رجائى عطية
رجائى عطية


مدارات

نعمة الخيال

رجائي عطية

الجمعة، 27 نوفمبر 2020 - 10:09 م

 

 من يراقب صفات وأحوال الإنسان وسائر الأحياء، يلاحظ أن أميز ما مُيَّزَ به الإنسان  ــــ إلى جوار العقل ــــ ملكة الخيال .. فإذا كان لبعض الخلائق قدرٌ ما من العقل، ولو ضئيلا، إلاَّ أن ملكة الخيال خاصية إنسانية صرف لم يمنحها الله عز وجل لغير الإنسان ...
  والإنسان لا يتخلى عن الخيال فى أية لحظة من حياته .. يقظا كان أو نائما .. ذلك أن الإنسان لا يستغنى قط عن الوعى، والوعى لا يستغنى عن الإدراك البشرى، والمركبة الأولى والأخيرة لهذا الإدراك ولما يصحبه من تفصيلات وأحكام واحتمالات ـ هى الخيال الذى يزودنا باستمرار بالصور والعلاقات التى لا حصر لها، والتى منها نسيج وعى حياة كل منا .. صغيرًا كان أو كبيرا .. جاهلاً أو عارفًا .. بدائيًا أو متحضرًا . ونحن لا نستطيع أن نرى تلك الصور والعلاقات والأحكام والاحتمالات ـ إلاَّ عن طريق ما يرسمه خيالنا لوعينا .
  ونحن فى حال اليقظة نرتب عادةً على ما نراه وندركه أن ما معنا واقع، مع جواز أن يتبين لنا فيما بعد أننا أخطأنا النظر، ووقعنا فى وهم أو خطأ .
 وعكس ذلك يكون اعتقادنا لما نراه فى النوم من الرؤى والأحلام .. فالغالب ألا نحفل به . ولكن قد نعتقد أحيانا أن رؤيةً ما فى النوم، تنطوى على إشارة رمزية سرية تحتاج إلى تفسير، وتشير إلى واقع سيحدث . بل وهناك من يعتقدون أن بعض ما يرونه فى النوم يتحقق برمته فى الواقع .
 والخيال يسعف الآدمى لكى يعى ويدرك ما يمكنه وعيه وإدراكه بنجاح ليمارس حياته ـ يسعفه بألفاظ اللغة والمصطلحات المتعارف عليها وبالأرقام والرموز المتداولة ليمسك بعلاقة أو علاقات مجدية ـ وعلى جانب من الصحة يستخدمها خيال الآدمى فى رسم الصورة التى تتوالى مرئية أو مسموعة على لوحة وعيه بلا انقطاع، وتستجيب لها أفعاله وردود فعله وفهمه للعالم الخارجى، فهمًا يحقق تعايشه معه وفيه بقدر معقول، وعلى ما وصلت إليه علومنا الوضعية وفنوننا وصناعاتنا .. وما إلى ذلك حتى الآن نسيجٌ بالغ الكثافة والسعة من تلك الألفاظ والمصطلحات والأرقام والرموز .. ييسر لخيالنا ووعينا الإمساك بتلك العلاقات المجدية التى تربطنا بالعالم الخارجى ونواميسه غير البشرية .
 والبشر عادة لا يلتفتون إلى الدور الرئيسى للخيال فى حياة كل منهم، وفى حياة جماعاتهم وجنسهم . ونحن لا نكاد نعرف أنه هو الذى يهيئ ويصور كل ما نشعر ونحس به .. وكل ما نعيه أو نفعله ـ وراءه حتمًا خيالنا بصوره فى وعينا .. وهذا الخيال هو الذى يعطى الشكل والملمس والطعم والرائحة واللون لكل ما نرغبه ونحبه أونرفضه وننفر منه .. وهوالذى يثير بما يصوره لنا ـ أنواع ودرجات الخوف والفزع والتشاؤم واليأس، وكذا أنواع ودرجات البهجة والارتياح والتفاؤل والأمل والأمان .
 ولوتوقف خيال الآدمى عن عمله لتوقف عمل وعيه، ولو فقد قدرته على التخيل كلية لفقد الآدمى حتما شعوره بذاته وحياته كلها وصار فى عداد الأموات وإن كان جسمه فيه حياة .. فهذه الحياة ـ فى هذه الحالة ـ حياة تائهة ليس لها عنوان وليس لها صاحب يشعر بها .. لأن ارتباط الخيال بالذاكرة ارتباط حتمى لا انفكاك له إلاَّ مع فقد الحياة الواعية .. إذ لا تسجل الذاكرة الحية ولا تستحضر إلاَّ ما زودتها به المخيلة التى تنتمى إلى ذات الآدمى وتصب ذكرياتها فى وعيه ابتداء وانتهاء من لحظة التسجيل .. صغيرًا كان الآدمى أوكبيرًا .. بدائيًا أو متطورًا . لأن كل ما تسجله الذاكرة تشارك فيه المخيلة .. سيان أن يكون شكلاً أو رسمًا أو لغة تُقال أو تكتب أو اصطلاحًا أو رقمًا أو علامةً أو رمزًا ـ وذلك بصورته القابلة للتصور والإدراك لدى عموم الآدميين.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة