أحمـــد جــلال
أحمـــد جــلال


قراءة فى صفحات جريدة عمرها 66 عاماً

19 نوفمبر.. القدر بين ميلاد زعيم ونهاية عصابة

أحمد جلال

الجمعة، 27 نوفمبر 2020 - 08:42 م

كعادتى كل فترة.. أطلب من الزملاء فى  قسم المعلومات الصحفية بمؤسستنا العريقة «أخبار اليوم» أعداداً قديمة من جريدتى «الأخبار» و«أخبار اليوم».. أتلمس بعض نسمات الماضى القريب.. سواء لمصرنا العظيمة.. أو مؤسستنا الغالية.. واختار بعض الأحداث التى مرت بها مصر خلال العقود الماضية متلمسا معرفة كيف عبرت مصر هذا الحدث؟.. وكيف عَـبَّرت عنه كل من جريدتنا اليومية «الأخبار».. أو الأسبوعية «أخبار اليوم».. وكلتا الصحيفتين تعد سجلاً وأرشيفاً صادقاً لتاريخ مصر الحديث على مدار ما يزيد على 7 عقود مليئة بالأحداث المهمة التى مرت بها مصر والمنطقة والعالم بأثره.

الصفحة الأولى لجريدة «الأخبار» يوم ١٩ نوفمبر ١٩٥٤

 

هذه المرة كانت مختلفة عن المرات العديدة التى استدعيت فيها أعداداً وأحداثاً من الماضى.. فقد كنت أتصفح عدد جريدة الأخبار الذى صدر الخميس قبل الماضى 19 نوفمبر متضمنا عدداً خاصاً بمناسبة يوم ميلاد الرئيس عبدالفتاح السيسى.. تنوعت موضوعاته ما بين السياسة والاقتصاد وغيرهما الكثير من المجالات فى رصد سريع لإنجازات سنوات قليلة من حكم السيسى.. ما كان لتلك الإنجازات أن تتم فى سنوات ولا حتى عقود من الزمن إلا بوجود رئيس يمتلك هذا القدر الكبير من الإيمان بالوطن والمواطن والقدرة اللامحدودة على العطاء والإخلاص لهما.

وقد احتوى العدد مقالا كتبته تحت عنوان «زعيم آمن بوطنه.. فنال ثقة الشعب».. مستعرضاً باختصار - فرضته مساحة المقال - إنجازات الرئيس بعدة ملفات يحتاج كل منها لمجلد يشرحه وليس صفحة جريدة تختصر أهم ملامحه.. وقد كتبت ضمن مقالى هذا عن العناية الإلهية التى كانت تعد الرئيس عبدالفتاح السيسى وتجهزه لمهمة لم يكن يعلمها وقتها إلا الله.. ألا وهى إنقاذ مصر من مصير كان محتوماً من الانقسام والسقوط للهاوية.. لولا شجاعة السيسى وجرأته وسرعة تدخله والقرارات التى اتخذها وهو على رأس مصنع الرجال والمدرسة العليا للوطنية.. قواتنا المسلحة الباسلة العظيمة.

توقفت كثيراً عند هذا الجانب فقط فى المقال.. ألا وهو القدر الذى ساق ابن مصر عبدالفتاح السيسى لطريق مرسوم ومكتوب ومحتوم.. بدءاً من ميلاده ونشأته بحى الجمالية فى قلب القاهرة التاريخية مرورا بالتحاقه بمصنع الرجال والمناصب القيادية التى تولاها داخلها انتهاء بتوليه مسئولية المخابرات الحربية قبل أن يصبح القائد العام وزير الدفاع.. وكأن القدر أراد أن يكون الإعداد على أعلى مستوى.. مكتمل الأركان والأسباب والمقدمات التي تقود للأهداف العظمى.. ووقفت أيضا أمام فترة تولى السيسى وزارة الدفاع فى  العام الأسود لتولي الإخوان مقاليد البلاد والذى ربما لم يشهد نقطة بيضاء إلا تعيين السيسى وزيراً للدفاع وقائداً عاماً للقوات المسلحة ليكشف فى التوقيت المناسب ما كان يخطط له المرشد وعشيرته لمصر وكيف كانوا أدوات لتنفيذ مخططات دولية كبرى لإعادة تشكيل المنطقة بأثرها وبما لا يصب مطلقا فى  مصلحة دولها وشعوبها.. إنما لقوى دولية وإقليمية لا تريد خيراً للمنطقة وشعوبها.

الحس الصحفى

وبدأ خاطر يلح علىَّ وبشدة محاولاً الربط بين ميلاد الرجل وبدايات طريقه.. وبين كشف مخططات الجماعة وأول طريق نهايتها.. استبعدت هذا الربط عدة مرات.. لكن تحت إلحاح هذا الحدس وزيادة هرمونات الحس الصحفى..وقبلهما إدراك العناية الإلهية التي تحيط بمصر على مر العصور والتجهيز المبكر لأحداث كبرى تنقذ أم الدنيا.. وجدتنى أطلب من زملائى بقسم المعلومات عدد جريدة «الأخبار» الصادر يوم 19 نوفمبر 1954.. نفس يوم ميلاد الرئيس عبدالفتاح السيسى دون أن أفصح لهم عن سبب هذا الطلب.. وحمدت الله أنهم لم يسألوا عن السبب.. ففكرة الربط مازالت صرحاً من خيال صحفى وتخيلات مواطن يعشق بلده.

لكن.. وبمجرد الإمساك بعدد الجريدة المطلوب وتصفح عناوين صفحتها الأولى.. كانت المفاجأة الصاعقة لى.. والتى تؤكد أن الرجل وبحق جاء بعناية إلهية وإعداد قدرى لإنقاذ مصر ولو بعد حين من براثن تنظيم بدأت تتكشف مخططاته وأسراره ولوغاريتماته.. وفى نفس يوم مولد السيسى كان ميلاد الحقائق الكبرى الكاشفة لأهداف الجماعة التى وصفت يومها أيضا بالإرهابية.. وبدء إزالة الستار الدينى الوهمى المضلل عن حقيقة وأهداف الجماعة.. وهنا لن أزيد فى الحديث.. بل أنقل لكم أهم عناوين الصفحة الأولى من جريدة الأخبار 19 نوفمبر 1954 وهى كالتالى:

- «أقوال الهضيبى أمام محكمة الشعب».
- «اعترافات الهضيبى  بأن يوسف طلعت اجتمع به فى مخبئه قبل الحادث».
- «مرشد الإخوان يلقى مسئولية الجهاز السرى على فرغلى وخميس».
- «الهضيبى يقول إنه طلب من يوسف طلعت تنظيم مظاهرات ضد الثورة».
- «القبض على سيد قطب».
- «أسرار التنظيم السرى للإخوان فى الإسكندرية».
- «تقسيم الإسكندرية 3 مناطق لكل منطقة 12 إرهابيا».
- «دروس فى القتل والاغتيال وإلقاء القنابل».

وتمتلئ الصفحة الأولى كذلك بعدة أخبار عن التنظيم الإرهابي منها مثلا «ضبط أسلحة وذخيرة عند أحد الإرهابيين بمنيا القمح - ومفرقعات وذخيرة بمخبأ أحد الإخوان بدمنهور - ضبط الإرهابي خليل سلامة - القبض على عبدالعزيز عطية عضو مكتب الإرشاد»

مراوغة وإنكار

 وإذا كان هذا استعراضاً سريعاً لما احتوته الصفحة الأولى من جريدة الأخبار يوم 19 نوفمبر.. فإن الصفحات الداخلية للجريدة امتلأت بتفاصيل عديدة للحدث الأهم بمصر وقتها.. محاكمة جماعة الإخوان الإرهابية على الحادث الغادر الجبان الذى وقع قبلها بأيام.. وتحديداً يوم 26 أكتوبر 1954.. حيث وقعت المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس جمال عبدالناصر فى الإسكندرية، والمعروفة حتى يومنا هذا بـ «حادث المنشية» والتى كانت جماعة الإخوان الإرهابية المتورطة بها تخطيطا وتحريضا وتنفيذاً.. وقد قام بهذه المحاولة الفاشلة مجموعة انتحارية تقدمهم المتهم الرئيسى بالقضية وهو محمود عبداللطيف، الذى أطلق رصاصات الغدر باتجاه الزعيم الراحل جمال عبدالناصر خلال إلقاء كلمته وسط حشد من الجماهير.. إلا أن العناية الإلهية أنقذت ناصر منها.. واشترك مع المتهم كل من هنداوى سيد أحمد الدوير ومحمد على النصيرى وخليفة عطوة وقد ضبط أعضاء الخلية وقدموا للمحاكمة العسكرية التى قضت بإعدامهم لكن تم تخفيف الحكم لـ 25 سنة بناء على قرار من الرئيس جمال عبدالناصر.
وللذين يشككون فى حادث المنشية رغم الاعترافات العلنية للمتهمين وقتها.. عليهم مشاهدة برنامج «المواجهة» الذى أذيع تحديدا يوم 26 أكتوبر الماضي على فضائية «إكسترا نيوز»، الذى تقدمه الإعلامية ريهام السهلى، والذى استضاف المتهم خليفة عطوة الذى مازال على قيد الحياة وكشف تفصيليا كيفية اشتراكه فى محاولة الاغتيال، وكيفية التخطيط ودور العناصر المشتركة فى العملية وكيف تم القبض عليهم.

المهم نعود لنوفمبر 1954 وبعد القبض على المتهمين.. بدأت جلسات المحاكمة للتنظيم فور القبض عليهم.. وكانت أهم الجلسات التى عقدت يوم 18 نوفمبر 1954 لسماع أقوال المرشد العام للإخوان وقتها حسن الهضيبى.. وهى التى تم نشر تفاصيلها فى عدد جريدة الأخبار الصادر فى  اليوم التالى 19 نوفمبر 1954 نفس يوم ميلاد الرئيس عبدالفتاح السيسى.. وكانت تغطية الأخبار للمحاكمة كما قلت تسجيلا للتاريخ لم تشهده أى صحيفة أخرى ومازالت تغطية تلك الجلسة مرتبطة باسم أحد أعلام الصحافة فى مصر وفى أخبار اليوم.. صحفى الحوادث الأشهر بمصر وليس بجريدة الأخبار فقط الراحل أحمد لطفى حسونة الذى سجل تفاصيل الجلسة النارية تلك التى كشفت النقاب عن نوايا وأهداف تنظيم الجماعة الإرهابية ومخططاتها للنيل من مصر ورئيسها وشعبها.. ويبدو أن مرور عقود من الزمن لم تكن كافية لتغيير تلك النوايا الشريرة للجماعة التى انبثقت من رحمها منذ ذلك التاريخ كل جماعات التكفير والإرهاب.

وصف أحمد لطفى حسونة الجلسة وإقبال الجمهور الشديد عليها.. أى أنها محاكمة علنية لا سر فيها أو تغيير لحقائق..ورصدت التغطية تفاصيل المحاكمة وما تم فيها بل ونشر تفاصيل استجواب مرشد الجماعة ومواجهاته بالشهود نصا.. ومن أهم ما شهدته محاولة تنصل مرشد عام الإخوان وقتها لاعتراف محمود عبداللطيف المتهم الرئيسى بقتل عبدالناصر بأنه عضو فى الإخوان وأنه تم تسليمه المسدس وتوجيهه لقتل الزعيم جمال عبدالناصر.. أنكر الهضيبى  معرفته بمحمود عبداللطيف..وعندما استنكر دفاع المتهم رد الهضيبى وواجهه بأن محمود عبداللطيف كان معيناً لحراسته.. عاد الهضيبى للإنكار والمراوغة قائلا:- «والله ما أدرى وفيه ناس كتير بيحرسونى ولا أعرف واحدا منهم»!!

لم تقف مراوغة مرشد الجماعة خلال الجلسة عند التنكر لمحمود عبداللطيف فقط..بل كان الأخطر من ذلك محاولته المراوغة أيضا فيما يخص الجهاز أو التنظيم السرى للجماعة الذى كان مفاجأة للجميع وقتها.. منكرا معرفته بهذا التنظيم.. فعندما سأله المحامى: «هل تعرف شيئاً عن الجهاز السرى للإخوان الذى انضم إليه محمود عبداللطيف؟».. أجاب الهضيبى فى اتجاه آخر تماما: «محمود عبداللطيف مين؟!! «وعندما استنكرت هيئة المحكمة إجابته عاد ليقول: «أنا لما عينت مرشدا عام 1950 تبين أن عندهم شيئاً اسمه النظام الخاص ثبت أنه ارتكب جرائم عامى 1947 و1948 وقالوا لى إن هذه الجرائم انحراف وخروج عن الغرض الأصلى الذى هو إعداد الفرد المسلم إعدادًا صالحًا للدفاع عن الإسلام».

وأضاف الهضيبى: «أن بعض الإخوان أو بتوع هذا النظام لا يثقون بى لأنهم ناس بتفتكر إنهم مجاهدون أكثر شوية».. فرد محمود عبداللطيف من داخل القفص موجها كلامه لهيئة المحكمة وهو يشير إلى الهضيبى:- «غرروا بى.. كنت ضحيتهم.. فهمونى إن الإسلام أباح دم جمال عبدالناصر».. ومن أهم ما تم بتلك الجلسة أيضا اعتراف الهضيبى أنه كان مختبئا قبل حادث إطلاق الرصاص على عبدالناصر.. وإنه اجتمع فى مخبئه مع يوسف طلعت «رئيس الجهاز السرى للإخوان وقتها».. وعندما سأله جمال سالم رئيس محكمة الشعب عن التنظيم السرى.. عاد الهضيبى لمراوغته من جديد قائلا:- إنه يجهل كل شىء عن التنظيم السرى وعن ميزانية الإخوان وأموالها وعن كل تنظيماتها الإدارية ويجهل وجود أسلحة لديهم.. وعندما سأله رئيس المحكمة كيف تكون رئيسا لجماعة تدعى أنك لا تدرى عنها شيئا.. وكيف تتحدث باسم جماعة تقول إنك تجهل كل شىء عنها.. أليس هذا نفاقا وتضليلا للشعب؟ سكت الهضيبى ثم قال إنه يعترف بأنه لا يصلح لمنصب المرشد وقد استقال عدة مرات.

بداية ونهاية

ما سبق جزء يسير من تفاصيل كثيرة احتواها عدد جريدة الأخبار الصادر يوم 19 نوفمبر 1954 برصد دقيق وشيق للجلسة التي ربما كانت بداية النهاية للجماعة الإرهابية.. وما بين البداية والنهاية خمسة عقود كانت أمام الجماعة فرص عديدة للتكفير عن خطاياها العديدة والمتكررة والمتشابهة بكل عصر.. لكنهم كما يبدو من المحاكمة كانوا يخططون على المدى البعيد.. حتى ولو بعد أكثر من نصف قرن.. تخطيط متعدد الخلايا العنقودية حتى إن المرشد فى بعض الأحيان يكون صورة فقط.. لا يدرى تداخلات ومخططات ومحتويات تلك الخلايا العنقودية ومصادر تمويلها وأساليب تسليحها.

اعتقد رجال الإخوان على مدار تلك العقود أنهم أذكى من الأجهزة الأمنية وأنهم تحايلوا لإخفاء مخططاتهم حتى يصلوا لغايتهم.. وتحول لديهم هذا الاعتقاد ليقين بعدما صعدوا فى خلسة من الزمن لسدة الحكم بعد أحداث يناير 2011 وسطوتهم عليها وعلى حكم مصر.. لكنهم نسوا أن هناك رباً يعلم حقيقة نواياهم.. ويصبغ نعمه على مصر لتظل محروسة بعنايته ورعايته.. وتدخلت العناية الإلهية منذ 19 نوفمبر 1954 بتجهيز المنقذ بدءاً من هذا اليوم الذي شهد الكشف عن نوايا الجماعة ومخططاتها.. وشهد أيضا ميلاد المنقذ لمصر والمنطقة من تلك المخططات.. فبين تلك الأجواء جاءت البداية والميلاد لتسير فى اتجاه مواز مع بداية طريق النهاية الطويل نوعاً ما لجماعة الغدر.. ليبدأ التقاطع شيئاً فشيئاً بينهما بعد أسابيع من تولي السيسى منصب وزير الدفاع.. وقد خبر تاريخهم ومخططاتهم.. البعض اعتقدوا أنه ربما انصلح حال تلك الشرذمة واخلصوا لمصر وشعبها رغم كل ما بذلوه للوصول إلى الحكم من كذب وادعاء وتخطيط جهنمى.. لكن الحقيقة المرة كانت عكس ذلك تماماً.. فوصولهم للحكم جعلهم يبدأون مبكرا تنفيذ كل مخططاتهم التي جهزوا لها لسنين وعقود.. معتقدين أنهم وصلوا لكرسى الحكم..ولن يفارقوه مطلقا.. وبعد هذا التقاطع المتدرج..وصلت الأمور للمواجهة خاصة بعد أن بانت نواياهم وكشف الشعب حيلهم وخططهم وكذبهم.. وثار المصريون بالملايين فى ميادين مصر المحروسة طالبين الخلاص الذى اعتقد البعض أنه بعيد المنال.. لكنه تحول لواقع وحقيقة على يد الرجل الوطنى الذى أعده القدر منذ مولده لتلك اللحظة الفارقة.. لحظة إنقاذ مصر أولا من ضياع كان محققا وأتون حرب أهلية كانت ستشتعل لا محالة لو استمر هؤلاء بحكمهم وغيهم.

مهام وحروب

ولأن إنقاذ مصر من السقوط لم يكن المهمة الوحيدة التى أعد القدر ابن مصر عبدالفتاح السيسى لها.. إنما مهمة ما بعد الإنقاذ.. من بناء وتنمية وتطوير وتطهير وتحديث.. وكان الرجل جاهزاً تماما لتلك المهمة أيضا مثلما كان جاهزا لما قبلها.. لم يتوان فى الاستجابة لنداء الشعب بالترشح لرئاسة مصر.. وهى مهمة إنقاذ أخرى.. فبعد الإنقاذ من الانقسام والحرب الأهلية.. كان الدور على إنقاذ مصر وشعبها من الفقر والمرض والعوز.. إنقاذها من الفساد الذى ظل يعشش فى  ربوعها لعقود.. إذن هى حرب على الفساد.. وحرب للبناء والتنمية.. تسيران جنباً إلى جنب.. وكل منهما بدأ تؤتى أكلها الطيبة ثمارا تنشر الخير والنماء فى  ربوع مصر.
ألم أقل لكم.. إنه القدر.. وهذا قراره وعنايته بمصر وشعبها.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة