محمد بركات
محمد بركات


يوميات الأخبار

مصر وأمريكا.. والرئيس «٤٦»

محمد بركات

الثلاثاء، 24 نوفمبر 2020 - 06:24 م

فى النظر للعلاقات المصرية الأمريكية.. لامحل ولا موضع للاستهانة بقدر مصر ووزنها وقوة وصلابة إرادتها وثقلها الإقليمى والدولى.

من الطبيعى أن تكون كل المؤسسات والإدارات المتصلة والمختصة بصنع القرار فى دول العالم المختلفة والمتعددة شرقا وغرباً، منكبة وعاكفة الآن على متابعة ورصد وتحليل مايجرى ويحدث على الساحة الامريكية من تطورات، وما يصدر عنها من قرارات، فى ظل ما أسفرت عنه الانتخابات الرئاسية من نتائج، وما أحاط بها من ملابسات وما أثارته من لغط سياسى وقانونى، وما أدت إليه من انقسام وتوزع بين القبول والرفض والترحيب والاعتراض، داخل المجتمع الأمريكى بصفة عامة وبين الحزبين الرئيسيين المتنافسين «الجمهوري» و«الديمقراطي» بصفة خاصة،.، وهو ما انعكست آثاره بالحيرة والفضول والترقب، على دول وشعوب العالم القريب والبعيد عن القارة الأمريكية الشمالية.
ولا مبالغة على الاطلاق إذا ما قلنا، إن هذا الموضوع، أصبح هو الأكثر إلحاحا وأهمية الآن لدى وزارات الخارجية ومراكز صنع القرار فى العالم، أو فى الغالبية العظمى من دوله وعواصمه على الأقل.
وهذا الاهتمام لا يرجع فقط إلى الموقف الملتبس والمتوتر، الناشئ عن إعلان المرشح الديمقراطى «بايدن» فوزه فى الانتخابات، وقبوله بالنتائج التى أسفر عنها فرز الأصوات فى مجمل الولايات، فى مواجهة رفض المرشح الجمهورى «الرئيس الحالى ترامب» للنتائج، وإعلانه الطعن على الكثير منها بالتزوير وتأكيده أنه لم يخسر ولكنه يتعرض لسرقة النجاح والفوز. ولكن الاهتمام يعود فى الجزء الأكبر منه بالقطع إلى أهمية وثقل واتساع تأثير الولايات المتحدة الامريكية على الساحة الدولية على اتساعها وامتدادها.
الدور الأمريكي
وأحسب أننا نتفق جميعا على أهمية العلاقات المصرية الأمريكية، بل وأهمية العلاقات العربية الأمريكية بصفة عامة،..، وقد يقول البعض، وأنا واحد منهم، إنه لاجديد فى هذا، فطوال السبعين عاما الماضية، كان هناك إدراك مصرى وعربى بأهمية هذه العلاقات، وأهمية الدور الذى يمكن أن تلعبه السياسة الامريكية على الساحة الدولية، وتأثير هذا الدور على الساحة العربية والشرق أوسطية.
وقد يقول البعض أيضا، وأنا معهم، إنه مع منتصف القرن الماضى كان هناك وعى مصرى وعربى بالدور المتزايد والتأثير المتعاظم للولايات المتحدة الأمريكية على مستوى العالم ككل، وفى منطقتنا بالذات، بوصفها القوة البازغة على الساحة الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، والمؤهلة لوراثة دور بريطانيا التى كانت عظمى فى هذا الوقت من الزمان، ثم بدأت فى فقدان قوتها وسطوة نفوذها ودورها لصالح القوة الجديدة، التى لم تلبث ان حلت محلها وتولت مقاليد السيطرة والقيادة على المعسكر الغربى كله، ثم على العالم فى مجمله بعد تفكك وانهيار الاتحاد السوفيتى، وتحول العالم الى عصر القطب الواحد.
وقد يرى البعض كذلك، ولست مختلفا معهم، بأن كل زعماء مصر ابتداء من عبدالناصر، ثم السادات، ثم مبارك وحتى الرئيس السيسى، كانوا على وعى تام بأهمية وقوة تأثير وفاعلية الدور الأمريكى منذ بداية ثورة يوليو ١٩٥٢ وحتى اليوم.
وقد تجلى ذلك فى الاتصالات التى جرت بين عبدالناصر والولايات المتحدة فور قيام الثورة، لضمان عدم تدخل الانجليز لصالح الملك، ثم ما تلا ذلك من موقف قوى وحاسم للرئيس الأمريكى ايزنهاور ضد بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، اثناء العدوان الثلاثى على مصر.
كما وضح هذا ايضا خلال الاتصالات التى جرت بين الرئيس السادات والرئيس الأمريكى نيكسون ومن بعده كارتر، فى اطار احلال السلام وتوقيع معاهدة كامب ديفيد، وماتلاها من انسحاب القوات الاسرائيلية، وهو ما استكمل بعد ذلك بتحرير كامل التراب الوطنى المصري،..، كما وضح ذلك ايضا فيما شهدته العلاقات المصرية الامريكية من تطورات هامة خلال السنوات الاربع الماضية، فى ظل العلاقات الودودة والمتنامية بين الرئيس السيسى وترامب والاحترام المتبادل بينهما.
إعادة صياغة
ولكن رغم اتفاقنا على هذه المسلمات، إلا أننى اعتقد أن الأمر يخضع الآن إلى اعادة صياغة فى ظل المستجدات التى طرأت والمتغيرات التى  تتابعت وتلاحقت خلال الأيام الماضية، بعد ما جرى ومازال يجرى على الساحة الامريكية منذ فرز الاصوات فى الانتخابات الرئاسية، وما تلاها من تداعيات تشير فى مجملها الى واقع، يكاد أن يصبح حقيقة مؤكدة مؤداها، أن البيت الأبيض الذى هو مقر الحكم والرئاسة الامريكية فى واشنطن العاصمة، سيستقبل ساكنا جديدا فى العشرين من يناير القادم، وأن هذا الساكن سيكون هو «بايدن» بوصفه الرئيس السادس والاربعين، رغم كل ما تشهده الساحة الأمريكية الآن من توتر واتهامات ومشاكل قضائية ودفوع قانونية وانقسام.
ونظرة متأنية الى هذا الواقع الذى يكاد ان يصبح حقيقة مؤكدة، تكفى للدفع بأهمية بل وضرورة النظرفى واقع ومستقبل العلاقات المصرية الامركيية فى المرحلة المقبلة، وصولا إلى الصيغة المثلى التى نراها محققة لأكبر قدر من التعاون، فى اطار المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، بما يخدم الاهداف المصرية فى تحقيق السلام والاستقرار والتنمية الشاملة، ليس لمصر فقط بل لكل دول وشعوب المنطقة  ايضا.
مسلمات مهمة
ولعلنا فى هذا الخصوص نحتاج إلى التأكيد على عدة مسلمات يجب أن نضعها موضع الاعتبار، وأيضا يجب ان تكون موضع الاعتبار من جانب الولايات المتحدة الامريكية أيا كان ساكن البيت الابيض.
ويأتى فى المقدمة من ذلك، الوعى التام والمتبادل لحجم وتأثير الدور الذى تقوم به الولايات المتحدة دوليا وإقليميا، بوصفها القوة الاعظم فى عالم اليوم،..، وكذلك حجم وتأثير الدور المصرى بوصفها قوة اقليمية ذات ثقل ووزن اقليمى عربى وأفريقى وشرق أوسطى.
وأيضا ضرورة العمل المكثف من جانبنا فى مصر وكذلك الدول العربية والاسلامية، على تصحيح الصورة الخاطئة التى انطبعت فى ذهن البعض فى الادارة الامريكية والشعب الأمريكى ايضا، عن العرب بصفة عامة والمسلمين على وجه الخصوص، بأنهم من الداعين للإرهاب،..، واستبدالها بالصورة الحقيقية بأنهم دعاة سلام،..، وأن الاسلام الصحيح بعيد كل البعد عن هذه التهمة الظالمة.
ولتحقيق ذلك لابد من اتصال مكثف وتفاعل نشط بين كل الهيئات والمؤسسات للمجتمع المدنى المصرى مع نظرائهم فى الولايات المتحدة الأمريكية بما يؤدى إلى تفهم حقيقى ومتبادل بين الشعبين وبين هذه الهيئات وتلك المؤسسات فى البلدين.. وأحسب ان مصر بالذات عليها الدور الأكبر فى هذا الشأن، وهو دور حان وقته ولايصح تأجيله، كما لايجب قصر الاتصالات على الجهد الحكومى فقط.
الواقع والمستقبل
وأحسب أن نظرة متفحصة ومتأنية على الواقع والأحداث الجارية على الساحة الامريكية، تؤكد أهمية ما نقول به من ضرورة البدء فى وضع تصور شامل لواقع ومستقبل العلاقات المصرية الامريكية، فى ضوء المؤشرات والدلائل والتطورات الجارية والاحتمالات القائمة.
وفى تقديرى ان نتيجة الانتخابات الامريكية وما اسفرت عنه من متغيرات، تأتى على رأس الأسباب الدافعة والمستوجبة لذلك نظرا لما سيترتب عليها من تداعيات ومستجدات ليست بالقليلة.
وأعتقد أننا لانحتاج الى القول بأن ما بيننا وبين الولايات المتحدة الامريكية، هو بالتأكيد كثير ومتعدد، وخطوط التماس بيننا وبينهم هى بالتأكيد ايضا كثيرة ومتعددة، ومساحات الاتفاق والاختلاف موجودة وقائمة حول قضايا كثيرة، فكل ذلك طبيعى، بل بديهى، ومسلم به فى العلاقات بين الدول، حيث تتباين المصالح أو تتوافق.. وتختلف الأهداف أو تتفق،..، والعلاقات المصرية الامريكية ليست استثناء من ذلك بالقطع.
وإذا كانت هذه هى طبيعة الأشياء، وتلك هى حال العلاقات بين الدول، فما بالنا والولايات المتحدة الامريكية هى الدولة الأقوى فى عالم اليوم،..، ورغم كل ما يقال ويتردد عن قوى أخرى موجودة، أو غيرها قادمة فى الطريق يمكن أن تكون منافسة لها، إلا أن احدا لا يستطيع أن ينكر أو يتجاهل، أن امريكا ستظل إلى سنوات قادمة هى الدولة الأقوى فى عالم اليوم، بحساب العلوم والتكنولوجيا والاقتصاد والقوة العسكرية، وكذلك ايضا بحساب قوة التأثير والفعل  على الساحة الدولية بصفة عامة والشرق الاوسط بصفة خاصة والمنطقة العربية على وجه الخصوص، فى ضوء اهدافها ومصالحها المتعددة والمتشابكة فى المنطقة.
وما بالنا ايضا ومصر الآن دولة مستقرة وقوية وثابتة، ولها تأثير كبير وملموس ودور حى وفاعل على الساحة الاقليمية بصفة عامة والعربية بصفة خاصة وكذلك الأفريقية، كما أن لها تواجدا واضحا ومؤثرا فى شرق البحر المتوسط، ولها ايضا علاقات صداقة وتعاون قوى مع أوروبا والصين وروسيا وغيرها من القوى الدولية،..، كما أن لها دورا كبيرا ومؤثرا فى الاستقرار واستتباب الأمن والسلام فى هذه المنطقة الملتهبة والمتفجرة من العالم،..، وهو ما يجعل هناك خيوط تماس كثيرة ومتعددة بينها وبين الولايات المتحدة الامريكية.
مصر.. وأمريكا
والآن.. هناك ما يجب أن يقال ويسجل فى مواجهة تلك الموجة من التوجس والقلق، التى اجتاحت البعض منا فى اعقاب الانتخابات الرئاسية الامريكية، وما واكبها من احداث وما اسفرت عنه من نتائج، رآها البعض على غير ما كان يتوقع..أو مخيبة لما كان يتمني،..، والقول فى ذلك.. إن هذه رؤى خارجة عن السياق لأن ما يجرى هو أمر أمريكى من بدايته وحتى نهايته، وأن اختيار الرئيس الامريكى مرده فى الأساس لاختيار شعب الولايات المتحدة،..، أما انعكاس وتأثير هذا الاختيار بالقوة أو الضعف على العلاقات الامريكية المصرية والعربية،، فيعود فى اساسه إلى طرفى العلاقة، وليس الى طرف واحد وفى ذلك لامحل ولاموضع لأى تصور خاطئ يستهين أو يقلل من قدر مصر ووزنها وقوة وصلابة إرادتها وثقلها الإقليمى والدولى.
مصر الآن ياسادة هى مصر ما بعد ٢٠١٣ وليست أبدا مصر ما قبل ذلك،.. فهى ثابتة وقوية بعون الله وإرادة شعبها وحكمة قائدها.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة