دولة إقليمية طامحة طامعة على الحدود الشرقية لا يتفق مع أبسط مقومات الأمن القومي المصري خاصة حين تظهر بجلاء رغبة تل أبيب في السيطرة على الثروات العربية شرقا لتكتسب المزيد من القوة بالإضافة للعبث في العمق الافريقي جنوبا
وبجانب عوامل ثقافية وقومية ودينية وتاريخية تكتمل صورة الخصم الاقليمي الذي لن تقوم له قائمة إلا على حساب مصالح مصر ولن تتمكن مصر من الحفاظ على مصالحها إلا بتحجيم هذا الخصم .

 تناقض تام يجسده صراع حضاري على قاعدة الجغرافيا السياسية للمنطقة وقد اتخذ هذا الصراع أشكال عدة من ساحات الحروب إلى الاختراق الدبلوماسي إلى العمل الاستخباراتي إلى إعادة تشكيل وعي الشعوب وتغيير قتاعاتهم .

لا بأس إذن في أن نخوض معاركنا وحدنا كما فعلنا منذ آلاف السنين لكن علينا أولا مغادرة تلك الخيمة المهجورة قبل الطوفان القادم .


 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة