تشومسكى
تشومسكى


فى أحدث حواراته «تشومسكى»: سنتعافى من الوباء.. ولكن الثمن «فادحا»

أخبار الأدب

الأربعاء، 25 نوفمبر 2020 - 07:52 م

 

ترجمة:  
رفيدة جمال ثابت

لا يكف الفيلسوف واللغوي الأميركي نعوم تشومسكي عن نقد النظم الرأسمالية، وفى نفس الوقت يقدم رؤية متماسكة عن عالم اليوم، العالم الذي غدا بين ليلة وضحاها أسيرًا لوباء عالمي جعل البشرية تعيد علاقتها بالطبيعة، وجعل الإنسان يعيد تقييم نفسه كفرد صغير فى عالم ضخم.

هنا يتحدث تشومسكي الفيلسوف الأميركي لموقع Ekathimerini عن تأثير كوفيد 19 والدور السلبي لبعض السلطات الحاكمة.

 

كشف الوباء وانهيار الأنظمة الصحية والاقتصادية فشل نموذج العمل التجاري الذي يرى المجتمع بصفته بيئة تجارية مربحة، كما ظهر عجز النيوليبرالية ومن يناصرون مفهوم الإنسان الاقتصادي مثل ترامب أمام الأزمة الاجتماعية بأسلوب تجاري، إلى أي مدى ينطبق ذلك على الرأي العام الأميركي والعالمي؟ وما تأثيره على الانتخابات الأميركية؟ هل نأمل في راديكالية منفتحة بصفتها استجابة ضرورية؟
 ــ الوباء مثال حي على الأضرار الفادحة التي ألحقها عصر النيوليبرالية بالأغلبية العظمى من الناس، لكن ينبغي التعامل بمنطقية حيال الإيمان بالسوق أو مفهوم الإنسان الاقتصادي.

جوهر النيوليبرالية هو نقل صنع القرار من الحكومات، التي تخضع نسبياً لتأثير الجماهير، إلى المستبدين الذين ليسوا مطالبين بتبرير أفعالهم للناس، والمهتمين فحسب بالإثراء الذاتي طبقاً للمعتقد النيوليبرالي.

بمجرد نيل هؤلاء سلطة أكبر إبان حكم ريجان وتاتشر وأمثالهم، سرعان ما قاموا بإعادة تشكيل السوق لمصالحهم الشخصية. وبالطبع يعتمدون بشكل كبير على دعم الجماهير وعمليات الإنقاذ حينما يتسببون في نشوب الأزمات, مثلما يحدث في الوقت الراهن.

لقد خرج الوباء من رحم إخفاقات الرأسمالية الجسيمة، وتفاقم بتأثير النيوليبرالية المتوحشة.

في عام 2003، بعد احتواء فيروس سارس، حذر العلماء من احتمالية هجوم وباء آخر من نوعية فيروس كورونا، وأوضحوا بعض طرق الاستعداد له.

غير أن المعرفة ليست كافية، ولابد من اتخاذ الإجراءات، وكان الاختيار الواضح هو شركات الأدوية الكبرى التي ازدادت ثراءً من هدايا الجماهير بفضل وسائل عولمة النظام النيوليبرالي. لكن هذا الاختيار أعاقه المنطق الرأسمالي؛ إذ أن الاستعداد للكوارث المستقبلية ليس مربحًا، وبالتالي وقع الاختيار على الحكومات، وهي في الواقع تضطلع بمهمة حيوية متمثلة في تطوير معظم الأمصال والعقاقير، غير أن هذا الاختيار أيضًا عرقله المبدأ النيوليبرالي الذي ينادي بأن الحكومة هي المعضلة، مثلما كان يقول ريجان. لذا لم يُتخذ أي قرار.

نموذج العمل التجاري يفرض المزيد من الأضرار، والمستشفيات التي تُدار طبقًا لهذا النموذج لا تهدر الموارد على الطاقات الإنتاجية الفائضة، مثل الأسرّة الإضافية. وربما ينجح ذلك النظام بطريقة أو بأخرى في الظروف العادية، لكنه يتسبب في كارثة في حالة الطوارئ، وهذه مجرد البداية، وبشكل عام يمكن اعتبار الوباء كارثة رأسمالية, سببها توحش النيوليبرالية. هل يفهم معظم الناس هذا؟ ربما لا.

لا تصل الموضوعات الجوهرية إلى الجماهير، ومن المفهوم بالطبع أن النظام انهار وتسبب في غضب الناس واستيائهم من المؤسسات بل والكراهية لها، ما أتاح أرضًا خصبة للسياسيين الغوغائيين من اليمين المتطرف مثل ترامب، لكن في ذات الوقت ثمة فرص يمكن أن تقود إلى جهود مثمرة للمرور من المحن وبناء عالم يسوده المزيد من الحرية والعدالة. تتمثل إحدى هذه الفرص، وتحمل بين طياتها مستقبلًا واعدًا، في منظمة التقدمية الدولية (Progressive International) التي أُنشئت حديثًا واستهلت بحركة بيرني ساندرز في الولايات المتحدة بالإضافة إلى يانيس فارفكيس وحركة الديمقراطية في أوروبا 2025 (DiEM25) إذ أتاحت انضمام عناصر مهمة من الجنوب العالمي.

ولكن مثلما ينبغي استخدام المعرفة، ينبغي اغتنام الفرص.
فى المجر يحكم فيكتور أوربان بموجب مرسوم، ما يضع أوروبا فى موقف حرج، لأن الديمقراطية البرلمانية وحكم القانون شرطان مسبقان لعضوية الاتحاد الأوروبي، كيف يؤثر ذلك على مستقبل الديمقراطية فى أوروبا؟
 ــ مستقبل مهدد بخطر كبير بطرق عديدة. الاتحاد الأوروبي ذاته قائم على مبدأ تقويض الديمقراطية، ولا سيما بعد نقل اتخاذ القرارات الحاسمة إلى الترويكا غير المنتخبة، لكن العيوب أبعد من ذلك بكثير، كما كشف الوباء.

لقد تمكنت ألمانيا، مركز النفوذ الاقتصادي في أوروبا، من احتواء الوباء بشكل جيد، ما ترتب عليه انخفاض معدل الوفيات. ولكن إلى الجنوب وقعت شمال إيطاليا في مأزق عويص. فهل أرسلت ألمانيا الأطباء والمساعدات الطبية؟ لحسن الحظ اتجهت إيطاليا نحو مكان آخر لطلب المساعدة، وهو كوبا، بلد ضرب مجددًا مثالًا على التعاون الدولي. هنا تكمن دروس واضحة لا تحتاج إلى الشرح.


 • اضطهاد جوليان أسانج وتشيلسي مانينج وإدوارد سنودن، باعتبارهم خطرًا لأنهم يحاربون من أجل كشف الحقيقة ونشر العدالة. هل يدقون ناقوس الخطر أم أننا بالفعل في العالم الذي وصفه أولدس هكسلي حيث «المستقبل صورة متوقعة من الحاضر»؟
 ــ تعتمد الإجابة على أناس مثلي ومثلك، هل سنتغاضى عن الإساءة المشينة لاستخدام السلطة، حكم القتل القضائي الافتراضي لـ أسانج على جريمة كشف الحقائق التي يرغب سيد العالم في قمعها؟
 ما سبب تراجع الديمقراطية أولًا أثناء نشوب الأزمات؟ ولماذا وصلنا إلى مرحلة حيث الحرية والأمان يُعتبران مفهومين متعارضين أو فكرتين متناقضتين؟ هل تعتقد أن حالة الطوارئ هذه ستظل قائمة، وأن حكومات العالم وأصحاب السلطة يستخدمون الأزمة كذريعة لتدشين عهد جديد من الاستبداد والبطش؟
 ــ في الأزمات، سواء كانت حروب أو أوبئة أو تسونامي، يتهيأ الناس للتضحية ببعض الحرية مؤقتًا للتعامل مع الشدائد. بالطبع يحاول البعض تحويل تلك السلطة الممنوحة مؤقتًا إلى سلطة دائمة، هذا يحدث على مرأى ومسمع منا. وإذا خضع الناس سينجح هؤلاء في مسعاهم. ينبغي أن نتذكر كلمات ديفيد هيوم في الفقرة الاستهلالية لأول مقال معاصر في علم السياسة: «السلطة مع المحكومين دائمًا، ولا شيء يساند الحكام سوى الرأي». المحكومون ليسوا بحاجة إلى قبول خضوع تفرضه السلطة. ولو فعلوا ذلك، فمصيرهم قاتم.
 هل تعتقد أن البشر يدفعون الآن ثمن إبرامهم عقدًا كارثيًا؟ هل من طريقة ووقت لتحاشي عواقبه؟
ــ الآن ندفع ثمن المنطق الرأسمالي وجرائم أحد فروعه المتوحشة: النيوليبرالية.

من عانوا لسنوات طوال، يعانون الآن بشكل أقسى، لم يكونوا طرفًا في هذا العقد، وفي هذه الحالة، يمكن اقتلاع مصدر الجرائم، ويمكن للبشر التكاتف من أجل بناء عالم أفضل، لكن علينا ألا ننسى أن الوباء بعيد كل البعد عن الأزمة الحادة التي نواجهها الآن، سنتعافى من الوباء، ولكن الثمن فادح، لن ننهض بعد انصهار قمم الجليد القطبية والاحتباس الحراري، كلاهما ربما يؤدي إلى زيادة احتمالية فساد كوكب الأرض حرفيًا قبل انتهاء هذا القرن، ما يترتب على ذلك عواقب لا يمكن تصورها، ومثلما حدث في الوباء، يعمل المنطق الرأسمالي في هذه الحالة أيضًا، ويزيد من تهديد بقاء البشر بالعناصر الضارة في بؤرة القوى العالمية. إدارة ترامب مكرسة بنشاط وحماس لجمهور الناخبين الأثرياء ولقوى المؤسسات حتى أنها تزيد من استخدام الوقود الحفري وتفكك الإطار التنظيمي الذي يتيح على الأقل بعض الوقت للتوقف وتحاشي الكارثة. لكن في هذه الحالة أيضًا ثمة فرص، رغم أنها ليست متاحة لوقت طويل. وإذا لم نغتنمها، سوف تنهار المسائل الأخرى ولن تؤخذ بعين الاعتبار.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة