عبدالله ناصر
عبدالله ناصر


حوار| عبدالله ناصر العالق في يومه الخاص: الفن منأى للكريم عن الأذى

أخبار الأدب

الجمعة، 27 نوفمبر 2020 - 09:15 ص

حوار‭: ‬ياسر‭ ‬عبدالحافظ

بلا‭ ‬ضجة،‭ ‬وعبر‭ ‬مجموعتين‭ ‬قصصيتين‭ ‬فرض‭ ‬الكاتب‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬ناصر‭ ‬وجوده‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الثقافية‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬يتراجع‭ ‬فيه‭ ‬الفن‭ ‬الجاد‭ ‬خطوات‭ ‬لصالح‭ ‬الجماهيري،‭ ‬وفي‭ ‬وسط‭ ‬أدبي‭ ‬تتداعى‭ ‬أركانه‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬ضغوط‭ ‬سببتها‭ ‬ظروف‭ ‬اجتماعية‭ ‬واقتصادية‭ ‬وسياسية‭ ‬محلية‭ ‬وعالمية‭ ‬تتحول‭ ‬فيها‭ ‬القناعات‭ ‬والقيم‭ ‬الفنية‭ ‬إلى‭ ‬عوائق‭ ‬أمام‭ ‬توزيع‭ ‬النص‭ ‬وقراءته‭ ‬والبناء‭ ‬عليه‭.‬

يمكن‭ ‬ببساطة‭ ‬ضم‭ ‬ناصر‭ ‬إلى‭ ‬فئة‭ ‬قليلة‭ ‬تكتب‭ ‬ولا‭ ‬يشغلها‭ ‬إلا‭ ‬الفن،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬أعماله‭ ‬تميزت‭ ‬بقدرتها‭ ‬على‭ ‬تخطي‭ ‬مسلمات‭ ‬أساسية،‭ ‬وواحدة‭ ‬من‭ ‬تلك،‭ ‬الانتشار‭ ‬جماهيريا‭ ‬مع‭ ‬تمتعها‭ ‬بتلك‭ ‬السمة‭  ‬الفنية‭ ‬النخبوية،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬لافت‭ ‬لأنه‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬نعتمده‭ ‬حول‭ ‬المعايير‭ ‬الجماهيرية‭ ‬في‭ ‬القراءة‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬زائفا،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬فإنه‭ ‬ليس‭ ‬جامدا‭ ‬كما‭ ‬نتصور،‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬قارئا‭ ‬عربيا‭ ‬ينتظر‭ ‬الفن،‭ ‬لكنه‭ ‬فقط‭ ‬يشبه‭ ‬ما‭ ‬يقرأ،‭ ‬يشبه‭ ‬أعمال‭ ‬ناصر‭ ‬التي‭ ‬تحفر‭ ‬طريقها‭ ‬بهدوء‭ ‬نهر‭ ‬داخل‭ ‬عقل‭ ‬المتلقي‭.‬

هل‭ ‬فاتتني‭ ‬الإشارة‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬هذه‭ ‬المقدمة‭  ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬ناصر‭ ‬كاتب‭ ‬سعودي؟‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬تقتضيه‭ ‬قواعد‭ ‬العمل‭ ‬الصحفي،‭ ‬غير‭ ‬أني‭ ‬وددت‭ ‬لو‭ ‬أملك‭ ‬شجاعة‭ ‬المضي‭ ‬في‭ ‬إغفال‭ ‬المعلومة‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬ضرورة‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬مشروعه‭ ‬الأدبي‭ ‬الذي‭ ‬تتبدى‭ ‬ملامحه‭ ‬بقوة‭ ‬عبر‭ ‬مجموعتيه‭ ‬القصصيتين،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تخمين‭ ‬جنسيته‭ ‬عبر‭ ‬ما‭ ‬تقرأ،‭ ‬هو،‭ ‬كشخص،‭ ‬لن‭ ‬تلمحه‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬نصوصه،‭ ‬يتعثر‭ ‬قارؤه‭ ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬والساعات،‭ ‬في‭ ‬الأشياء‭ ‬النابضة‭ ‬بالحياة،‭ ‬وفي‭ ‬الناس‭ ‬المنضغطين‭ ‬بتأثيرات‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬بالواقع‭ ‬المادي‭ ‬المألوف‭ ‬وقضاياه‭ ‬المعتادة،‭ ‬ولا‭ ‬مبالاته‭ ‬ككاتب‭ ‬بذلك‭ ‬الواقع‭ ‬والانتماء‭ ‬إلى‭ ‬مشاعر‭ ‬وانفعالات‭ ‬إنسانية‭ ‬عامة‭ ‬تجعلنا‭ ‬نحذر‭ ‬قبل‭ ‬وصفه‭ ‬بالكاتب‭ ‬السعودي‭ ‬أو‭ ‬الخليجى،‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬أنها‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬المسلمات‭ ‬التي‭ ‬أشرت‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬يتجاوز‭ ‬قواعدها‭.‬

يخلص‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬ناصر‭ ‬للقصة‭ ‬القصيرة،‭ ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬حكما‭ ‬مبنيا‭ ‬على‭ ‬إصداره‭ ‬مجموعتين،‭ ‬بل‭ ‬لأنه‭ ‬ليس‭ ‬عصيا‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يقرأهما‭ ‬أن‭ ‬يلمح‭ ‬ولعه‭ ‬بهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الفن،‭ ‬وبما‭ ‬يستدعيه‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬التقتير‭: ‬هنا‭ ‬لكل‭ ‬جملة‭ ‬وظيفة‭ ‬تتكامل‭ ‬مع‭ ‬البقية‭ ‬لإنتاج‭ ‬نص‭ ‬لا‭ ‬تمنع‭ ‬سياسة‭ ‬التقشف،‭ ‬التي‭ ‬يتخذ‭ ‬منها‭ ‬الكاتب‭ ‬مبدأ‭ ‬عاما،‭ ‬غناه‭ ‬بالأفكار‭ ‬واعيا‭ ‬بأن‭ ‬كثرة‭ ‬الكلام‭ ‬قد‭ ‬تعني‭ ‬الخرس‭ ‬مثل‭ ‬بطل‭ ‬قصته‭ ‬‮«‬المعجم‮»‬‭ ‬في‭ ‬مجموعته‭ ‬‮«‬العالق‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬أحد‮»‬‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬‮«‬يترك‭ ‬باب‭ ‬فمه‭ ‬مفتوحا‭ ‬طوال‭ ‬الوقت،‭ ‬تدخل‭ ‬الكلمات‭ ‬ولا‭ ‬تخرج‭ ‬أبدا،‭ ‬حتى‭ ‬عندما‭ ‬يضطر‭ ‬إلى‭ ‬الكلام‭ ‬كان‭ ‬يستعين‭ ‬بيديه‭ ‬فقط‮»‬‭.‬

مساحات‭ ‬يسودها‭ ‬ولع‭ ‬بصمت‭ ‬يمضي‭ ‬فيه‭ ‬أبطاله‭ ‬راضين‭ ‬ومستسلمين‭ ‬بالكامل‭ ‬لناي‭ ‬صاحبهم‭ ‬يقودهم‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬عمليات‭ ‬تجريب‭ ‬لا‭ ‬تنحصر‭ ‬عند‭ ‬عناصر‭ ‬الفن‭ ‬وحسب‭ ‬بل‭ ‬تمتد‭ ‬إلى‭ ‬قوانين‭ ‬الوجود‭ ‬ذاتها‭ ‬لإنتاج‭ ‬كتابة‭ ‬عربية‭ ‬بمذاق‭ ‬خاص،‭ ‬ولا‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬تسعى‭ ‬لهدف‭ ‬ما‭ ‬سوى‭ ‬التحرر‭.‬

مع‭ ‬هذا،‭ ‬مع‭ ‬أنها‭ ‬تجربة‭ ‬مكتملة‭ ‬ويمكن‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بها‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬لدي‭ ‬أسئلة،‭ ‬دائما‭ ‬هناك‭ ‬أسئلة‭! ‬طمحت‭ ‬لأن‭ ‬أحصل‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬خيوط‭ ‬لكيفية‭ ‬تكون‭ ‬تلك‭ ‬النصوص‭ ‬داخل‭ ‬عقل‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬ناصر،‭ ‬كيف‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يحيا‭ ‬نائيا‭ ‬عن‭ ‬ضجيج‭ ‬العالم‭ ‬حوله‭ ‬منصتا‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬الموسيقى‭ ‬وأغاني‭ ‬عبد‭ ‬الوهاب‭ ‬ونوازع‭ ‬شخصيات‭ ‬تصحو‭ ‬في‭ ‬بيوت‭ ‬غير‭ ‬بيوتها‭ ‬وتحل‭ ‬في‭ ‬أجساد‭ ‬ليست‭ ‬لها‭ ‬بينما‭ ‬أزمنتها‭ ‬تطول‭ ‬وتقصر‭ ‬بإرادتها‭ ‬الخاصة.  ‬

لكن‭ ‬ناصر‭ ‬مخلص‭ ‬للغاية‭ ‬لكتابته،‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬يقول،‭ ‬يدعك‭ ‬تتحدث‭ ‬كثيرا‭ ‬ويشجعك‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬ثم‭ ‬ينطق‭ ‬بالقليل،‭ ‬وعلى‭ ‬هذا‭ ‬جاء‭ ‬حواري‭ ‬معه‭ ‬يشبهه‭ ‬ويشبه‭ ‬أعماله‭ ‬معبرا‭ ‬عن‭ ‬أفكاره‭ ‬حول‭ ‬الفن‭ ‬والقصة‭ ‬واللغة‭..  ‬

إن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬ثمة‭ ‬معلومات‭ ‬ما‭ ‬عن‭ ‬أى‭ ‬من‭ ‬المجموعتين‭ ‬القصصيتين‭ ‬ومؤلفهما‭ ‬فلن‭ ‬يتمكن‭ ‬القارئ‭ ‬من‭ ‬إحالة‭ ‬النص‭ ‬إلى‭ ‬ثقافة‭ ‬ما‭.. ‬هنالك‭ ‬رغبة‭ ‬فى‭ ‬العالمية،‭ ‬بمعنى‭ ‬الانتساب‭ ‬إلى‭ ‬هم‭ ‬إنسانى‭ ‬عام،‭ ‬لكن‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬الحال‭ ‬هكذا‭ ‬فماذا‭ ‬عن‭ ‬معيار‭: ‬العالمية‭ ‬خطوتها‭ ‬الأولى‭ ‬الإغراق‭ ‬فى‭ ‬المحلية؟

لقد‭ ‬طُرح‭ ‬علىّ‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬وبأكثر‭ ‬من‭ ‬صيغة‭ ‬حتى‭ ‬كدت‭ ‬أفعل‭ ‬ما‭ ‬يفعله‭ ‬ماركيز‭ ‬فأخترع‭ ‬إجابةً‭ ‬جديدة‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬مرة‭. ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لأن‭ ‬السؤال‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬الفن‭ ‬كما‭ ‬ينظر‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬قمة‭ ‬إيفرست‭ ‬فيرى‭ ‬ضرورة‭ ‬أن‭ ‬يغرز‭ ‬فيها‭ ‬علم‭ ‬الوطن،‭ ‬بل‭ ‬لأن‭ ‬الفنان‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬ابن‭ ‬للعالم‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬بودلير‭. ‬يجدر‭ ‬بالقارئ‭ ‬أن‭ ‬يفحص‭ ‬نصوصى‭ ‬لا‭ ‬جواز‭ ‬سفرى‭ ‬فذاك‭ ‬شأن‭ ‬موظف‭ ‬الجوازات‭ ‬فى‭ ‬المطار‭. ‬هل‭ ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬بوينس‭ ‬آيرس‭ ‬فى‭ ‬قصص‭ ‬بورخيس؟‭ ‬لقد‭ ‬ذهب‭ ‬أحدهم‭ ‬فى‭ ‬تحامله‭ ‬بعيداً‭ ‬وقال‭ ‬إن‭ ‬بورخيس‭ ‬قاص‭ ‬إنجليزى‭ ‬يكتب‭ ‬بالإسبانية‭! ‬وبهذا‭ ‬المنظور‭ ‬غير‭ ‬الواسع‭ ‬كيف‭ ‬نصف‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يتخصصون‭ ‬فقط‭ ‬فى‭ ‬كتابة‭ ‬قصص‭ ‬الفضاء‭ ‬أو‭ ‬الحيوانات؟

مع‭ ‬قبول‭ ‬الاعتراض،‭ ‬لكن‭ ‬ربما‭ ‬تتكرم‭ ‬بتفسير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النزوع‭ ‬للانتماء‭ ‬إلى‭ ‬ثقافة‭ ‬عالمية‭ ‬مشوب‭ ‬بالتواصل‭ ‬مع‭ ‬ثقافة‭ ‬بعينها‭ ‬عبر‭ ‬مؤلفين‭ ‬وأسماء‭ ‬أعمال‭ ‬أجنبية‭ ‬مع‭ ‬قطيعة‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬تامة‭ ‬مع‭ ‬مفردات‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭.. ‬هنا‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬الفنان‭ ‬ابنا‭ ‬للعالم‭! ‬ما‭ ‬تفسيرك‭ ‬فى‭ ‬إطار‭ ‬إجابتك‭ ‬السابقة،‭ ‬ما‭ ‬الضرورة‭ ‬الفنية؟‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬اعتباره‭ ‬كاشفًا‭ ‬عن‭ ‬الانتماء‭ ‬المعرفى‭ ‬للكاتب؟

بلا‭ ‬شك،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أنها‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬انتماء‭ ‬الكاتب‭ ‬وميوله،‭ ‬مع‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الضرورة‭ ‬الفنية‭ ‬أحياناً‭ ‬تقتضى‭ ‬ذلك‭ ‬فيحضر‭ ‬شاغال‭ ‬ومخلوقاته‭ ‬الطائرة‭ ‬فى‭ ‬‮«‬هاوية‭ ‬على‭ ‬الطراز‭ ‬العمرانى‭ ‬الحديث»لأسباب‭ ‬فنية‭ ‬بحتة‭- ‬وهل‭ ‬كان‭ ‬ليبقى‭ ‬أحدهم‭ ‬فى‭ ‬الهاوية‭ ‬لو‭ ‬استطاع‭ ‬الطيران‭-‬كما‭ ‬تحضر‭ ‬للأسباب‭ ‬الفنية‭ ‬نفسها،‭ ‬فى‭ ‬القصة‭ ‬ذاتها،‭ ‬زها‭ ‬حديد‭.‬

يرصد‭ ‬من‭ ‬يقرأ‭ ‬العملين‭ ‬‮«‬فن‭ ‬التخلي‮»‬‭ ‬‮«‬العالق‭ ‬فى‭ ‬يوم‭ ‬أحد‮»‬‭ ‬التجريد‭ ‬فى‭ ‬الأول‭ ‬ثم‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تطبيق‭ ‬هذا‭ ‬ودمجه‭ ‬مع‭ ‬الواقع‭ ‬فى‭ ‬الثاني،‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬باعتباره‭ ‬تغيرا‭ ‬فى‭ ‬زاوية‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬فن‭ ‬القصة؟‭ ‬ربما‭ ‬تحدثنا‭ ‬عن‭ ‬الإطار‭ ‬النظرى‭ ‬السابق‭ ‬على‭ ‬الكتابة،‭ ‬لديك؟

‭‬لبيكاسو‭ ‬دراسة‭ ‬فنية‭ ‬شهيرة‭ ‬عن‭ ‬الثور،‭ ‬يرسمه‭ ‬إحدى‭ ‬عشرة‭ ‬مرة‭ ‬فيبدأ‭ ‬من‭ ‬ثور‭ ‬بمقدوره‭ ‬أن‭ ‬يحرث‭ ‬الحقل‭ ‬وحده‭ ‬حتى‭ ‬تكاد‭ ‬ترى‭ ‬البخار‭ ‬يتصاعد‭ ‬من‭ ‬منخاره،‭ ‬ولو‭ ‬لمسته‭ ‬لربما‭ ‬علق‭ ‬بعض‭ ‬الوبر‭ ‬فى‭ ‬يديك،‭ ‬ثم‭ ‬يتدرج‭ ‬حتى‭ ‬ينتهى‭ ‬إلى‭ ‬تجريد‭ ‬الثور‭ ‬ورسمه‭ ‬ببضعة‭ ‬خطوط،‭ ‬سبعة‭ ‬أو‭ ‬ثمانية‭ ‬على‭ ‬أبعد‭ ‬تقدير‭. ‬أظن‭ ‬نصوص‭ ‬‮«‬فن‭ ‬التخلي‮»‬‭ ‬تشبه‭ ‬هذا‭ ‬الثور‭ ‬الأخير،‭ ‬نص‭ ‬من‭ ‬جملة‭ ‬واحدة‭ ‬أو‭ ‬عشر‭ ‬كحد‭ ‬أقصى‭.‬

على‭ ‬أنى‭ ‬لم‭ ‬أغير‭ ‬جلدى‭ ‬فى‭ ‬‮«‬العالق‭ ‬فى‭ ‬يوم‭ ‬أحد‮»‬،‭ ‬وإن‭ ‬طمحت‭ ‬لذلك،‭ ‬لكن‭ ‬الثور‭ ‬اكتسى‭ ‬بعض‭ ‬الحمرة‭ ‬والوبر،‭ ‬ولا‭ ‬أقول‭ ‬العافية،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬التجريد‭. ‬المجموعة‭ ‬الثانية‭ ‬لا‭ ‬تبتعد‭ ‬كثيراً‭ ‬عن‭ ‬الأولى‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬تمتد‭ ‬منها،‭ ‬أو‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬ما‭ ‬أتمنى،‭ ‬تنتمى‭ ‬المجموعتان‭ ‬إلى‭ ‬فصيلةٍ‭ ‬واحدة‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬نقل‭ ‬عائلة‭ ‬واحدة‭. ‬والحق‭ ‬أن‭ ‬نظرتى‭ ‬للقصة‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬لم‭ ‬تتغير‭ ‬تماماً،‭ ‬ما‭ ‬زلت‭ ‬أفضلها‭ ‬نحيلة،‭ ‬تقول‭ ‬الكثير‭ ‬فى‭ ‬القليل‭ ‬من‭ ‬الكلمات‭ ‬والإيماءات‭ ‬والصمت‭. ‬

نعم،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الولع‭ ‬بالتقشف‭ ‬كيف‭ ‬بالإمكان‭ ‬التحكم‭ ‬فى‭ ‬سطوته‭ ‬التى‭ ‬تهدد‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬أن‭ ‬تقود‭ ‬إلى‭ ‬فراغ،‭ ‬وصمت‭ ‬تام‭!‬

‭‬لطالما‭ ‬رأيت‭ ‬أن‭ ‬الكتابة‭ ‬عملية‭ ‬نحت‭ ‬فى‭ ‬المقام‭ ‬الأول،‭ ‬فما‭ ‬بالك‭ ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬قصة،‭ ‬وما‭ ‬بالك‭ ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬القصة‭ ‬قصيرة،‭ ‬بل‭ ‬قصيرةً‭ ‬جدا‭. ‬أحب‭ ‬أن‭ ‬أشبهها‭ ‬بمنحوتات‭ ‬جياكوميتى‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭ ‬وقد‭ ‬وقفت‭ ‬على‭ ‬تماثيله‭ ‬مطولاً‭ ‬وهالنى‭ ‬نحولها‭ ‬الشديد‭ ‬حتى‭ ‬تعرفت‭ ‬على‭ ‬فلسفته‭ ‬فى‭ ‬النحت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يبقى‭ ‬من‭ ‬المنحوتة‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬ضروري،‭ ‬ولربما‭ ‬راح‭ ‬ينحتها‭ ‬مراراً‭ ‬فلا‭ ‬يبقى‭ ‬منها‭ ‬شيء‭ ‬وهذا‭ ‬ينطبق‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬جداً‭. ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬جياكوميتى‭ ‬كان‭ ‬الأخ‭ ‬الذى‭ ‬يعمل‭ ‬مساعداً‭ ‬فى‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يحول‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬أن‭ ‬يأتى‭ ‬عليها‭ ‬تماماً‭. ‬على‭ ‬من‭ ‬يكتب‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬النصوص‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬جياكوميتى‭ ‬فيصل‭ ‬بالنص‭ ‬إلى‭ ‬أقرب‭ ‬نقطة‭ ‬إلى‭ ‬الفراغ‭ ‬وعليه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أخوه‭ ‬فى‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬فيتوقف‭ ‬عند‭ ‬تلك‭ ‬النقطة‭ ‬بالضبط‭.‬

‭‬واحدة‭ ‬من‭ ‬العناصر‭ ‬المميزة‭ ‬فى‭ ‬عملك‭ ‬إعادة‭ ‬تعريف‭ ‬المتناقضات،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬الأمل‭ ‬يصبح‭ ‬شريرًا‭ ‬مقابل‭ ‬اليأس‭. ‬والأمر‭ ‬هنا‭ ‬يدعو‭ ‬للتفكير‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬الواقع‭ ‬يلقى‭ ‬بظلاله‭ ‬على‭ ‬الفن‭ ‬رغمًا‭ ‬عن‭ ‬كاتبه‭ ‬الساعى‭ ‬دومًا‭ ‬للنأى‭ ‬عنه‭.. ‬جدل‭ ‬الواقع‭ ‬والفن‭ ‬كيف‭ ‬تراه؟

يظهر‭ ‬الأمل‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬مثل‭ ‬مسيح،‭ ‬ويظهر‭ ‬فى‭ ‬قصة‭ ‬ثانية‭ ‬مثل‭ ‬غول،‭ ‬وفى‭ ‬المرة‭ ‬الثالثة‭ ‬يكون‭ ‬هابيل‭ ‬وقابيل‭ ‬فى‭ ‬آن‭. ‬أردت‭ ‬فى‭ ‬المجموعة‭ ‬الأخيرة‭ ‬أن‭ ‬أكتب‭ ‬القصة‭ ‬نفسها‭ ‬مرتين‭ ‬وأحياناً‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات،‭ ‬بالألوان‭ ‬تارة،‭ ‬وبالأسود‭ ‬والأبيض‭ ‬تارة‭ ‬أخرى،‭ ‬من‭ ‬الأمام‭ ‬ومن‭ ‬الجانب،‭ ‬وبالعكس‭. ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬الفهرس‭ ‬فقط‭ ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬تخمن‭ ‬بعض‭ ‬الروابط‭ ‬بين‭ ‬‮«‬بابل‮»‬‭ ‬و»المعجم‮»‬،‭ ‬بين‭ ‬‮«‬حوادث‭ ‬الأيام‮»‬‭ ‬و‭ ‬‮«‬العالق‭ ‬فى‭ ‬يوم‭ ‬أحد‮»‬،‭ ‬بين‭ ‬‮«‬الذى‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬الدخول‮»‬‭ ‬و«اللذان‭ ‬لا‭ ‬يستطيعان‭ ‬الخروج‮»‬،‭ ‬بين‭ ‬‮«‬عبد‭ ‬الله‭ ‬ناصر‮»‬‭ ‬و«الآخر‮»‬‭ ‬وقصص‭ ‬أخرى‭ ‬بالطبع‭. ‬

وبالعودة‭ ‬إلى‭ ‬سؤال‭ ‬الفن‭ ‬والواقع‭ ‬رأى‭ ‬الشنفرى‭ ‬‮«‬فى‭ ‬الأرضِ‭ ‬منأى‭ ‬للكريم‭ ‬عن‭ ‬الأذى‮»‬‭ ‬أما‭ ‬اليوم‭ ‬وقد‭ ‬ضاقت‭ ‬الأرض‭ ‬بما‭ ‬رحبت‭ ‬ففى‭ ‬‮«‬الفن‮»‬‭ ‬منأى‭ ‬للكريم‭ ‬عن‭ ‬الأذى‭/ ‬الواقع،‭ ‬بيد‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكننى‭ ‬فصل‭ ‬الفن‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬تماماً‭ ‬فى‭ ‬حياتى‭ ‬وإن‭ ‬كانا‭ ‬يتسقان‭ ‬فى‭ ‬الغالب‭ ‬وهكذا‭ ‬أستعين‭ ‬بالأول‭ ‬لفهم‭ ‬الثاني،‭ ‬ويساعدنى‭ ‬الثانى‭ ‬فى‭ ‬كتابة‭ ‬الأول‭. ‬أتنقل‭ ‬أحياناً‭ ‬بينهما‭ ‬كما‭ ‬يتنقل‭ ‬صاحب‭ ‬البيت‭ ‬الصغير‭ ‬الذى‭ ‬يقع‭ ‬بين‭ ‬حدود‭ ‬هولندا‭ ‬وبلجيكا‭ ‬إذ‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يرتحل‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬هناك‭ ‬والعكس‭ ‬فى‭ ‬خطوة‭ ‬واحدة،‭ ‬ولربما‭ ‬جعل‭ ‬الأريكة‭ ‬فى‭ ‬منتصف‭ ‬البيت‭ ‬واستلقى‭ ‬فكان‭ ‬نصفه‭ ‬الأعلى‭ ‬يقيم‭ ‬فى‭ ‬هولندا‭ ‬ونصفه‭ ‬السفلى‭ ‬يرتحل‭ ‬فى‭ ‬بلجيكا‭.‬

‭‬تبدو‭  ‬بعض‭ ‬القصص‭ ‬أحيانًا‭ ‬وكأنما‭ ‬تبتعد‭ ‬عن‭ ‬نوعها‭ ‬لتغدو‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬تأملات‭ ‬أو‭  ‬إلى‭ ‬مطاردة‭ ‬لفكرة‭ ‬غائمة‭.. ‬كيف‭ ‬ترى‭ ‬حدود‭ ‬التجريب‭ ‬فى‭ ‬فن‭ ‬القصة‭ ‬والفن‭ ‬بشكل‭ ‬عام؟

أرى‭ ‬التجريب‭ ‬فى‭ ‬القصة‭ ‬والفن‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬ضرورة‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬منها‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬لمجرد‭ ‬التجريب‭. ‬التجريب‭ ‬بلا‭ ‬حدود،‭ ‬ذاك‭ ‬أننا‭ ‬متى‭ ‬وضعنا‭ ‬حدوداً‭ ‬فقد‭ ‬قيدنا‭ ‬النص،‭ ‬وقد‭ ‬قيل‭ ‬قديماً‭ ‬لن‭ ‬يذهب‭ ‬بعيداً‭ ‬من‭ ‬يعرف‭ ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬يذهب،‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬التجريب‭ ‬فى‭ ‬الأصل‭ ‬بذرة‭ ‬أى‭ ‬ثورة‭ ‬فنية‭. ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬نكتب‭ ‬اليوم‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أننا‭ ‬نعيش‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬لذلك‭ ‬تختفى‭ ‬القصة‭ ‬عندى‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يبقى‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬النَفَس‭. ‬أُدرك‭ ‬بالطبع‭ ‬حجم‭ ‬المغامرة‭ ‬فى‭ ‬القصة‭ ‬إذ‭ ‬يبدو‭ ‬لى‭ ‬القاص‭ ‬أشبه‭ ‬بحارس‭ ‬مرمى،‭ ‬هفوة‭ ‬واحدة‭ ‬تكلفه‭ ‬الخسارة‭ ‬وربما‭ ‬سُمعتُه‭ ‬الطيبة‭ ‬أيضا‭.  ‬

‭‬رغم‭ ‬أن‭ ‬قصصك‭ ‬تبدو‭ ‬موغلة‭ ‬فى‭ ‬التجريب‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬تم‭ ‬استقبالها‭ ‬بشكل‭ ‬جيد‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الجمهور‭ ‬والنخبة‭ ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬معتادًا‭ ‬فى‭ ‬عالمنا‭ ‬العربى‭ ‬المفتون‭ ‬بالأعمال‭ ‬الجماهيرية‭.. ‬أتظن‭ ‬أن‭ ‬ظاهرة‭ ‬الـ«بيست‭ ‬سيلر‮»‬‭ ‬تتغير‭ ‬لصالح‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬فني؟

حينما‭ ‬راجعت‭ ‬المسودة‭ ‬الأخيرة‭ ‬لكتابى‭ ‬الأول‭ ‬قال‭ ‬أحد‭ ‬الأصدقاء‭ ‬فيما‭ ‬يشبه‭ ‬المصارحة‭ -‬أو‭ ‬ربما‭ ‬المواساة‭ ‬المبكرة‭- ‬إن‭ ‬الدائرة‭ ‬التى‭ ‬سينتشر‭ ‬بها‭ ‬الكتاب‭ ‬صغيرة،‭ ‬حتى‭ ‬إنه‭ ‬رسمها‭ ‬بسبابته‭ ‬فبدت‭ ‬مثل‭ ‬عدسة‭ ‬النظارة،‭ ‬وهكذا‭ ‬ظن‭ ‬الناشر‭ ‬العزيز‭ ‬حين‭ ‬خمن‭ ‬أن‭ ‬مبيعات‭ ‬الكتاب‭ ‬لن‭ ‬تتجاوز‭ ‬فى‭ ‬أحسن‭ ‬الأحوال‭ ‬بضع‭ ‬مئات،‭ ‬والحق‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬توقعته‭ ‬أنا‭ ‬أيضاً‭ ‬لكن‭ ‬كان‭ ‬للكتاب‭ ‬رأى‭ ‬آخر،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬القارئ،‭ ‬إذ‭ ‬راح‭ ‬يولِّد‭ ‬الدوائر‭ ‬مثل‭ ‬حجر‭ ‬فى‭ ‬بحيرة‭ ‬حتى‭ ‬تجاوز‭ ‬الطبعة‭ ‬الخامسة‭. ‬لا‭ ‬أدعى‭ ‬أننى‭ ‬أنتمى‭ ‬إلى‭ ‬هؤلاء‭ ‬بل‭ ‬أؤمن‭ ‬بما‭ ‬يؤمن‭ ‬به‭ ‬السنباطى‭ ‬حين‭ ‬قال‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تخمين‭ ‬التلقى‭ ‬الجماهيرى‭ ‬فكم‭ ‬لحن‭ ‬اجتهد‭ ‬فيه‭ ‬ولم‭ ‬ينجح‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬نجحت‭ ‬ألحان‭ ‬أخرى‭ ‬لم‭ ‬يبذل‭ ‬فيها‭ ‬الكثير،‭ ‬وأعلم‭ ‬أن‭ ‬الحظ‭ ‬غالباً،‭ ‬ولا‭ ‬أقصد‭ ‬حظ‭ ‬اليانصيب‭ ‬الصرف،‭ ‬إنما‭ ‬ذلك‭ ‬الذى‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتوقيت‭ ‬والظروف‭ ‬الأخرى‭ ‬يلعب‭ ‬دوراً‭ ‬بارزاً‭ ‬فلربما‭ ‬نجح‭ ‬كتاب‭ ‬بعد‭ ‬عشرات‭ ‬السنين‭ ‬من‭ ‬صدوره‭ ‬مثل‭ ‬ستونر‭ ‬للأمريكى‭ ‬جون‭ ‬ويليامز‭ ‬ولربما‭ ‬نُسيت‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭ ‬بعض‭ ‬كتب‭ ‬‮«‬البيست‭ ‬سيلر‮»‬‭ ‬فى‭ ‬السنة‭ ‬التالية‭ ‬من‭ ‬صدورها‭. ‬لا‭ ‬أرى‭ ‬فى‭ ‬ظاهرة‭ ‬‮«‬الأكثر‭ ‬مبيعاً‮»‬‭ ‬شراً‭ ‬مطلقاً‭ ‬بل‭ ‬لعلى‭ ‬أدين‭ ‬لها‭ ‬أحياناً‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬‮«‬جنتلمان‭ ‬فى‭ ‬موسكو‮»‬‭ ‬لأمور‭ ‬تاولز‭.‬

تطمح‭ ‬أعمالك‭ ‬لتأسيس‭ ‬علاقة‭ ‬جديدة‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬إصرار‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬حتى‭ ‬ليبدو‭ ‬كأنه‭ ‬البطل‭ ‬الأساسي‭.. ‬لماذا‭ ‬الزمن‭ ‬العنصر‭ ‬الأهم‭ ‬لك‭ ‬فنيًا‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الحد؟‭ ‬

‭‬الزمن‭ ‬هاجسى‭ ‬القديم‭ ‬مذ‭ ‬كنت‭ ‬ولداً،‭ ‬بدت‭ ‬حينها‭ ‬الثلاثين‭ ‬بعيدة‭ ‬بل‭ ‬ومستحيلة‭ -‬كما‭ ‬تبدو‭ ‬المئة‭ ‬الآن‭- ‬حتى‭ ‬ظننت‭ ‬أن‭ ‬التقدم‭ ‬فى‭ ‬العمر‭ ‬وحده‭ ‬لا‭ ‬يكفى‭ ‬ليبلغها‭ ‬المرء‭. ‬ما‭ ‬إن‭ ‬دخلت‭ ‬الثلاثين‭ ‬حتى‭ ‬رأيت‭ ‬رأى‭ ‬العين‭ ‬طوفان‭ ‬الزمن‭. ‬بدا‭ ‬من‭ ‬العبث‭ ‬أن‭ ‬نضع‭ ‬هذه‭ ‬المصدات‭ (‬الساعات‭ ‬والتقاويم‭) ‬لتكسيره‭ ‬وتهدئته‭ ‬كما‭ ‬نضع‭ ‬المصدات‭ ‬قبالة‭ ‬السواحل‭. ‬وهكذا‭ ‬صرت‭ ‬مثل‭ ‬رسول‭ ‬بُعِث‭ ‬لينذر‭ ‬نفسه‭ -‬لا‭ ‬قومه‭- ‬وإن‭ ‬كُذِّب‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬كالعادة‭. ‬

‭‬وبما‭ ‬أنذرت‭ ‬نفسك؟‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬جوابها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تكذبك؟

‭  ‬أنذرتها‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬الحيوان‭ ‬الرخوى‭ ‬العملاق‮»‬‭ ‬كما‭ ‬وصف‭ ‬آينشتاين‭ ‬الزمن،‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬جوابى‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬جواب‭ ‬قوم‭ ‬إبراهيم‭ ‬‮«‬‭ ‬اقتلوه‭ ‬أو‭ ‬حرِّقوه‮»‬‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬أفعلها‭ ‬بالطبع،‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬اخترت‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬أن‭ ‬ألقى‭ ‬هذا‭ ‬الرسول‭ ‬فى‭ ‬غيابة‭ ‬الجب،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬زلت‭ ‬أسمع‭ ‬صوته‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬منبه‭ ‬للساعة‭. ‬يذكرنى‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬بقصة‭ ‬وددت‭ ‬كتابتها‭ ‬عن‭ ‬رجل‭ ‬يمكنه‭ ‬سماع‭ ‬حركة‭ ‬الوقت،‭ ‬يسمع‭ ‬الوقت‭ ‬حين‭ ‬يعدو‭ ‬بالوضوح‭ ‬نفسه‭ ‬الذى‭ ‬يسمعه‭ ‬حين‭ ‬يمشى‭ ‬على‭ ‬أطراف‭ ‬أصابعه‭. ‬تدوى‭ ‬فى‭ ‬أذنه‭ ‬تكتكات‭ ‬الساعة،‭ ‬كل‭ ‬ساعة‭ ‬يد‭ ‬أو‭ ‬حائط‭ ‬فى‭ ‬البلدة‭ ‬حتى‭ ‬ينتهى‭ ‬به‭ ‬الأمر‭ ‬فيصعد‭ ‬قمة‭ ‬جبل‭ ‬ليحذر‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬الزمن‭.‬

‭  ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القصة‭ ‬المعنونة‭ ‬عبدالله‭ ‬ناصر‭ ‬نعرف‭ ‬أنك‭ ‬لست‭ ‬عبدالله‭ ‬ناصر،‭ ‬تشبهه‭ ‬لكنك‭ ‬أذكى‭.. ‬فمن‭ ‬أنت؟

‭‬لا‭ ‬أدري،‭ ‬عندى‭ ‬حيرة‭ ‬أليس‭ ‬بدون‭ ‬بلاد‭ ‬العجائب‭. ‬‮«‬أعرف‭ ‬ما‭ ‬كنته‭ ‬هذا‭ ‬الصباح،‭ ‬لكن‭ ‬أظن‭ ‬أنى‭ ‬تحولت‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‮»‬‭ ‬وعندى‭ ‬استسلام‭ ‬صلاح‭ ‬جاهين‭ ‬بدون‭ ‬رباعياته‭ ‬‮«‬لو‭ ‬كنت‭ ‬عارف‭ ‬مين‭ ‬أنا‭ ‬كنت‭ ‬أقول‮»‬‭.‬

حضور‭ ‬المرأة‭- ‬الآخر،‭ ‬فى‭ ‬أعمالك‭ ‬يبدو‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنه‭ ‬انعكاس‭ ‬لتحديق‭ ‬مطول‭ ‬فى‭ ‬مرآة‭..  ‬هل‭ ‬يعنى‭ ‬غياب‭ ‬الذات‭ ‬أو‭ ‬تغييبها‭ ‬ضياع‭ ‬لصورة‭ ‬الآخر‭ ‬بالضرورة؟

‬حين‭ ‬نكتب‭ ‬الآخر‭ ‬نكتب‭ ‬بعضاً‭ ‬من‭ ‬أنفسنا،‭ ‬لأننا‭ ‬فى‭ ‬الحقيقة‭ ‬نكتبه‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬تجاربنا‭ ‬الشخصية‭ ‬حتى‭ ‬يتداخل‭ ‬الأنا‭ ‬والآخر‭ ‬فيغدو‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬التفريق‭ ‬بينهما‭. ‬لعل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬فلوبير‭ ‬يقول‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬إنه‭ ‬مدام‭ ‬بوفاري‭.‬

صرحت‭ ‬قبلًا‭ ‬أنك‭ ‬تكتب‭ ‬فى‭ ‬عمل‭ ‬روائى‭ ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬انتهيت‭ ‬فيه،‭ ‬وكيف‭ ‬يمكنك‭ ‬مع‭ ‬نزوعك‭ ‬إلى‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الفنى‭ ‬معالجة‭ ‬متطلبات‭ ‬الإسهاب‭ ‬فى‭ ‬الرواية؟

مشروع‭ ‬الرواية‭ ‬متوقف‭ ‬لأجل‭ ‬غير‭ ‬مسمى‭ ‬ذاك‭ ‬أنى‭ ‬أكتب‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬أخطط‭ ‬له،‭ ‬وأخطط‭ ‬لما‭ ‬لن‭ ‬أكتب‭. ‬كنت‭ ‬قد‭ ‬انتبهت‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬أننى‭ ‬بمثل‭ ‬هذا‭ ‬الوسواس‭ ‬من‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والتقشف‭ ‬لا‭ ‬يمكننى‭ ‬المضى‭ ‬بعيداً‭ ‬فى‭ ‬عمل‭ ‬طويل‭. ‬يرى‭ ‬يوسا‭ ‬أن‭ ‬الرواية‭ ‬لا‭ ‬تنفصل‭ ‬عن‭ ‬التجربة‭ ‬الحية‭ ‬ويعنى‭ ‬بذلك‭ ‬النقص‭ ‬البشرى‭ ‬وبالتالى‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للرواية‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬كاملة‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬شروطها‭ ‬الرئيسية‭ ‬النقص‭ ‬وهذا‭ ‬بالتحديد‭ ‬ما‭ ‬حدا‭ ‬ببورخيس‭ ‬أن‭ ‬يحتقرها‭ ‬ويضعها‭ ‬فى‭ ‬منزلة‭ ‬ضئيلة‭ ‬من‭ ‬الأدب‭. ‬لكننى‭ ‬وجدت‭ ‬بعض‭ ‬الأمل‭ ‬مؤخراً‭ ‬فى‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬اعترافات‭ ‬شرسة‮»‬‭ ‬لميا‭ ‬كوتو‭  ‬إذ‭ ‬بدا‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المستحيل‭ ‬أن‭ ‬تكتب‭ ‬عملاً‭ ‬طويلاً‭ ‬بالطريقة‭ ‬التى‭ ‬تُكتب‭ ‬فيها‭ ‬القصص‭ ‬القصيرة‭ ‬جداً‭.‬

‭ ‬‭ ‬لماذا‭ ‬تكتب؟

لأسباب‭ ‬كثيرة‭ ‬أعرف‭ ‬بعضها‭ ‬وأجهل‭ ‬الآخر،‭ ‬منها‭ ‬محاولة‭ ‬فهم‭ ‬نفسى‭ ‬والآخر،‭ ‬مراسلة‭ ‬أبى‭ ‬الميت،‭ ‬تثبيت‭ ‬بعض‭ ‬الذكريات‭ ‬بالمطرقة‭ ‬والمسامير‭ ‬وإن‭ ‬استدعى‭ ‬ذلك‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬أن‭ ‬أطرق‭ ‬إبهامي‭.‬

تشع‭ ‬أعراض‭ ‬الذهان‭ ‬بشكلها‭ ‬الفنى‭ ‬على‭ ‬شخوص‭ ‬شخصياتك‭.. ‬الحيرة‭ ‬الارتباك‭ ‬الهلوسة‭ ‬ما‭ ‬سر‭ ‬الولع‭ ‬بتلك‭ ‬التقنية؟

فى‭ ‬الحقيقة‭ ‬عندى‭ ‬من‭ ‬الشك‭ ‬ما‭ ‬يكفى‭ ‬لأعتقد‭ ‬بأن‭ ‬الكثير‭ ‬يعانى‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬الذهان،‭ ‬ويتفاوت‭ ‬الناس‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬بالطبع،‭ ‬وليس‭ ‬فى‭ ‬الأمر‭ ‬ما‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬القلق،‭ ‬بالعكس‭ ‬يبدو‭ ‬لى‭ ‬أنها‭ ‬ردة‭ ‬فعل‭ ‬طبيعية‭ ‬لعالم‭ ‬مختل‭ ‬‮«‬من‭ ‬لا‭ ‬يُجنُّ‭ ‬بهِ‭ ‬فليس‭ ‬بعاقلِ‮»‬‭. ‬

‭  ‬سعيت‭ ‬لتعلم‭ ‬الموسيقى‭ ‬وممارستها،‭ ‬ما‭ ‬الدافع،‭ ‬وما‭ ‬الذى‭ ‬تعلمته‭ ‬من‭ ‬التجربة؟

ما‭ ‬كنت‭ ‬لأتعلم‭ ‬العزف‭ ‬على‭ ‬آلة‭ ‬الأورغ‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬أشاهد‭ ‬فى‭ ‬إحدى‭ ‬الحفلات‭ ‬مجدى‭ ‬الحسينى‭ ‬يعزفها‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يفعل‭ ‬أحد‭. ‬كانت‭ ‬أصابعه‭ ‬تطير‭ ‬مثل‭ ‬الفراشات‭ ‬فى‭ ‬استعراض‭ ‬معجز،‭ ‬لكن‭ ‬مجدى‭ ‬يعزف‭ ‬للعين‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الأذن‭ ‬وهكذا‭ ‬ملت‭ ‬إلى‭ ‬هانى‭ ‬مهنا‭. ‬قلت‭ ‬فى‭ ‬نفسى‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬أعزف‭ ‬مثله‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬أن‭ ‬أبتسم‭ ‬مثله‭. ‬كان‭ ‬اقتناء‭ ‬الآلة‭ ‬يشبه‭ ‬اقتناء‭ ‬كلب‭ ‬أو‭ ‬قط،‭ ‬والحق‭ ‬أن‭ ‬الآلة‭ ‬الموسيقية‭ ‬فى‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬رعاية‭ ‬مثلهما‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭. ‬تعلمت‭ ‬من‭ ‬العزف‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يجعل‭ ‬أصابعى‭ ‬تشتبك‭ ‬مثل‭ ‬أسلاك‭ ‬الهاتف‭ ‬وما‭ ‬يجعل‭ ‬المستمع‭ ‬يستطيع‭ ‬تخمين‭ ‬الموسيقى‭ ‬وإن‭ ‬بصعوبة‭.‬

‭  ‬كيف‭ ‬ترى‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬النوعين‭ ‬من‭ ‬الفن؟‭ ‬وأيهما‭ ‬تفضل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭.. ‬الموسيقى‭ ‬أم‭ ‬الكاتب؟

يبدو‭ ‬لى‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬الموسيقى‭ ‬والكتابة‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬ذهب‭ ‬إليه‭ ‬أحد‭ ‬شخصيات‭ ‬أنطونيو‭ ‬مونيوز‭ ‬مولينا‭ ‬حين‭ ‬زعم‭ ‬أن‭ ‬الكاتب‭ ‬يراكم‭ ‬الماضى‭ ‬على‭ ‬أكتافه‭ ‬بينما‭ ‬يعيش‭ ‬العازف‭ ‬فى‭ ‬الفراغ،‭ ‬يكفى‭ ‬أن‭ ‬يتوقف‭ ‬عن‭ ‬العزف‭ ‬حتى‭ ‬يتبدد‭ ‬كل‭ ‬شيء‭. ‬غنى‭ ‬عن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬العزف‭ ‬بحد‭ ‬ذاته‭ ‬لا‭ ‬يجعل‭ ‬منك‭ ‬موسيقياً‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬تصنع‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬النسخ‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الكتابة‭ ‬منك‭ ‬كاتباً‭. ‬أفضّل‭ ‬الموسيقى‭ ‬بالطبع‭ ‬ولهذا‭ ‬تحديداً‭ ‬لا‭ ‬أجرؤ‭ ‬عليها‭ ‬كما‭ ‬أفعل‭ ‬مع‭ ‬الكتابة‭. ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬كاتباً‭ ‬لما‭ ‬كتبت‭ ‬أبداً‭.‬

وأنت‭ ‬تضع‭ ‬عبد‭ ‬الوهاب‭ ‬فى‭ ‬مكانة‭ ‬خاصة،‭ ‬ما‭ ‬سر‭ ‬هذا‭ ‬الولع،‭ ‬كيف‭ ‬بدأ،‭ ‬لماذا‭ ‬تراه‭ ‬الأفضل؟

هذه‭ ‬علاقة‭ ‬بعيدة‭ ‬ومتينة،‭ ‬بدأت‭ ‬مذ‭ ‬كنت‭ ‬طفلاً،‭ ‬بينما‭ ‬يغط‭ ‬البيت‭ ‬بأفراده‭ ‬وجدرانه‭ ‬فى‭ ‬القيلولة،‭ ‬كان‭ ‬فى‭ ‬التلفاز،كهلٌ‭ ‬فى‭ ‬التسعين‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬حياته‭ ‬ويغيّر‭ ‬حياتى‭ ‬ويصادف‭ ‬أنه‭ ‬عبدالوهاب. ‬

عرفت‭ ‬موسيقاه‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬قبل‭ ‬جوجل‭ ‬ويوتيوب‭ ‬وساوند‭ ‬كلاود،‭ ‬جمعتها‭ ‬من‭ ‬الإذاعات‭ ‬والاستديوهات‭ ‬والمسارح،ثم‭ ‬رحت‭ ‬أقرأ‭ ‬عنه‭ ‬ثم‭ ‬رحت‭ ‬أسمع‭ ‬ما‭ ‬تيسر‭ ‬من‭ ‬حواراته‭ ‬التلفزيونية‭ ‬والإذاعية‭ ‬ثم‭ ‬رحت‭ ‬أستمع‭ ‬إلى‭ ‬أصدقائه‭ ‬ومن‭ ‬يظهر‭ ‬من‭ ‬أبنائه‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬قرأت‭ ‬خبراً‭ ‬عن‭ ‬متحف‭ ‬أقيم‭ ‬لعبدالوهاب‭ ‬فى‭ ‬القاهرة‭ ‬ركبت‭ ‬الطائرة‭ ‬وما‭ ‬إن‭ ‬وصلت‭ ‬معهد‭ ‬الموسيقى‭ ‬حتى‭ ‬وجدت‭ ‬المتحف‭ ‬بداخله‭ ‬مغلقاً‭ ‬للصيانة‭ ‬وقد‭ ‬رقّ‭ ‬لى‭ ‬الموظف‭ ‬فاصطحبنى‭ ‬إلى‭ ‬باب‭ ‬المتحف‭ ‬فتجولت‭ ‬عيناى‭ ‬من‭ ‬ثقب‭ ‬الباب‭ ‬حتى‭ ‬تعبت‭ ‬ثم‭ ‬انطلقتُ‭ ‬إلى‭ ‬تماثيله‭ ‬الثلاثة‭ ‬فى‭ ‬الشعرانى‭ ‬وحديقة‭ ‬الأوبرا‭ ‬والمعهد‭ ‬وكانت‭ ‬تلك‭ ‬أهراماتي‭. ‬عبدالوهاب‭ ‬من‭ ‬الأعاجيب‭ ‬وقد‭ ‬صدق‭ ‬الشريعى‭ ‬عمار‭ ‬حين‭ ‬قال‭ ‬إنه‭ ‬كلما‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬موسيقية‭ ‬ليعمل‭ ‬فيها‭ ‬لاح‭ ‬وجه‭ ‬عبدالوهاب‭.‬

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة