ليلي مراد وانور وجدي
ليلي مراد وانور وجدي


الشاعر صالح جودت يصف «القيثارة» وهي تغني وعينها متجهة إلى السماء

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 26 نوفمبر 2020 - 04:59 ص

 

بمناسبة مرور ٢٥ سنة على رحيل «قيثارة» الغناء العربى ليلى مراد تقدم صفحة «كنوز» مقالاً نادراً للشاعر الكبير صالح جودت كتبه عنها يقول فيه :-

 

- شهدت منذ أيام، على مسرح من مسارح باريس مسرحية بارعة عنوانها «القيثارة والجازبند»، وفى صبيحة اليوم التالى جلست على كافيه دى لابيه «مقهى المصريين فى باريس» أطالع الصحف الخبرية، فقرأت نبأ طلاق ليلى مراد وأنور وجدى، فأسفت لهما.. أسفت لهذا الثنائى الجميل، الذى كان يستطيع أن يكون أمثولة حلوة لانسجام الأرواح الفنية.. ورحت أسأل نفسى: ترى لماذا كان هذا الطلاق؟

فقالت نفسى: أتراه كان أول طلاق بينهما ؟ لقد تعدد طلاقهما حتى أصبح أقرب إلى الإعلانات.. إلى الحقائق.. ولكن ما السبب ؟

اقرأ ايضا : «ليلي مراد» رفضت التطبيع وشائعة إعدام «أم كلثوم» أطلقتها إسرائيل

هنا قفزت إلى ذهني قصة المسرحية التي شهدتها.. القيثارة والجازبند.... كانت القصة صراعاً بين امرأتين، أولاهما غانية نهارها ليل، وليلها نهار، وحياتها صخب وضجيج، وهوس وجنون، وكأس ورقص.. والثانية شابة حلوة ناعسة، تكاد تذوب رقة ووداعة وهدوء واستحياء لقد شبه كاتب المسرحية المرأة الأولى بالجازبند، بنغمها الصاخب الصارخ، والمرأة الثانية بالقيثارة، بنغمها الناعم الوديع عندئذ وجدت الجواب.. إن ليلى مراد وأنوروجدي، هنا القيثارة والجازبند! هما الليل والنهار.. هما الشرق والغرب، يتجاوران ولا يمتزجان!

 

ولكن ما لنا ولقصة الطلاق ؟ أليس الفنان إنساناً كسائر الناس، له حياته الخاصة، ولحياته الخاصة حرمتها ؟

 

لنسأل الله لهما السعادة، معا أو متباعدين، ولنكتف من هذه القصة بأن ليلى هي" القيثارة.." أجل.. وإنما هى فى حياتها بأنها العادية، كما هى فى حياتها الفنية، كما يراها الناس على الستارة.. نغمة هادئة حزينة.. رقيقة الحس.. مرهفة الشعور، لا تظلم أحداً من الناس، وإن كانت تحتمل الكثير من ظلم الناس!

 

وكان والدها، المرحوم زكى مراد، من رواد الغناء في عصره، وهكذا ولدت ليلى والموسيقى في دمها، وشبت والأنغام ملء قلبها، وكانت تحب أن تغنى.. ولكنها كانت ولا تزال تحب أن تغنى لنفسها... لا للناس!

 

وقالت لي مرة: لما بلغت أول الشباب، كان أبى يدفعني إلى إحياء الحفلات العامة دفعاً، فأغنى وأنا كارهة، ولا تكاد تنزل الستارة حتى أنسحب وأغلق على غرفتي وأغرق في بحر من الدموع.. إني أحس أن للغناء قدسيته.. إنه صلاة!

 

وكما يصلى المرء وحده وقلبه يهمس إلى الله، كذلك أوثر أن أغنى وحدى وعينى متجهة إلى السماء!

 

ولقد سمعتها مرة وهى تغنى وحدها، ولنفسها. كان ذلك في رأس البر، قبيل موسم الصيف بأيام، مع مجموعة حلوة من أهل الفن.. ليلى وأنور، وفريد وسامية، وآسيا وبركات.. وغيرهم وغيرهم.. وفى لحظة حالمة.. انسلت ليلى ساعة الغروب، وذهبت بعيداً إلى الشاطئ.. وليس حولها أحد إلا الماء والسماء، والشمس الغاربة والقمر المقمر.. وراحت تغنى «رايداك والنبي رايداك».. وتسللت وراءها أسمع، وأقسم ما سمعت فى حياتى صوتا آدمياً كالذي سمعته فى تلك الساعة.. فى سموه وعمقه ورهافته.. لقد كانت الملائكة تغنى.. والطبيعة الحالمة تستمع !

أحسبنى قد أحسنت إقناع القارئ بالسر الكامن من وراء ليلى.. ذلك السر الذي يحجبها عن الناس.. ذلك السر الذي كان سبب فشلها مع أنور وجدي.. لقد سألته مرة: ما رأيك في ليلى كمطربة ؟

فقال: لست أدرى.. إنها لا تغنى في البيت... بل تصيح وتصرخ!

وذلك نفسه، هو السر في فشلها عندما وقفت على المسرح في حفلة عامة مذاعة منذ شهور.. لقد تساءلت الناس يومئذ.. أهذه هي ليلى التي نراها على الستارة؟

أجل إنها ليلى.. ولكنّ في صوت ليلى عمقاً ورهافة وقداسة، بحيث لا يتنزل إلى الترتيل وسط صيحات السكارى والصاخبين!

وليلى.. في الحياة، هي ليلى التي ترونها على الستارة.. تلك الإنسانة الرقيقة الحالمة.. المظلومة التي تنتصر دائماً في النهاية.. العاطفية إلى أسمى ما تكون العاطفة.. المرأة التي تحب فتسرف في الحب إلى حد الجنون... ذات القلب الطيب، الذي لا يعرف معنى للحقد أو الضغينة، أذكر مرة، قبل أن أعرفها معرفة حقة، أن سألني أحد الصحفيين عن رأيي فيها، فأبديت رأيا ظالما.. وقرأته.. فلما التقينا بعدئذ كان عتابها أحلى من الموسيقى وأرق من النغم !

ولهذا لا تجد لها أعداء في دنيا الفن، ولا في دنيا الناس، وحينما تعبر بها أزمة نفسية، يلتف حولها الأصدقاء والصديقات، بالعشرات والمئات.. وهى تحبهم جميعاً.. وتؤمن بهم جميعاً.. وعيبها أنها لا تميز بينهم.. ولا تعرف الغث من السمين، ولهذا أذكر دائماً، كلما رأيتها بين أصدقائها، بيتا قاله أمير الشعراء أحمد شوقي في رثاء المرحوم محمد تيمور، إذ كان تيمور يسرف في الإحسان لأصدقائه، وهم يسرفون في الإساءة إليه:

سعهم فأنت جمعتهم.. والشهد مائدة الذباب

أجل.. إن ليلى إناء شهى من الشهد المصفى ولكن حولها كثير من الذباب!

 

« الكواكب » - 8 يوليو 1952

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة